لجباية أموال الفلسطينيين.. كيف استغل نظام السيسي كورونا على معبر رفح؟
ينتظر الفلسطينيون في قطاع غزة بفارغ الصبر تخفيف الإجراءات التي فرضتها السلطات لمنع تفشي فيروس كورونا المستجد، ليتمكنوا من السفر عبر منفذ رفح البري المشترك مع مصر.
لكن مصر التي تتحكم في حركة الداخلين إلى غزة والخارجين منها، تزيد عاما بعد آخر من تعقيدات السفر والإجراءات المفروضة على الفلسطينيين، وهو ما بدأت تلوح به في ظل أزمة كورونا.
وكما فرض كورونا واقعا جديدا على حياة الناس في جميع أنحاء العالم، خاصة فيما يتعلق بإجراءات السفر، فإن الفلسطينيين في غزة كان لهم نصيب قائم على استغلال حاجتهم من طرف السلطات المصرية.
الصحفي والمحلل الفلسطيني المقيم في القاهرة، "طارق الفرا"، كتب على صفحته حول إعادة فتح معبر رفح مطلع الشهر المقبل (يوليو/تموز) أمام حركة المسافرين الذين ينتظرون دورهم في السفر من غزة عبر مصر.
وتداول فلسطينيون تلك المعلومات على نطاق محلي داخل الصفحات والمجموعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في حين لم تعلق الجهات الرسمية الفلسطينية ولا المصرية على ما تم تداوله، إن كان بالنفي أو التأكيد.
وبسبب الإغلاق الإسرائيلي المتواصل لمعابر حركة الأفراد، وعدم وجود مطار وميناء للسفر، يضطر الفلسطينيون في غزة إلى السفر عبر مطار القاهرة في رحلة برية تستغرق 8 ساعات أو يزيد.
وبعد إغلاق السلطات في غزة، المعبر بسبب جائحة كورونا في شهر مارس/آذار 2020، تزايدت أعداد المحتاجين للسفر من الطلبة والمرضى والحالات الإنسانية، مما زاد المعاناة الموجودة أصلا في الأيام العادية.
استغلال الحاجة
استعدادا لمرحلة ما بعد تخفيف إجراءات التنقل، فإن آلية جديدة يجري دراستها حاليا لتنظيم سفر الغزيين، تقوم على المراجعة والتدقيق في أسباب سفرهم، وفق ما تداوله الفلسطينيون.
وإذا ما تم تطبيق الآلية، ستعمل لجنة خاصة على مراجعة طلب كل مسافر وأسباب سفره، ليتم المفاضلة بين الفئات المتقدمة، والموزعة على طلاب ومرضى وحالات إنسانية ورغبات أخرى.
وبحسب المعلومات ذاتها، فإنه سيتم نقل المواطنين عبر حافلات لشركات خاصة ترعاها شركات مصرية، إلى فنادق تمثل مركزا للحجر الصحي قبل وصولهم إلى مطار القاهرة.
المحجورون صحيا سيضطرون للانتظار داخل هذه الفنادق حتى صدور نتيجة الفحص، في حين أن فترة الحجر الصحي المتعارف عليها وفق منظمة الصحة العالمية، تفوق الأسبوعين.
وخلال فترة الفحص والانتظار سيتكبد الفلسطينيون دفعة جديدة من المصروفات مقابل أغراض النقل والحجر وفحص العينات، تفوق 7500 جنيه (500 دولار أميركي).
وبحسب المصادر، فإن الآلية وضعت تسعيرات جاءت على النحو التالي: نقل الأشخاص 500 - 700 جنيه (30 - 45 دولارا)، ونحو 1800 جنيه (110 دولارات) بدل فحص للعينة.
ويتمثل الحمل الأثقل في المبلغ المدفوع لأغراض الحجر الصحي، إذ إن المحجورين سيتكلفون بدفع 350 جنيه (22 دولارا) للشخص الواحد في كل ليلة حجر، وإذا استمر المبيت 14 يوما فذلك يعني دفع 5000 جنيه.
وبمجموع هذه الأرقام، إذا تم بالفعل تطبيق الخطة من جانب مصر، سيجد الفلسطيني نفسه أمام مبلغ يضاف إلى تكاليف السفر التي تتجاوز ألفي دولار، بدءا من مغادرة منزله في غزة وصولا إلى مطار القاهرة، بما يشمل تذاكر الطيران.
ضياع العمل
"محمد الشاعر"، فلسطيني من غزة ينتظر فتح المعبر على أحر من الجمر، كما قال لـ"الاستقلال"، إذ إنه قلق على فقدان فرصة عمله في تركيا، فهو يتابع أخبار المعبر ساعة بأخرى.
وأضاف: "علقت في غزة بعد أزمة كورونا، وكان يتوجب علي الرجوع إلى عملي، كما أن رب العمل لم يتفهم وضعي الإنساني، واشترط عودتي إلى تركيا في أسرع وقت ممكن، مع قطع راتبي طوال فترة التغيب".
ظل "الشاعر" متابعا للأخبار وينتظر أي إشارة بعودة العمل، لكن عندما قرأ تلك الأخبار "كانت الصدمة بالنسبة لي بوجود مبالغ مطلوبة من المسافرين، وهي إضافية فرضها واقع كورونا".
وقال: "هذه المبالغ كبيرة مقارنة بما كنا ندفعه سابقا من أجل السفر، هذا الأمر زاد من قلقي وتوتري بخصوص السفر حتى أنني أصبحت مترددا في هذه الفترة".
واستدرك "الشاعر": "لكن بسبب ارتباطي بالعمل فأنا مضطر للخروج في أقرب وقت ممكن، من أجل العودة إلى ممارسة عملي هناك. المبالغ التي يطلبها الجانب المصري كبيرة جدا".
وزاد القول: "أنا لا أستطيع دفع كل هذه التكاليف بجانب تذاكر الطيران وغيرها من الالتزامات الأخرى المرتبط بها في غزة وخارجها. بصراحة هذا ظلم ولا يتقبله عقل ولا منطق ولا إنسانية".
وذكّر الشاعر بأن الفلسطيني في غزة يعاني من حصار مفروض على القطاع منذ سنوات، منها أن موضوع السفر فيه معاناة كبيرة جدا يعيشها كل غزاوي.
نفس الأسلوب
في العام 2019، دشنت شركة مصرية خاصة خدمة جديدة "مدفوعة الثمن"، لسفر سكان قطاع غزة عبر معبر رفح، تتمثل في صالة لكبار الزوار (VIP) داخل الجانب المصري من المعبر.
تلك الصالة، قدمت خدماتها للمسافرين عبر معبر رفح البري، في كلا الاتجاهين، مع ضمان "السرعة والرفاهية والأمان عبر توفير مواصلات خاصة".
ثمن تكلفة الخدمة للشخص الواحد خلال سفره، تبلغ نحو 1200 دولار أميركي، ويتم احتساب تكلفة الأطفال فوق سن الثامنة وحتى 16 عاما، بنصف المبلغ (600 دولار)، فيما يتم إعفاء الأطفال دون سن الثامنة.
وعلى الرغم من أن الشركة المشرفة على الخدمة خاصة وتجارية، ولا تتبع لأي طرف حكومي في غزة أو في مصر، فإنها اتسمت باستغلال حاجة الفلسطينيين للسفر.
وتعمل سيارات وحافلات تابعة للشركة على نقل الفلسطينيين بشكل فردي، مع ضمان عدم مرورهم عبر حواجز الجيش المصري، وفي فترة زمنية أقل من تلك التي يحتاجها المسافرون في الوضع العادي.
وهناك فئة من المسافرين في غزة لا يجدون مشكلة في دفع هذه المبالغ لقاء خدمات السفرة، في حين يعجز كثيرون عن سدادها مما يعيق سفرهم.
المحامية والحقوقية الفلسطينية، آية المغربي، تقول لـ"الاستقلال": "في حال فرض رسوم على الفلسطينيين المسافرين عبر مصر، فإن ذلك سيزيد بالطبع من أعباء الفلسطينيين في ظل حالة الركود الاقتصادي الكبير، وأزمة الرواتب المتواصلة".
كما أن الأمر يأتي في ظل استمرار الحصار والتضييق الإسرائيلي، معتبرة أن ذلك يعد انتهاكا لحقوق المواطنين الفردية والجمعية، ومساسا بحقهم في التنقل بفرض رسوم تزيد من تكاليفهم، إضافة إلى أنه يأتي في إطار "التضييق الدولي المفروض على فلسطين لتمرير صفقة القرن (خطة واشنطن المزعومة للسلام)".