صحيفة تركية: لهذا يجب محاسبة المنتفعين باسم أتاتورك
سلطت صحيفة تركية الضوء على ما أسمته "الفكر الكمالي" أو "الكمالية" وهي الأيديولوجية التأسيسية للجمهورية التركية، التي تعرف على أنها إصلاحات سياسية واجتماعية وثقافية ودينية واسعة النطاق تهدف إلى فصل تركيا الجديدة عن الدولة العثمانية وتبني أسلوب المعيشة الغربي.
ومنذ سنين خلت ثمة من يرفع شعار "مصطفى كمال أتاتورك" ويقول إنه يسير على نهجه لكنهم، بحسب صحيفة ديرليش بوسطاسي "في غالبيتهم يسيرون خلف ذلك إما لأنهم يخفون عقلية فاسدة أو بغية المصلحة المالية الصرفة".
وأتاتورك هو مؤسس جمهورية تركيا الذي برز -على أنقاض الخلافة العثمانية- قائدا عسكريا وزعيما سياسيا، وتبنى علمانية غربية الطابع والقوانين والهوى، وحارب شعائر الدين ومنع الأذان باللغة العربية وألغى الحرف العربي، وكاد يقطع ماضي الترك عن حاضرهم.
ظل أتاتورك
وقال الكاتب في الصحيفة فرحات ايرسين: إن المشكلة الأساسية الآن في تركيا هي من أن البعض ما زال يعيش في ظل تيار أتاتورك، "وكما يحدث في كل دولة وثقافة ثمة من يسيء للقيم وخاصة الدينية".
وأضاف في مقال له: "الكماليون أو الملتصقون بهم أو المعتاشون من هذا الانتماء يظلمون مصطفى كمال أتاتورك بشكل كبير، فمن أكثر التهم الموجهة لهم أنهم يفتقدون للإخلاص والانتماء الحقيقي لأفكار زعيمهم وهم فقط يدافعون عنه بهدف المنفعة والاستفادة من الانضواء تحت فكره".
ولفت إلى أن "مصطفى كمال أتاتورك هو مجرد ستارة أو ظل يستظلون به وفي الحقيقة هم يتسترون بكل خطوة بهذا الغازي ويتحججون به إن صح التعبير ويعملون على إخفاء أفكارهم وأذهانهم التالفة بقناع أتاتورك مروجين أن هذا ما يريده الرجل وهذه هي أفكاره".
وتابع: "هؤلاء لا يتورعون عن كل ما هو لخدمة مصالحهم من فساد وتحايل مالي وحتى قتل، وحين يتم مواجهتهم بهذه الحقائق مباشرة يتحججون بشعار الكمالية. ولأنهم كذلك يتعرض أحدهم للمحاكمة أو للتحقيق والتدقيق وهم يتعرضون للظلم لرفعهم شعارات أتاتورك ورسالته".
وأردف الكاتب: "هذا وجدناه في انقلاب 28 فبراير/شباط (1997)؛ فقام أولئك بالسطو على البنوك والإفساد ونهب ملايين الدولارات واعتقال الناس وزجهم في السجون ثم يصرخ أنه كمالي ويتعرض للظلم والاضطهاد".
ولعل المثال الأبرز على ذلك في الوقت الراهن أن "هذا التيار لديه بالفعل مشاكل مع الأمة (في تركيا) سواء قيمها أو معتقداتها وهو يضطهد الناس فقط من أجل ذلك، وفي الحقيقة المشكلة هي مع الإسلام كمعتقد وقيمة ولكنه لا يستطيع التصريح بذلك فيحول الأمر لغير وجهة وغير سبب"، وفق الكاتب.
وبين الكاتب أننا "رأينا هذا في أكثر من شاكلة سواء في المساجد والأماكن المخصصة للعبادة أو الحجاب وحتى الصوم وغيرها، حيث منعوا الناس من الدراسة وطردوهم من وظائفهم وزجوهم في السجون قبل تعذيبهم".
وقت المحاسبة
ولكن حين جاء الوقت لمحاسبة، "كل من اقترف هذه الجرائم تذكروا أنهم يفعلون ذلك من أجل أتاتورك وتحدثوا عن تعرضهم للظلم لذات السبب أيضا، لكنهم لم يعودوا يمتلكون ذات القوة والنفوذ كما كان الأمر في السابق وليس لدينا أي شك في أنهم سيكررون جرائمهم متى حانت لهم فرصة"، وفق تقدير الكاتب.
الفريق الآخر هم الهاربون من الكمالية لكنهم يحملون اسمها، أي يعتاشون من خلالها، فهم يكتبون عن أتاتورك الكتب ويبيعونها ويحاولون ترويج بضاعتهم باسمه.
ففي الماضي كان أتاتورك هو الشماعة الذين عبروا للأطفال من خلالها في المدارس وينشرون جملا مطبوعة على ورق ويقومون بتوزيعها على الطلبة رغم أن ذلك ليس بذات القيمة الكبيرة لكنهم وفي كل الأحوال يكسبون الملايين وراء ذلك.
صنف آخر من هذا التيار يعتاش على أتاتورك من خلال ما يطلق عليه فنا؛ فهم ينظمون الأعمال الفنية كالمسرحيات والأفلام وغيرها ولكنهم في الحقيقة يكسبون الملايين ومن أجل ذلك تمسحوا بمصطفى كمال.
ومن ذلك من يتم انتخابهم كرئيس بلدية مثلا فيقوم بإغراق المدينة بتماثيل أتاتورك، وإن كان في الأصل مثلا أن يكون سعر التمثال الواحد 5 ليرات لا مانع أن يكون 10 وأيضا لا يكتفي بتمثال أو اثنين بل أضعاف ذلك بكثير، وفق الكاتب.
مؤخرا وجراء تفشي جائحة كورونا، عملوا على طباعة أقنعة طبيعية عليها صورة أتاتورك وإمضاؤه وهذا بالطبع لن يكون سعره ليرة واحدة كما هو الحال في القناع الطبي الطبيعي أبيض اللون.
كل هذا قد يبدو طبيعيا أو مبالغا فيه بعض الشيء ولكن ولأول مرة يصنعون ملابس داخلية نسائية حمراء اللون عليها صورة أتاتورك وتوقيعه، وفق الكاتب.
وسخر الكاتب من ذلك بالقول: "في الحقيقة فقط من أجل هذه الفكرة يستحق أولئك تقديرا وجائزة ريادة الأعمال للقرن وليس لسنة واحدة. هؤلاء المعتاشون من أتاتورك في الحقيقة ليسوا أكثر من أصحاب منفعة يمتلكون الأرصدة في البنوك والمنازل الفارهة والسيارات الفاخرة ومقرات العمل الفسيحة ذات التصميم العصري الفريد".
وخلص الكاتب إلى أن "من يرفع شعار الكمالية أو من يتحجج به لمنفعته الشخصية هم أكبر عائق في سبيل تقدم البلد ورفعته ويجب بالفعل التخلص من هذا التيار وذاك لأن الأمة بالفعل تتقدم ويجب أن لا يقف هؤلاء عائقا أمام تقدمها".