واشنطن بوست: لم يعد لدى حفتر فرصة واقعية للاستيلاء على ليبيا
سلطت صحيفة واشنطن بوست الأميركية الضوء على مصير معركة طرابلس، بعد سيطرة القوات الموالية لحكومة الوفاق الليبية، المعترف بها دوليا، على آخر معاقل قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في الغرب، مما تسبب في انتكاسة كبيرة لطموحاته في السيطرة على البلاد.
وذكرت الصحيفة في تقرير لمدير مكتبها بالقاهرة سودارسون راجيفان أن قوات الحكومة الليبية، المدعومة من تركيا، وصلت في 5 يونيو/حزيران إلى وسط ترهونة على بعد حوالي 40 ميلا جنوب شرق العاصمة طرابلس، بعد انسحاب قوات حفتر، وفقا للقادة العسكريين والمحللين الأمنيين.
وأظهرت مقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي شاحنات صغيرة محملة بمدافع رشاشة تتدحرج في جيوب عسكرية ومقاتلين يلوحون بعلامات النصر.
درس قاس
وقال محمد قنونو المتحدث العسكري باسم حكومة طرابلس في بيان: إن مقاتليها دخلوا المدينة من أربعة اتجاهات ولقنوا قوات حفتر درسا لن ينسوه. ولم يرد مكتب حفتر العسكري على طلب للتعليق.
وأشارت الصحيفة إلى أن السيطرة السريعة على مدينة ترهونة جاء بعد يوم واحد من انسحاب قوات الرجل البالغ من العمر 76 عاما من مواقعه الأخيرة في طرابلس، حيث شن حفتر، المتمركز في شرق ليبيا، هجوما على العاصمة قبل 15 شهرا في محاولة للإطاحة بالحكومة وتثبيت نفسه كحاكم لليبيا.
هزيمة حفتر في غرب ليبيا تظهر أن مستقبله يحيط به الكثير من الغموض، ولكن يبدو من غير المحتمل انتهاء المنافسة العنيفة على موارد النفط والغاز المربحة والأراضي والأيديولوجية والهيمنة الجغرافية، حيث لا يزال حفتر يسيطر على شرق ليبيا وجنوبها، وكذلك على العديد من حقول النفط.
وقال ولفرام لاشر، الخبير في الشأن الليبي بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية: "سقوط ترهونة يعني نهاية هجوم حفتر على طرابلس، بحيث لم يعد لديه الآن فرصة واقعية للاستيلاء على السلطة".
وأضاف لاشر: "سيكون لهذا الأمر تأثير كبير على تحالفه الذي استند إلى فكرة أنه سيكتسح السلطة، الآن وقد تم هزيمة قواته، سيعيد الكثيرون في تحالفه النظر في انحيازاتهم".
ويُذكر أنه منذ عام مضى، لم يكن الكثير من المحللين والمراقبين يتوقعون هذا التغير الدراماتيكي في الوتيرة العسكرية داخل الأراضي الليبية.
وحفتر هو مواطن أميركي ليبي مزدوج ومساعد سابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، عاش لسنوات في ولاية فرجينيا الشمالية، حصل على أسلحة ثقيلة ودعم عسكري آخر من الإمارات ومصر وقوى إقليمية أخرى في انتهاك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.
وطبقا للدبلوماسيين والمحللين، فإن روسيا طبعت المليارات بالدينار الليبي لتمويل حربه، ودفع رواتب مقاتليه ورشوة القبائل المحلية لدعمه، في الوقت الذي رفعت فيه فرنسا والقوى الأوروبية الأخرى مكانته دبلوماسيا وسياسيا داخل ليبيا وخارجها.
اكتسح الجيش الذي يقوده حفتر، بسرعة من الشرق، واستولى على الجنوب قبل أن يحاصر طرابلس في أوائل أبريل/نيسان 2019، وتعهد باجتياح العاصمة، لكن قواته سرعان ما تعثرت في طريق مسدود حيث صدت القوات الموالية لحكومة طرابلس هجماته مرات عدة.
في سبتمبر/أيلول 2019، ظهر المئات من المرتزقة الروس المرتبطين بالكرملين الروسي على خطوط الجبهة الأمامية في طرابلس، مما عزز قواته، ثم وقعت حكومة الوفاق الوطني، صفقات مع تركيا تتيح لها الوصول إلى حقول غاز البحر الأبيض المتوسط، مع تقديم مساعدات عسكرية شملت طائرات بدون طيار ومقاتلين سوريين وعربات مدرعة، وفق الصحيفة.
وبحلول مايو/أيار 2020، استولت القوات المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني المدعومة بطائرات بدون طيار وأنظمة دفاع تركية على مدينة تلو الأخرى من قوات حفتر، بما في ذلك الاستيلاء على قاعدة الوطية الجوية الإستراتيجية.
وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون): إن ذلك دفع روسيا إلى إرسال 14 طائرة مقاتلة إلى شرق ليبيا، في محاولة فيما يبدو لمساعدة حفتر وإرسال تحذير إلى تركيا.
التخلي عن حفتر
ولكن بعد ذلك انسحب المرتزقة الروس من الخطوط الأمامية وتوجههم إلى معاقل حفتر الشرقية، على ما يبدو في صفقة مع تركيا، أصبحت قوات اللواء المنقلب ضعيفة في طرابلس، واستغلت قوات حكومة الوفاق الوطني الأمر واندفعت في تقدمها باتجاه الشرق.
وتمثل ترهونة منطلقا وتمركزا حيويا لهجوم حفتر على طرابلس، وهي قاعدة حاسمة، حيث أعاد مقاتلوه إمداد أنفسهم هناك وحصل على دعم من القبائل المحلية القوية ومليشيا وحشية تعرف باسم "كانيات".
يوم 4 يونيو/حزيران، فرت الكانيات من المدينة، كما تخلى عن حفتر العديد من المتحالفين معه، مما يؤكد مدى اعتماد القائد على مؤيديه الأجانب.
قال جليل الحرشاوي، المحلل الليبي في معهد كلينجينديل في لاهاي: "ما فعله حفتر في الأشهر الأولى من عام 2019 سيكون من الصعب على شخص آخر القيام به مرة أخرى".
مع هزيمته، يمكن أن يواجه حفتر تحدي سلطته في الجنوب والشرق، خاصة وأنه نفى بعض القبائل والسياسيين الشرقيين بالفعل حينما أعلن سيطرته بشكل كامل على شرق ليبيا.
وأضاف الحرشاوي: "من غير المحتمل أن يستمر جيش حفتر، في الدفاع عن شرق ليبيا دون مساعدة عسكرية وسياسية من روسيا، في الوقت الذي تبدو فيه دول الخليج العربي ومصر غير قادرين على إيقاف تركيا في ليبيا".
إلا أن محللين قالوا: إن روسيا لم تدعم مطلقا مقامرة حفتر مقابل الكل أو لا شيء مع طرابلس. ففي الأسابيع الأخيرة، بدأت موسكو تبحث عن بديل للواء المتقاعد من خلال دعم المبادرة السياسية لعقيلة صالح، رئيس مجلس نواب طبرق شرقي ليبيا.
وقال لاشر لرويترز: "بالنسبة لروسيا، فإن الجنرال الليبي ضعيف يعتمد على الدعم العسكري الروسي، فيما يعد صالح شريكا أكثر جاذبية من حفتر، حيث يمكنه الاختيار بين العديد من الرعاة الأجانب".
ويتوقع الكثير من المحللين في الشأن الليبي دنو اللحظة الفارقة التي قد تتغير فيها الولاءات والتحالفات.
وغرد بيتر ميليت، السفير البريطاني السابق في ليبيا: "انتهت لعبة حفتر، الخطوات التالية من قبل الجهات الليبية الرئيسية ستكون حيوية، مع توقع خروج أصوات كثيرة تنادي بمزيد من القتال ورفض المصالحة، من المهم الجمع بين جميع الليبيين خلف خطة شاملة".
ولكن في التدافع للسيطرة على ليبيا، سيعتمد ذلك على الدولتين اللتين تسيطران، أكثر من أي وقت مضى، على مصير ليبيا.
وقال لاشر: "تركيا لديها الآن فرصة لترسيخ نفوذها في غرب ليبيا، وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت أنقرة وموسكو قد اتفقتا على مكان رسم خطوط ومجالات نفوذهما".