رغم أزماتها.. روسيا تحاول استغلال كورونا للعب دور قيادي عالمي
تأثرت الاقتصادات العالمية كثيرا بسبب تفشي جائحة كورونا وأبرزها روسيا، خاصة في ظل ظروف طبية ومالية تزيد من الآثار المترتبة على الفيروس.
وقال خبير الشؤون السياسية محمد جولار: إن "البنك الاستثماري الروسي "في تي بي كابيتال" أعلن عن خسارة سنوية قدرها 123 مليار دولار في عائدات النفط جراء الأسعار المستمرة في الانخفاض، والأثر السلبي للوباء على الأسواق المالية العالمية.
وثمة حقيقة أخرى وهي أن العديد من الشركات أفلست أو وصلت إلى حد الإفلاس بعد أن أغلقت الدول حدودها لمكافحة الوباء، مما وضع ضغوطا شديدة على إدارة الكرملين، بحسب ما يقول مركز سيتا التركي للأبحاث والدراسات.
ووفقا لتقرير وزارة التنمية الاقتصادية في روسيا، فإن عبء تدابير تفشي المرض على الخزانة هو 100 مليار روبل في اليوم. خلال شهر أبريل/نيسان 2020 وحده، تم حساب التكلفة على الاقتصاد الروسي لتكون 30 مليار دولار.
ويذكر أنه إذا استمر الوباء، فإن معدل البطالة، الذي يبلغ 1.2 مليون نسمة، سيصل إلى 5-6 مليون بحلول نهاية مايو/أيار.
الدولة القومية
جولار أضاف: أنه "بسبب الوباء، لا يتم توزيع الخدمات الصحية بالتساوي حسب المنطقة، كما نشبت خلافات بين الكرملين والحكومات الفيدرالية والمحلية، وتجمع الآلاف في الساحات واحتجوا على تدابير الحكومة لمكافحة الوباء والوضع الاقتصادي".
ولفت إلى أن رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف كان مستقلا عن الحكومة المركزية، بقرار الحجر الصحي للمدينة. هذه الخطوة تعرض على أثرها لانتقادات من رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين.
وأضاف: "بعد الشيشان، من الممكن فتح الفجوة بين الحكومة المركزية والهياكل الفيدرالية، خاصة في جميع مناطق شمال القوقاز، وفي الأماكن التي ينخفض فيها عدد السكان من ذوي العرقية الروسية الصرفة، وسط ارتفاع في نسبة المسلمين هناك".
في الواقع، بدأت الاحتجاجات ضد الحكومة في جمهورية أوسيتيا الشمالية، حيث يشكل الأوسيتيون 63 ٪ من سكانها، وتجمع الآلاف في الساحات بدعم من المعارضة التي تصف نفسها باليسارية.
نقطة أخرى مهمة يجب ذكرها في هذا الإطار هي الخلاف الأخير بين بلدية موسكو والكرملين؛ حيث أن البيانات المتناقضة الصادرة عن عدد الحالات تخلق حالة من عدم الثقة بين الناس، في حين تقوي يد المعارضة التي كانت تدعم في هذا الاتجاه منذ اليوم الأول.
ويقول المركز التركي: إن بروز مفهوم الدولة القومية في عملية ما بعد الوباء سيكون له تأثير سلبي على السياسة الروسية، لأن الاتحاد الروسي لديه بنية مجزأة ومتعددة الأعراق.
لذلك، بدلا من السياسات التي تعطي الأولوية لروسيا ككل في الفترة الجديدة، يكتسب مفهوم الدولة القومية أهمية، وفي هذا السياق، إذا ظهرت الهوية العرقية الروسية في الصدارة، فقد يزيد من تأجيج الصراعات بين الكرملين والحكومات الفيدرالية التي تخوض بالفعل الحرب ضد الوباء.
وبالمثل، فإن التعديل الدستوري الجديد كان له رد فعل شعبي منذ اليوم الأول. وفي هذا السياق، قد تزداد الاضطرابات بين الشعوب الأخرى ذات الأصل العرقي التي تعيش في ظل الاتحاد الروسي في المستقبل، وقد يعاني الاستقرار والاستدامة في السياسة المحلية".
سباق العولمة
جولار أكد أيضا أن فشل الولايات المتحدة في لعب دور قيادي عالمي، وعدم قدرة الناتو على لعب الدور الموحد المتوقع، وحقيقة أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لا تزال سلبية في مكافحة الوباء، أثر سلبا على مكانتها العالمية خاصة وأن 16 دولة أوروبية تركوا وحدهم ليواجهوا مصيرهم أمام الجائحة.
ولفت إلى أن روسيا ترغب في الحصول على أكبر حصة من الكعكة في النظام العالمي بعد الوباء أو عند تأجيج قضية العولمة الراهنة.
وتابع: "سيتضاعف تأثير روسيا كأمر ضروري لسياستها الخارجية الحالية بهدف تعميق نفوذها في أوروبا وخارجها من خلال موازنة مؤسساتها الغربية، كما تخطط موسكو لتولي زمام القيادة في سباق العولمة".
وفي الواقع، يمكن القول: إنها دخلت في سباق مماثل من حيث القدرة على المساعدة والكفاءة في مكافحة الوباء، وتهدف إلى توسيع نطاقه وعدم فقدان النطاق الحالي.
ويقول: "عندما ننظر إلى مناطق النفوذ العسكري في روسيا، تأتي سوريا أولا بأكثر من 45 نقطة عسكرية في المقابل تجاوزت تكلفة الحرب على الاقتصاد الروسي 5 مليارات دولار".
وحاليا بعد فترة الوباء، لن يكون بوسع روسيا ترك كل هذا النفوذ الذي تراكم لمدة سنوات نتيجة الضغط الاقتصادي وترك الساحة لغيرها من المنافسين الإقليميين.
خاصة وأن موسكو تستخدم الأطراف الفاعلة الأخرى كأداة مهمة، لموازنة نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة سواء تركيا أو غيرها من العناصر الفاعلة، وبالتالي ستواصل هذه السياسة سواء عبر هذه الآليات أو آليات جديدة وهي في البداية وحتى النهاية لن تتخلى عن النظام السوري مهما حدث".