"مرآة الغول".. كيف تحمي طفلك من التحرش الجنسي على تيك توك؟

12

طباعة

مشاركة

في عام 2019، دفعت إدارة "تيك توك" غرامة قدرها 5.7 مليون دولار للجنة التجارة الفيدرالية بسبب جمع معلومات شخصية عن أطفال دون سن 13 عاما، وهو انتهاك للقانون الفيدرالي لحماية خصوصية الأطفال عبر الإنترنت، ووضعت الشركة بعدها قيودا للمستخدمين الصغار.

لكن يبدو أنه تم خرق هذه القيود مجددا، فقد خرجت هيئات أميركية لمراقبة الخصوصية مرة أخرى  للتحذير من  التطبيق، واتهمته بانتهاك قانون خصوصية الأطفال وتعريضهم للخطر.

لا تكف التهم عن ملاحقة التطبيق المملوك لشركة صينية، الذي انفجرت شعبيته بين المراهقين والأطفال.

وبعد تهم اختراقه للأمن القومي في واشنطن، بسبب استخدام أبناء المسؤولين الأميركيين له، واجه "تيك توك" في أستراليا تهمة بتعريض مستخدميه من الأطفال للبيدوفيليا (اضطراب اشتهاء الأطفال جنسيا).

فهل يسعى التطبيق الصيني لمنافسة "فيسبوك" و"انستغرام" الأميركيين بأي ثمن؟ 

لا ضوابط

قدم ائتلاف من 20 هيئة، في 14 مايو/ أيار، شكوى إلى لجنة التجارة الفيدرالية، تفيد بأن التطبيق يجمع معلومات شخصية  لأطفال دون سن 13 عاما دون موافقة آبائهم.

هيئات مراقبة الخصوصية تقول: إنه من السهل على الأطفال استخدام التطبيق دون موافقة الوالدين، إذ يمكن للأطفال التسجيل بتاريخ ميلاد مزيف لاستخدام النسخة الكاملة من التطبيق، مما يعرضهم لخطر استخدام بياناتهم والاتصال غير المناسب مع البالغين" .

يستخدم "تيك توك"، بحسب بيان للهيئات، البيانات التي يجمعها من المستخدمين، مثل موقعهم ورسائلهم ومقاطع الفيديو التي يشاهدونها.

وطالبت الهيئات بالتحقيق وتغريم إدارة التطبيق، وقالت اللجنة: إنها تلقت الشكوى لكنها لم تعلق عليها بعد.

من جهتها أصدرت إدارة "تيك توك" بيانا قالت فيه: إنها "تأخذ الخصوصية على محمل الجد وتلتزم بأن يكون التطبيق مجتمعا آمنا وممتعا للمستخدمين". 

في تعليق له على هذه الاتهامات، علق المتخصص في الإعلام الجديد، هيثم سعد، قائلا: "يكفينا  أن نعلم أن التطبيق صيني لفهم طبيعته وأهدافه".

وأضاف لـ"الاستقلال": "غول السوشيال ميديا - كما يطلق عليه الخبراء - هو مرآة للغول الكبير (الصين)".

لم ينف الخبير أن إدارة التطبيق وضعت قوانين، قبل أن يستدرك: لكنها في الأصل متعلقة بقضايا بكين، إذ يمكن لإدارة "تيك توك" التغاضي عن المحتوى الجريء والإباحي، لكنها لا يمكن أن تتغاضى بأي حال عن فيديو ينتقد سياسة الصين مع الإيجور مثلا.

تهم البيدوفيليا

في 2019 واجه التطبيق اتهامات من آباء في أستراليا اكتشفوا أن أبناءهم في سن العاشرة والثانية عشرة، تلقوا رسائل وصورا من بيدوفيل،  وتعلق الأمر بشريحة واسعة لا بمجرد حالات فردية. 

راسل الآباء إدارة التطبيق لكن ردها كان التجاهل، ليطالبوا بعقوبات قانونية على شركات التكنولوجيا لمنع تعرض الأطفال للإيذاء عبر الإنترنت.     

وفي المملكة المتحدة قالت منظمة معنية بحقوق الطفل: إن خدمات البث المباشر على "تيك توك" وشعبيتها تعرض الأطفال الصغار للاعتداء الجنسي عبر الإنترنت، بحسب ما جاء في تقرير لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية.

وكان أصغر الأطفال الذين تواصلوا مع المؤسسة بغرض المساعدة بعد تعرضهم للاستغلال الجنسي عبر الإنترنت في سن العاشرة. لكن الآن، تقول الصحيفة: "يستخدم التطبيق أطفال في سن الثامنة".

وأفادت إحدى المدارس الابتدائية بأن آباء الأطفال من الصف الثالث إلى السادس أصيبوا بالهلع بسبب ما تعرض له أبناؤهم.

ويحتوي "تيك توك" على خيار الرسائل المباشرة، بالإضافة إلى البث المباشر والتعليقات للعموم، وإذا كان الحساب مفتوحا، فيمكن للغرباء التعليق على مقاطع الفيديو، وهو ما يسمح للمتحرشين بالأطفال بالتواصل معهم.

هيثم سعد المتخصص في الإعلام الجديد، قال: إن إدارة التطبيق الصينية تهتم لعدّاد المشتركين أكثر من أي شيء آخر، وترى أنه كل ما كانت أعمار المستخدمين أصغر كلما كان ذلك مكسبا لها على المدى البعيد، وهذا سبب استهدافها للمراهقين والأطفال.

توقع سعد أن تتوالى فضائح التطبيق خلال الفترة المقبلة، وشدد على أن فترة الحجر الصحي بسبب انتشار فيروس كورونا، كانت فترة ازدهار غير متوقعة بالنسبة للتطبيق.

ورغم إعلانها العكس، أكد خبير الإعلام الجديد أن التطبيق ليست له أي ضوابط  لتحقيق أهدافه. ولفت إلى دور الرقابة الأسرية، خصوصا للشريحة الأصغر سنا والتي تعتبر مستهدفة بشكل أكبر من طرف إدارة التطبيق.

خطر محدق 

في استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "يو جوف" البريطانية، ظهر أن نصف الأطفال الذين يبلغون من العمر 12 عاما وأكثر من واحد من كل أربعة أطفال يبلغون من العمر 10 سنوات في المملكة المتحدة، لديهم محتوى مباشر يتم بثه عبر الإنترنت باستخدام تطبيقات مخصصة للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 13 عاما.

وقال ربع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و16 عاما إنهم ندموا فيما بعد على ما نشروه.

المؤسسة لفتت إلى أن تعرض الأطفال للاستغلال الجنسي ليس حكرا على غير المتعلمين أو الذين لا يحظون برعاية، بل إن أي طفل يمكن أن يصبح ضحية للاستغلال أو الاعتداء الجنسي  حتى الأطفال في أسر محتوية ومستقرة.

وإهمال الآباء لإعدادات الأمان قبل استخدام أطفالهم للتطبيق يمكن أن يعرضهم للخطر. فمن الضروري أن يتعرف الآباء على التكنولوجيا التي يستخدمها أطفالهم والتأكد من أن لديهم إعدادات أمان مناسبة.

عليهم أيضا، بحسب المتخصصين، التحدث إلى أطفالهم حول الجنس والعلاقات والمخاطر المحتملة عبر الإنترنت حتى يشعر الأطفال بالقدرة على الثقة في آبائهم في حال حدث شيء سيئ.

وهو ما أكدته الباحثة في أصول التربية وثقافة الطفل، أمل زكريا، معتبرة أن الحل لا يكمن في لجوء الآباء لمنع أبنائهم تماما من استخدام التطبيق، خصوصا وأن امتلاك كل طفل ومراهق لهاتف ذكي أصبح ضرورة وأمرا واقعا، وعليه يجب التعامل مع الوضع.

أغلب مقاطع "تيك توك" يتم تصويرها بعيدا عن أعين الآباء والمدرسين، ومع تكرار حركات الرقص وتحريك الشفاه في المقاطع، يبدأ الأطفال بتكرارها في يومياتهم لا إراديا، تضيف زكريا لـ "الاستقلال".

واعتبرت أن سهولة استخدام التطبيق والتواصل عليه، وإمكانيات الفيديو غير المتاحة على تطبيقات أخرى، يجعله جذابا بالنسبة لهذه الفئة العمرية ومنتشرا بشكل كبير جدا بينها.

خدمات جنسية

أغلب المحتوى على التطبيق هو تمثيل ورقص وغناء، أو مقاطع هزلية من خلال تحريك الشفاه بخلفية صوتية معينة، يعطي للمراهقين هامشا من الحرية لا يتمكنون من ممارسته في الحياة العادية.

الأزمة بحسب المتخصصة ليس فيما ذكر، بل في فيديوهات الرقص واستعراض الجسد بالنسبة للفتيات، الذي يتحول في أحيان كثيرة إلى خلاعة، وكون هذا المحتوى متاح لكل من يفتح البرنامج من جميع الفئات العمرية. 

يتيح التطبيق لمستخدميه الدخول على غرف دردشة يجتمع فيها شباب وكبار أيضا من أعمار وجنسيات مختلفة، ينخرطون في أحاديث جماعية عن أمور عامة، ثم تصبح الدردشة ثنائية.



الباحثة قالت: إن هذا النوع من الخدمات كانت تقدمه تطبيقات خاصة قبل خروج الهواتف الذكية حتى، وهي غالبا ما تكون محادثات ذات طابع جنسي.

يمنح التطبيق للمشتركين أرباحا مادية عن عدد المتابعات والدردشات في حال حققت رقما معينا، وقد يكون العائد شهريا، وهو ما يجعله جاذبا أكثر للمراهقين، الذين لا يرون ضررا فيما يفعلون وأن الأمر لا يخرج من نطاق التسلية، بحسب أمل زكريا.

ما تحدثت عنه الأخصائية كان سببا في إلقاء القبض على الشابة حنين حسام البالغة من السن 18 سنة، المحجوزة على ذمة التحقيق منذ 23 أبريل/نيسان 2020 بعد أن وجهت لها تهمة ارتكاب جريمة الاتجار بالبشر ، وأثارت قضيتها جدلا واسعا في مصر.

نشرت الشابة فيديو تخاطب فيه الفتيات فقط وتطلب منهن الدخول على حساب أنشأته على تطبيق "لايكي" وأن يرتدين لباسا أنيقا ويكن لبقات في الحديث "دون أي قلة أدب"، واعدة أن الأمر سيكسبهن "آلاف الدولارات". 

الحل بيد الآباء

غير ما يشكله التطبيق من خطر على منظومة الأخلاق والتربية، تفيد الأخصائية أن المقاطع التي يتداولها الأطفال والمراهقون لها خطورة على السلوك العام، وتحديدا "التحديات" التي ينفذونها من قبيل دفع شخص يمشي وإيقاعه على ظهره أو رمي كيس مليء بالماء من النافذة على المارة في الشارع. 

في هذا النوع من التحديات التي يأخذها المستخدمون على سبيل اللهو، خطر على حياتهم وحياة من حولهم. وترى أمل زكريا أن دور الآباء هو وضع ضوابط، قبل أن يتحول الأمر إلى إدمان خصوصا لدى المراهقين.

وتوضح أن الأطفال يختلطون بأقرانهم في المدرسة وأماكن أخرى ومن الطبيعي أن يرغبوا في أن يكونوا مثلهم، مشددة على أن اتباع أسلوب المنع التام سيأتي بأثر عكسي وقد يضر بنفسية الطفل ويجعله يشعر بالنقص بين أصدقائه.

وتقدم الباحثة الحل على شكل المراقبة والمواكبة، وتحث الآباء على مشاركة أطفالهم فيما يحبون وتشجيعهم على تسجيل مقاطع لما يميلون إليه سواء من رقص أو غناء أو تمثيل، مع جعل إمكانية إطلاع المستخدمين للمحتوى مقتصرة على العائلة والأصدقاء. 

وتقول أمل: إن الأمر ليس صعبا وإنه على الآباء الاطلاع عن طريق موقع يوتيوب على إعدادات التطبيق. 

تنصح الأخصائية أيضا بتحفيز هذه المهارات عند الطفل أو المراهق في الحقيقة وليس في العالم الافتراضي فقط، عبر تسجيله في دورات لممارسة هوايته، مشددة على أن الأمر مهم جدا لسلوكه ومستوى ذكائه أيضا.

ولفتت إلى أن أنجح وسيلة هي الحوار وإقناع الطفل بالخطأ خصوصا عندما يصبح مراهقا ليس المنع لأجل المنع فقط.

وأشارت المتحدثة إلى أن أنواع الذكاء عديدة، منها الموسيقي والرياضي والأدبي والحسابي، وليست هناك قوالب للطفل أو المراهق المثالي، ومن واجب الآباء معرفة نوع ذكاء أبنائهم وتشجيعهم عليه حتى يبدعوا فيما يمارسون.