إيلي كوهين.. جاسوس إسرائيلي نشأ بمصر واخترق دوائر الحكم في سوريا
يصادف 18 مايو/آيار من كل عام، ذكرى إعدام الجاسوس الإسرائيلي الأشهر منذ تأسيس دولة إسرائيل، إيلي كوهين، الذي أعدم في ساحة المرجة بدمشق عام 1965.
بهويته المزيفة، وتحت اسم "كامل أمين ثابت"، استطاع كوهين أن يخترق دوائر الحكم في سوريا حتى وصل إلى أعلى سلطة فيها وهي اختراق دائرة الرئيس السوري أمين الحافظ، الذي كان رئيسا منذ يوليو/تموز 1963 وحتى فبراير/شباط 1966.
ولد كوهين في الإسكندرية بمصر عام 1924، لأبويين سوريين يهوديين، وعاش فيها حتى غادر مصر بخروج نهائي عقب حرب السويس عام 1957.
جاسوسية مبكرة
تمكنت المخابرات الإسرائيلية من استقطاب كوهين في العشرينيات من عمره، وجندته للعمل لصالحها كجاسوس في مصر، مستغلة تدينه وارتباطه الوثيق بالديانة اليهودية، وهو الأمر الذي تسبب باعتقاله أكثر من مرة، قبل أن يغادر مصر عام 1957.
عقب خروجه من مصر توجه إلى حيفا، مرورا بمدينة نابولي الإيطالية، وهناك بدأ مرحلة جديدة من الجاسوسية مع الموساد الإسرائيلي، بعد أن أثبت جدارة في عمله، وتم ترشيحه من قبل الموساد للعمل خارج إسرائيل، ووقع الاختيار على سوريا حينها، التي كان يحمل جنسيتها.
أتقن كوهين لوازم ومتطلبات المهنة الجديدة، فأتقن اللهجة السورية، التي لم يكن يجيدها قبل ذلك، وتدرب على الكتابة بالحبر السري، والتواصل عن طريق اللاسلكي، وقرأ عن المشهد السوري، وتعرف على أسماء السياسيين السوريين، وأهم رموز السياسة والاقتصاد في سوريا.
وفر له بعد ذلك الموساد جواز سفر سوري، وأطلق عليه اسم "كامل أمين ثابت"، واختلق له قصة بكونه مواطنا مسلما من سوريا، هاجر مع عائلته إلى الإسكندرية، ومنها هاجر إلى الأرجنتين.
عابر للحدود
في عام 1960، هاجر كامل أمين ثابت، إلى الأرجنتين، وفي بوينس آيرس، ادعى أنه يشتغل في التجارة والتصدير، وسرعان ما أصبح لديه شركة ملاحة، وخلال سنتين كان قد اكتسب سمعة مميزة لدى الجالية السورية في الأرجنتين، بصفته رجلا ناجحا.
ذلك التطور والثراء المتسارع، مكنه من الوصول إلى الدوائر الدبلوماسية للجاليات العربية، والسورية على وجه الخصوص، حتى تعرف على الملحق العسكري السوري في الأرجنتين أمين حافظ، وتوثقت علاقته بالملحق الذي أصبح فيما بعد رئيسا لسوريا.
لم يمض عامان على إقامته في الأرجنتين حتى عاد إلى سوريا، منهيا نشاطه التجاري في بوينس آيرس، ومبررا عودته برغبته للعمل من أجل الوطن، وسكن في حي أبو رمانة، مجاورا لقيادة الجيش السوري.
بفضل علاقاته السابقة وسمعته التجارية التي سبقته إلى دمشق، تمكن من الوصول إلى أعلى دوائر الحكم في سوريا واختراقها، مستفيدا من الثقة الكبيرة التي حصل عليها من قبل سياسيين وضباط سوريين.
في تلك الفترة كان قد أصبح أحد أبرز المدعوين للاحتفالات والمناسبات الخاصة برجال الدولة، فظهر في بعض الصور إلى جانب عدد من السياسيين والضباط، وهو الخطأ الذي سيدفع روحه ثمنا له فيما بعد.
بداية النهاية
كان ظهوره في صور جماعية إلى جانب ضباط مخابرات ورجال في الحكومة السورية، قد مثل بداية النهاية بالنسبة لمسيرة استمرت نحو عقدين من الزمان، كان هو بطلها.
تمكنت المخابرات المصرية من التعرف عليه، أثناء استعراض صور لضباط وساسة سوريين، وهناك أبلغت المخابرات المصرية نظيرتها في سوريا عن هوية الرجل الحقيقية، وأرسلت ملفه لدمشق، الذي تضمن تاريخه كجاسوس في مصر لصالح إسرائيل.
على الفور قامت المخابرات السورية بتعقبه، لتقبض عليه متلبسا في نهاية الأمر، وتجيب على كثير من التساؤلات التي خلقها الرجل في الوسط السياسي والتجاري، عن حقيقة هويته وعن تطور عمله وثرائه المتسارع.
وكانت هيئة البث الإسرائيلية "قناة كان" قد أفادت بأن جهاز "الموساد" قال: "إن من بين الأسباب التي أدت لاعتقال كوهين وكشف أسراره لدى السوريين، هو إهمال كوهين نفسه، وعدم حذره وأخذ كامل الاحتياطات، ما أدى إلى الكشف عنه".
في 18 مايو/آيار 1965، نفذت فيه السلطات السورية حكم الإعدام، بعد فشل إسرائيل في تأجيل تنفيذ الحكم، لتنهي قصة هي الأكثر إثارة في قصص الجاسوسية بالوطن العربي.
وفي حين تم اعتباره خائنا كبيرا في سوريا، تم اعتباره في إسرائيل وطنيا عظيما، وأنتجت الولايات المتحدة فيلما عنه بعنوان "جاسوس المستحيل" عام 1987، ويعتقد أن إسرائيل وقفت خلف إنتاج هذا الفيلم، حيث تم تصويره هناك.
كما قامت شبكة نتفلكس بإنتاج وعرض مسلسل لها بعنوان الجاسوس The Spy، وتعرض فيه كيف تمكن كوهين من خداع السلطات السورية واختراق أعلى دوائر السلطة في البلاد، خلال فترة قصيرة.
مواليد الإسكندرية
ولد إيلي شاؤول كوهين، في 26 سبتمبر/أيلول في الحي اليهودي بمدينة الإسكندرية، لأبوين يهوديين، قدما من حلب إلى مصر.
كانت أمه صوفي كوهين متدينة وكذلك كان أبوه شاؤول كوهين، الذي كان يمتلك متجرا لبيع ربطات العنق، ودفعا بابنهما إيلي إلى الدراسة في مدارس يهودية دينية، وربياه تربية تلمودية، مع 7 أخوة آخرين.
أتقن كوهين الفرنسية والعبرية إلى جانب لغته العربية، فضلا عن إتقانه اللهجة السورية، التي كانت من لوازم المهنة.
درس الابتدائية في مدارس دينية يهودية، كمدارس الميمونيين في القاهرة، ودرس الهندسة الإلكترونية في جامعة القاهرة، وخلال سنوات الجامعة التي لم يكمل تعليمه فيها، بدأ عمله لصالح المخابرات الإسرائيلية في مصر، بعد أن انضم إلى الحركة الصهيونية، مطلع العشرينيات من عمره.
بعد وصوله إلى إسرائيل عمل في ترجمة الصحف العربية إلى العبرية، وهناك انتقل من العمل لصالح جهاز الأمن الداخلي (المخابرات) إلى العمل لصالح الموساد، واختير لمهمة الجاسوسية في الخارج.
ما زالت إسرائيل تطالب برفاته حتى اليوم، غير أن الجانب السوري لم يعد يعرف أين تم دفن الرجل، وفي مايو/آيار 2018 حصل الموساد على ساعته اليدوية وتم تسليمها في مراسم خاصة لزوجته.
تعتبره إسرائيل رمزا وطنيا وبطلا عظيما مخلصا لها وللكيان الصهيوني، بينما تعتبره السلطات السورية خائنا لوطنه سوريا لصالح دولة أجنبية، وفي نفس الوقت تقلل من قدرته الفعلية في اختراق دوائر الحكم في المؤسسات السورية، رغم تقارير تفيد بأنه قد منح إسرائيل معلومات ثرية للغاية خلال فترة عمله في سوريا.