مسودة الدستور الجزائري الجديد.. لماذا أثارت حفيظة المعارضة والحراك؟

12

طباعة

مشاركة

انطلق الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في تنفيذ أحد وعوده الانتخابية وأهمها سياسيا متمثلة في مسودة دستور جديد، بعد 5 أشهر من توليه منصبه. وأعلنت الرئاسة الشروع في توزيع مسودة تعديل دستوري أعدها فريق خبراء بتكليف من الرئيس تبون على الطبقة السياسية للنقاش والإثراء.

أهم ما يتضمنه مشروع تعديل الدستور إمكانية أن يعين الرئيس نائبا له، وعودة منصب رئيس الحكومة بدلا عن منصب الوزير الأول الذي تخلى عنه الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة عام 2008، غير أن رئيس الحكومة لن يكون منبثقا من الأغلبية التي تفرزها الانتخابات، بل يعينه ويقيله رئيس الجمهورية.

كما خولت التعديلات الجديدة للجيش المشاركة في عمليات خارج الحدود، ضمن خطط حفظ أمن المنطقة.

وقوبل هذا المسعى الجديد من السلطة نحو "الإصلاح" حسب رأي مؤيديها، بتحفظ شديد من قبل أحزاب المعارضة، كما أن عددا من ناشطي الحراك اعتبروا أن التعديلات لا تستجيب لمطالبهم وطموح الجزائريين في بناء نظام ديمقراطي حقيقي في بلادهم.

خطوة للأمام

احتوت التعديلات الدستورية ضمن المسودة الجديدة 6 محاور في "الحقوق الأساسية والحريات العامة"، "تعزيز الفصل بين السلطات وتوازنها"، "السلطة القضائية"، و"المحكمة الدستورية"، "الشفافية، الوقاية من الفساد ومكافحته"،  "السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات"، بالإضافة إلى مقترحات أخرى.

أكد مشروع الدستور الجديد على وجوب إلزام السلطات والهيئات العمومية باحترام الأحكام الدستورية ذات الصلة بالحقوق الأساسية والحريات العامة، كما نص على عدم تقييد الحقوق الأساسية والحريات العامة إلا بموجب قانون ولأسباب مرتبطة بحفظ النظام العام، أو حماية حقوق وحريات أخرى يكرسها الدستور. 

وخلافا لما كان عليه في الدساتير السابقة، أقر الدستور الجديد مبدأ التصريح لممارسة حرية الاجتماع والتظاهر وإنشاء الجمعيات ومبدأ عدم حلها إلا بحكم قضائي.

كما تم من خلال هذه المسودة، دسترة حرية الصحافة بكل أشكالها ومنع الرقابة القبلية عليها، وإقرار حق المواطن في الوصول إلى المعلومات والوثائق والإحصائيات واكتسابها وتداولها.

كما لا يمكن للقانون أن يتضمن أحكاما تعيق بطبيعتها حرية إنشاء الأحزاب السياسية وامتناع الإدارة عن كل ممارسة تحول بطبيعتها دون ممارسة هذا الحق.

ونصت المسودة على عدم ممارسة أكثر من عهدتين رئاسيتين متتاليتين أو منفصلتين، وتحديد العهدة البرلمانية بعهدتين فقط، مع إمكانية تعيين رئيس الجمهورية نائبا له.

كما عادت الوثيقة إلى تعزيز مركز رئيس الحكومة وتوسيع صلاحياته بدلا من اعتماد منصب الوزير الأول كمنسق شكلي للفريق الوزاري، ناهيك عن إلغاء حق الرئيس في التشريع بأوامر خلال العطل البرلمانية.

وفي محور السلطة القضائية، أبعدت المسودة وزير العدل والنائب العام لدى المحكمة العليا من تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، مع رفع عدد القضاة المنتخبين داخله.

ولأول مرة يتم إقرار محكمة دستورية بدلا من المجلس الدستوري، ومنحها حق الرقابة على القرارات المتخذة أثناء الحالة الاستثنائية، وتكريس اختصاصها بالنظر في مختلف الخلافات التي قد تحدث بين السلطات الدستورية بعد إخطار الجهات المختصة.

وفي أبواب أخرى، نقف على دسترة سلطة عليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، وإدراجها ضمن الهيئات الرقابية، وكذلك دسترة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.

ورغم دسترة الحراك الشعبي ليوم 22 فبراير/شباط 2019 ضمن ديباجة الدستور، إلا أنه لم ينجح في إقناع عدة أطراف من داخل الحراك وأحزاب المعارضة التي ظلت رافضة له. 

انتقادات واسعة

من ناحية توقيت طرح المشروع للنقاش، أثار انتقادات واسعة، في ظل الظروف السياسية والاجتماعية التي صدرت فيها الوثيقة وفتح نقاشا فعالا في الموضوع، حيث تشهد الجزائر جوا مشحونا وسط اعتقالات وأحكام صدرت ضد نشطاء الحراك.

لم تنجح مسودة الدستور الجديد المطروحة للنقاش في الجزائر في إزالة بعض التخوفات، رغم المؤشرات الإيجابية والفصول التقدمية في مجال الحريات السياسية والمدنية، والتي تسعى للقطع مع ماضي الجزائريين قبل الحراك الشعبي.

جبهة العدالة والتنمية اعتبرت "مسودة مشروع تعديل الدستور المعروضة للنقاش تنم عن تثبيت الحكم الفردي وتثبيت الانفراد والأحادية وتحصينه من كل مسؤولية سياسية أو جنائية".

كما يرى الحزب أن الوثيقة "تحمل كذلك في ثناياها إرادة لتمييع الحياة السياسية والإبقاء على مسببات شيوع الفساد وتكسير الحياة الحزبية".

كذلك رأت حركة مجتمع السلم، أكبر أحزاب المعارضة البرلمانية في الجزائر في تقييم أولي لمسودة مشروع تعديل الدستور نشرته في بيان أن "ما توصلت إليه اللجنة بعيد عن الطموحات المرجوة، لاسيما ما عبّرت عنه أطياف الشعب الجزائري من خلال الحراك الشعبي ومطالب التغيير المجمع عليها".

بينما اعتبرت حركة البناء الوطني أن المسودة "كان متوقعا منها أن تكرس مطالب الحراك وشعاراته، وتعمل قطيعة حقيقية مع كل ممارسات الماضي البالية".

فيما أعلن تكتل قوى البديل الديمقراطي، الذي يضم أحزابا تقدمية أبرزها جبهة القوى الاشتراكية وحزب العمال، وصف التعديلات الدستورية بأنها "ضد إرادة غالبية الجزائريين، وانفرادية تكرس ثقافة الاستبداد وتستبعد الشعب عن اختيار مستقبله".

نظام هجين

من أهم ما ورد في المسودة من تعديلات اقتراح استحداث منصب نائب للرئيس، توسيع صلاحيات رئيس الحكومة والبرلمان، والسماح بمشاركة الجيش في عمليات خارج الحدود، وتعويض المجلس الدستوري الذي يفصل في نتائج الانتخابات بمحكمة دستورية.

وبشأن شكل النظام السياسي ورد في ديباجة المسودة رأي للجنة الخبراء جاء فيه أنها "استبعدت فرضية النظام البرلماني".

وحسب المسودة، "اتفق الأعضاء على اعتماد نظام شبه رئاسي يبقي على الشكل الحالي للحكم لضمان وحدة السلطة التنفيذية وتجانسها وتحرير رئيس الجمهورية من أعباء التسيير الحكومي مع المحافظة خاصة على شرعيته التي يستمدها من الانتخاب".

ما يجمع عليه الطيف السياسي الجزائري الرافض لمسودة الدستور والتي وصفها  بـ "الشعبوية"، حيث اكتفت برفع شعارات ولم تنجح في تغيير شكل النظام السياسي في الجزائر. 

فالدستور الجديد وإن غيّر تسمية الوزير الأول برئيس الحكومة، إلا أن رئاسة الحكومة الفعلية بقيت في يد رئيس الجمهورية الذي يعيّنه، ولم يحدد شكل النظام السياسي، إذ أبقته هجينا لا يمثل أي شكل من أشكال الأنظمة المعروفة في العالم.

في بيانها الصادر في 9 مايو/آيار 2020، قالت حركة مجتمع السلم: إن مسودة التعديل الدستوري التي طرحتها الرئاسة للنقاش لم تفصل كما كان منتظرا في طبيعة النظام السياسي للبلاد، وقدمت "نظاما هجينا".

ووفق البيان، "لم تفصل الوثيقة المقترحة مجددا في طبيعة النظام السياسي، إذ أبقته هجينا، لا يمثل أي شكل من أشكال الأنظمة المعروفة في العالم (الرئاسية أو البرلمانية أو شبه رئاسية)".

وتابع البيان: "الوثيقة لا تُلزم تسمية رئيس الحكومة من الأغلبية وهو أمر يناقض كلية معنى الديمقراطية التمثيلية ويلغي جزءا أساسيا وجوهريا من الإرادة الشعبية المعبر عنها في الانتخابات التشريعية".

كما تحدث البيان عن وجود "حالة غموض متعلقة بمنصب نائب الرئيس من حيث دوره وصلاحياته وطريقة تعيينه".

الديمقراطية التمثيلية

ولم يحقق الدستور الجديد أي إضافة لصالح السلطة التشريعية والنواب المنتخبين، حيث تحرم الأغلبية النيابية والحزب الفائز في الانتخابات من حقه في التسيير والمشاركة في السلطة التنفيذية، حيث لا يلزم الدستور تسمية رئيس الحكومة منها، وهو ما يراه متابعون يناقض معنى الديمقراطية التمثيلية ويلغي جزءا أساسيا وجوهريا من الإرادة الشعبية المعبر عنها في الانتخابات التشريعية.

وأثار منح الدستور الجديد للرئيس حق تعيين نائب له، وفي حالة الاستقالة يمكن لهذا النائب أن يكمل مدة الفترة الرئاسية المتبقية، وهو ما يناقض فلسفة النظام الديمقراطي التي تقوم على الاختيار الحر للحكام من قبل شعوبهم.

وتنص دساتير عدد من الديمقراطيات أن تتولى شخصية منتخبة منصب الرئاسة بالإنابة، وحتى الدستور الجزائري الحالي فإن رئيس البرلمان هو من يتولى إدارة البلاد، وليس لبقية المدة إنما لمدة زمنية محددة إلى حين تنظيم انتخابات سابقة لأوانها.

وفي أول رد رسمي على الانتقادات التي طالت توقيت طرح مسودة مشروع تعديل الدستور للنقاش، دعا الوزير المستشار للاتصال، والناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية في الجزائر، بلعيد محند أوسعيد إلى تجنب "الأحكام المسبقة على خلفيات التوقيت". مشيرا أن طرح الوثيقة جاء "استجابة لإلحاح متكرر من بعض الفاعلين السياسيين وممثلي المجتمع المدني".

وقال أوسعيد في مؤتمر صحفي عقده في 12 مايو/آيار 2020: "الغاية الوحيدة من طرح المشروع، هي استغلال فرصة الحجر الصحي للاطلاع على التعديلات المقترحة ومناقشتها في هدوء وبعمق في الحد الأدنى عبر وسائل الإعلام بكل أشكالها أو باستعمال تقنية التواصل المرئي عن بعد".

وأضاف الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية في الجزائر: "نريد أن يكون للجزائر دستور توافقي يحصنها من السقوط في الحكم الفردي، ويقيها عواقب الوقوع في الأزمات كلما حدث اهتزاز في قمة السلطة".