لعنة الجوار.. هكذا دعمت واشنطن الانقلابات في أميركا اللاتينية

آدم يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

تاريخ الولايات المتحدة في تنفيذ أو دعم الانقلابات منذ نهاية القرن التاسع عشر في حديقتها الخلفية أميركا اللاتينية، جعل أصابع الاتهام تتجه لواشنطن في محاولة الانقلاب الأخيرة بفنزويلا.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفى التهمة الموجهة له من قبل الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بالتورط بدعم عملية انقلاب مسلح ضده لصالح المعارضة، قائلا: "لو أردت الإطاحة بمادورو، فلن أعتمد على مجموعة صغيرة للقيام بعملية كهذا، كنت سأرسل جيشا".

وأضاف ترامب أثناء مقابلة مع قناة فوكس نيوز الأميركية  في 8 مايو/آيار 2020: "ليس لدي فكرة عن هذا الأمر، وإدارتي ليس لها علاقة بهذا، ولو أردت فعل شيء في فنزويلا لما فعلته بهذه الطريقة، كنت سأعمله بطريقة مختلفة".

نفي ترامب جاء بعد يومين من إعلان مادورو أن بلاده اعتقلت جنديين أميركيين سابقين، بعد أن حاولا مع مجموعة من "المرتزقة"، "غزو" فنزويلا من البحر، للإطاحة بنظامه لحساب زعيم المعارضة خوان غوايدو.

وقال مادورو مخاطبا القيادة العليا للقوات المسلحة: إن السلطات اعتقلت "عنصرين أمنيين" أميركيين يبلغان من العمر 34 و41 عاما، عارضا عبر شاشة التلفزيون الرسمي جوازي سفرهما ووثائق أخرى.

مجلس الأمن القومي الأميركي نفى تورط الولايات المتحدة في أي عملية تسعى إلى الإطاحة برئيس البلاد، وقال المجلس: لو كان للولايات المتحدة دور في ذلك لكان دورا صريحا ومباشرا وفعالا.

لعنة الجوار

تلك الانقلابات التي شاركت فيها أميركا أو دعمتها، حصدت عشرات الآلاف من الأبرياء، وتسببت بفوضى وأزمات سياسية استمرت لعقود.

وتعود أول عملية انقلاب شاركت فيها واشنطن أو دعمتها في أميركا اللاتينية إلى عام 1898، حينما احتلت بورتوريكو وكوبا، اللتين كانتا تحت الاستعمار الإسباني، ومع أن الاحتلال الأميركي انتهى في عام 1902، لكن تأثيره استمر لسنوات.

عقب ذلك بأربع سنوات، أطاحت واشنطن بأول رئيس منتخب لكوبا، توماس أسترادا بلاما، وشكلت حكومة احتلال أدارت البلد حتى عام 1909.

لم تتوقف سلسلة عمليات الاحتلال لكوبا، التي وقعت تحت لعنة الجوار الأميركي، وعاودت واشنطن احتلالها في 1917، ولم تنسحب منها إلا عام 1923، بشكل تدريجي، حتى حصلت كوبا على استقلالها، في حين استمرت بورتوريكو كمستعمرة أميركية.

"خليج الخنازير"

كانت أبرز العمليات التي سعت لها أميركا هي عملية "خليج الخنازير"، حيث نفذت واشنطن عملية عسكرية فاشلة عام 1961، للإطاحة بالرئيس الكوبي فيدل كاسترو، وقلب نظام الحكم.

ومع أن عملية الانقلاب فشلت إلا أنها كانت إحدى أكبر الأزمات خلال الحرب الباردة، وكاد العالم أن ينزلق لحرب نووية طاحنة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

كما رسمت تلك المحاولة مسار العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا لأكثر من 5 عقود، وتسببت بأزمة سياسية هي الأكبر في دول أميركا اللاتينية.

بدأت الحكاية مطلع 1959 عندما تمكن الثوار الشيوعيون في كوبا، بزعامة كاسترو، من الاستيلاء على السلطة في البلاد، الأمر الذي أثار قلق الولايات المتحدة من سيطرة الحزب الشيوعي المدعوم من السوفييت على البلاد التي لا تبعد عن شواطئ فلوريدا سوى 145 كلم.

ضاعف تلك المخاوف أن تنتقل تلك التجربة الثورية إلى دول أميركا اللاتينية المجاورة، التي كانت تعاني من اضطرابات سياسية حادة.

كان استلهام النموذج من قبل تلك الدول، يمثل تهديدا للدور الذي تقوم به واشنطن في النصف الغربي من الكرة الأرضية، وقد يسجل انتصارا محتملا لصالح الاتحاد السوفيتي في تلك الحرب الباردة التي امتدت لأكثر من 5 عقود.

مهمة مخابراتية

كان المخطط  لعملية الانقلاب هو الرئيس الأميركي داويت أيزنهاور، في حين كان المنفذ هو الرئيس جون كنيدي، ما يعني أن عملية الانقلاب لم تكن مرتبطة بشخص الرئيس، وكانت مهمة مخابراتية في المقام الأول.

كانت المخابرات الأميركية قد قدمت مقترحا للرئيس أيزنهاور بتقديم الدعم للمعارضة الكوبية، التي تتشكل في الأساس من المواطنين الكوبيين الفارين عقب سيطرة كاسترو على الحكم.

بالفعل قامت وكالة سي آي إيه بتجميع قوات المعارضة الكوبية، وكانت حينها مؤلفة من 1400 جندي، وقامت بتدريبهم داخل معسكرات في غواتيمالا ونيكاراغوا، على عمليات الإنزال الجوي وحرب العصابات.

وفي يناير/كانون الثاني 1961، تسلم الرئيس الأميركي جون كينيدي مقاليد الحكم في البلاد خلفا لأيزنهاور، فأعطى بعد نحو شهر أوامره بتنفيذ العملية التي سميت "غزو خليج الخنازير" نسبة إلى خليج يقع جنوبي كوبا.

بدأت العملية منتصف أبريل/نيسان 1961، عبر طائرات أميركية يقودها معارضون كوبيون استهدفت قواعد جوية كوبية، ثم أتبعتها بهجوم بري، تم اعتراضه من قبل القوات الكوبية، وفشلت العملية فشلا ذريعا، فقتل نحو 110 من المهاجمين وأسر نحو 1100 آخرين.

شرارة الحرب

لم يسدل فشل الانقلاب الستار على هذه الأزمة، بل فتحت فصلا جديدا من فصول الأزمة، وهذه المرة كانت أزمة دولية كادت تتسبب بحرب نووية هي الأخطر في تاريخ البشرية.

عقب فشل العملية استطاعت كوبا إقناع الاتحاد السوفيتي بنشر صواريخ باليستية متوسطة المدى قبالة السواحل الأميركية لردع واشنطن وصدها فيما إذا فكرت بتكرار الهجوم على كوبا.

مثلت تلك الصواريخ قواعد عسكرية متقدمة للاتحاد السوفيتي، وكانت شوكة في حلق واشنطن، وهو التهديد الأكبر في إطار المواجهة الإستراتيجية بين العدوين التقليديين منذ الحرب العالمية الثانية.

في أكتوبر/تشرين الأول 1962 اكتشفت طائرات تجسس أميركية منصات الصواريخ السوفيتية على الأراضي الكوبية، فشعرت بالذعر، وقامت على الفور بفرض حصار بري على كوبا لمنع السفن السوفيتية من نقل الأسلحة إليها.

وقامت وزارة الدفاع الأميركية بنصب صواريخ أرض جو حول العاصمة واشنطن كإجراء احترازي لمنع أي هجوم.

كادت شرارة الحرب أن تندلع عندما أوصى مستشارو الرئيس كنيدي بشن هجوم استباقي لتدمير منصات الصواريخ السوفيتية، لولا أن الاتحاد السوفياتي قرر سحب الصواريخ من كوبا مقابل سحب واشنطن صواريخ "جوبتير" التي نصبتها في تركيا، وتعهدت بعدم غزو الأراضي الكوبية.

حارسة الاستبداد

في حين مثلت عملية "خليج الخنازير"، أكبر العمليات التي تورطت بها الولايات المتحدة، فإن عملية الانقلاب الأبيض في بوليفيا مثلت أحدث عملية في السجل الأميركي الحافل برعاية ودعم الانقلابات. 

في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، دعم ترامب انقلابا أطاح بالرئيس البوليفي إفو موراليس، من قبل الجيش، بحجة الحفاظ على الديمقراطية، وظهر ترامب الذي يدعم أنظمة انقلابية في الشرق الأوسط، ويأوي عناصر انقلابية متورطة بسفك الدماء في تركيا، كأنما هو حارس للديمقراطية أثناء تلك العملية.

رحب ترامب بتقديم الرئيس البوليفي استقالته، وأشاد بدور الجيش البوليفي، وأكد أن استقالة موراليس رسالة قوية إلى الأنظمة غير الشرعية، حد قوله.

واعتبر ترامب استقالة موراليس لحظة مهمة للديموقراطية في النصف الغربي للكرة الأرضية، وغرد على تويتر قائلا: "هذه الأحداث توجه رسالة قوية إلى الأنظمة غير الشرعية في فنزويلا ونيكاراغوا بأن الديمقراطية وإرادة الشعب تنتصران دائما في نهاية المطاف".

14 عضوا في مجلس النواب الأميركي دعوا إدارة ترامب، لمعارضة إقالة الرئيس البوليفي الذي أجبره الجيش على التنحي عن منصبه، وعدم دعم "انقلاب عسكري" ضد رئيس منتخب.

وجاء في رسالتهم لترامب: "بدلا من دعم انقلاب عسكري، ينبغي على حكومتنا أن تؤكد أن الإقالة غير الدستورية لرئيس منتخب، واضطهاد الأفراد على أساس عرقهم أو انتماءاتهم السياسية أمر غير مقبول".

جمهوريات الموز

منذ عام 1898، تاريخ أول تدخل لواشنطن في أميركا اللاتينية وحتى نوفمبر/تشرين الثاني 2019، نفذت واشنطن عشرات الانقلابات أو دعمتها بعدة أشكال، غير عابئة بالكلفة السياسية والاقتصادية والبشرية لتلك العمليات.

كانت مصالحها غير المشروعة أو الحركات الشيوعية المناهضة للتدخلات الأميركية في تلك الدول هي ما تدفعها لتنفيذ ودعم تلك الانقلابات، فيما سمي حينها بـ"جمهوريات الموز" التي شهدت حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي.

في عام 1903، نفذت واشنطن انقلابا في كولومبيا، ودعمت انفصال بنما عن كولومبيا، وكانت أول دولة تعترف ببنما، من أجل السيطرة على مشروع قناة بنما، وامتلاك نفوذ في هذه البلاد.

استمر ذلك النفوذ لعدة عقود، وعندما قرر قادة في الجيش قطع ذلك النفوذ، وإقالة الرئيس أرتورا درفال، المدعوم من البيت الأبيض، نفذت واشنطن في 20 ديسمبر/كانون الأول 1989 عملية للإطاحة بالجنرال مانويل نورينغا المناهض للتدخلات الأميركية.

كانت نيكاراغوا هي الأخرى التي تدخلت فيها الولايات المتحدة من أجل توسيع النفوذ وحماية مصالحها في تلك الدولة، فاحتلت واشنطن نيكارغوا مرتين، الأولى عام 1912، والثانية عام 1933، من أجل الحيلولة دون إنشاء قناة نيكاراغوا التي تربط البحر الكاريبي بالمحيط الهندي.

وفي عام 1981، دعمت واشنطن قوات "الكونترا" اليمينية المتطرفة التي سعت للإطاحة بالحكومة اليسارية، في صراع أودى بحياة ما لا يقل عن 30 ألف شخص، بحسب الأناضول.

وفي المكسيك، وأثناء اندلاع الثورة، دعمت واشنطن نظام الديكتاتور الجنرال بروفيريو دياز، الذي كان يسيطر على البلد لأكثر من 30 عاما، وفي عام 1913، أيدت واشنطن الانقلاب الدموي على ماديرو، للحفاظ على نفوذها، وتم تعيين الجنرال فيكتوريانو هويرتا رئيسا.

لم تتوقف سلسلة الانقلابات في تلك الدول، حيث كانت تتم في البلد الواحد أكثر من مرة، آخذة عدة أشكال تراوحت بين التدخل المباشر أو دعم فصائل انقلابية موالية لها.

استمرت أيادي واشنطن في التدخل وامتدت إلى هايتي، وغواتيمالا، وجمهورية الدومينيكان، وجزر غرينادا، وتشيلي وفنزويلا، وكانت بوليفيا هي المثال الأحدث في السجل الأسود للبيت الأبيض.