دعتهم لجولة "أون لاين" بالمتاحف.. كيف تربط تركيا مواطنيها بالتاريخ؟

12

طباعة

مشاركة

دعت وزارة الثقافة والسياحة في تركيا المواطنين خلال فترة الحجر المنزلي بسبب جائحة كورونا، القيام بجولة بين ممرات القصور العثمانية وسرايات السلاطين العريقة والاستمتاع بمشاهدة صور تخلد حقبة حكام تعاقبوا على حكم الدولة العثمانية ثم الجمهورية التركية.

مبادرة التجول في 16 متحفا في أكثر من مدينة، أطلقتها أنقرة لتشجيع مواطنيها على البقاء في المنازل، وعممت عليهم رابطا يمكنهم من خلاله الحصول على جولة سياحية داخل المعالم التاريخية عن طريق تقنية الصور ثلاثية الأبعاد.

ورغم أنها تعول على سياحة المتاحف لزيادة مداخيل السياحة، جعلت الوزارة للملتزمين بالحجر المنزلي خلال جائحة كورونا الدخول بالمجان، علما بأن المتاحف المنتشرة في جميع أرجاء تركيا تستقطب ملايين السياح من مختلف الدول، كما تلعب دورا كبيرا في تشجيع السياحة وتنشيطها في البلاد.

بوصلة المستقبل

"التاريخ يعتبر بوصلة المستقبل لأي شعب وليس لماضيه فقط"، الجملة جاءت على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليلة 15 يوليو/ تموز 2019، خلال افتتاح  متحف" الذاكرة 15 تموز"، بمدخل جسر الشهداء في إسطنبول. 

المتحف أقيم على مساحة 1500 متر مربع بجانب نصب لشهداء 15 تموز، وكتب في مدخله كلمة "لا تنسى"، وضم أسماء شهداء محاولة الانقلاب الفاشلة، وأغراض تخلد ذكرى الشهداء والمصابين في تلك الليلة، إضافة إلى وثائق حول تاريخ الانقلابات في العالم والتاريخ الاستعماري.

أردوغان أكد خلال الاحتفال بالذكرى الثالثة للتصدي لمحاولة الانقلاب الفاشلة ليلة 15 يوليو/ تموز عام 2016، أن رد الشعب التركي على خيانة 15 تموز تعتبر أمانة مباركة يجب نقلها من جيل إلى جيل. وشدد على أهمية نقل التاريخ للأجيال المقبلة بشكل صحيح بقدر أهمية كتابته.

وأضاف: "ماضينا مليء بالنضالات الملحمية مثل الفتوحات والانتصارات ومعارك جناق قلعة وكوت العمارة، وبصفتنا شعب يكتب التاريخ، فإننا مع الأسف لا نظهر النجاح ذاته بخصوص تسجيله وإحيائه ونقله للأجيال القادمة".

ورغم الاهتمام الشديد بالتاريخ عبر المتاحف وتخليد الأحداث الهامة للبلاد عبر الاحتفال بها سنويا، إلا أن أردوغان يرى أن هناك تهميشا متعمدا للكثير من الآثار والوثائق والأحداث التي تذكر بتاريخ الأمة المجيد.

وتساءل: "كيف لا يمكن للشجرة التي جذورها جافة أن تقف، فكذلك لا تستطيع الحياة، الشعوب التي يتم إضعاف روابطها بماضيها".

"مسجد آيا صوفيا"

حل متحف آيا صوفيا، في صدارة قائمة أكثر المتاحف والأماكن التاريخية زيارة خلال 2019، حيث بلغ عدد زواره، ما يقارب 4 ملايين زائر.

وأعلن الرئيس التركي في مارس/ آذار من نفس السنة، أن "الوقت حان لإعادة تسمية صرح آيا صوفيا في إسطنبول بمسجد آيا صوفيا"، معتبرا أن تحويله متحفا كان "خطأ كبيرا جدا".

وقال أردوغان في مقابلة تلفزيونية: "آيا صوفيا لن تُسمّى متحفا، سوف نسمّي آيا صوفيا مسجدا". 

ويعود بناء كنيسة آيا صوفيا، التي تُعتبر تحفة هندسية، إلى القرن السادس الميلادي. وتحولت الكنيسة إلى مسجد في القرن الخامس عشر بعد سقوط القسطنطينية بأيدي العثمانيين عام 1453. 

وخلال حكم مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، تعرض الموقع للإهمال قبل أن يتحول إلى متحف. ومنذ وصول أردوغان إلى الحكم عام 2003، تعددت النشاطات ذات الطابع الإسلامي التي تُقام داخل آيا صوفيا.

ويعد المتحف أحد أهم رموز فتح القسطنطينية، وكان تاريخا فارقا غير الكثير من توازنات القوى في العالم، ويعتبره مؤرخون "ثامن عجائب الدنيا".

وحافظ المتحف على جماله التاريخي بفضل أعمال الترميم التي أجريت له زمن الدولة العثمانية، والمآذن التي أضافها إليه المعماري العثماني الشهير معمار سنان.

وقال نائب رئيس جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية، البروفيسور فهم الدين باشار، في تصريحات لوكالة الأناضول: إن "المسيحيين ورجال الدين، كانوا قد لجؤوا إلى داخل آيا صوفيا عندما علموا بسيطرة العثمانيين على المدينة، وبدؤوا بالدعاء هناك".

وعندما وصل السلطان محمد الفاتح إلى آيا صوفيا، نزل من على حصانه، وأبلغ رجال الدين المسيحيين الموجودين هناك، بأنه لا داعي للخوف بعد الآن، وأن أرواحهم وأموالهم وأعراضهم باتت أمانة في عنقه، وأخبرهم بإمكانية العودة إلى ديارهم وأعمالهم، ليمنح بذلك الأمان لسكان المدينة.

وأفاد البروفيسور أن السلطان محمد الفاتح، تأثر كثيرا عندما رأى "آيا صوفيا" وسجد شاكرا ربه، وصعد إلى قبابه وأمعن النظر فيها واحدة تلو الأخرى، ليأمر بعدها برفع الأذان هناك.

وقال باشار: إن السلطان الفاتح أدى أول صلاة جمعة في آيا صوفيا 1 يونيو/ حزيران 1453، واستمع إلى الخطبة التي ألقاها شيخه آق شمس الدين.

وسيلة تعليمية

استقبلت المتاحف والأماكن التاريخية خلال 2019، أزيد من 35 مليون زائر، أي بزيادة قدرها 7 ملايين شخص، مقارنة بالعام الذي قبله.

تضم مدينة إسطنبول وحدها 91 متحفا يعكس غنى المدينة وثرائها الحضاري والتاريخي. 12 منها للقصور الوطنية التابع للبرلمان، و3 متاحف تابعة للقوات المسلحة، و4 تابعة للمديرية العامة للمتاحف، و9 لبلدية إسطنبول الكبرى، و9 للجامعات والمؤسسات الحكومية الأخرى، إضافة إلى 35 متحفا خاصا.

مدير الثقافة والسياحة بمدينة إسطنبول، جوشقون يلماز، ربط في وقت سابق بين إقبال السياح على إسطنبول وزيارة المتاحف الموجودة فيها، معتبرا أن أعداد زوار المتاحف في بلد ما، يعكس مستوى ثقافة مجتمعه.

وفي المرتبة الثانية من قائمة المتاحف الأكثر زيارة في 2019، حل متحف مولانا جلال الدين الرومي، في ولاية قونية وسط تركيا، حيث استقبل  3 ملايين و500 ألف زائر من داخل البلاد وخارجها.

أما قصر "توب كابي" بإسطنبول، والذي كان مقر الإمبراطورية العثمانية طوال 400 سنة، فقد استقبل أزيد من مليوني زائر، ليأتي في المرتبة الرابعة بين الأماكن التاريخية الأكثر زيارة في تركيا.

وتنظر الدولة التركية إلى المتاحف على أنها ذاكرة المجتمعات، ووسيلة تعليمية بما تحتويه من آثار تاريخية ودينية وفنية، لذا افتتحت 22 متحفا جديدا، وبين العام 2016 و2019، فيما قامت وزارة الثقافة والسياحة بأعمال الصيانة داخل 10 متاحف.

وتخصص تركيا أسبوعا للمتاحف كل سنة في شهر مايو/ أيار، تنظم خلاله مجموعة من الأنشطة لتشجيع الناس على زيارتها، من أبرزها إجراء أمسيات ليلية في متحف الآثار الإسلامية والتركية طوال شهر رمضان، وذلك من خلال حملة بعنوان "قضاء ليلة في المتحف".

وتتضمن هذه الفعاليات استضافة شخصيات بارزة في مجال الأدب، والفكر والفن، إضافة إلى معرض للخط. وتجعل الوزارة خلال أسبوع المتاحف الدخول مجانيا أو تخصص خصومات على التذاكر، فيما يحصل الطلبة والمتقاعدون والعمال على خصومات دخول طيلة أيام السنة.

أما في رمضان فتمدد الوزارة أوقات زيارة بعض المتاحف، مثل متحف الآثار الإسلامية والتركية في منطقة السلطان أحمد بإسطنبول، التي تشهد حفلات دينية إلى ما بعد منتصف الليل، باستثناء هذا العام بسبب كورونا.

متحف الآثار

في 2017 افتتحت تركيا في اليوم العالمي للمتاحف، متحف الآثار الذي يعتبر أكبر مجمع للمتاحف في تركيا والشرق الأوسط.

يُغطي المتحف 12 ألفا و500 متر مربع من أصل مساحة المجمع الإجمالية البالغة 68 ألفا و400 متر مربع كانت تضم مصنع نسيج قديم عمره أكثر من 100 عام في ولاية أضنة جنوبي تركيا.

واستضافت ولاية أضنة في تاريخها حضارات عديدة، وتعد واحدة من أقدم المستعمرات البشرية في حدود تركيا الحديثة. وتعرف أضنة بشكل أساسي على أنها جزء من إقليم كيليكيا، الذي تناوب على حكمه الرومان، ثم البيزنطيين، ثم الأرمن حتى زمن الحكم الإسلامي.

ويحوي متحف الآثار قطعا أثرية تعود إلى 18 ألف سنة قبل الميلاد، ويعرض للزوار تماثيل ومجوهرات وأختاما ملكية ومصنوعات خزفية. ويتجاوز عدد هذه القطع 2000 قطعة.

بدأ تحويل معمل المنسوجات الوطني "ملّي منسوجات"، الذي أُنشئ عام 1907 في منطقة سيهان، إلى مجمع للمتاحف على مدار أزيد من 3 سنوات من قبل وزارة السياحة والثقافة.

ومن أبرز المعروضات في المتحف تمثال حجري لإله الإعصار الحثّي "تارهنت" (Tarhunt) الذي استُخرج في إحدى مناطق أضنة عام 1997، ولوحة هيروغليفية أناضولية، وتابوت حجري من العصر الروماني.

سقف التسعيرة

تعتمد صيانة هذه المتاحف والحفاظ عليها لفتحها في وجه الزوار على الدخل الذي تدره، وهو ما يعود على السياحة في تركيا بشكل عام.

مع تضرر الليرة التركية أمام صعود الدولار، طالت موجة الزيادات التي عرفتها تسعيرة دخول المتاحف أيضا، وللحد من الزيادات المتتالية، حددت وزارة السياحة أعلى تسعيرة لدخول أي متحف أو موقع تركي بـ 72 ليرة تركية (نحو  10 دولارت) بعد زيادة أسعار التذاكر بنسبة 50 في المائة في المتوسط في 15 يوليو/ تموز 2019.

أعلى تسعيرة هذه تنطبق على قصر "توب كابي" ومتحف آيا صوفيا ومدينة أفسس القديمة، وهي أكثر الأماكن الثقافية زيارة وشهرة في تركيا، وفق وزارة الثقافة والسياحة.

ويبلغ سعر تذكرة الدخول لمركز باموكالي للعلاج الحراري، وهو أحد مواقع التراث العالمي والواقعة فوق أنقاض مدينة هيرابوليس القديمة في غرب الأناضول، 60 ليرة (نحو من 8.5 دولارات).وارتفعت رسوم الزوار لبعض المعالم السياحية الأخرى، بما في ذلك متحف تروي في مقاطعة تشاناكالي، ومتحف الفنون التركية والإسلامية في إسطنبول، ومدينتي أسبندوس القديمة وبيرج في مقاطعة أنطاليا المطلة على البحر المتوسط ​​إلى 42 ليرة (6 دولارات).

أما بالنسبة للمواطنين الأتراك، فتخصهم وزارة الثقافة والسياحة ببطاقة دخول سنوية تمكن حاملها من زيارة أكثر من 300 متحف ومدينة قديمة مجانا، ورسوم استخراجها سنويا 70 ليرة (10 دولارات) للبالغين و(4.5 دولارات) للطلاب.

وحصل أكثر من 500 ألف مواطن تركي على بطاقة المتحف في عام 2019، وهو ما يظهر اهتمام المواطنين الأتراك بتاريخهم وحضارتهم.

أما الأجانب من السياح والمقيمين، فيمكنهم دخول المتاحف عن طريق بطاقة صالحة لمدة 15 يوما، تصبح سارية المفعول عند دخول أول متحف، ويبلغ سعرها 375 ليرة (53.50 دولارا)، في حين تباع بطاقات المرور المحلية لإسطنبول ومنطقة البحر الأبيض المتوسط ​​ومنطقة بحر إيجة 220 ليرة (31.50 دولارا)، وهي صالحة لمدة خمسة أيام بدءا من تاريخ الدخول الأول.

وتبلغ تكلفة تذكرة دخول متحف باس كابادوكيا 130 ليرة (18:50 دولارا)، يمكنك من خلالها زيارة أكثر من 10 مواقع أثرية في مقاطعة نيفشهير بوسط الأناضول لمدة 3 أيام، وتوفر جميع البطاقات للسياح خصما خاصا بنسبة 10٪ على مشتريات المتاجر والمتاحف في المتاحف والمواقع الأثرية.

فيما يمكن للأطفال الأتراك، والمواطنين الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما، وقدامى المحاربين، والمعوقين ومرافقيهم، وحاملي بطاقات الصحافة، وموظفي البعثات الدبلوماسية ووزارة الثقافة والسياحة، دخول المتاحف والمواقع التاريخية مجانا.