في ظل الرفض والأزمات.. هل يتخلى ابن سلمان عن مشروع نيوم؟
.jpg)
قالت وكالة بلومبرج الأميركية، إن الآمال التي كانت تعلق عليها المملكة العربية السعودية رخاءها ورؤيتها المستقبلية تتحول في هذه الآونة إلى شكوك في ظل تفشي وباء فيروس كوفيد 19.
وأكدت الوكالة في تقرير أعدته فيفيان نيريم محررة الوكالة في السعودية أنه "عندما كشف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان النقاب عن خطط مشروع نيوم المستقبلية الضخمة على ساحل البحر الأحمر، ساد شعور بالأمل والبهجة أركان المملكة".
وتابعت: "استبشر السعوديون الخير الذي سيعم عليهم نتيجة توفير آلاف الوظائف والفرص الاستثمارية على ساحل البحر الأحمر، وكان من المتوقع أن تبلغ الحصيلة الاستثمارية في المشروع 500 مليار دولار، وكان هذا المشروع في القلب من خطة الأمير الشاب لإحداث نقلة نوعية لبلاده".
تسرب الشك
إلا أنه ومع تدفق الأمل في شرايين السعوديين كان الشك يتسرب إليهم خاصة مع نشوء خطط لإعادة توطين آلاف السعوديين في المشروع الجديد. ثم ما لبثت الشكوك أن تحولت إلى مقاومة للمشروع، إلى الحد الذي دفع أفراد قبيلة الحويطات الذين يعيشون في المنطقة المغادرة.
وبلغ التوتر ذروته في تبادل لإطلاق نار مميت منتصف أبريل/نيسان 2020 مع قوات الأمن، مما أثار مخاوف بشأن احتمال حدوث اضطرابات في منطقة نائية، حيث تنتشر ملكية السلاح بين سكان المنطقة.
وقال سعودي تربطه علاقات وثيقة بالمنطقة، بشرط عدم الكشف عن هويته خوفا من الانتقام: "فقد الناس هنا الثقة، كانت لديهم آمال كبيرة في الأعمال والاستثمار والتعويض، ولكن مع مرور الوقت، تغلغل الشك في نفوسهم".
ويتوقع التقرير أن المشكلات التي أثارتها قبيلة الحويطات لن تُعيق ابن سلمان عن إكمال خططه لتنفيذ المشروع، ولكنها تشير إلى الحجم الهائل من التحديات الداخلية التي يواجهها "نيوم" بشكل خاص، وخطط الأمير الشاب على وجه العموم، في ظل أزمة دولية فيما يخص انهيار أسعار النفط.
وأشار التقرير إلى أن ابن سلمان الذي يبلغ من العمر 34 عاما اتخذ خطوات غير مسبوقة لإصلاح الاقتصاد السعودي وتخفيف القيود الاجتماعية، مقنعا العديد من السعوديين بأنه ملتزم بتحسين بلادهم.
لكن الأمير اُشتهر بالغطرسة والتهور وتحطيم التوازنات الدقيقة التي تحكم المملكة، وأيضا أثر بالسلب على التحالفات القديمة وحرق الجسور في الداخل والخارج، حين تأثرت بالسلب ثقة المستثمرين الخارجيين في قراراته وإدارته، خاصة بعد أن احتجز أفرادا بارزين في السعودية وشن حربا في اليمن ساعدت في خلق أسوأ أزمة إنسانية بالعالم.
قصة نيوم
ويستطرد التقرير في سرد قصة نيوم قائلا: إن المشروع تعود فكرته إلى عام 2015، بعد وقت قصير من وصول والده للعرش.
وكان الأمير آنذاك غير المعروف نسبيا، يفكر في رأس مال تجاري واقتصادي جديد، وكانت لديه بالفعل خطط لمشروعات استثمارية في شمال غرب المملكة تختمر في رأسه، وفق ما أخبر به بلومبرج فيما بعد.
وكشف ولي العهد النقاب عن الخطة في عام 2017، بعد أن أزاح ابن عمه عن ولاية العهد ليصبح وريثا للعرش، حيث كان من المفترض أن تكون مدينة لا مثيل لها في العالم، مبنية من الصفر ومليئة بالذكاء الاصطناعي.
وقال في ذلك الوقت: "لا يوجد أحد هناك، لذلك ستعتمد اللوائح على احتياجات الشركات والمستثمرين".
وعلى عكس ما ذكره بأن المنطقة هناك خالية من السكان، كانت هناك قرية خريبة للصيد على خليج فيروز في قلب المشروع، وهي عبارة عن مجموعة من المنازل الخرسانية والمطاعم المتقاربة، لم تصل لها الكهرباء حتى الثمانينيات.
خلال زيارة أجرتها بلومبرج الصيف الماضي، قال العديد من السكان: إنهم متحمسون لأن يكونوا جزءا من المشروع. وقال عبد العزيز الحويطي، 40 سنة، في ذلك الوقت: "جاء هذا المشروع مثل حلم لم نكن نحلم به، وأكثر مما يمكن أن نتخيله".
حتى ذلك الحين، كان بعض الناس قلقين من الشائعات بأنه سيتم نقلهم، لكن رد الفعل العكسي من قبل الحكومة السعودية لم يبدأ حتى يناير/كانون الثاني 2020، عندما أخبر الأمير فهد بن سلطان - حاكم منطقة تبوك حيث يوجد نيوم - السكان أنهم بحاجة لتسليم ممتلكاتهم مقابل تعويض.
نتج عن هذا التصريح من حاكم تبوك حملة على مواقع السوشيال ميديا تنتقد خطط تهجير سكان المنطقة.
أراضي الحويطات
وينقل التقرير عن البرنامج الوطني الحكومي لتنمية المجتمع في المناطق - الذي يدير عملية الانتقال – قوله في بيان: إن السكان سيحصلون على تعويض عادل، وعلى برامج الدعم الاجتماعي والاقتصادي ويمكنهم تبادل الاستفسارات والتعليقات في المراكز المحلية.
إلا أنه في منتصف يناير/كانون الثاني 2020، ظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي عن مواجهات بين مسؤول مجهول وعشرات السكان، صاح بعضهم بأنهم رفضوا الانتقال، وقالوا إن الدولة ربما اقتلعت قبيلة بأكملها، فيما بدا أنه اقتراح مثير للجدل في منطقة يرتبط فيها الشرف ارتباطا وثيقا بمفاهيم الوطن والأصل القبلي.
وتحولت الشائعات والمخاوف إلى واقع مرير حين تم نشر أنباء المصادرة بعد فترة وجيزة في الجريدة الرسمية للمملكة، عن منح ملاك الأراضي في خريبة وبلدات أخرى شهرا لتقديم مقترحاتهم إلى السلطات.
كما تم اعتقال العديد من معارضي إعادة التوطين خلال الأشهر التالية، طبقا لاثنين من الأشخاص الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم.
يؤكد التقرير أن الأمور اتجهت بعد ذلك إلى الأسوأ هذا الشهر عندما جاء فريق لمسح ممتلكات عبد الرحيم الحويطي، وهو معارض شرس للانتقال.
وسرعان ما بث الحويطي مقطع فيديو يهاجم الحكومة، واصفا رجال الدين بالجبناء الصامتين، وسخر من أسلوب قيادة الأمير محمد باعتباره حكما من قبل الأطفال، وتوقع الحويطي في هذا الفيديو أن يتم قتله على يد السلطات، مؤكدا أنه لا يبالي بذلك.
في فجر يوم 13 أبريل/نيسان 2020، تحققت نبوءته، حين وصلت قوات الأمن إلى القرية واندلعت الاشتباكات، وقالت رئاسة أمن الدولة في بيان: إن الحويطي قُتل وأصيب اثنان من ضباط الأمن بعد أن قاوم الاعتقال مدعين إطلاقه النار على الجنود، وأيضا ذكر البيان أن الضباط عثروا على أسلحة داخل منزله.
وأدان زعيم قبلي محلي الحويطي، ووصفته بعض التغريدات على تويتر بأنه إرهابي، في حين يعتبره البعض في تبوك شهيدا.
ونقلت محررة بلومبرج عن ثلاثة أشخاص تم الاستشهاد بهم في وقت سابق أنه لم يتم نقل أي شخص حتى الآن، ولم يتم تحديد حزم التعويضات بعد، بينما قال اثنان: إنه من المقرر الانتهاء من عمليات الترحيل هذا العام لإفساح الطريق للبناء.
مستقبل نيوم
من جهتها قالت شركة نيوم في بيان لها هذا الأسبوع: إن العمل مستمر في المشروع وأن أول مدنه سيتم بناؤها بحلول عام 2023، وفي العام الماضي، قالت: إنه سيتعين إعادة توطين أكثر من 20000 شخص.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية أن البرنامج الحكومي سيحدد الرقم النهائي عندما يكمل الاستطلاعات المحلية وهي خطوة انتهت الآن.
من جهة أخرى يؤكد التقرير الذي نشرته وكالة بلومبرج للأنباء أن رأسمال المشروع الذي يقدر بـ 500 مليار دولار يُعد أحد مظاهر الجرأة الاقتصادية التي يتبناها ولي العهد محمد بن سمان لتغيير وجهة الاقتصاد السعودي.
هذا في وقت تبدو فيه حماسة الأمير الشاب لهذا المشروع أقوى من مثيلاتها في المشروعات الأخرى التي تبناها ومنها على سبيل المثال السماح للنساء بقيادة السيارات، وتخفيف القيود على الاختلاط بين الجنسين، وفتح البلاد أمام السياحة.
من ناحية أخرى يشير التقرير إلى أنه، ومنذ بداية المشروع يشكك المنتقدون في جدواه، إلى الحد الذي وصل إلى اغتيال الكاتب السعودي في صحيفة واشنطن بوست الأميركية جمال خاشقجي على يد عملاء سعوديين في قنصلية بلاده في إسطنبول، مما دفع إلى انسحاب العديد من الشخصيات البارزة من مجلس إدارة مشروع نيوم.
وينقل التقرير عن بيان مشروع نيوم قولهم: إنه تم إحراز تقدم بما في ذلك منح العقود لتمويل وبناء وتشغيل ثلاث مناطق سكنية بطاقة استيعاب 30 ألف شخص، وقالت: إن الحكومة ملتزمة بدعم نيوم لضمان الحفاظ على هذا الزخم.
ويشير التقرير إلى أن حرب النفط التي أشعلها ولي العهد السعودي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أدت إلى خسارة تاريخية في اقتصاد المملكة، الذي لا يزال يعتمد في موارده على النفط الخام، حيث اضطرت الحكومة إلى تخفيض موازنتها، وفي الوقت الذي لا تشير التقارير إلى تأثر مشروع نيوم السلبي بهذه التطورات.
إلا أنه من المحتمل أن يؤدي الركود العالمي الوشيك إلى تعقيد الجهود المبذولة لضمان التمويل وجذب المستثمرين، حيث أن الأموال اللازمة لبنائه ستأتي من الحكومة والمستثمرين المحليين والدوليين.
وقالت كريستين ديوان باحثة مقيمة في معهد دول الخليج العربي في واشنطن: إن محمد بن سلمان جاء إلى الحكم وهو يحلم بهذا المشروع، وإنه لن يعلقه على الرغم من الرياح المعاكسة الاقتصادية والسياسية، كما أن المعارضة الداخلية لن تعيقه عن استكمال المشروع.
وأضافت: أن طريقته الأساسية في التعامل مع المقاومة هي من خلال التخويف والقوة إذا لزم الأمر، "ولا أتوقع أن يتغير ذلك، في الواقع، أتوقع أن تصبح أكثر وضوحا لأن المملكة تواجه أوقاتا أكثر صعوبة".