تركيا وكورونا.. هكذا أشادت حكومات غربية وروج إعلام عربي الأكاذيب
"هناك الكثير من الآمال وراء اليأس، وهناك العديد من الشموس وراء الظلمة"، مقولة لجلال الدين الرومي، كُتبت بأكثر من لغة على صناديق المساعدات، التي قدمتها تركيا إلى الدول المنكوبة بجائحة كورونا.
هذا الخبر لن تقرأه في أي وسيلة إعلام سعودية أو إماراتية أو مصرية، بل ستقرأ وتسمع أخبارا عن قرصنة تركيا وسرقتها لسفينة أجهزة ومستلزمات ومعدات طبية، أو عن مجاعة يحياها الأتراك في ظل جائحة فيروس كورونا بسبب نقص السلع الغذائية، وانتشار الفوضى في عموم البلاد.
عداء دفين تكنه أنظمة هذه الدول، لتركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان الذي قدمت بلاده حتى الآن مساعدات طبية إلى 54 دولة لدعم جهود مكافحة كورونا، حسبما أعلن رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة فخر الدين ألطون، في سلسلة تغريدات على تويتر، في 25 أبريل/نيسان 2020.
أما الترويج لأكاذيب عن وجود مجاعة وفوضى في تركيا، فرد عليها المتحدث باسم حزب "العدالة والتنمية"، عمر جليك، قائلا إن بلاده "ترسل مساعدات للمحتاجين في الخارج بعد تلبية احتياجات مواطنيها".
أُكذوبة إسبانيا
مطلع أبريل/ نيسان 2020، نشرت وسائل إعلام سعودية ومصرية وإماراتية، (سكاي نيوز، العربية، الحدث، صدى البلد وغيرها) خبرا مفاده أن تركيا استولت على طائرة صينية تحمل معدات طبية كانت في طريقها إلى إسبانيا
المعلومة "الكاذبة" تم إسنادها لوزيرة الخارجية الإسبانية في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الصحة الإسباني، ولاحقا اتضح أن الأمر يتعلق بآلات تصنعها تركيا.
وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، أدلى بتصريحات لقناة "سي إن إن تورك" قائلا: "تركيا هي من تصنع هذه الآلات وتم الترخيص بتصدير 116 منها إلى إسبانيا، 94 دولة من كل أنحاء العالم طلبت من تركيا مستلزمات طبية لغاية اليوم إلا أن تلبية كل هذه الطلبات غير ممكنة".
وفي 4 أبريل/ نيسان 2020، أكدت وزيرة خارجية إسبانيا ماريا غونثاليث لايا، ، في تصريح لقناة "كواترو" الإسبانية، "تركيا الصديقة والحليفة أظهرت كرما من خلال اتخاذها قرارا بإرسال أجهزة تنفس إلى إسبانيا".
وفي تغريدة أخرى على حسابها بموقع تويتر، كتبت "الشكر لتركيا لسماحها بتصدير أجهزة طبية تركية إلى إسبانيا. أشكر تركيا ووزير خارجيتها للسماح بتصدير أجهزة تنفس صناعي تركية الصنع إلى إسبانيا ونقدر اللفتة التي قامت بها صديقتنا تركيا".
Thank you #Turkey @MevlutCavusoglu 4 authorising the export of Turkish respirators bought by two of our Autonomous Communities Navarra & CastillaLaMancha in view of the urgency in ���� we appreciate the gesture of a friend & ally ����
— Arancha González (@AranchaGlezLaya) April 4, 2020
شكرا تركيا
في 2 أبريل/ نيسان 2020، أقلعت طائرة شحن عسكرية تركية محملة بمساعدات طبية من مطار "أتيمسكوت" العسكري في العاصمة أنقرة متجهة نحو إسبانيا وإيطاليا الأكثر تضررا من فيروس كورونا في أوروبا.
وتضمنت المساعدات، آلاف المستلزمات الطبية مثل أقنعة، وملابس واقية، ومواد تعقيم سائلة مضادة للجراثيم، أنتجت بالإمكانات الوطنية التركية، وكُتب على صناديق المساعدات باللغتين الإيطالية والإسبانية، مقولة جلال الدين الرومي: "هناك الكثير من الآمال وراء اليأس، وهناك العديد من الشموس وراء الظلمة"، إلى جانب عبارة "من تركيا مع الحب إلى الشعب الإسباني".
وفي 12 أبريل/ نيسان 2020، أعربت ويندي مورتو، وكيلة وزارة الخارجية البرلمانية للجوار الأوروبي والأميركتين في بريطانيا، عن شكرها لتركيا إزاء المساعدات الطبية التي أرسلتها إلى بلادهم من أجل مكافحة فيروس كورونا.
وفي تغريدة نشرتها على تويتر، قالت مورتو: "أود أن أعرب عن شكري لوزيري الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو والصحة فخر الدين قوجه، على 250 ألف قطعة من معدات الوقاية الشخصية أرسلتها تركيا".
وأكدت أن المساعدات التي أرسلتها تركيا 14 طنا، وقالت:"هذه الهدية السخية تُظهر متانة الصداقة بين بريطانيا وتركيا"، لكن تلك الأخبار لم تجد لها صدى، داخل وسائل إعلام المحور الثلاثي للأنظمة المعادية لتركيا.
المناطق المنكوبة
وبينما تقاعست أنظمة الدول الثلاثة التي تهاجم تركيا، عن نجدة ومساعدة بلاد عربية متضررة من الجائحة مثل فلسطين المنكوبة، كانت أنقرة تتحرك في 5 أبريل/ نيسان 2020، مع انتشار كورونا داخل الأراضي المحتلة.
مستشفى "الصداقة التركي-الفلسطيني" الذي انتهت تركيا من إنشائه عام 2017 في قطاع غزة، أعلن الناطق باسم الحكومة الفلسطينية إبراهيم ملحم، بدء تشغيله لمواجهة فيروس كورونا، بعد اتصال هاتفي أجراه الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان.
وقدم ملحم شكر دولة فلسطين للجمهورية التركية، رئيسا وحكومة وشعبا، على دعمها المتواصل لفلسطين.
ويعد "المستشفى التركي-الفلسطيني" من أكبر المشافي في فلسطين، إذ تبلغ مساحته 34 ألفا و800 متر مربع، ويتألف من 6 طوابق، ويحوي 180 سريرا.
أيضا الشمال السوري المنكوب، تركيا فقط من اتخذت تدابير وقائية للحيلولة دون انتشار كورونا بمناطق نبع السلام وغصن الزيتون ودرع الفرات المحررة من الإرهاب، وشنت حملات تعقيم وتوعية للنازحين في إدلب والمناطق الحدودية.
هذا الخبر أيضا لم تبثه وسائل إعلام سعودية أو مصرية أو إماراتية.
عراك ومناوشات
ومن الخارج إلى الداخل، ففي 11 أبريل/ نيسان 2020، صورت الآلة الإعلامية في الرياض وأبوظبي والقاهرة، أن المدن الكبرى في تركيا، وتحديدا أنقرة وإسطنبول، شهدت تدافعا واشتباكات بين المواطنين، وذكروا أن الطرقات شهدت ازدحاما مروريا حتى ساعات متأخرة قبيل سريان قرار حظر التجول الذي أعلنه وزير الداخلية التركي سليمان صويلو.
وقالت وسائل إعلام سعودية، مثل قناة العربية، وموقعها المحجوب في تركيا: إن الفوضى عمت أغلب المناطق بسبب الهلع الذي تسبب فيه القرار.
أما جريدة الفجر المصرية فكتبت، في 9 أبريل/ نيسان 2020 أن "أردوغان حول تركيا إلى بلد متسول".
وهو النسق الذي سارت عليه قناة العربية السعودية أيضا، عندما نشرت في 11 أبريل/ نيسان 2020، مقطعا على حسابها بتويتر، قالت فيه: "فيديو متداول يكشف حالة فوضى في تركيا وشجار وعمليات إطلاق نار أمام محلات البقالة بسبب نقص الغذاء بعد إعلان حكومة أردوغان حظر التجوال بصورة مفاجئة".
الادعاء الكاذب فندته وكالة الأناضول التركية الرسمية، بالقول: "تعمدت قناة العربية عدم نشر كامل التسجيل، كما في الرابط، لأنه سيفضح حقيقة كذب وزيف ادعاء القناة".
وأضافت: "من خلال مشاهدة التسجيل الكامل، فإن المقطع يوثق حالة شجار بين شبان في حي بيرم باشا في مدينة إسطنبول مساء الجمعة 10 أبريل".
وذكرت "إذن هي ليست معركة خبز أمام محلات البقالة بسبب نقص الغذاء، ولم يتم فيها إطلاق نار، كما تزعم قناة العربية، إنما شجار عادي بين سكان محليين بعد حادث اصطدام دراجة نارية تقل شخصين بسيارة مارة في الشارع، تطور إلى شجار بين الأشخاص المعنيين".
لم تنشر هذه الصحف ولم تبث هذه القنوات مشاهد عن مواجهة الأتراك للجائحة بطرق فريدة، منها تأدية النشيد الوطني، والأغاني الوطنية من نوافذ منازلهم، أثناء فترة الحظر.
في 1 أبريل/ نيسان 2020، قال وزير الزراعة والغابات التركي بكر باكديميرلي: "نحن بلد مكتفٍ ذاتيا، والعزلة الاجتماعية المفروضة في العديد من البلدان أثرت بشكل كبير على المنتجات، الآن الكثير من البلدان لا يملك مواد مثل الأسماك، أما نحن فلدينا المزيد في الطماطم، لدينا المزيد في الأسماك، لدينا المزيد في كل المواد الأخرى، لا مشاكل مع الإمدادات الغذائية في تركيا".
وفي 18 أبريل/ نيسان 2020، قال رئيس "جمعية العلامات التجارية الخاصة في تركيا" (PLAT)، إمير أوزار: "توافر المخزون العالي من العناصر الأساسية يُظهر قوة قطاع التصنيع التركي، وبالتحديد الشركات الصغيرة والمتوسطة".
وحسب موقع "ترك برس" التركي، فإن تركيا أصبحت ثاني دولة تتمتع بأعلى مستويات المخزون في المواد الغذائية الأساسية بعد الصين.
لماذا تركيا؟
منذ صعود نجم حزب العدالة والتنمية التركي، إلى سدة الحكم عام 2002، والانشغال العربي بتركيا يزداد ويتوسع، كلما ازداد نفوذ تلك الدولة وقوتها في المنطقة.
بلغ العداء بين محور الشر الثلاثي "السعودية ومصر والإمارات" من جهة وتركيا من جهة أخرى، ذروته بعد ثورات الربيع العربي عام 2011، ودعم أنقرة ومساندتها لخيار الشعوب.
في مصر، أشعل الانقلاب العسكري عام 2013، جذوة الخلاف بين النظامين التركي والمصري، إثر رفض الرئيس رجب طيب أردوغان، الاعتراف بالانقلاب وقائده عبد الفتاح السيسي، كما رفض إقامة أي علاقات مع حكومة الانقلاب طيلة 7 سنوات.
أما السعودية فكان مقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده بإسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقة بين الدولتين.
فلم ولن ينسى ولي العهد محمد بن سلمان، أن من كشف عورته وفضح دمويته، وهز صورته وهدد عرشه وطموحه أمام العالم، هي تركيا ورئيسها أردوغان.
أما الصراع التركي الإماراتي فقد ظهر في أبهى صوره على أرض ليبيا التي تقف فيها أبوظبي بجانب الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، بينما تدعم أنقرة حكومة الوفاق الوطني الشرعية والمعترف بها دوليا.
المصادر
- مدريد تبرئ أنقرة من سرقة آلات التنفس الاصطناعي وتعترف أنها تركية الصنع
- هل يَتقاتل الأتراك على الخبز؟! (مرصد تفنيد الأكاذيب)
- وفرة السلع الزراعية التركية تتحدى أزمة كورونا
- كورونا.. تركيا تُرسل مساعدات طبية إلى إسبانيا وإيطاليا
- إسبانيا تشكر تركيا على تضامنها وتعاونها في مكافحة كورونا
- بالفيديو.. عراك ومناوشات في شوارع المدن التركية بعد قرار بالحظر الشامل
- "حول تركيا إلى بلد متسول".. أردوغان يواجه فيروس كورونا بـ"الشو الإعلامي"
- تركيا تتمتّع بثاني أعلى مخزونٍ من المواد الأساسية وسط جائحة كورونا
- كورونا.. تركيا تُساند دولاً أوروبية وعربية بحرب ضدّ عدوّ مشترَك
- كورونا.. بريطانيا تشكر تركيا لتقديمها مساعدات طبية