صحيفة تركية: كورونا كشف عن نظام عبودية جديد في العالم
وصفت صحيفة تركية، الدنيا بعد انتشار فيروس كورونا بأنها "بلا روح"، قائلة: إن البشر "بدلا من أن يكونوا عبيدا لله باتوا عبيدا للمادة والتكنولوجيا والأدوات والتقنية".
وقال الكاتب يوسف كابلان، في مقالة نشرتها صحيفة يني شفق: "نعيش في هذه الأيام مخاوف كبيرة جراء انتشار كورونا، وقد لا يكون هناك أعداد كبيرة في الوفيات، لكن رائحة الخوف من الفيروس المشوبة بالذعر من الموت تتجول في الشوارع والطرقات".
وأكد أن "ما نعيشه حاليا ليس كارثة عادية بقدر ما هو هجوم بيولوجي. ما يجري حاليا هو بناء عالم يمكن فيه للسلاح البيولوجي الاصطناعي الذي يتم إنتاجه في المختبر أن يجعل الناس تعيش في حالة من الخوف والذعر".
وقد يكون الأمر شبيها بما نشر في صورة على غلاف مجلة الإيكونوميست في 26 مارس/آذار 2020، حيث تقود يد مجهولة الناس عبر الحبال. ونشرت المجلة صورة تظهر يدا مجهولة تمسك بطرف حبل تقود رجلا مقيدا به من رقبته وهذا الرجل يجر حيوانا مقيدا به وكتبت على العنوان "كل شيء تحت السيطرة".
وتابع الكاتب: "لا يوجد مكان للإنسان في هذا العالم، وبمعنى أدق، العالم والتكنولوجيا المتقدمة والذكية هي التي ستكون صاحبة القرار الأول والأخير، سيكون الإنسان عبدا للماكينة، وسيكون عبارة عن رجل آلي بلا روح".
خطورة التكنولوجيا
ولفت إلى أن "هذا هو هدف الحضارة الرقمية الوثنية التكنولوجية. لن يكون هناك مكان لله في هذا العالم. وهم الذين يقولون الإله هو الإنسانية، إلا أن العلم سيكون هو الله في المستقبل، وستكون التكنولوجيا هي النبي".
وفي الحقيقة، يقول الكاتب: "هذه نهاية البشرية إن وصلنا لهذه الحالة حيث باتت الحضارة بلا روح لها ولا معنى، وكذا ينسحب الأمر على المفاهيم الأخرى سواء مفاهيم الألوهية أو النبوة وحتى الإنسانية وباتت هذه المفاهيم يتم تشخيصها وتجسيدها".
في التاريخ، لم تتمكن الحضارة الوثنية، التي اكتسبت فلسفتها وممارستها في جزيرة كريت، من الوصول إلى نقطة من شأنها أن تشكل تاريخ العالم والإنسانية كثيرا.
ويتساءل: "ما هو العلم في الوقت الراهن؟ إنها الأداة، بمفهوم آخر هو "الكمية" ولقد تحول الإنسان إلى عبد لهذه الأدوات، وستستمر هذه الحالة الراهنة حتى يتحول العالم إلى عالم بلا إنسان. ولقد ساهمت عوامل مثل سطوة المادة، والبلطجة لأن تبقى البشرية على حافة دنيا بلا روح".
وشدد الكاتب على أن الحضارة الغربية الوثنية الحديثة التي حرمت البشر من إنسانيتهم، والحضارة التكنولوجية الوثنية ما بعد الحداثة التي جسدت الآلة والعلم والتكنولوجيا، التي نحاول اللحاق بها، تهاجم الفطرة، وأنها باتت مليئة بالثقوب.
وتابع: "عندما أقول فطرة، أنا لا أقصد فقط الفطرة المتعلقة بالإنسان، والهجوم الراهن عليها، بل أعني فطرة جميع الكائنات، وسنن الكون وقوانين جميع الكائنات".
ويوضح أنه "لا يوجد مفهوم للفطرة في الفكر الغربي الوثني، يوجد فقط مفهوم الطبيعة، ولذلك هم يستخدمون مصطلحات مثل طبيعة الإله والإنسان. لهذا السبب لم يستطع الغربيون الوثنيون والفلاسفة فهم الإله والإنسان والطبيعة والعلاقات الوجودية بينهم، ودمروا هذا الفكر من خلال الرسوم الكاريكاتورية حين قاموا بتجسيد هذه الأفكار".
وباختصار، يضيف الكاتب: أن "الإنسانية كلها تُلقى على حافة حضارة رقمية وثنية تقنية بدون الله، بدون روح، بدون إنسان، بدون طبيعة".
عبادة جديدة
في الغالب ما تقدم سيتعزز تماما بعد مرحلة كورونا، ويوضح: "سيتقدم العلم على الإنسان، لذلك سوف يتم تأليه التكنولوجيا، سيصبح كل الناس عبيدا لها، علاوة على ذلك، وطالما أن حريتهم قد أخذت، فسوف يصبحون أدوات لا روح لها في نظام العبودية عن طريق الإغراء والاستمتاع ولن يشتكي أحد من هذا النظام لأنه يبدو أنه ممتع ولطيف".
وبحسب الكاتب: "لن يتم فهم ما يجري، سيتم تعطيل حواس الفهم والإحساس، وسيتجسد مفهوم تحدث عنه القرآن حين وصف بعض أجناس البشر بأنهم كالأنعام بل أضل".
هذه المفاهيم فقط مقلقة عند المسلمين الذين يعون مفاهيم مقدسة كالفطرة ويقلقون عليها. والسؤال الآن ما هي فطرة الإنسان؟
يجيب الكاتب: "إنها الروح التي نفخها الله في جسد آدم وبنيه ولقد كرمه الله كأشرف المخلوقات وجعله في أحسن تقويم، ثم رده في أسفل سافلين، ولكن ومع ذلك ليس للإنسان إلا أن يسعى لأن يكون الأفضل، لا أن ينحرف أو أن يعمد لأن يكون إلها، أو أن يتكبر على الآخرين".
وأردف: "يجب أن يكون المرء خادما لله فقط وعندما يكون عبدا لله، يمكنه التخلص من عبودية التكنولوجيا أو من الأدوات المغرية، والتمتع بحرية حقيقية والتي تبتدأ بالعبودية لله وحده.
وذكر أن "أولئك الذين يعيشون دون أن ينعموا بمفهوم العبودية، هم من الطبيعي أن يكونوا عبيدا لأمور أخرى كعبودية التكنولوجيا والأدوات والرقمية وغيرها، ولا يمكنهم إنقاذ أنفسهم من عبودية كهذه".
حتى الفنانون الكبار والملحدون تحدثوا عن ذلك، ومنهم دوستويفسكي الذي قال: "إذا لم يكن هناك إله فكل شيء مباح"، وكما قال الخبير النفسي الملحد جاك لاكان: "بمجرد أن يفقد الإنسان إيمانه بالله، يبدأ في تأليه كل شيء.".
في حين أن الحقيقة، تكمن في أن جميع المفكرين العظماء، وخاصة نيتشه، حذروا من أن العلم بات معبودا وتحول الإنسان إلى عبد للتكنولوجيا.
وزاد: "الكثير من العلمانيين والملحدين يقولون في هذه الأوقات، ماذا أفادنا الدين أو المساجد، ماذا أفادت الأدعية والدموع ليل نهار، من سينقذنا الآن من الفيروس؟ العلم وليس الله أو صلواتكم".
ويستدرك: "لكن حقيقة أن الفيروس الذي ينتجه هذا العلم يكفي لفهم أن الإنسانية تسببت في كل هذه الكوارث التي عانينا منها ومن المخيف أن الجميع لا يدرك هذا الأمر منذ البداية".