رغم اتفاق الدوحة.. تعقيدات قد تعيد واشنطن وطالبان إلى نقطة الصفر
سلطت صحف فرنسية الضوء على الاتفاق الذي جرى توقيعه في ٢٩ فبراير/شباط ٢٠٢٠، بين حركة طالبان والولايات المتحدة ما يمهد الطريق لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان.
من جهتها قالت صحيفة "لوفيجارو": "بعد أكثر من 18 عاما من القتال وسنة ونصف من المفاوضات المضنية، اقتربت واشنطن من إنهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة بعد اتفاق مع حركة طالبان، النقطة الرئيسية فيه هي الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية".
وأوضحت أنه من المتوقع أن ينخفض عدد الجنود الأمريكيين من حوالي 12000 إلى 8600 بحلول شهر يونيو/حزيران، على أن يغادر باقي الجنود البلاد في الأشهر التسعة والنصف القادمة، لكن التفاصيل الدقيقة للمغادرة - واحتمال بقاء قوة لمكافحة الإرهاب - تظل سرية.
وأشارت إلى أنه بالنسبة لقوات حلف شمال الأطلسي "الناتو"، التي كانت تنسق لأشهر مع الولايات المتحدة، ستقلل أيضا من وجودها وفقا لمسؤول في المنظمة، وستعمل على مساعدة وتدريب القوات الأفغانية.
نقاط سياسية
ينص الاتفاق أيضا على الإفراج في غضون عشرة أيام عن 1000 من أفراد القوات الأفغانية الذين تحتجزهم حركة طالبان، مقابل الإفراج عن 5000 سجين من طالبان من السجون، لكن هؤلاء، بحكم تعريفهم، يخضعون لسيطرة الحكومة الأفغانية، التي اعترضت على هذه النقطة.
ومن المقرر أيضا إجراء حوار بين الجماعة المسلحة وممثلي "المجتمع الأفغاني"، تبدأ في 10 مارس/ آذار ٢٠٢٠، لكن الموعد النهائي غير معروف، حيث يتساءل لوريل ميلر، مدير برنامج آسيا في مجموعة الأزمات الدولية: "أين ستتم هذه المحادثات؟ هل سيكون هناك وسيط؟ هل ستكون الوفود قادرة على التشكيل في غضون أيام قليلة؟"، لا توجد إجابة.
وتقول "لوفيجارو": إن "الحكومة متباينة، تتكون من مسؤولين لديهم دوافع وأيديولوجيات متناقضة. فبعد إعلان فوز الرئيس أشرف غني وإعادة انتخابه مؤخرا، شكك منافسه الرئيسي، عبد الله عبد الله، في النتيجة وأعلن نفسه رئيسا. المجتمع المدني، من جانبه، أبعد ما يكون عن التوحد، وهو خلل من شأنه أن يصب في صالح طالبان".
على العكس من ذلك، فإن طالبان تظهر كجبهة موحدة، تؤيد أيديولوجية أكثر اعتدالا من الإرهاب الذي تبنته في الفترة من 1996 إلى 2001.
غير أن مايكل كوجلمان، نائب مدير برنامج آسيا في مركز ويلسون يقول: "طالبان ليست مجموعة متجانسة، إنهم يريدون التعجيل بانسحاب القوات الأمريكية، وهو ما طالبوا به باستمرار والذي يضمن لهم ميزة عسكرية، لكن المهم هو شيء واحد. ما إذا كان سيتمكنون من الاتفاق فيما بينهم على المزيد من النقاط السياسية".
وتؤكد الصحيفة أن هذا التماسك الشهير لطالبان، لم يتم اختباره على الإطلاق، إذ يقول لوريل ميلر: "في مواضيع مثل حقوق المرأة أو نظام الحكم أو دور السلطات الدينية، يمكن أن يختلف مسؤولو طالبان وكذلك رجالهم على الأرض".
أرض خصبة للإرهاب
في نهاية أسبوع من الهدنة الجزئية، وهو شرط فرضته الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق، من الواضح، بحسب لوفيجارو، أن قيادة طالبان تمكنت من التمسك بمقاتليها، تمثل في نجاح كما حدث لمدة ثلاثة أيام في عام 2018.
ولكن، مع الاستفادة من رحيل القوات الأمريكية من أفغانستان "يمكن لطالبان العودة بنفس السهولة للقتال إذا كانت المحادثات بين الأفغان لا ترضيهم"، يحذر مايكل كوجلمان.
كما أشارت الصحيفة إلى أنه يمكن أن يؤدي الاتفاق بين الحكومة وطالبان إلى إشراك الجماعة في الحكومة المركزية، الأمر الذي يقلق العديد من ناشطي حقوق الإنسان وخاصة النساء.
وزير الخارجية الأمريكي للدفاع، مارك إسبير، حاول من كابول، طمأنة الحكومة الأفغانية على الجانب المشروط من هذا الاتفاق، والذي لن يتم الحفاظ عليه إلا إذا التزمت طالبان بوعدها بعدم السماح للبلاد بأن تصبح أرضا خصبة للإرهاب العالمي.
لكن المجموعة المسلحة، تقول الصحيفة: بعيدة عن أن تكون لديها القدرة على التأثير على العديد من الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم الدولة بأفغانستان التي ظهر بها عام 2015.
كما نوهت بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي حقق وعده في حملته الانتخابية بإنهاء الصراع الباهض الذي أودى بحياة الآلاف من الجنود الأمريكيين، لا يهتم كثيرا بوضع ضمانات للاستقرار في أفغانستان على المدى الطويل.
من جهتها قالت صحيفة "لوموند" عن الاتفاق: إنه منعطف في تاريخ أفغانستان، لكن دون أن يعرف أي أحد ما إذا كان ذلك للأفضل أم للأسوأ.
مخاوف جدية
وأوضحت أنه من الناحية الدبلوماسية، يعد هذا إحدى الحالات النادرة التي تبرم فيها قوة عظمى مثل هذا الاتفاق مع جماعة وليس دولة، بل حركة تمرد صغيرة، في مسعى من الولايات المتحدة لإنهاء أطول صراع في تاريخها.
ولفتت "لوموند" إلى أن هذه النتيجة جاءت عقب محادثات بدأت صيف عام 2018، بعد أن كسرت واشنطن أحد المحرمات: حوار مباشر مع مقاتلي طالبان. ونقلت عن دبلوماسي غربي شارك في هذه المفاوضات أن "الجانبين أرادا التوصل للاتفاق من خلال نفس الهدف وهو رحيل القوات الأمريكية مما يجعل الأمور أسهل".
لكن الصحيفة كذلك ترى أيضا أن العقبات عديدة، خاصة التوترات القوية حاليا بشأن قضية سجناء طالبان، إذ ينص الاتفاق على إطلاق سراح 5000 منهم قبل بدء الحوار الأفغاني، من سجون الحكومة الأفغانية التي تخشى تقليص امتيازاتها عندما سيتعين عليها التفاوض مع طالبان.
كما نوهت بأن العقبة الأخرى هو ما يتعلق بوجود جنود أمريكيين على الأراضي الأفغانية، وهو شرط مسبق من وجهة نظر طالبان لأي اتفاق، لكن رحيل جميع القوات الأجنبية من البلاد بعيد المنال.
ففي قمة دافوس التي عقدت أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي، قال الرئيس ترامب: إنه سيترك قوة لـ"مكافحة الإرهاب" في البلاد بغض النظر عن ماهية الموقف.
كذلك تحدد الاتفاقية أن الولايات المتحدة ستسعى إلى الحصول على مصادر تمويل لقوات الأمن الأفغانية، التي يعتمد تدريبها ورواتبها اليوم بشكل كامل على دافعي الضرائب الأمريكيين وهو أمر لن يتم التخلي عنه بسهولة.
كذلك تخشى واشنطن، من أن يسعى الرئيس الأفغاني لإفساد العملية من أجل الحفاظ على سلطته. وخلصت الصحيفة إلى أنه على الرغم من هذه الأشياء المجهولة، والتي قد تكون سببا في فشل العملية، تهب رياح جديدة على أفغانستان، بعد أن قُتل أو جُرح أكثر من ١٠٠ ألف مدني منذ عام 2010، طبقا للأمم المتحدة.
كما كلف الصراع دافعي الضرائب الأمريكيين، منذ عام 2001، أكثر من 915 مليار يورو في الإنفاق العسكري وإعادة الإعمار.