صراعات وانشقاقات في صفوف حفتر.. هل تنهي أكذوبة "الجيش الوطني"؟
لم تتوقف جرائم ميليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر منذ إطلاقه لما يسمى بعملية الكرامة في العام 2014، في مختلف المناطق التي سيطر عليها أو خاضت معارك فيها.
الجرائم كشفت عنها تقارير حقوقية وأحكام قضائية دولية، كان أبرزها إدانة محمود الورفلي أحد قادة السلفية المدخلية في بنغازي والذي وصف بضابط الاغتيالات، لكن هذه المرة جاءت الاتهامات من أحد القادة العسكريين الموالين لحفتر، وهو ونيس بوخمادة.
وبوخمادة هو قائد كتيبة القوات الخاصة المعروفة باسم "القوات الصاعقة"، وأبرز القادة العسكريين لما يعرف بعملية الكرامة، شارك في الحرب الليبية التشادية في ثمانينيات القرن الماضي، وكان قائدا عسكريا في جيش نظام القذافي.
بعد اختفائه لفترة طويلة ظهر بوخمادة في مقطع فيديو للحديث عن الوضع في كتيبة الصاعقة، مستنكرا تزايد الجرائم التي ترتكبها هذه الكتيبة واستيلاؤها بالقوة على ممتلكات المواطنين والدولة.
تصريح بوخمادة جاء بعد أيام من تهديد قبيلة العواقير في شرق ليبيا بسحب أبنائها الذين يقاتلون في صفوف حفتر بضواحي طرابلس بسبب اعتداء المطلوب دوليا محمود الورفلي على أرض تعود لأحد أبناء القبيلة والاستيلاء عليها بالقوة.
هذه الأحداث وغيرها تسقط ما يحاول حفتر ومساندوه الترويج له بأنهم يمثلون "الجيش الوطني" في ليبيا، مؤكدة أنهم مجرد ميليشيات غير منضبطة وتحالفات قبلية هشّة، قد تتفتت في أول استحقاق حقيقي، وفق متابعين.
نبش القبور
في أول ظهور له منذ أشهر، استنكر آمر ما يعرف بالقوات الخاصة "الصاعقة" في بنغازي ونيس أبو خمادة، الاعتداءات على أملاك المواطنين، مؤكدا أن قواته غير مسؤولة عن أي اعتداء على أملاك الدولة من بيوت أو أراض أو عمارات أو محلات تجارية.
ودعا أبو خمادة في مقطع فيديو مسجل، تم تداوله بشكل واسع، الجهات الأمنية المختصة اتخاذ جميع الإجراءات ضد من يرتكب هذه الأخطاء مهما كانت رتبته أو المنصب الذي يتقلده في القوات الخاصة.
وبوخمادة هو واحد من أبرز القادة العسكريين لما يعرف بعملية الكرامة، وشارك في الحرب الليبية التشادية في ثمانينيات القرن الماضي، وكان بوخمادة قائدا عسكريا في جيش نظام معمر القذافي.
وقاد بوخمادة منذ العام 2014 "عملية الكرامة" في منطقة قنفودة وأشرف على القصف الجوي والمدفعي الذي استهدف المدنيين المحاصرين داخل بؤر الاشتباكات.
وفي حديث له مع تجمع مع أبناء قبيلته (قبيلة المغاربة)، برر بوخمادة نبش القبور والتمثيل بالجثث والتنكيل بها في بنغازي بأنه أمر عادي على اعتبار أن من قام بها "هم جنود يعانون أمراضا نفسية جراء استمرارهم في المعارك وعدم خروجهم من محاور القتال لأكثر من عامين".
"ضابط الإعدامات"
في الوقت نفسه، قبل أيام من تصريحات ونيس بوخمادة التي أثارت جدلا في وسط معسكر حفتر، هدد عدد من أبناء قبيلة العواقير خلال اجتماع شعبي في بنغازي بسحب مقاتليهم من محاور القتال جنوبي طرابلس، إذا لم يتوقف محمود الورفلي عن الاستيلاء على قطعة أرض يمتلكها أبناء عائلة الخفيفي التي ترجع أصولها للقبيلة.
ويستمر محمود الورفلي "ضابط الإعدامات" في ميليشيات حفتر والمطلوب للجنائية الدولية في انتهاكاته مستظلا بشعار الجيش والشرطة، مفلتا من العقاب بسبب الدعم المباشر له من قبل قائد مليشيات الكرامة خليفة حفتر.
ويعود الورفلي إلى الأضواء مجددا بعد سجل حافل بالجرائم، لكن هذه المرة في جريمة استيلاء بطرق غير شرعية على قطعة أرض تملكها عائلة "الخفيفي" بمدينة بنغازي، بحجة أن مالك الأرض اشتراها من شخص مطلوب لمليشيات حفتر.
وأضاف المجتمعون أن الورفلي يدّعي أن مالك الأرض اشتراها من شخص مطلوب لميليشيات حفتر، كما أنه يساوم صاحب الأرض إذا أراد البقاء فيها أن يقوم بدعم المليشيا التي يقودها بعشر سيارات.
ويتبع الورفلي كتيبة الصاعقة في بنغازي التي يقودها اللواء ونيس بوخمادة وهو من أبرز قادة ميليشيات حفتر المتّهمين بنبش القبور وقطع رؤوس الموتى والتمثيل بالجثث.
كما عرف الورفلي بلقب "ضابط الإعدامات" حيث ظهر في أكثر من فيديو نشر على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وهو يُعدم أشخاصا مقيدي الأيدي في بنغازي، كما تفيد معلومات بتورط الورفلي في مذبحة الأبيار حيث عثر على 36 شخصا أعدموا وأيديهم مكبلة إلى الخلف.
والورفلي ينتمي إلى التيار السلفي المدخلي، نسبة للزعيم الديني المقيم في السعودية ربيع المدخلي، والذي عرف بمعاداته لثورات الربيع العربي، وانخراطه في الأجندة الإماراتية والسعودية الداعمة للثورات المضادة.
الجنائية الدولية
في مايو/أيار 2019 جددت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا مطالبتها للمرة الثالثة خليفة حفتر إلى اعتقال الورفلي فورا وتقديمه إلى المحكمة.
وسبق للجنائية الدولية إصدار مذكرة توقيف بحق الورفلي لضلوعه في عمليات إعدام جماعي بمدينة بنغازي، وجاء في المذكرة أن المدعي العام طلب إصدار مذكرة توقيف للورفلي بسبب مسؤوليته الجنائية عن جرائم حرب ارتكبها عامي 2016 و2017 في بنغازي والمناطق المحيطة بها.
ورفض المتحدث باسم مليشيات حفتر أحمد المسماري في أغسطس/آب 2019 تسليم الورفلي بحجة أن قضيته جرت داخل ليبيا، وقال المدعي العسكري التابع لحفتر فرج الصوصاع: بأنهم "لن يسلموا الورفلي إلى محكمة الجنائية الدولية".
وحسب مصادر محليه، فإن الورفلي يتحرك بحرية تامة، داخل بنغازي، وله مقرات داخل المدينة، وأكدت المصادر نفسها أنه لا سلطة لأي جهة عسكرية أو أمنية على الورفلي وأتباعه.
ويحمل مراقبون، مسؤولية إفلات الورفلي من العقاب على خليفة حفتر الذي تعود إليه سلطة كل هذه الأجهزة وهو المسؤول الأول والأخير عنها ويجعله أيضا في دائرة المسؤولية.
قبيلة العواقير
صحيفة " نيويورك تايمز " الأمريكية نشرت تقريرا في 20 فبراير /شباط 2020، قالت فيه: إنه من المستحيل تحديد من المسؤول عن العنف الواقع، لكن العديد من سكان بنغازي يشيرون إلى الميليشيات القبلية التي حاربت جنبا إلى جنب مع حفتر.
أحد أكبر مصادر إمداد حفتر بالمقاتلين هي قبيلة العواقير، والتي يتفاخر أفرادها إلى الآن بإفلاتهم من العقاب، لدرجة مطالبة بعضهم بتولي وظائف رئيسية في الشركات الحكومية أو الأحياء.
ويشكوا السكان في مناطق سيطرة حفتر من الفساد ونهب الثروات اللذين يمارسهما قادة الميليشيات القَبَلية وضباط القذافي السابقون، كما تحدثت تقارير عن وقوع تفجيرات وخطف واحتجاز بدون محاكمة، فيما استولى متطرفون من المدخلية السلفية على المساجد.
وفي نفس التقرير للصحيفة الأمريكية، تحدَث جوناثان وينر، المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، عن نظام وحشي في ليبيا، قائلا: "إذا كنت مع حفتر، تُصبح تحت مظلته ويمكنك أن تفعل ما تريد. أما إذا لم تكن كذلك، فأنت عدو بالنسبة له، وقد تُسجن أو تُقتل أو تُنفى".
"أولياء الدم"
وشكَّلَت قبيلة العواقير كتيبة "أولياء الدم" في عام 2013، سعيا للانتقام بعد اشتباك مميت لهم مع ميليشيات ذات ميول إسلامية، بعدها عُرف الأولياء بكونهم بمثابة هيئة إنفاذ لحفتر، ملقين على عاتقهم المسؤولية عن حالات الاختفاء والقتل إلى حد كبير.
واتجهت أصابع الاتهام إلى كتيبة "أولياء الدم" في مدينة بنغازي وضواحي مدينة درنة شرقي البلاد، بارتكاب أعمال عنف وانتقام شملت مناوئين لحفتر.
وتشكلت كتيبة "أولياء الدم" عام 2013 من أشخاص فقدوا أقرباء لهم في عمليات اغتيال بمدينتي بنغازي ودرنة، بعد ثورة فبراير/شباط عام 2011.
ولاحقا انضمت هذه الكتيبة إلى قوات حفتر وتولت حرق وهدم منازل عائلات مقاتلي مجلس شورى ثوار بنغازي ومن ارتبط بهم وهجرتهم من المدينة، وهو ما أسهم إلى حد بعيد في تمزيق النسيج الاجتماعي في شرق ليبيا.
وأكدت تقارير أن حفتر استطاع أن يصنع تحالفات مع بعض المناطق والقبائل، عبر استخدام المال الإماراتي، واستغل حقد بعض القبائل على ثورة فبراير، وسط حديث يدور عن توظفيه لعشرات ملايين الدولارات لاستمالة القبائل.