5 سيناريوهات كارثية أمام مصر.. دور واشنطن بمحادثات سد النهضة

12

طباعة

مشاركة

لم تبعث تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، المتعلقة بالمفاوضات الجارية حول سد النهضة، التفاؤل لدى المصريين، خاصة وأن حديثه من إثيوبيا، فضح تصريحات أخرى أدلى بها مسؤولون مصريون عن قرب التوصل لاتفاق عن مراحل تشغيل وتخزين سد النهضة.

وزير الولايات المتحدة الذي تدير بلاده الوساطة بين مصر وإثيوبيا والسودان، أكد أن المفاوضات قد تستغرق شهورا طويلة، دون أن يحدد فترة زمنية لإنهاء المفاوضات التي بدأت بواشنطن قبل شهرين، وعولت عليها القاهرة كثيرا، في التوصل لحل ينهي الخطر الذي يهدده سد النهضة على نهر النيل بمصر.

اللافت أن تصريحات بومبيو، أعقبها زيارة لم تكن مقررة لرئيس الوزراء الإثيوبي السابق، والذي التقى برئيس نظام الانقلاب العسكري في مصر عبد الفتاح السيسي، باعتباره موفدا شخصيا من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.

التسريبات التي خرجت عن اجتماعات واشنطن، والأخرى التي طارت من الخرطوم، إضافة للإجراءات التي تنفذها إثيوبيا على أرض الواقع، تتجه جميعها إلى أن الولايات المتحدة، لا تلعب هذه المباراة لصالح القاهرة أو الخرطوم، وإنما لصالح كل من أديس أبابا وتل أبيب، وفي الملعب نفسه يقف المواطن المصري متفرجا لا يعلم ما تخبئه له الأيام المقبلة من كوارث مائية واقتصادية نتيجة تصرفات نظام السيسي.

القاهرة ترد

لم يمض يومان على تصريحات بومبيو، المتعلقة بتأخر حل النزاع بين مصر وإثيوبيا إلى شهور طويلة، حتى أعلن المتحدث باسم رئاسة الجمهورية المصرية، استقبال السيسي، لرئيس وزراء إثيوبيا السابق، هيلا ميريام ديسالين، المبعوث الخاص لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، يوم السبت 22 فبراير/ شباط الجاري.

وبحسب تصريح المتحدث باسم الرئاسة، فإن السيسي أكد نقاطا عدة للمبعوث الإثيوبي، أهمها عدم التدخل المصري في الشؤون الداخلية لإثيوبيا، وإعلاء قيم التعاون والإخاء بين الشعبين.

وأكد السيسي أيضا احترام مصر لمشروع سد النهضة، وسعيها المستمر لإنجاح المفاوضات الجارية في واشنطن، وأن التوصل لاتفاق حول ملء السد، سوف يفتح آفاقا رحبة للتعاون والتنسيق والتنمية بين مصر وإثيوبيا والسودان.

ورغم أن التصريح الصادر عن الرئاسة المصرية، أكد قرب التوصل لاتفاق يتعلق بتشغيل السد، إلا أن السفير الإثيوبي بالقاهرة الذي شارك في الاجتماع ضمن الوفد المرافق للمبعوث الإثيوبي، نفى التوصل لتحديد موعد لإنهاء المفاوضات، والتوصل لحل نهائي يتعلق بتشغيله.

مسودة مريبة

وفقا لمصادر بالبنك الدولي (مشارك بالمفاوضات)، تحدثت لموقع "مدى مصر"، فإن كلا من مصر وإثيوبيا والسودان تسلمت يوم 18 فبراير/ شباط الجاري، مسودة اتفاق مقترح من الولايات المتحدة بشأن بناء وملء سد النهضة الإثيوبي الكبير، وأن واشنطن منحتهم مهلة لمراجعة الشروط وإرسال تعليقاتهم إلى المسؤولين الأمريكيين، ويهدف الاقتراح في الأساس لتجاوز الخلافات بشأن حصة المياه السنوية التي تصل إلى دولتي السودان ومصر.

وأكدت المصادر نفسها للموقع المصري، أنه لكي يتحول الاقتراح الذي أعدته الولايات المتحدة إلى واقع، يجب أولا على كل من السودان ومصر وإثيوبيا تقديم تنازلات كبيرة، منها تقليل النسبة التي تحصل عليها مصر من المياه سنويا لأقل من 40 مليار متر مكعب، بدلا من 55 مليار متر مكعب تحصل عليهم وفقا لاتفاق وادي النيل الموجود منذ أكثر من 100 عام، وتم تجديده في ستينيات القرن الماضي.

وكشف أن إثيوبيا تضغط من أجل تقليص الحصة إلى 31 مليار متر مكعب، مقابل التوصل لوسيلة مشتركة من أجل التنسيق ووساطة لحل النزاع بين الدول الثلاث عن طريق تقييم الظروف المائية، بينما تضغط أمريكا على مصر وإثيوبيا للتنازل والموافقة على حصة سنوية قدرها 37 مليار متر مكعب من النيل الأزرق.

وفي المقابل، لم تتوصل مصر لأية نتيجة متعلقة بالتصور الذي طرحته تحت عنوان "سدود عادلة" والذي يربط العمليات ومستويات المياه في كل من السد العالي في أسوان بمصر وسد النهضة، وهو الاقتراح الذي ترفضه إثيوبيا بشدة، ولم تتفاعل معه الولايات المتحدة كذلك، وفقا للموقع المصري.

سيناريوهات كارثية

وطبقا للمقترحات التي تسربت عن اجتماعات واشنطن، فإن الأخيرة دعمت المقترح الإثيوبي بتقليل النسبة التي تحصل عليها مصر سنويا من المياه، وهي 55 مليار متر مكعب، إلى 37 مليار متر مكعب، مقابل تساهل إثيوبيا في سنوات الملء وكيفية التشغيل وقت الفيضان.

ويشير تحليل مرئي أشرف على تنفيذه عصام حجي، عالم الفضاء المصري المختص في دراسة المياه على الأرض وفي المجموعة الشمسية، ونشرته شبكة "الجزيرة"، إلى المخاطر التي تهدد مصر نتيجة مخرجات المفاوضات الجارية في واشنطن، والتي تدور في 5 سيناريوهات، تمثل جميعها كارثة وخطرا على الشعب المصري.

ويدور السيناريو الأول، والأقل خطرا، حول ملء خزان سد النهضة خلال 21 عاما، ومن المتوقع أن يزداد العجز المائي في مصر بمقدار 3 مليارات متر مكعب سنويا، أو ما يقارب 5 بالمئة من موازنة مصر الإجمالية من المياه سنويا، (60.8 مليار متر مكعب، بينها 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل) وحتى مع هذا الانخفاض الطفيف نسبيا، يتسبب بخسارة بنحو 750 ألف فدان (3 آلاف و35 كيلومتر مربع تقريبا) أو نحو 2.5 بالمئة من المساحة الزراعية في مصر؛ لكن ذلك لن يتسبب في زيادة كبيرة في معدلات البطالة، ويبقى هذا السيناريو الأقل خطرا بالنسبة لمصر.

وأوضحت الدراسة ذاتها، أنه في حال ملء خزان سد النهضة خلال مدة 15 عاما، سيزداد العجز المائي في مصر بمعدل 8 مليارات متر مكعب سنويا، أي ما يقارب 14 بالمئة من موازنة مصر المائية الإجمالية السنوية، وقد يؤدي ذلك في حالة عدم تغيير طرق الري إلى بوار وتصحر قرابة مليوني فدان (نحو 8 آلاف و35 كيلومترا مربعا)، أي نحو 18 بالمئة من مساحة مصر الزراعية وهو ما يعني فقدان 6 بالمئة، من إجمالي القوى العاملة وارتفاع معدلات البطالة بنسبة 17 بالمئة إضافية من 11 بالمئة حاليا.

الأكثر خطورة

وتمثل المقترحات الثلاثة الباقية التي تقدمها الدراسة السابقة، كوارث حقيقية بالنسبة لمصر، حيث يقترح السيناريو الثالث، ملء خزان السد خلال 7 سنوات، فإنه في هذه الحالة سوف يزيد العجز المائي في مصر بمعدل 12 مليار متر مكعب سنويا، أي نحو 22 بالمئة من إجمالي موازنة مصر الإجمالية السنوية من المياه، وبالتالي فقدان نحو 3 ملايين فدان (نحو 12 ألفا و140 كيلومترا مربعا) أي نحو 30 بالمئة من المساحة الزراعية لمصر.

وسيؤدي ذلك إلى فقدان 9 بالمئة من إجمالي القوى العاملة كحد أدنى، وارتفاع معدلات البطالة بنسبة 20 بالمئة إضافية، ويتسبب ذلك في مضاعفات اقتصادية واجتماعية خطيرة.

ويعد السيناريو الرابع وهو الملء خلال 5 سنوات، الأكثر خطورة على مصر، وهو الاقتراح الذي تصر عليه إثيوبيا وفقا لمحادثات واشنطن منذ بدايتها، وفي حال تم تنفيذ هذا السيناريو تشير الدراسة إلى أنه سوف يزيد العجز المائي في مصر بمعدل 20 مليار متر مكعب في السنة، أي 36 بالمئة من موازنة مصر الإجمالية السنوية من المياه، بما سيؤدي إلى بوار وتصحر 5 ملايين فدان (نحو 20 ألفا و234 كيلومترا مربعا)، أي ما يعادل 50 بالمئة من مساحة مصر الزراعية.

وسيترتب عن ذلك فقدان 15 بالمئة من إجمالي القوى العاملة كحد أدنى، وارتفاع معدلات البطالة بنسبة 27 بالمئة على أقل تقدير، الأمر الذي ينعكس كل ذلك بشكل خطير على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

ويأتي السيناريو الخامس والأخير، والذي تستخدمه إثيوبيا كورقة ضغط، وهو الملء خلال 3 سنوات فقط، والذي يمثل الكارثة الحقيقية على مصر، لأنها سوف تفقد نحو 27 مليار متر مكعب من المياه، أي نحو 50 بالمئة من إجمالي موازنتها المائية السنوية، وستفقد تبعا لذلك نحو 6.75 مليون فدان ( 20 ألفا و234 كيلومترا مربعا) أي 67 بالمئة من مساحتها الزراعية تقريبا.

ويتسبب ذلك في فقدان 21 بالمئة من إجمالي القوى العاملة على أقل تقدير، وارتفاع معدلات البطالة في البلاد بنسبة 34 بالمئة كحد أدنى، وستكون من تبعات ذلك مخاطر اجتماعية واقتصادية خطيرة مثل ارتفاع معدلات الجريمة وزيادة احتمالات النزوح والهجرة غير النظامية.

"واشنطن- تل أبيب"

المقترحات السابقة، والتي تمثل المحاور التي يتم النقاش حولها، طرحت تساؤلات عن طبيعة الوساطة التي تقوم بها واشنطن، وهل هي لصالح مصر أم لصالح إثيوبيا، أم أن هناك طرفا آخر تعمل واشنطن لصالحه، وهو تل أبيب؟الإجابة عن هذه التساؤلات، كانت تصب كلها في اتجاه واحد وهي تل أبيب، إلا أنها كانت توقعات، قبل أن يصرح مهدي العفيفي، العضو العربي بالحزب الديمقراطي الأمريكي، بالقول: إن مباحثات سد النهضة سوف تستغرق وقتا طويلا قد تصل إلى أشهر وربما سنوات.

وقال العفيفي في تصريحات صحفية: "ما نُشر حول هذا الملف كان كلاما مقتضبا بشأن مجموعة من الأسئلة والتصورات التي لم يكن هناك توافق عليها، والبعض يحاول تصوير الأمر على أنه انتهى أو تم الاتفاق عليه، بينما في الواقع فإن قضية سد النهضة سوف تستغرق وقتا أطول بكثير، لأن هناك مصالح دولية تحكم هذه المسألة بجانب عدم رضا الطرف الإثيوبي عن أي حلول مقدمة".

وشدد على ضرورة التعامل مع الأمر الواقع، وهو أن هناك تدخلا من إسرائيل في هذا الموضوع سواء بمنظومات الصواريخ أو الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة مع إثيوبيا، لذلك سيكون الملف أكثر تعقيدا من مجرد تنظيم مجموعة من الجلسات بين الخبراء في واشنطن.

وأكد العفيفي، أن أمريكا لن تضغط على إثيوبيا أو إسرائيل بالطريقة التي يتمناها البعض، لأنه لا مصلحة مباشرة لها في ذلك، وأعتقد أن الملف سيظل معقدا لمدة طويلة قد تصل إلى سنة وربما سنوات.تصريحات عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي أكدتها معلومات خطيرة كشفتها صحيفة "الانتباهة" السودانية، يوم 19 فبراير/ شباط الجاري، تناولت خفايا المباحثات التي تشهدها واشنطن.

وبحسب مصادر تحدثت للصحيفة، فإن اهتمام أمريكا بالمباحثات وتحولها من مراقب إلى وسيط في التفاوض ما هو إلا محاولة للسيطرة على الملف ووضع يدها لاستخدامه من أجل مصالحها السياسية وابتزاز الأطراف خاصة السودان عبر التلويح بإزالة اسمه من قائمتها السوداء، لتمرير أجندتها الخاصة بالسيطرة على أهم الموارد الإستراتيجية في المنطقة – المياه – باعتبار السد أداة للتأثير على ثلاث دول، وربما مجمل شعوب حوض النيل الجغرافي.

وقالت الصحيفة في تعليقها على طريقة أداء واشنطن في المباحثات: إنه "ليس من الغريب أن تتحول أمريكا من مراقب إلى وسيط في المفاوضات بين الأطراف المعنية بالسد لإحكام سيطرتها على هذه الأداة الفعالة، واستخدام أضعف حلقاتها من أجل مصالحها وأجندتها الخاصة، كما جرت العادة دائما، حيث لا تعمل أمريكا إلا لمصالحها العليا".


المصادر