تستهدف الشباب المسلم.. كيف سخر الغرب أدواته في الترويج للشذوذ؟
"لم يعد الأمر مقتصرا على الحديث عن قانونية الشذوذ الجنسي، أو عن فكرة تقبلهم في المجتمع، لقد تعداه إلى محاولة تهيئة الطلاب نفسيا، وتشجيعهم ليكونوا شواذ".
هذا ما قاله المواطن البريطاني المسلم أمير أحمد في حديثه لموقع بي بي سي، أثناء مشاركته في مظاهرة ضمت مسلمين ومسيحيين ضد مشروع لتلقين الطلاب دروسا عن الشذوذ في مدرسة باركفيلد الابتدائية بمدينة برمنجهام البريطانية.
في السنوات الأخيرة، تصاعد الحديث عن الشذوذ، وفرغت قنوات فضائية ومنصات إلكترونية للترويج لهذه الرذيلة الأخلاقية والمجتمعية، ومحاولة جعلها في السياق الطبيعي الفطري للإنسان، وضمن الحدود الأخلاقية للمجتمعات العربية.
علاوة على ذلك، عملت بعض هذه القنوات والمنصات بمحاولة التسويق للشواذ وجعلهم نماذج ناجحة ومتميزة، وتصدير حالاتهم كتجارب ملهمة للآخرين، في مقابل التحذير من تنامي الإسلام و التخويف من انتشار المساجد.
جعفر توك
أبرز تلك المنصات الإلكترونية، منصة "جعفر توك"، أو برنامج "شباب توك" الذي يقدمه المذيع الألماني الجنسية من أصل عربي جعفر عبدالكريم، حيث يركز البرنامج الموجه للشباب العربي وتبثه قناة دويتش فيله الألمانية، على قضايا الشذوذ والإلحاد.
المتابع للمنصة يرى أنها تعمل بعدة طرق في محاولة لخلق وعي معين لدى المتابعين يجعل من الشذوذ أمرا طبيعيا، وكأن المنصة تعمل على إنجاز مهمة معينة أوكلت إليها في تشكيل وعي معين يستوعب تلك الرذيلة، ضاربا بكل القواعد الأخلاقية والأعراف المجتمعية عرض الحائط.
في الحلقة المعنونة بـ (لا تحرموني من حبي) كتبت المنصة على الموقع الإلكتروني الخاص بها مقدمة لإحدى حلقاتها تمتدح الذين أحبوا بعضهم من المختلفين، أي الذين خالفوا القواعد الدينية والمجتمعية.
وأدرجت المقدمة الميول الجنسية ضمن الاختلافات الطبيعية، في محاولة منها لجعل الشذوذ في مصاف الاختلافات الطبيعية، كالاختلاف في لون البشرة والطبقة الاجتماعية.
تقول المقدمة: "قصص حب مستحيل، نعرضها في جعفر توك، اليوم كسرت كل الحواجز للقاء شخصين بصرف النظر عن اختلاف الدين أو لون البشرة أو الميول الجنسية أو الطبقة الاجتماعية".
حاولت القناة أن تظهر كما لو كانت محايدة، غير أن انحيازها لقضايا الشذوذ والإلحاد كان واضحا من خلال محاولة التأثير على المشاهد وتهيئته نفسيا لتقبل الشذوذ الجنسي واعتباره أمرا طبيعيا.
امتدحت القناة المثليين الذين تمسكوا ببعضهم رغم التحديات المجتمعية، ففي البرنامج تقول المقدمة: "ضيوفنا اليوم (الشواذ) لم يسمحوا أن يكون هذا كله عائقا أو مانعا في وجه حبهم، بل جعلوا من اختلافهم طريقا من أجل حبهم المستحيل في بلدانهم وقالوا لأنفسهم ولمن حولهم: لايزال الحب المستحيل ممكنا في عالمنا!".
"الحق الشخصي!"
في حلقة أخرى بعنوان (المثلية الجنسية بين التجريم والحق الشخصي) استضاف البرنامج 4 ضيوف، 3 منهم يؤيدون الشذوذ، أحدهم رجل دين، والثانية ناشطة اجتماعية، والثالث حقوقي، أما الضيف الرابع فمثل الجانب المعارض.
المثير في الأمر هو نوعية الضيوف الذي استضافهم البرنامج، فأحد المؤيدين للشذوذ واسمه الشيخ محمد زاهد، هو فرنسي من أصل جزائري، يعمل إماما للمسجد، ورئيسا سابقا لـ"جمعية المثليين" في فرنسا، وهو شاذ ومطلّق سابق من رجل آخر، استمر زواجه به نحو 5 سنوات.
يقول زاهد: إنه حج مرة واعتمر 5 مرات، ولديه معرفة واسعة بالأحكام الدينية زاعما أن الإسلام لا يحرم الشذوذ، ولا يعتبره حراما، بل يعتبره جزءا من الطبيعة البشرية.
الضيف الثاني كانت مرشدة اجتماعية، أتت لتتحدث عن الشذوذ وتدافع عنه من نواح اجتماعية، أما الثالث فكان ناشطا حقوقيا، وانطلق من أبعاد قانونية للحديث عن حقوق الشواذ.
في مقابل الثلاثة المؤيدين للشذوذ استضاف البرنامج ضيفا معارضا، وهو شاب حديث السن، تم توصيفه بأنه داعية إسلامي مغربي، اسمه الشيخ سار، غير أنه كان متحدثا بسيطا، يقرأ من ورقة، ومعرفته بدت ضعيفة، وتعمد البرنامج انتقاء هذا الشخص من بين آلاف الأكفاء القادرين على مناقشة قضايا الشذوذ وفق أسس دينية وأخلاقية واجتماعية.
وبطبيعة الحال، بدت الحلقة غير متوازنة، إذ كان هدف الحلقة إظهار موقف المعارضين للشذوذ ضعيفا، وحججهم ركيكة، في مقابل إظهار المؤيدين له بحجج قوية ومقنعة، وهو انحياز ومغالطة واحتيال بدا واضحا، سواء من حيث عدد الضيوف أو من حيث نوعيتهم.
دعوى التعايش!
بموازاة الترويج للشذوذ، قام البرنامج بدوره في التسويق للإلحاد والتطبيع للملحدين، بدعوى الدعوة إلى التعايش بين المختلفين، ففي إحدى حلقات برنامج جعفر توك، استعرضت الحلقة قصة شاب عراقي مسلم تزوج بعراقية ملحدة.
تقول الملحدة: إنها تنزعج من كل ما هو ديني، من وجود سجادة الصلاة في الغرفة، وترى الأذان مزعجا، وكذلك قراءة القرآن، لهذا لا ترغب بأن تسمع الأذان أو الصلاة، وبدوره قام الشاب المسلم باحترام مشاعرها تجاه ذلك، فتعود الصلاة خارج الغرفة بصوت مهموس احتراما لحساسيتها تجاه ذلك.
استعرضت الحلقة تلك القصة في سياق المديح لذلك التعايش الذي يجري بينهما، والقبول بالآخر واحترام قناعاته في عدم وجود إله أو قوانين أخلاقية تنظم العلاقة بين الناس.
الحلقات التي تتحدث عن الإلحاد في هذا البرنامج، تستضيف ملحدين أو أشخاصا لديهم حساسية مع الدين الإسلامي فقط، وليس لديهم حساسية مع الأديان الأخرى كالمسيحية واليهودية، ما يشير إلى أن قضية الإلحاد التي تبناها أولئك هي موقف شخصي من الإسلام فقط، وليس من كل الأديان.
التسويق للشذوذ
يظهر من خلال تلك الحملة الإعلامية المركزة أنها محاولة لترويض الشباب العربي وتفكيك القناعات العقائدية والأخلاقية التي تقضي على قدرتهم في استعادة دورهم مستقبلا.
يقول الكاتب والناشط الحقوقي محمد الأحمدي، لـ"الاستقلال": "نحن بصدد محاولات لضرب المنظومة القيمية التي مثلت حاضنة أخلاقية للمعتقدات الدينية، في مسعى لسلخ الشعوب العربية المسلمة عن مبادئها وقيمها وقناعاتها الراسخة التي كانت أساسا لذلك التدين".
يضيف الأحمدي: "هذه عملية منظمة وممنهجة، تبثها قنوات أوروبية موجهة للشعوب العربية، وناطقة باللغة العربية. وهي في الوقت الذي تمثل جزءا من الانحطاط الذي يشهده العالم على عدد من الأصعدة، تسعى أيضا للتطبيع مع هذا السلوك المنحرف، وتعمد إلى اختلاق مبررات اجتماعية وقانونية وحتى دينية أيضا، وخلق وعي معين يستوعب هذا الانحراف، سواء من خلال شركات الإنتاج السينمائي العالمية، أو من خلال برامج تلفزيون الواقع، والبرامج الحوارية على القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية".
يتابع الأحمدي: "الأديان السماوية الثلاثة ترفض هذا السلوك المنحرف وترفض التسويق له، لكن هذا المخطط يندرج تحت مشروع سياسي كبير، وهي مؤامرة، والمؤامرة كما يقولون بديهية لا تحتاج لإثبات، لضرب الإسلام، وتفكيك البنية الدينية للمسلمين، وهي تأتي جنبا إلى جنب ضمن موجات العداء للمسلمين الذي نشهده بشكل واضح في أنحاء العالم".