صدام دمشق وأنقرة.. إلى متى يصمد التفاهم الروسي التركي بسوريا؟
تزداد الأوضاع سخونة على حدود تركيا الجنوبية عند الشمال السوري، وذلك بعد هجمات مفاجئة شنتها قوات النظام السوري على نقطة مراقبة تركية، راح ضحيتها 8 جنود أتراك ومدني واحد، الأمر الذي يثير تساؤلات حول كيفية تعامل أنقرة مع موسكو في هذا الأمر؟
الكاتب برهان الدين دوران، قال في مقال بصحيفة "صباح" التركية: إن الأوضاع شمال سوريا شهدت سخونة ملحوظة تسبب بها نظام الأسد، والأمر قد يندفع ليغدو عملية عسكرية، والموقف الآن هو الخطوة الثانية التي قد تقدم عليها القوات التركية، وهي السيطرة على الميدان مباشرة.
نقطة جوهرية
وأضاف: "قد يبدو هذا واضحا من زيادة نقاط المراقبة من جهة وتقويتها من جهة أخرى وكذلك تأسيس منطقة آمنة في الداخل في حدود 30-40 كم"، لافتا إلى أنه رغم عدم تحرك "هيئة تحرير الشام" (يعتبرها النظام وروسيا إرهابية)، يواصل النظام السوري بدعم روسي هجماته متحججا بذلك.
وتابع الكاتب: "حاولت أنقرة ضبط النفس وعدم الرد على تلك الاستفزازات في محاولة استمرار وقف إطلاق النار المتفق عليه، غير أن النظام لم يلق بالا لذلك وواصل شن ضرباته على المدارس والمشافي وهذا يعني أن الاشتباك الساخن مع الأسد لا مفر منه، من المرجح أن تمتد الاشتباكات شرق حلب وتل رفعت وعين عيسى والفرات، وكذلك إدلب".
ولكن في ظل موقف كهذا، يؤكد الكاتب "تبقى النقطة الجوهرية هي كيف ستتعامل أنقرة مع موسكو في هذا الأمر، غير أن الرئيس أردوغان كان واضحا، حيث قال: هجماتنا الراهنة موجهة للنظام السوري، وليس لروسيا ولا يمكن لها أو لطرف آخر أن يقاطعنا في ذلك".
ورأى دوران أن "الوقت الراهن يفيد بضرورة التذكير بالمصالح المشتركة بين الطرفين، ومن ذلك تبادل المعلومات لمنع حدوث المشاكل العسكرية بين الضباط الأتراك والروس وكذلك يجب أن تتوقف موسكو عن تجاهل مصالح أنقرة الحيوية في إدلب".
وشدد على أنه لا يمكن الارتقاء بالعلاقات الثنائية التركية الروسية إلى مستوى "التعاون الإستراتيجي" ما لم تخرج الولايات المتحدة من حساباتها، وإذا لم تأخذ موسكو في حساباتها الثمن الذي دفعته أنقرة حين اشترت منها صواريخ "إس 400" فإن روسيا تضحي بعلاقة راسخة مقابل علاقة سطحية باردة.
ونوه الكاتب إلى أنه "في حال اكتفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بمشاهدة المذبحة في إدلب، فإن مشكلة اللاجئين قريبة جدا، ستضرب العواصم الأوروبية، وعلى الرغم أن روسيا تضغط على الوتر الإنساني في مسألة اللاجئين، على أوروبا ألا تنسى أن تركيا هي من يحفظ الحدود أمام اللاجئين عن أوروبا".
خمس أولويات
من جهته، قال الكاتب أوكان مدرس أوغلو: إن إدلب باتت محور الحرب الأهلية في سوريا التي توقفت عندها، وحاولت تركيا عبر عشرات اللقاءات مع روسيا الوصول الى اتفاقيات متعددة والإعلان عن منطقة خفض التصعيد، وإقامة 12 نقطة مراقبة ودوريات عدة مشتركة، وإعطاء روسيا ما تريده من ضمانات لم ينجع ذلك كله في القضاء على الحرب المستعرة هناك.
ولفت الكاتب في مقالة نشرته صحيفة "صباح" التركية، إلى أن تركيا كان لديها في المنطقة خمس أولويات، هي:
- تنسيق المساعدات الإنسانية.
- مراقبة موجات الهجرة.
- منع الإصابات المدنية.
- حماية المعارضة المعتدلة.
- تطهير المنطقة من المليشيات المسلحة.
وتابع: مؤخرا، خلال الاجتماعات التي عقدت في موسكو الشهر الماضي، بما تضمنه حضور ممثلي النظام على مستوى استخباري، وضعت أنقرة إطارا واضحا للغاية. كانت الرسالة موجهة إلى كل من روسيا والنظام، وهي أن ملف الهجرة الجماعية من الحدود مع تركيا إدلب باتت قضية أمن قومي لدى تركيا وبالتالي فإنها ستمنع ما يسبب بذلك.
ولفت الكاتب إلى أن أنقرة لا تستطيع مواجهة الهجرة التي يمكن أن تصل إلى الملايين، وفي نفس الوقت لا يمكن أن تكون غير مبالية إنسانيا بما يحدث، ومع ذلك لن تسمح أنقرة أبدا بأي تسلل من الحدود في توليفة تبدو مستحيلة.
ورأى مدرس أوغلو أنه "في هذه الحالة، من الممكن إبقاء الجماعات المسلحة المختلفة بسوريا في منطقة معزولة والتعامل معها في الوقت المناسب، بشرط تسريع عملية الانتقال السياسي، أي بناء الدستور".
واستدرك: لكن روسيا ترى عكس ذلك وهي تنظر على أن المسألة في سوريا شارفت على الانتهاء وتبقى فقط إدلب، ولم تعد ترى أن ثمة معارضة معتدلة وأخرى متطرفة، وباتت تنظر للطرفين بذات النظرة.
وتابع الكاتب: يسعى النظام من ناحية أخرى، إلى مواصلة طريقه من خلال كتابة دستور مليء بالدماء والدمار ويعده دستورا جديدا ومع الأسف ثمة من يميل للنظام من أحزاب المعارضة التركية".
جيش الأسد
وفي السياق ذاته، أكد الكاتب مراد أوزير في مقال بصحيفة "ديرليش بوستاسي" أنه لم يعد في سوريا شيء يسمى جيش، قد يكون جيشا يتبع لنظام أو لشخص. حتى عام 2012، عندما بدأت الحرب الأهلية، زُعم أن لدى سوريا جيشا يضم حوالي 250 ألف جندي. بعد المذبحة التي بدأها هذا النظام ضد شعبه، انتقل جزء مهم جدا من جنود نظاميين إلى جنود في صفوف المعارضة.
وبحسب الكاتب، فقد انخفض هذا العدد إلى نحو 50- 60 ألف جندي، كما غادر العديد منهم موقع القيادة الجيش. علاوة على ذلك، إذا تراجع النظام السوري عن إرغام الأطفال على الخدمة العسكرية بواسطة طريق تهديد العائلات، فإن هذا العدد سينخفض إلى بضعة آلاف.
وذكر أوزير أنه "بعد ضياع الأراضي السورية من عهدة الدولة العثمانية، بدأ الغزو الفرنسي في عام 1920، واستمرت المقاومة ضد الاحتلال بضعة أيام فقط، تم تسليم دمشق دون رصاصة واحدة".
وتابع: "حاولت بعدها فرنسا تقسيم المنطقة إلى ست دول وهي دولة الشام، دولة حلب، الدولة العلوية، الدولة الدرزية، والجمهورية اللبنانية، وكذلك جمهورية هاتاي التركية، ومنذ ذلك الوقت لم يكن لدى سوريا جيش حتى عام 1946، عندما حصلت على استقلالها من فرنسا".
وأشار أوزير إلى أن "الجيش السوري، الذي تأسس بعد عام 1946، ظل هيكلا ضعيفا للغاية؛ وبعد مجيء حافظ الأسد، أصبح الجيش طائفيا وعنصريا. وكان له اختبار عام 1967 حيث بات الجيش في مهب الرياح في خلال ساعات قليلة تحت وقع الطائرات الإسرائيلية وفقدت سوريا كل أراضيها في الجولان خلال ستة أيام.
وأردف: "ليتحول بعدها جميع أعداء هذا الجيش من الآن فصاعدا إلى فلسطينيين في لبنان وسوريين تمردوا في حماة، ولم يحدث أن دافع الجيش السوري الراهن عن أرضه مرة واحدة ضد أعداء البلاد من الخارج".
ورأى الكاتب أنه "إذا كانت هناك نية لإقامة مشروع حقيقي في سوريا، فهو إنشاء جيش وطني خالص، الجيش الحقيقي في سوريا هو جيش المعارضة، الذي شكل تحت اسم الجيش السوري الحر لأول مرة في تاريخه الحديث بعد عام 2011 وأصبح الجيش الوطني في عام 2017، ولا سيما وهو الجيش الذي لأول مرة يتكون من مجموعة كبيرة من الأعراق والأجناس من العرب والأكراد والكرد والتركمان".
وعلاوة على ذلك، يضيف الكاتب: أنه "على الرغم من الخسائر الكبيرة في الحرب، فإن العدد يتزايد يوما بعد يوم، لقد تحول بالفعل إلى جيش نظامي من 60 إلى 100 ألف جندي وهو هذا الجيش الذي يمكن أن يحمي أراضيه بدون تفرقة عنصرية قائمة على الدين أو القومية أو الملة".
بلاء مسلط
وعلى نحو متصل، رأى الكاتب أمين بازارجي، أن "الأسد لا يستطيع اتخاذ خطوات من دون إذن من روسيا وبالتالي، هذا التحالف الثلاثي مسؤول عن الهجوم في إدلب، وهي في الحقيقة رسالة كانت ترسل على مدار شهور طويلة مضت مفادها، ضرورة الانسحاب التركي من المنطقة وحين أصرت الأخيرة على البقاء أطلقوا النار على نقاط المراقبة من جهة وعلى اتفاقيات سوتشي وأستانة من جهة أخرى، لكن الرد كان قاسيا وسريعا في الوقت ذاته"..
وأضاف: "الشاهد أن الجنود الأتراك كانوا في سوريا ليسوا للقتال ولكن لوقفه، وكان وجودهم ضمن اتفاقية دولية. وفي الحقيقة كانت سوريا بلاء مسلطا على تركيا منذ عهد الأسد الوالد، حيث احتضن جميع أنواع الإرهابيين ضدنا خلال الحقبة السوفيتية ومن هؤلاء عبدالله أوجلان وحزب العمال الكردستاني الذين فروا إلى هناك".
واختتم مقاله في صحيفة "أكشام" التركية، قائلا: إن "العلاقة مع بشار الأسد تحسنت، وقد بذلت تركيا الجهود الكبيرة من أجل ذلك، لكن الأسد عاد لأصله وأعلن العداء مرة أخرى. وحاليا يريد أن يضخ في بلادنا 3 مليون لاجئ جديد من مواطنيه. لكن ذلك لن يحدث، فكما رأت الولايات المتحدة ماذا يعني أن تتخذ أنقرة زمام المبادرة، سوف ترى ذلك كل من روسيا وإيران في القريب العاجل".