ملف "معتقلي الحراك" بالجزائر.. هل يغلقه الرئيس تمهيدا للحوار؟

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن الخطوات الإصلاحية التي اتخذها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لم تكن مقنعة لغالبية الحراك، فإطلاق سراح عدد كبير من الناشطين لم يوقف المطالبات بإطلاق سراح جميع الموقوفين من معتقلي الرأي، في وقت تدعو فيه الرئاسة لحوار وطني واسع.

منظمة "هيومن رايتس ووتش" أصدرت بيانا في 28 يناير /كانون الثاني 2020، أكدت فيه أن السلطات الجزائرية تواصل اعتقال ومحاكمة نشطاء من "الحراك" تعسفيا رغم وعد الرئيس ببدء حوار مع المجموعة.

ومنذ الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، اعتقلت السلطات عشرات النشطاء الذين شاركوا في احتجاجات سلمية، لا يزال الكثير منهم رهن الاحتجاز، ويواجهون تُهما تستند إلى مشاركتهم في الاحتجاج السلمي أو انتقاد السلطات بعد أن أفرجت السلطات مؤقتا عن أكثر من 70 ناشطا في يناير/كانون الثاني 2020.

استمرار الاعتقالات

بعد استقالة بوتفليقة في 2 أبريل/ نيسان 2019، لم يدم تسامح السلطات مع ناشطي الحراك طويلا، وبدأت منذ يونيو/حزيران من نفس العام حملة اعتقالات بحق متظاهرين، وكثفت الحملة في سبتمبر/أيلول، حيث تم اعتقال أكثر من 13 من قادة الاحتجاجات، في الوقت الذي أعلنت فيه السلطات عن موعد الانتخابات الرئاسية.

ووفقا لمحامي حقوق الإنسان، والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، بدأت الاعتقالات في الازدياد بشكل ملحوظ مع بدء الحملة الانتخابية، حيث اعتقل ما لا يقل عن 300 شخص في موجات اعتقال في الفترة ما بين 17 و24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.

ففي 17 نوفمبر/ تشرين الثاني، اعتُقل ما لا يقل عن 37 من المحتجين السلميين المعارضين للانتخابات خلال تجمع انتخابي نظمه علي بن فليس أحد المرشحين للرئاسة، في مدينة تلمسان غربي الجزائر، وأدين 4 محتجين بتهمة "التحريض على تجمهر غير مسلح"، وحكم عليهم بالحبس لمدة 18 شهرا، وحكم على 14 آخرين بالحبس لمدة شهرين مع وقف التنفيذ.

كان من بين المعتقلين، حليم فضل أحد المدافعين عن حقوق الإنسان ومؤسس الجمعية الوطنية الجزائرية لمكافحة الفساد، وهو حتى الآن رهن الاحتجاز على ذمة القضية.

ووفقا لما ذكرته "اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين"، اعتقل أيضا أكثر من 150 شخصا في الجزائر العاصمة، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وذلك خلال احتجاج ليلي معارض للانتخابات.

تم الإفراج عن معظمهم في وقت لاحق، لكن وجهت إلى 8 أشخاص منهم تهمة "الإضرار بالأمن القومي"، و"التحريض على التجمهر غير المسلح"، ووُضعوا رهن الاحتجاز على ذمة القضية. 

الملاحقة القضائية

وفي 6 يناير/كانون الثاني 2020، تم الإفراج عن 21 آخرين، على ذمة القضية، حيث يجب عليهم المثول أمام المحكمة مجددا بتهم من بينها "التحريض على تجمع غير مسلح"، "والعصيان المدني"، و"الإضرار بالأمن القومي".

وحسب هيومن رايتس وتش، تم اعتقال خالد درارني مراسل قناة "TV5 Monde" الفرنسية، من منزله بالجزائر العاصمة، في 9 يناير/كانون الثاني 2020، واستجوابه لعدة ساعات حول آرائه ومنشوراته على مواقع التواصل، وتم تهديده بالملاحقة القضائية، لكن أطلق سراحه في نفس اليوم دون تهمة.

واستجوبت شرطة تيبازة (مدينة تبعد 70 كيلومترا عن العاصمة)، الروائي أنور رحماني حول منشوراته الساخرة على فيسبوك، واتهمته في 13 يناير/كانون الثاني 2020، بـ "إهانة رئيس الجمهورية" و"المساس بأمن الدولة"، قبل أن يفرِج عنه في انتظار مزيد من التحقيقات.

وفي 17 يناير/كانون الثاني 2020، اعتقلت السلطات 20 ناشطا في العاصمة، وفقا لـ "اللجنة الوطنية لتحرير المعتقلين"، التي دشنها ناشطون ومحامون يوم 26 أغسطس/آب 2019، للدفاع عن المحتجين المعتقلين.

أُطلِق سراح اثنين من الناشطين، وهما حكيم عداد وسمير بلعربي، كلاهما عضو في "تجمع عمل الشبيبة" (راج)، وهي منظمة غير حكومية مُنخرطة بشكل كبير في الحراك.

رسائل طمأنة

بصورة لافتة، بدأ "معتقلو الرأي" في الجزائر، يخرجون تباعا من السجون، سواء عبر قرارات الإفراج أو تسريع المحاكمات، بطريقة توحي بأن ثمة إرادة سياسية لتسوية هذا الملف قبل إطلاق الحوار الذي وعد به الرئيس تبون.

عدة محاكم جزائرية أفرجت يوم 2 يناير /كانون الثاني 2020، عن 76 موقوفا من نشطاء الحراك دفعة واحدة، تصدرتها محكمة العاصمة بإخلائها سبيل 51 موقوفا.

ومن أبرز المفرج عنهم المجاهد لخضر بورقعة (86 عاما) الذي أودع الحبس المؤقت في 30 يونيو/حزيران الماضي، بتهمة المساس بمعنويات الجيش، والذي أثار اعتقاله غضبا واسعا في الجزائر خاصة للقيمة المعنوية التي يمثلها باعتباره أحد "المجاهدين" في ثورة التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي.

ولم يصدر أي تصريح رسمي في البلاد حول وجود توجه للإفراج عن المعتقلين خلال الأزمة، لكن تنسيقية الدفاع عن المعتقلين، ذكرت، في بيان، أن هذه القرارات جاءت بتوجيهات من الرئيس تبون.

من جهته، غرد الدبلوماسي السابق عبدالعزيز رحابي، على تويتر قائلا: "إطلاق سراح المجاهد لخضر بورقعة يمثل تصحيحا لقرار تعسفي اتخذ في حقه وحق السجناء الموجودين في المعتقلات، معتبرا أن هذا القرار مؤشر إيجابي، وأن الخطوة قد تكون بمثابة بداية لاتخاذ إجراءات لكسب الثقة والتهدئة، التي بدونها لا يُمكن أن يفلح أي تصور للخروج من الأزمة".

وشدد رحابي في هذا السياق، على أن المرحلة "تتطلب من الرئيس قرارات شجاعة لإرساء الثقة طبقا لصلاحياته الدستورية، مجددا دعوته لتحقيق مطالب الشعب المشروعة ومساندة كل طرق الحوار والتشاور، من أجل حماية الجزائر من المخاطر المتعددة". 

طريق الإصلاح

المحلل السياسي الجزائري محمد وعراب يرى أنه "لا يزال هنالك معتقلون من ناشطي الحراك لأسباب وتهم غير واضحة إلى الآن، وتهم فضفاضة تم إطلاق سراح عدد كبير ممن وجهت لهم نفس التهم في فترات متعددة، من بينهم كريم طابو، وسمير بالعربي وهم أحد أبرز رموز الحراك الشعبي".

مضيفا: "هناك عدد كبير من المعتقلين تم إطلاق سراحهم على رأسهم لخضر بورقعة وغيره من الرموز والوجوه البارزة في الحراك، كما أن الاعتقالات التي تقع أيام الجمعة لا يستمر التوقيف سوى يوم أو يومين ومن ثم يطلق سراحهم".

وأضاف وعراب لـ"الاستقلال": "هناك تضييق مستمر على الحراك ولكن ليس بنفس الحجم الذي شهدناه في الصيف أو قبيل الانتخابات الرئاسية، الذي كان الهدف من ورائها تمرير الانتخابات الرئاسية بالقوة".

وأكد المحلل السياسي الجزائري أن "الجميع يشعر حاليا بوجود إرادة من قبل السلطة وعلى رأسها الرئيس تبون من أجل توفير ظروف مناسبة للحوار، حيث هناك عدد من اللقاءات مع شخصيات معارضة قد يتفق معها البعض ويختلف معها آخرون، كما أن هنالك خطوات للتعبير عن حسن النية من قبل السلطة، لكن الجميع ينتظر إطلاق سراح جميع معتقلي الحراك إن كانت السلطة حقا جادة في فتح صفحة جديدة ولها نية حقيقة في الحوار".

ويعتقد وعراب أن "الحراك أو ما تبقى منه لأن عددا من القوى انسحبت منه، لم يعد قادرا على تحقيق أكثر مما حققه إلى الآن، خاصة بعد انتخاب رئيس الجمهورية والانطلاق في إجراءات تعديل الدستور، وتشكيل الحكومة الجديدة".

لذلك يبدو حسب وعراب "أن لا حل للجزائريين إلا بالوصول إلى منطقة وسط بين السلطة والحراك، وعام 2020 ستكون سنة انتخابية بامتياز، فربما قبل شهر رمضان سيكون هناك استفتاء على الدستور، وانتخابات برلمانية سابقة لأوانها، لذا يجب أن يتحول جزء من نضال الشارع إلى النضال السياسي الكلاسيكي عبر المشاركة السياسية المباشرة في الاستحقاقات القادمة".