"كورونا" يعزل الملايين في الصين.. لهذا يحبس العالم أنفاسه

أحمد يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

في 27 يناير/ كانون الثاني 2020، قالت الحكومة الصينية: إن عدد الوفيات جراء فيروس "كورونا" ارتفع إلى 80 حالة بعد تسجيل 24 حالة وفاة إضافية في إقليم هوبي وسط البلاد. كما سُجلت 371 حالة إصابة جديدة بالفيروس، ما يرفع العدد الإجمالي للإصابات إلى أكثر من 2700 حالة في عموم البلاد.

قبلها وتحديدا، في 31 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عشية احتفالات العالم برأس السنة الجديدة، جرى تنبيه منظمة الصحة العالمية، إلى وجود العديد من حالات الالتهاب الرئوي في مدينة "ووهان"، بمقاطعة "هوبي" الصينية"، ولم يتطابق الفيروس، مع أي فيروس آخر معروف.

بلغ الخطر الدرجة القصوى، عندما قال الرئيس الصيني شي جين بينغ،:بأن الوضع "خطير"، محذرا من "تسارع" انتشار الوباء المميت. فما هو ذلك المرض؟ وأين ظهر؟ وما درجة خطورته؟ وما هي إجراءات الوقاية منه، وسبل مواجهته من قبل الحكومات والأفراد؟

عائلة "الكورونا"

الفيروس الجديد المعروف بــ"2019-nCoV". شُخّص بأنه فيروس غامض ونادر من عائلة "الكورونا فيروس"، أو الفيروس التاجي الذي لم تتم مواجهته من قبل.

أخذ اسمه من الكلمة اللاتينية "كورونا" وتعني الهالة والتاج، لأنه يظهر تحت المجهر، ككرة تحيط بها خيوط ممتدة مما يجعل شكلها كالهالة التي تحيط بالشمس أو كزوائد التاج، وتهاجم الفيروسات التاجية على عمومها الجهاز التنفسي والقناة الهضمية للثدييات والطيور.

وحسب تقارير منظمة الصحة العالمية، تبدأ أعراض هذا الفيروس بسيطة كأعراض الإنفلونزا، حيث يشعر المريض بالاحتقان في الحلق، والسعال، وارتفاع في درجة الحرارة، وضيق في التنفس، وصداع، قد يتماثل بعدها للشفاء.

وربما تتطور الأعراض إلى التهاب حاد في الرئة، بسبب تلف الحويصلات الهوائية وتورم أنسجة الرئة، أو إلى فشل كلوي، كما قد يمنع الفيروس وصول الأكسجين إلى الدم مسببا قصورا في وظائف أعضاء الجسم، ما قد يؤدي إلى الوفاة في حالات معينة.

سبق أن أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الفيروس الغامض الجديد، ينتمي إلى عائلة الكورونا التي ينتمي إليها فيروس "سارس"، إلا أن الفرق بين الفيروسين يكمن في أن السارس، عدا كونه يصيب الجهاز التنفسي، فإنه قد يتسبب بالتهاب في المعدة والأمعاء، أما الفيروس الجديد فيختلف عن السارس في أنه يسبب التهابا حادا في الجهاز التنفسي، ويؤدي بسرعة إلى الفشل الكلوي.

أسباب الظهور

حسب شبكة (CNN العربية)، في تقريرها يوم 23 يناير/ كانون الثاني 2020، قد تكون الثعابين المصدر الأصلي لفيروس كورونا المكتشف حديثا، والذي أدى إلى تفشي المرض المميت في الصين خلال الأيام الماضية.

وتعد أفاعي "كرايت" ذات الأشرطة المتعددة، والتي تعرف أيضا باسم أفعى كرايت التايوانية أو كرايت الصينية، من أنواع الأفاعي السامة للغاية الموجودة بكثرة في وسط وجنوب الصين وجنوب شرق آسيا.

ويقول البروفيسور أندرو إيستون، وهو من كلية علوم الحياة بجامعة "واريك" البريطانية: إنه "في معظم الحالات، يوجد حاجز، ولا يستطيع الفيروس عبوره".

ويضيف: "لكن في بعض الأحيان إذا تعرض الجهاز المناعي لشخص ما للضعف، أو إذا ظهرت بعض العوامل المهمة الأخرى التي من شأنها أن تتيح للفيروس فرصة للهجوم، فقد يصاب الشخص بمرض يسببه هذا الفيروس".

ويؤكد "عندما ينتقل فيروس من سلالة إلى أخرى، لا يمكنك التنبؤ مسبقا بما سيفعله، لكن من المألوف إنه إذا وجد عائلا جديدا قد يصبح شديد الخطورة في مراحله المبكرة".

وأرجع البروفيسور البريطاني، ذلك "لأن جهازنا المناعي لم يختبر مواجهة هذه السلالة الجديدة من قبل، وبالتالي يمكن أن نكون ضعفاء للغاية عندما ينتقل فيروس كورونا فجأة من الحيوانات إلى البشر".

في 25 يناير/ كانون الثاني 2020، نشرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، احتمالية مثيرة، وهي أن يكون فيروس كورونا الجديد، قد تسلل من مختبر بيولوجي صيني ليتسبب في هذا التفشي المخيف.

وقالت الكاتبة ناتالي راهال في تقريرها: "علماء حذروا في عام 2017 من أن فيروسا يشبه متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس)، يمكن أن ينتشر خارج مختبر أُنشئ في ذلك العام في ووهان الصينية، لدراسة بعض أخطر مسببات الأمراض في العالم".

وأفادت الكاتبة بأن "مختبر ووهان الوطني للسلامة الأحيائية، يقع على بعد حوالي 32 كيلومترا من سوق هوانان للمأكولات البحرية، ويعتقد أن السوق هو بؤرة تفشي الفيروس".

وتساءل البعض، حسب الكاتبة، "عما إذا كان وجوده قريبا من مختبر ووهان الوطني للسلامة الأحيائية مجرد مصادفة، لكن المجتمع العلمي يعتقد حاليا أن الفيروس تحور عبر البشر وانتقل إليهم من خلال اتصال الحيوان بالإنسان في السوق".

بؤرة الوباء

بداية انتشار المرض جاءت من مدينة "ووهان"، وهي عاصمة مقاطعة "هوبي" الواقعة وسط شرقي الصين على نهر "تشانج جيانج" عند التقائه بنهر "هان"، هي المركز الصناعي والاقتصادي الرئيسي بالنسبة لمنطقة وسط الصين.

ويصل عدد سكانها إلى نحو 11 مليون نسمة، وتعد مركزا رئيسيا للنقل العام والتنقل إلى مناطق الصين المجاورة.

ووهان عبارة عن منطقة مدنية ممتدة لثلاث مدن دمجت في عام 1950 وهي: هانكو في الضفة الشمالية لليانغتزيه، وهانيانغ بجانب الهان، وتشانغ في الضفة الجنوبية لليانغتزيه، كما تحتوي على العديد من مصانع إنتاج الحديد والفولاذ، وتوجد بها جامعة "ووهان للتكنولوجيا".

كما أن المدينة تضم المنشآت الصحية الأكثر تقدما في مقاطعة "هوبي" الكبيرة، وتضم 7 مستشفيات كبرى، تُعد من بين أفضل المستشفيات في الصين، ويُصنف مستشفى "تونغ جي" فيها بالمرتبة الثالثة عالميا، في خدمات علاج المرضى.

وتحوي "ووهان" 7 مستشفيات داعمة أخرى، فضلا عن 61 عيادة طبية تنتشر في المدينة وتقدم خدمات المعاينة الطبية وفحص المرضى لتحديد أعراض الإصابة بالفيروس.

ويصنف تقرير صدر عن الحكومة المحلية في عام 2014، مدينة ووهان ضمن أفضل 6 مدن في تقديم الخدمات الطبية في البلاد، رغم أنها تأتي في التسلسل بعد بكين وشنغهاي.

وأشار التقرير، أنه في مجال القدرة الاستيعابية للمؤسسات الصحية، فإن ووهان تتمتع بنسبة 6.51 سرير مستشفى و2.55 طبيبا لكل 1000 شخص (وهي نسبة قليلة) بحسب الإحصاءات الحكومية.

إجراءات الصين

تعد السنة القمرية الجديدة، من أهم التواريخ في التقويم الصيني، حيث يسافر ملايين الأشخاص من مختلف أنحاء الصين ومن خارجها إلى منازل عائلاتهم للاحتفال، وهو ما يسبب مشكلة لجهود مكافحة الفيروس.

لذلك أغلقت السلطات المواقع السياحية الرئيسية بما في ذلك المدينة المعزولة في بكين، وقسم من السور العظيم، وألغت الاحتفالات العامة الكبرى في أجزاء أخرى من البلاد، بما في ذلك (معارض المعبد التقليدي في بكين، كرنفال دولي في هونغ كونغ، بطولة كرة القدم السنوية لهونغ كونغ، جميع احتفالات العام القمري الجديد في ماكاو، شنغهاي ديزني ريزورت). 

وفي 24 يناير/ كانون الثاني 2020، بدأت الصين في إقامة مستشفى جديد بمدينة ووهان لتقديم العلاج للمصابين بكورونا، ومن المقرر استكمال العمل في المنشأة الجديدة بسعة 1000 سرير، في غضون أيام.

كما أرسل الجيش الصيني، أطباء عسكريين وعاملين آخرين في المجال الطبي، إلى ووهان، كما بدأت الدولة في بناء مستشفى ثان يُتوقع أن تنتهي أعمال بنائه في غضون 15 يوما، وفق وسائل إعلام رسمية.

وعزلت الصين إقليم هوبي، الذي يتفشى فيه المرض الفيروسي، في عملية غير مسبوقة تؤثر على عشرات الملايين من السكان، ومُنعت حركة السير غير الضرورية، منذ منتصف الليل بوسط المدينة التي تشهد هدوءا غير معتاد، وفق ما أفاد به فريق وكالة الصحافة الفرنسية.

وتخضع ووهان، ومنطقتها إلى الحجر الصحي منذ 23 يناير/ كانون الثاني 2020، بهدف الوقاية من انتشار المرض. وفي المجمل، ثمة 56 مليون شخص معزولون عن العالم.

وفي يوهان، تذيع مكبرات الصوت رسالة تدعو السكان للذهاب إلى المستشفى بدون تأخير، إذا شعروا أنهم ليسوا على ما يرام، وتقول الرسالة: "ووهان لا تخاف من مواجهة المحن.. لا تسمعوا الشائعات.. لا تنشروا الشائعات".

خارج الحدود

أعلنت منظمة الصحة العالمية، أنه "من المبكر جدا، إعلان حالة طوارئ دولية، بسبب الفيروس الجديد". أما حالات الإصابة المؤكدة خارج الصين، فتتوزع على 10 دول هي: تايلاند (5)، سنغافورة (4)، أستراليا (4)، ماليزيا (3)، فرنسا (3)، اليابان (3)، كوريا الجنوبية (2)، فيتنام (2)، نيبال (1).

وفي الولايات المتحدة حيث تم تأكيد وجود 3 إصابات، أعلنت واشنطن عن تنظيم مغادرة موظفيها الدبلوماسيين ورعاياها العالقين في ووهان، آملة أن تقلع الثلاثاء المقبل الرحلة التي ستقلهم.

وتتواصل دول أخرى مع بكين لإجلاء رعاياها، لاسيما فرنسا. وثمة 500 فرنسي يقطنون في ووهان. وأشارت المجموعة الفرنسية لصناعة السيارات "بيجو-ستروين" التي تملك فرعا لها في ووهان، إلى أن موظفيها يمكن أن ينقلوا إلى شانغشا على بعد أكثر من 300 كلم نحو الجنوب.

فيما منعت سلطات هونغ كونغ، دخول سكان إقليم هوبي الصيني الذي انتشر منه وباء فيروس كورونا، استجابة لضغوط متصاعدة من أجل تطبيق إجراءات وقائية لاحتواء الوباء. ويشمل المنع من كانوا في الإقليم خلال الـ 14 يوما الماضية باستثناء مواطني هونغ كونغ.

لا علاج

حسب تقارير الصحة العالمية، ليس هناك علاج خاص ضد مرض كورونا الفيروسي، حيث يقوم الجسم بطرد الفيروسات بالمناعة الذاتية، إلا أنه يتم علاج الأعراض بالأدوية الخاصة بالسعال والمسكنات ومضادات الالتهاب.

وفي 25 يناير/ كانون الثاني 2020، قال هو شيجين، رئيس تحرير مجلة جلوبال تايمز، الصينية الرسمية: ثمة "فشل" في احتواء تفشي الفيروس، وثمة مقاطع فيديو تصور طوابير الناس الطويلة، التي تقف أمام المستشفيات في انتظار المعاينة الطبية.

ومن أبرز الوصايا المعممة، لمواجهة ذلك الوباء، هي تدابير يمكن اتخاذها، من بينها، غسل اليدين واستخدام المناديل، وإجراءات النظافة الأساسية، لأنها تحمي من كل شيء، وربما تكون السلاح الوحيد المتاح في الوقت الحالي، بالإضافة إلى الطهي الجيد للحوم والبيض، وتجنب الأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض المرض.