بعد تصاعد العنف.. ما الحل لإنهاء أزمة التقاعد والمعاشات في فرنسا؟

5 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد أكثر من 7 أسابيع على بدء إضراب عدد من القطاعات الرئيسة في فرنسا، أبرزها قطاع النقل الذي تسبب بشلل تام في عدد من المدن أهمها العاصمة باريس، ما تزال الحكومة الفرنسية متمسكة بمقترح الرئيس إيمانويل ماكرون لإصلاح قانون التقاعد الذي يرفضه 60% من الفرنسيين بحسب آخر الاستطلاعات. 

ووسط الاحتجاجات الضخمة التي خرجت في باريس 24 يناير/كانون الثاني الجاري، والتي قُدر عدد المشاركين فيها بين 350 ألف و400 ألف متظاهر، أحالت الحكومة الفرنسية مشروع إصلاح أنظمة التقاعد إلى البرلمان، رغم ضغوط النقابات التي نظّمت مظاهرات وإضرابا في البلاد تجاوز 52 يوما وهو أطول إضراب في تاريخ فرنسا.

وشهد الأسبوع الأخير تصاعدا كبيرا في حدة التوتر في فرنسا بعد حصول انقطاعات في الكهرباء تبنتها الكونفدرالية العامة للعمل، واتهم رئيسها فيليب مارتينز الحكومة، بأنها تزيد تأجيج الأوضاع. 

وتعهد مارتينز في تصريحات على هامش مشاركته في مظاهرات الجمعة بالصمود حتى سحب مشروع القانون، والاستمرار في التعبئة وممارسة الضغوط على الحكومة التي اتهمها بأنها تمارس العناد. 

ويرى زعيم حزب فرنسا الأبية اليساري المتطرف جان لوك ميلانشون أن ماكرون لم يعد يسعى للإقناع وأن نيته فقط هي الانتصار، معتبرا ذلك أسوأ ما يمكن أن يحدث في مجتمع ديمقراطي، وذلك بعد مناقشة مجلس الوزراء مشروع القانون وإحالته للبرلمان. 

ويأتي التصعيد من جانب الحكومة بعد أسبوع من إبداء بعض النقابات المشاركة في الإضراب مرونة في موقفها وتعليق الإضراب. 

وفي اليوم الـ 45 من الإضراب، أعلنت نقابة العاملين بالسكك الحديدية بالاتفاق مع الاتحاد الوطني المستقل للعمال تعليق الإضراب بدءا من الاثنين 20 يناير/كانون الثاني الجاري على أن تعود الحياة إلى طبيعتها كما كانت عليه. 

وقالت النقابتان في بيان مشترك: إن تعليق الإضراب ليس انسحابا من المعركة وإنما لأهداف أخرى على أن يتم الدعوة للتظاهر بين الحين والآخر لتذكير الحكومة بمطالب العمال، بالإضافة إلى توضيح الصورة للجمهور بأن الإضراب لا يهدف إلى تعطيل البلاد وإنما لتحقيق المصالح وحماية الحقوق المستقبلية. 

وكان من بين الأسباب التي أدت إلى إعلان النقابتين تعليق مشاركتهما في الإضراب بشكل جزئي، الأزمة المالية، حيث بدأ بعض العمال المشاركين في الإضراب يعانون من انقطاع رواتبهم لنحو 45 يوما. 

ووفقا لنائب الأمين العام لهيئة النقل المستقلة في باريس، لوران جيبالي، قررت الجمعيات العامة المكونة من ثلاثة خطوط مترو فقط من أصل 16 مواصلة الإضراب إلى أجل غير مسمى بسبب المصاعب المالية لعمالها.

الجيش على الخط

الجديد الذي يمكن أن تشهده الاحتجاجات المستمرة بحسب مواقع فرنسية هو إمكانية انضمام الجيش إلى معسكر المحتجين بهدف إصلاح المعاشات التعاقدية، وفق ما يتوقع موقع "فرانس إنفو"، مشيرا إلى أنه لا يتم التعبير عن التذمر في الشارع، "لكنه حقيقي جدا".

وكشفت صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية أن المجلس الأعلى للوظيفة العسكرية أرسل منتصف الشهر الجاري خطابا يفيد بأنه لا يمكن "إصدار رأي إيجابي" بشأن هذا القانون، ومع ذلك، حاول إيمانويل ماكرون وإدوارد فيليب طمأنة الجيش بشأن هذا الموضوع.

ويعكس موقف المجلس الأعلى للوظيفة العسكرية عدم الثقة في التصريحات السابقة للرئيس ماكرون الذي قال في 21 ديسمبر/كانون الأول الماضي: "عندما يكون المرء عسكريا لا يمس التقاعد".

وكانت هذه بمثابة رسالة تطمين للجيش للرد على المخاوف الكامنة، ووفقا لصحيفة فرانس برس فإن رئيس الوزراء إدوار فيليب ردد ما قاله ماكرون وزاد على ذلك بالقول: إن الجيش سيحافظ على الاستفادة من الإعفاءات من العمر على التقاعد، لكن فيما يبدو أن هذا الكلام لم يكن مقنعا. 

وأشار المجلس الأعلى في رسالته إلى أن إنشاء قاعدة حسابية تستند إلى الحياة المهنية بأكملها بدلا من الأشهر الستة الأخيرة ستؤدي بصورة حتمية إلى تخفيض معاشات التقاعد لبعض الجنود وسيكون المتطوعون والضباط الصغار الأكثر عرضة للعقاب.

وشهد الجمعة 17 يناير /كانون الثاني موجة جديدة من التصعيد ضد الحكومة في قلب العاصمة باريس كان أبرزها إغلاق متحف اللوفر من قبل المحتجين تنديدا بخطة الإصلاح، وشارك في المظاهرات لأول مرة عدد من الموظفين بالمتحف بعد مناشدة من نقابات عمالية يسارية. 

وقالت سلطات المتحف: إن معرض ليوناردو دافنشى، الذى يحتفل بالذكرى السنوية الخمسين لوفاة الفنان الإيطالي، والذي يتم عرضه فى متحف اللوفر، تم تعليقه وإغلاقه نتيجة لذلك.

وتعتبر هذه المرة الأولى التي يغلق فيها متحف اللوفر ومعرض ليوناردو بالكامل منذ بدء الاحتجاجات على المقترح الحكومي في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي، حيث يزور المتحف نحو 30 ألف شخص يوميا أغلبهم من السائحين. 

السترات الصفراء

وشهدت الاحتجاجات خلال الأيام الأخيرة انضمام حركة السترات الصفراء إلى المحتجين على إصلاح قانون التقاعد.

تقول سيلين جريزي الأستاذة بجامعة باريس: إن المجتمع الفرنسي صلب ولا يقبل التغيير بسهولة، وإن اللغة الصلبة للحكومة الفرنسية وماكرون زادت من استياء وتصلب ممثلي النقابات والأحزاب الفرنسية، وطالبت بشيء من المرونة من جميع الأطراف للوصول إلى حل وسط. 

وأشارت إلى أن محاولة لي ذراع الفرنسيين من قبل الحكومة هو ما تسبب في نقل الإضراب إلى ما هو أخطر والذي بدأ بقطع الكهرباء عن منطقة أورلي التي تضم مطارا ومنطقة صناعية. وأعربت جريزي عن عدم تفاؤلها من انضمام السترات الصفراء إلى المتظاهرين من أجل التقاعد وقالت إن انضمامهم سيزيد من تصلب الحكومة. 

وأضافت: "الآن تم نقل الحركة من سلمية نسبيا إلى المطالبة برفع سقف العنف في فرنسا ورأينا قطع الكهرباء وتوقيف آليات، بعد انضمام السترات الصفراء"، مشيرة إلى أن "المجتمع الفرنسي الذي يغلي من الداخل لا يريد تصعيد العنف، وأن عدم الوصول إلى حل وسط ليس في صالح الحكومة أو الشعب". 

وطالبت الشعب بأن يتسم بنوع من الهدوء، لكنها عادت لتؤكد أن ماكرون لن يتنازل أبدا عن قانونه، مشددة على وجوب التنازل من كل الأطراف والجلوس على طاولة الحوار وإلا فقد تغرق فرنسا في مشكلة معروف بدايتها ولا يعرف أحد نهايتها. 

وشهدت التظاهرات في الأسابيع الأخيرة أعمال عنف بين المحتجين والشرطة الفرنسية بعد انضمام السترات الصفراء إلى المحتجين على قانون التقاعد.

واندلعت في 18 يناير/ كانون الثاني الجاري مواجهات في مدينة نانت غربي فرنسا بين الشرطة وعشرات المتظاهرين. ووصف وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير، أحداث العنف التي شهدتها تظاهرات السترات الصفراء في باريس قبل أسبوع بأنها "مروعة"، مؤكدا أنه ستتم معاقبة المذنبين من عناصر الشرطة.

وحمل زعيم حزب فرنسا الأبية اليساري المتطرف جان لوك ميلانشون الرئيس الفرنسي المسؤولية عن كل أعمال العنف، وأنه يجب طرده من السلطة في عام 2022، كما اتهم النظام الحالي بالنظام الاستبدادي.

تنازلات حكومية

ورغم إعلان رئيس الحكومة الفرنسية تسوية على النقابات العمالية المشاركة في الإضراب تتضمن سحب مقترح رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما، إلا أن المظاهرات لم تتوقف في باريس وعدد من المدن الأخرى. 

وقال فيليب في رسالة إلى قادة النقابات في 11 يناير/كانون الثاني الجاري غداة لقائه بهم لبحث إنهاء الإضراب: "أنا على استعداد لسحب الإجراء القصير الأمد الذي اقترحته من مشروع القانون" لتحديد ما يسمى "العمر الموازن" بـ64 عاما اعتبارا من عام 2027.

وتعتبر هذه النقطة هي الأكثر جدلا بين المتظاهرين حيث يرفض العمال الفرنسيون العمل لسنوات أطول مقابل راتب تقاعدي أقل. ويتضح من استمرار الاحتجاجات والإضرابات أن المقترح لم يقنع النقابات التي خرجت في مظاهرات وذلك لأن تلك النقابات تطالب بسحب مشروع قانون تعديل التقاعد.

وهذا يعني أن الجدل بين النقابات والحكومة لم يخرج من منطقة شد الحبل، وما يؤكد ذلك أن النقابات مازالت تمارس ضغطا أكبر من خلال الإضراب المستمر والخروج في مظاهرات فيما تواصل الحكومة مضيها في تنفيذ مخططها بإحالة مشروع القانون إلى البرلمان. 

 

ووسط حالة عدم الثقة التي تسربت إلى الشعب الفرنسي بسبب عناد الحكومة مع المحتجين وعدم سماعها للشعب، يتساءل فيليب مارتينز الأمين العام للكونفدرالية العامة للعمل: "متى ستستمع الحكومة إلى المضربين والموظفين والرأي العام؟". وقال إنه على الرغم من كل الأشياء السيئة التي تقال بحق الشعب إلا أنه يبقى مصمما على تأييده لهذه الحركة.

وتقول المدرسة آني مكام التي اقتربت من سن التقاعد ببلوغها 58 عاما: إن هناك الكثير من الفرنسيين يعانون بسبب هذه الحكومة التي تريد تركيعهم، على حد وصفها.

وتمسكت مكام براتبها التقاعدي مؤكدة أنهم لن يسمحوا لماكرون بأن يمس رواتبهم، حيث تقول: "عملنا كل حياتنا لكي نكون قادرين على الخروج من العمل بتقاعد محترم، هذا بالتحديد ما يحاول تغييره".

ويقول المعارضون للمشروع الحكومي: إنه سيجبر ملايين الأشخاص على العمل لمدة أطول مقابل راتب تقاعدي أقل مما يتيحه القانون الحالي. 

وبمقتضى القانون الجديد وبمجرد دخوله حيز التطبيق في عام 2022 وهو الموعد المقترح لبدء العمل به، سيتم إنهاء العمل بأنظمة التقاعد الخاصة التي يبلغ عددها 42 نظاما، فضلا عن تحديد الحد الأدنى للمعاش بـ 1000 يورو لجميع المتقاعدين، وتحديد سن المعاش عند 64 سنة، ولن يسري النظام الجديد على الفرنسيين الذين ولدوا قبل عام 1975.

ويقف وراء زيادة سنوات العمل في فرنسا دوافع اقتصادية على قدر كبير من الأهمية. فقد أوضحت الحكومة أن "العمر الموازن" المقترح سيؤدي إلى كبح زيادة العجز في معاشات التقاعد والمتوقع أن يرتفع في السنوات المقبلة، ما يوفر 5 مليارات يورو بحلول عام 2023 ونحو 11 مليار يورو بحلول عام 2026.