القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية.. السيسي أم ابن زايد؟

أحمد يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

"يحتاج هذا الرجل إلى معرفة أنني لست ماكينة صراف آلي، الآن سوف أعطي ولكن وفقا لشروطي، إذا أعطيت، فلابد أن أحكم"، كلمات قالها محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عبرت تماما عن مكنون نفسه في علاقته برئيس النظام المصري والقائد الأعلى للقوات المسلحة عبد الفتاح السيسي.

كلمات ابن زايد التي نقلها موقع ميدل إيست آي البريطاني، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، كشفت أيضا عن تحول وتغيير في طبيعة علاقة الإمارات بالنظام المصري، والمؤسسة العسكرية من مجرد دعم وتمويل إلى إستراتيجية تأثير وتوجيه وسيطرة.

الدعم السياسي والاقتصادي الإماراتي لنظام يوليو/تموز 2013 في مصر صاحبه تطور في العلاقات العسكرية بين الدولتين، بدأ بالزيارات العسكرية المتبادلة، على مستوى وزراء الدفاع، وكبار الجنرالات، وامتد إلى إجراء مناورات مشتركة، وتعزيزه بالضربات الجوية في ليبيا.

كل ما سبق من فرضيات ودلائل، يؤكده الحضور اللافت لابن زايد رجل الإمارات الأقوى، في معرض الفعاليات المختلفة للقوات المسلحة المصرية، خلال افتتاح القواعد العسكرية، وصولا إلى المناورات القتالية.

ضيف دائم

في 15 يناير/ كانون الثاني 2020، كتب ولي عهد أبوظبي تغريدة على تويتر: "سعدت برفقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في حضور افتتاح قاعدة برنيس العسكرية ومطارها المدني".

حضر ابن زايد، برفقة السيسي افتتاح قاعدة "برنيس" العسكرية، التي تقع على البحر الأحمر جنوب شرقي مصر، وهي مجاورة لمطار برنيس الحربي، "ضمن مجموعة قواعد جديدة نفذتها القيادة العامة للقوات المسلحة بتوجيه رئاسي". 

تبلغ مساحة القاعدة 150 ألف فدان، وتضم قاعدة جوية وأخرى بحرية، تضم مستشفى عسكريا ورصيفا بحريا، بها ممرات عديدة، وتضم العديد من ميادين الرماية.

وسائل الإعلام الإماراتية الرسمية احتفت بتلك القاعدة، وبحضور محمد بن زايد ذلك الافتتاح، ومدى روعة الاستقبال الذي أبداه السيسي لضيفه.

اللافت أن الترحيب الإماراتي بالقاعدة، زامنه ترحيب إسرائيلي وفق ما أفادت "القناة 12" في التلفزيون الإسرائيلي على لسان إيهود يعاري محلل الشؤون العربية بالقناة، قائلا: "بخلاف الحدث التاريخي المتمثل في بدء ضخ الغاز من إسرائيل إلى مصر، وقع حدث آخر مهم، أقامت مصر قاعدة عسكرية ضخمة على شواطئ البحر الأحمر".

وتابع: "لدى إسرائيل وجود محدود للغاية في تلك المنطقة الحساسة، وتوسيع الوجود المصري هناك من شأنه أن يساعد أيضا في الحفاظ على أمن السفن من وإلى إسرائيل".

ظهير السيسي

دعم ابن زايد للسيسي تجلى بقوة في مرحلة ما بعد 20 سبتمبر، والاضطرابات التي حدثت في الشارع المصري، مع اندلاع مظاهرات مفاجئة ضد السلطة، إذ قدمت أبوظبي المشورة، والتخطيط لتجاوز النظام، ذلك الحدث بأقل الخسائر.

في التقرير الذي نشره موقع مدى مصر بتاريخ 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بعنوان "مهمة عمل طويلة.. إبعاد محمود السيسي إلى روسيا"، ذكر بوجود مصدر قريب من دوائر صنع القرار في إمارة أبوظبي، قال لـ (مدى مصر): إن قرار إبعاد محمود السيسي يعد "بمثابة تنفيذ لمقترح إماراتي تمت الإشارة به على الرئيس في معرض التنسيق الثنائي رفيع المستوى الممتد بينه وبين ولي عهد أبوظبي الحليف الأقرب للسيسي".

السيسي زار الإمارات في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تناول خلالها العديد من الملفات، وتوقيع الاتفاقيات مع ابن زايد، وعلى هامش الزيارة، أطلق محمد بن زايد، منصة استثمارية إستراتيجية مع مصر بقيمة 20 مليار دولار، لتنفيذ مشاريع مشتركة للاستثمار بين البلدين، ونال السيسي "وسام زايد"، وهو أرفع وسام تقدمه الإمارات لملوك ورؤساء الدول وقادتها.

ما يعني أن الإمارات أكدت على استمرار دعمها الكامل للسيسي على جميع الأصعدة، لا سيما أنها الظهير الإقليمي، والدولي للجنرال الذي يواجه الكثير من الصعوبات.

تمويل الانقلاب 

تاريخ ممتد في العلاقات بين السيسي وابن زايد، كشفته العديد من الوثائق، والتسريبات، في مارس/ آذار 2015، تحت عنوان "سبعون دقيقة تسريبات"، ظهر تسريب من داخل مكتب السيسي، أذاعته قناة "مكملين" الفضائية المعارضة بالخارج.

أبرز ما جاء في التسريبات هو بيان دور الإمارات في تمويل الانقلاب على الرئيس الراحل محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، عن طريق أذرع موالية للجيش والمخابرات الحربية.

كشف التسريب عن دور أبوظبي المالي في مرحلة، ما بعد الانقلاب، عن طريق دعم قادة الجيش ماليا، حيث تضمنت التسريبات مكالمة بين اللواء عباس كامل وسلطان الجابر وزير الدولة الإماراتي، ودارت المكالمة حول وديعة وضعت في البنك المركزي لتمويل مشروعات للقوات المسلحة، والجيش لا يستطيع التصرف فيها إلا من خلال إجراءات معقدة، حسبما ورد في التسريب على لسان اللواء عباس كامل الذي طالب سلطان الجابر بسرعة التصرف لحل هذه المشكلة مع بنك أبوظبي الوطني القائم بالتحويل.

كما تحدث عباس كامل إلى الفريق صدقي صبحي، عن دور الإمارات في تمويل حملة تمرد وجهاز المخابرات الحربية قبل مظاهرات 30 يونيو/ حزيران 2013، حيث اتضح من التسريب أن الإمارات قامت بفتح حساب لتمويل الحملة أشرف عليه الجيش ممثلا في المخابرات الحربية.

وحسب التسريب طالب عباس كامل الفريق صبحي بـ200 ألف جنيه من حساب تمرد، مضيفا أن الإمارات تحول الأموال للمخابرات الحربية والحملة على حد سواء، كذلك كان حديث عباس كامل مع صدقي صبحي لإخباره أن توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ومستشار الإمارات الحالي سيزور القاهرة للقاء سري مع السيسي ومحمود حجازي ونبيل فهمي وزير الخارجية.

تلك التسريبات كشفت دور الإمارات في الانقلاب الذي تم في مصر وأنها كانت الداعم الأول له، وعن مدى تغلغل الدولة الخليجية في أروقة المؤسسات المصرية، لا سيما العسكرية.

إمبراطورية مخترقة

في 15 نيسان/ أبريل 2015، كتبت "شانا مارشال"، مديرة مساعدة لمعهد دراسات الشرق الأوسط، وباحثة في كلية إليوت للشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، ورقة بحثية لمركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط، تحت عنوان "القوات المسلحة المصرية وتجديد الإمبراطورية الاقتصادية"، وطرحت سؤال "كيف ازدهرت العلاقات العسكرية المصرية الإماراتية بعد 30 يونيو؟"، 

الورقة البحثية أشارت إلى أن "التعاون العسكري مع الإمارات قد تسارع عشية الإطاحة بمرسي، وتضمن ذلك 3 تدريبات مشتركة بين مارس/آذار 2014 وأكتوبر/تشرين الأول 2014، وتعاون استخباراتي مستدام، وكذلك تنسيق عملياتي في غارات جوية مشتركة ضد أهداف تنظيم الدولة في ليبيا".

بداية العلاقات الرسمية بين المؤسسة العسكرية المصرية والإمارات كانت يوم 11 مارس/ آذار 2014، عندما جاءت مناورة "زايد 1" في الإمارات، كأول مناورة عسكرية بين الجيش المصري والجيش الإماراتي.

تركزت المناورة في أسلحة القوات الجوية والبحرية والقوات الخاصة، واشتملت على عدد من الأنشطة من بينها نقل وتبادل الخبرات التدريبية بين الجانبين في جميع التخصصات، والتدريب على أعمال الدفاع والهجوم على النقاط والأهداف الحيوية، وتنفيذ مناورات تكتيكية بحرية وجوية لإدارة أعمال قتال مشترك بين العناصر المشاركة باستخدام الذخيرة الحية بمشاركة المقاتلات والطائرات متعددة المهام، وبعض المدمرات والقطع البحرية وعناصر القوات الخاصة من الصاعقة والمظلات.

وفي المرحلة الأخيرة من تلك المناورات، حضر السيسي، وزير الدفاع آنذاك، الذي كان يتجهز للانتخابات الرئاسية إلى الإمارات، ليشهد برفقة محمد ابن زايد، الجزء الختامي منها.

قبلها بشهر في 8 فبراير/ شباط 2014، كان رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، في ذلك الوقت الفريق صدقي صبحي، في زيارة رسمية إلى الإمارات، أعلن أنها بغرض إنشاء قاعدة تصنيع عسكري مشترك. 

هذه العلاقات العسكرية المتجذرة، كان لها ما وراءها، وهو ما كشفت عنه الأيام المقبلة، مع التدخل الجامح لمصر، والإمارات في ليبيا.

حرب ليبيا

في 19 فبراير/شباط 2015، كشف تسريب بثته قناة "بانوراما" الليبية، عن مساع مصرية إماراتية لدعم محاولة انقلابية فاشلة بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر قبل عام، وتحديدا في فبراير/شباط 2014، وجاء الحوار المسرب بين عباس كامل، والسيسي، حينما كان الأخير وزيرا للدفاع.

محور المكالمة في الدقائق الأولى منها، دار عن أحمد قذاف الدم ابن عم معمر القذافي، ورئيس الحكومة الليبية آنذاك علي زيدان، كما تطرق الحديث للشخصية الفلسطينية، والقيادي المقال من حركة "فتح" محمد دحلان، والذي ألمح عباس لحساسية موقفه وهو مستشار ولي عهد أبو ظبي، في إشارة لدور خفي يلعبه في الداخل الليبي.

وفي 12 مارس/ آذار 2015، كشف تسريب صوتي، آخر، أذاعته قناة مكملين الفضائية، عن حوارات هاتفية بين عباس كامل والسيسي وضباط آخرين، تتضمن تدخلا في الشأن الليبي ودعما لمحمد دحلان.

وتحدث عباس كامل في التسريب مع مسؤول عسكري عن شحنة أسلحة ضخمة تزن 8 أطنان وهي تكفي لحمولة طائرة، وعن أصناف وأعداد قطع سلاح كان يجري إعدادها للشحن لجهة ما. كما تحدث عن طائرة إماراتية من طراز  C17 مخصصة للنقل العسكري محملة بأسلحة، متوجهة إلى ليبيا.

وفي 22 يوليو/ تموز 2017، كان مشهد افتتاح قاعدة محمد نجيب العسكرية، مهيبا في إخراجه ودلالته، فالقاعدة التي أصبحت أكبر القواعد العسكرية في منطقة الشرق الأوسط في ظل ما أثير عن إمكانياتها القتالية والتجهيزات العسكرية التي بداخلها، هي الأقرب من الحدود المصرية الليبية، والمتحكمة في العمليات العسكرية غربي مصر.

الافتتاح تم باستعراض ضخم، كان على رأسه السيسي برفقة كل من محمد بن زايد آل نهيان، ومستشار العاهل السعودي أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، وولي عهد البحرين الأمير حمد بن عيسى آل خليفة، واللواء خليفة حفتر.

خبراء عسكريون أكدوا في حينها أن القاعدة الجديدة ستلعب دورا بارزا في العمليات القتالية التي تجري في ليبيا، وتحديدا على صعيد توفير التدريب والدعم العسكري واللوجستي لقوات الجيش الوطني التابعة لحفتر.

عبدالخالق عبدالله، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات، والمقرب من أمراء أبوظبي، غرد على تويتر في 26 يناير/كانون الثاني 2020، بلغة أقرب إلى أن تكون لغة المتحدث الرسمي باسم الجيش المصري القادر على حسم معركة طرابلس خلال ساعات قلائل في حال فشل حفتر في حسمها.

دعم مشروط

الإعلامي المصري أسامة جاويش، قال لـ"الاستقلال": "العلاقات العسكرية بين مصر والإمارات، في ظل حكم السيسي، تثير مجموعة من التساؤلات المحورية، أهمها تلك المتعلقة بحجم النفوذ المادي، لأبوظبي داخل الجيش المصري، والثانية طبيعة التبادل العسكري، خاصة وأن ابن زايد ضيف دائم، وحاضر في معظم المناورات العسكرية، وافتتاح القواعد العسكرية، بل وحفل تخريج الضباط من مختلف الكليات العسكرية، وهو ما يجعل الجيش مكشوفا له، على جميع المستويات والأصعدة".

وأكد جاويش "ذلك الأمر بمثابة خطر على الأمن القومي للبلاد، فلا يوجد نظام يحترم أمن بلاده يقدم على مثل هذه الأمور".

وأضاف الإعلامي المصري: "عقب المؤتمر الاقتصادي، جعلت الإمارات دعمها للجيش المصري والسيسي، مشروطا، ومع استمرار وجود ولي عهد أبو ظبي في الصورة، نستطيع القول إنه يحصل على غرضه كاملا، ويدير العملية وفقا لرؤيته، في ظل تصدع الاقتصاد المصري، وضعف استقلالية الإدارة الحاكمة بعد الانقلاب، وإذا كان النظام الحالي أقام محاكم هزلية واتهم رموزا وطنية بالتخابر، فما يقوم به الآن، يندرج تحت أي توصيف إذا؟!".