تل أبيب ورام الله تعملان ضد مؤسسات فلسطينية في أوروبا.. ما السبب؟

12

طباعة

مشاركة

تواجه مؤسسات وشخصيات فلسطينية ناشطة في أوروبا حملة تشويه مزدوجة، تقودها إسرائيل والسلطة الفلسطينية على السواء، عنوانها "معاداة السامية، والإرهاب، ومنافسة منظمة التحرير".

وكشف رئيس مؤتمر فلسطينيي أوروبا، ماجد الزير في أبريل/نيسان الماضي أن هذه المؤسسات يتم تعرضها لهجمة مزدوجة من قبل اللوبيات الصهيونية في أوروبا لإعاقة نشاطاتها، ووجود بعض الحساسيات الداخلية الفلسطينية، في إشارة إلى السلطة، لأنها ترى أنها تشكل مظلة سياسية تنافس منظمة التحرير.

وتنشط عدد من الجمعيات والمؤسسات الفلسطينية في القارة الأوروبية كمؤتمر فلسطينيي أوروبا، الذي بات مؤسسة جامعة لفلسطيني الخارج، ويحظى بقبول وإجماع واسع من كيانات سياسية رسمية وغير رسمية في أوروبا، ويسعى القائمون عليه لتوظيف الساحة الأوروبية في معركتهم ضد إسرائيل، وتعريف المجتمع الأوروبي بحقيقة الصراع.

ويقدر عدد الجاليات الفلسطينية في أوروبا بنحو 350 ألف نسمة، تتصدر ألمانيا قائمة هذه الدول باستضافتها لنحو 80 ألف لاجئ فلسطيني، تليها السويد وبريطانيا وفرنسا.

ومر اللجوء الفلسطيني في أوروبا بثلاث مراحل: أولها منتصف سبعينيات القرن العشرين إبان اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، ثانيها بين 1983-1985 إبان انسحاب منظمة التحرير من لبنان، ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011،  بدأت المرحلة الثالثة من اللجوء الفلسطيني للقارة الأوروبية. 

الهوية الفلسطينية

وقد أعلن مجلس إدارة مؤسسة فلسطينيي أوروبا مؤخرا، عن بدء استعداداته لعقد مؤتمر فلسطينيي أوروبا في نسخته الثامنة عشر في العاصمة الفرنسية باريس في الخامس من أبريل/نيسان القادم، تحت عنوان "العودة قادمة والقدس العاصمة".

يعد المؤتمر بمثابة تجمع سنوي تشرف عليه مؤسسات الجاليات الفلسطينية، يشارك به ممثلو الجاليات في الدول الأوروبية، بحضور شخصيات سياسية واعتبارية من داخل فلسطين وخارجها، ويتم من خلال المؤتمر مناقشة قضايا اللاجئين، والتأكيد على حق العودة، والدعوة لتفعيل أدوات المقاطعة ضد إسرائيل.

يعتبر القائمون على المؤتمر بأنهم نجحوا في إعادة الاعتبار لقضية اللجوء الفلسطيني في الخارج بشكل عام، وفي أوروبا خصوصا، خاصة فيما يتعلق بإعادة تعريف الهوية الفلسطينية، ودحض الرواية الصهيونية أمام الرأي العام الأوروبي، وتحقيق إنجازات على صعيد تفعيل أدوات المقاطعة الشعبية للبضائع الإسرائيلية في القارة الأوروبية.

ومن المؤسسات الفلسطينية النشطة أيضا في أوروبا: مركز العودة الفلسطيني، هيئة المؤسسات الفلسطينية والعربية في برلين، التجمع الفلسطيني في ألمانيا، إضافة إلى العشرات من الكيانات والمؤسسات الأخرى.

في المقابل، تعج القارة الأوروبية بالكثير من المؤسسات الداعمة لإسرائيل، بينها: مؤسسة أصدقاء إسرائيل الأوروبيين، التحالف الأوروبي من أجل إسرائيل، المؤسسة الأوروبية للديمقراطية، مبادرة حلفاء إسرائيل.

وهناك مؤسسات أمريكية إسرائيلية مثل اللجنة الأمريكية اليهودية، وتعود خلفية هذه المؤسسات لليمين المتطرف الذي يرفض الاعتراف بالحقوق التاريخية للفلسطينيين.

التحريض الإسرائيلي

زياد العالول، المتحدث باسم المؤتمر الشعبي الفلسطيني في الخارج، والمقيم في لندن يرى أن "أدوات الضغط الإسرائيلي لا  تقف عند حد التحريض ضد المؤتمر، بل أوسع من ذلك، وتشمل ممارسة ضغط على البلديات والحكومة في البلدان التي تجرى فيها الفعاليات، وتهديد الشركات الفندقية بالمساءلة القانونية إن استضافت فعاليات أي مؤتمر تعقده الجاليات الفلسطينية في أوروبا".

وأضاف لـ"الاستقلال": أننا "في كل عام نخوض معركة على أكثر من صعيد ضد اللوبيات الصهيونية التي تسعى لإعاقة تنظيم المؤتمر، وهذا يشير إلى مدى الأذى الذي تتعرض له دولة الاحتلال من المشاركة السياسية لنواب أوروبيين وأمريكيين يبدون تعاطفهم مع القضية الفلسطينية".

في ميزان الربح والخسارة، أكد العالول أن "فلسطينيي أوروبا في موقف يمكنهم من الانتصار على الهجمة الإسرائيلية ضدهم مقارنة بالجاليات الفلسطينية المقيمة في الدول العربية، انطلاقا من مساحة الحرية الشخصية والثقافية والدينية والقومية التي وفرتها القوانين الأوروبية لأي فرد يعيش على أراضيها".

وهذا الأمر، بحسب العالول، يزعج إسرائيل على اعتبار أن نشاطات الجالية الفلسطينية في أوروبا في تصاعد مستمر، حيث استطاعت إعادة الاعتبار لقضية اللاجئين والثوابت الفلسطينية رغم مرور 70 عاما على احتلال فلسطين.

ولا يخفي رؤساء الجاليات الفلسطينية في أوروبا تعرضهم لحملة تشويه تقودها اللوبيات الصهيونية في القارة، من خلال اتهامهم بمعاداة السامية، عبر التحريض المباشر في وسائل الإعلام والصحف الأوروبية ضد الشخصيات التي تقف خلف تنظيم الفعاليات الفلسطينية، وإعاقة نشاطاتها، وتقليص الحضور الخارجي في المؤتمرات السنوية لإكسابها صبغة محلية فقط.

ونقلت صحيفة "B.Z" الألمانية في ديسمبر/كانون الأول 2019 عن السفير الإسرائيلي في ألمانيا جيريمي إيساكاروف تحذيره من مؤتمر "فلسطينيي أوروبا والأونروا.. الماضي والحاضر والمستقبل" الذي استضافته العاصمة برلين في ذات الشهر، بقوله: إن هذا "الاجتماع لن يكون لبناء جسور السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، بل للحفاظ على التعنت والعداء"، واعترف بقيامه شخصيا بمحاولة تعطيله. 

السلطة الفلسطينية

في ظل الهجمة الإسرائيلية على الجاليات الفلسطينية في أوروبا، تبدي السلطة الفلسطينية قلقها من تنامي دور هذه المؤسسات الفلسطينية في القارة.

عبد الله عبد الله رئيس اللجنة السياسية في المجلس التشريعي، وعضو المجلس الثوري لحركة فتح، قال: إن "السلطة لا تقف على مسافة واحدة مع إسرائيل في مواجهة الجاليات الفلسطينية في أوروبا، لكنها تعترض على طريقة إدارة وتوظيف اللاجئين الفلسطينيين من جهات غير رسمية، لا تمثل الكل الفلسطيني، ولا تحظى باعتراف يؤهلها لإدارة شؤون الجاليات الفلسطينية بأوروبا".

وأكد في تصريح لـ"الاستقلال" أن "منظمة التحرير لها دوائر خاصة تعنى بمتابعة شؤون الجاليات الفلسطينية في دول العالم، وهي دائرة شؤون اللاجئين، إضافة لدور السفارات الفلسطينية المنتشرة في كافة القارة الأوروبية".

وتزعم السلطة الفلسطينية أن هذه الكيانات تسعى لتشكيل مظلة سياسية توازي منظمة التحرير في الخارج، مستغلة حالة انشغال السلطة بالأوضاع الداخلية في فلسطين، وضعف السفارات الفلسطينية في الدول الأوروبية في مجابهة إسرائيل التي تنظم مؤتمرات سنوية للترويج لأفكارها منذ 2005.

ودأبت السلطة على التشكيك بنوايا وأهداف هذه المؤسسات الفلسطينية، بزعم سعيها إلى خلق جسم جديد في الخارج؛ لتقليص دور منظمة التحرير، واتهام قادتها بأنهم تابعون لتنظيم الإخوان المسلمين.

لكن تيسير محيسن، المدير السابق لقطاع العلاقات الثنائية في وزارة الخارجية الفلسطينية، قال لـ"الاستقلال": إن "فرضيات مخاوف السلطة الفلسطينية من تنامي دور فلسطينيي أوروبا ينبع من حضورهم القوي في السنوات الأخيرة، ونجاحهم بتوظيف القارة الأوروبية لخدمة القضية الفلسطينية، وهو ما فشلت به السلطة على مدار 27 عاما منذ تأسيسها".

وأضاف: أن "السلطة الفلسطينية تخشى أن يزداد دور الجاليات الفلسطينية في أوروبا، بحيث تصبح تطالب بالمشاركة في القرار السياسي الفلسطيني، وهذا من حقها، عبر تخصيص نصيب يوازي ثقلها السياسي في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية". 

ولا يمكن تجاهل ما يمثله فلسطينيي أوروبا من ثقل وأهمية على مستوى الجاليات الفلسطينية في الخارج، وهو ما سيبقي محاولات اللوبيات الصهيونية لتعطيل دور هذه الجاليات في التأثير على الرأي العام الأوروبي، أما السلطة الفلسطينية فمن الواضح أنها لن تقبل بمشاركة شخصيات من الخارج في القرار الفلسطيني، خصوصا وأنها تعارض سياساتها.

أبرز النجاحات

بدوره، يرى محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في لبنان أن فلسطينيي الخارج حافظوا على هويتهم وفعاليتهم وقادوا المشروع الوطني الفلسطيني لسنوات طويلة، متمسكين بحق العودة.

وقال في ندوة في بيروت بمناسبة سبعينية النكبة في مايو/أيار 2018: إن "فلسطين والقدس والأقصى ما زالت القضية الجامعة الموحدة للأمة، والرافعة لمن يرفعها، والبوصلة الحقيقية للصراع. وأن الشعب الفلسطيني نجح في الحفاظ على هويته الفلسطينية من خلال المؤسسات".

وعلى الرغم من الصعوبات والعوائق وشح الإمكانات، فقد نجح في "مؤتمر فلسطينيي الخارج" تجاوز العقدة التي صاحبت العديد من المبادرات المشابهة السابقة، والتي كانت تتبخر أو تذوي بُعيد قيامها بقليل.

وقال صالح في مقال له بهذا الخصوص في 14 فبراير/شباط الماضي: "تمكن المؤتمر من تشكيل هيئاته القيادية، ومن اعتماد نظامه الأساسي، ومن إعداد رؤيته وخطته الإستراتيجية لسنوات عشر قادمة، ومن تشكيل العديد من لجانه التي بدأت عملها على الأرض، ومن تنفيذ العديد من الفعاليات في لبنان وتركيا وقطر والأردن وغيرها".

كما عقدت أمانته العامة نحو عشرة اجتماعات على مدى السنتين الماضيتين للمتابعة التنفيذية للبرامج والتصورات، ونمت بشكل عام أجواء إيجابية وصريحة وقاعدة فهم وعمل مشترك بين أعضائه، على اختلاف خلفياتهم السياسية والإيديولوجية.

ومن ناحية أخرى، نبه المؤتمر إلى خطورة المرحلة وما يحاك ضد قضية فلسطين، ومحاولة طي ملفها، وتضييع حقوق الشعب الفلسطيني والعبث بثوابته، وعلى رأسها حقه في تحرير كامل أرضه ومقدساته، وفي سيادته عليها، وحقه في العودة.

ولذلك، يقول صالح: "كان ثمة إدراك عميق بضرورة استعادة فلسطينيي الخارج لدورهم الأساس في المشروع الوطني الفلسطيني. ولم يكن ذلك جديدا ولا غريبا عن دورهم الرائد منذ نكبة 1948 وكارثة 1967".

فعلى أيديهم كان إنشاء الفصائل الفلسطينية الرئيسة وقيادتها، ومنظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها، وقيادة المقاومة والعمل العسكري المقاوم؛ وبشكل عام، فإنهم قادوا المشروع الوطني الفلسطيني منذ 1948 وحتى اتفاقات أوسلو 1993، وفق محسن صالح.