"تاكلا وأوركيمن".. هكذا يحتفل المغاربة برأس السنة الأمازيغية

12

طباعة

مشاركة

أمام مبنى البرلمان في العاصمة الرباط، اختار أمازيغ المغرب أن يحتفلوا برأس السنة الأمازيغية 2970، رافعين علمهم، مرتدين ملابس ترمز إلى تراثهم، مرددين أغانيهم احتفالا بالمناسبة.

الاحتفال أمام المؤسسة الدستورية كان بغرض تجديد المطالبة بإقرار رأس السنة الأمازيغية، الذي يوافق 13 يناير/ كانون الثاني من كل عام، عيدا وطنيا وعطلة رسمية مدفوعة الأجر في البلاد.

وعُرّف "الأمازيغ" بأنهم شعوب أهلية تسكن المنطقة الممتدة من واحة سيوة غربي مصر شرقا، إلى المحيط الأطلسي غربا، ومن البحر المتوسط شمالا إلى الصحراء الكبرى جنوبا.

ليلة 12 يناير/كانون الثاني من كل عام، يحيي الأمازيغ في المغرب وتونس والجزائر وليبيا، بل وحتى في بعض المناطق من موريتانيا، احتفالات قدوم السنة الجديدة. فكيف يحتفل الأمازيغ في المغرب برأس السنة؟

احتفاء بالأرض

يحتفي الأمازيغ في المغرب الكبير بطقوس مختلفة في اللباس والطبخ والزراعة ويحرصون على الزيارات العائلية في إشارة إلى جمع شمل الأمازيغ.

يرتبط تاريخ الاحتفال بالمغرب بالأرض والزراعة، باعتبار أن شهر يناير وبالأمازيغية: "إخف أوسغاس" أول شهر في التقويم الفلاحي.

بينما يربطها أمازيغ مصر وبعض المناطق باعتلاء الملك الأمازيغي "شيشنق" عرش مصر القديمة سنة 950 قبل الميلاد، وواقعة انهزام المصريين القدامى أمام أجدادهم، واعتلاء الزعيم شيشنق العرش الفرعوني، بعد الانتصار على الملك رمسيس الثالث من أسرة الفراعنة. وهي الرواية التي دحضها مجموعة من المؤرخين، باعتبار أن رمسيس الثاني توفي في 1213 ق.م وشيشنق اعتلى عرش مصر دون حرب في 950 ق.م.

تحتفل كل منطقة بما تجود به الأرض من عطاء، وتتنوع حسب تنوع منتوجاتها الفلاحية، لكن تتوحد كلها في إعداد طبق "الكسكس" بمختلف تنوعاته، و"الحريرة" وهي عبارة عن شوربة مكونة من الحمص والعدس والطماطم.

تدس في هذه الأطباق نواة التمر (بالأمازيغية أغرمي)، ومن يجدها أولا أثناء الأكل يعتبر الأوفر حظا خلال السنة، حسب ما يعتقد الأمازيغ. 

تفرض الفواكه الجافة حضورها في ذلك اليوم، خاصة التمر والتين اليابس والحليب، وتتزين فيه النساء بملابسهن التقليدية وحلي الفضة التي ترمز إلى التراث الأمازيغي، وتخضبن أيديهن بالحناء لاستقبال السنة الجديدة في كامل زينتهن، ويرتدي الأطفال بدورهم ملابس جديدة ويحلقون شعورهم.

يضع الأمازيغ المغاربة عصيا طويلة من القصب في الحقول مكسوة بقطع من القماش، تفاؤلا بمحصول زراعي جيد.

أطباق أمازيغية

يذبح المحتفلون ديكا (ذكر الدجاج) عند غروب شمس آخر يوم من السنة ليكون طبق العشاء، فيما تعد عائلات الكسكس وهو عبارة عن سميد مع 7 أنواع من الخضار إما باللحم أو بالدجاج.

تحرص مناطق على تحضير الخبز بالأعشاب وتناول الفواكه المجففة، وتوزيع الحلوى على الأطفال، مع الامتناع التام عن تناول أي شيء مرّ عشية العام الجديد تفاؤلا بالخير في السنة الجديدة. تعد نسوة العائلة الكبيرة في بعض المناطق وجبة "تاكلا"، في بيت الجد، رمزا إلى التآزر والتضامن لكونها تقدم في إناء دائري (واحد للرجال وآخر للنساء)، يأكلون فيه بشكل مشترك بأيديهم.

و"تاكلا" هي مزيج من الدقيق والماء والملح والزبد والعسل، وعند الأمازيغ الناطقين بالعربية تسمى الوجبة بـ"الثريد" أو "العصيدة"، فيما تفضل أسر أمازيغية مغربية أخرى تحضير أطباق مثل "أوركيمن" و"إينودا".

تشتهر مناطق سوس (الجنوب الغربي للمملكة) أكثر من غيرها بطبق "أوركيمن"، وهو من الحبوب كالذرة والشعير والقمح، إضافة الى بعض القطاني كالعدس والحمص والأرز وغيرها.

وفي بعض البيوت تطبخ الوجبة مع جزء من كتف وقوائم أضحية عيد الأضحى التي يتم الاحتفاظ بها لهذا الغرض، ويبدأ إعداد الطبق منذ الصباح الباكر في إناء تقليدي من الطين يسمى (تكينت)، ويترك على نار هادئة طيلة النهار، ويؤكل على وجبة العشاء التي تكون مناسبة لتجمع العائلات والجيران وصلة الرحم بينهم.

تعتمد كل الأطباق التي يعدها الأمازيغ ليلة 12 يناير (تسمى هذه الليلة بالأمازيغية إيضناير)، من كل سنة على محصول الفلاح الأمازيغي البسيط المتمثل في القمح والسميد والخضار والفواكه المجففة، ونادرا ما يتم وضع اللحوم.

وتكون الاحتفالات أساسا من أجل طلب اليُمن والتيسير حتى تكون السنة الفلاحية جيدة، والعديد من الفلاحين يزرعون في ذلك اليوم شجر الزيتون تيمنا بأول أيام السنة الجديدة.

دلالات الاحتفال

أستاذ الأنثربولوجيا بجامعة ابن زهر بأكادير والباحث في الثقافة الأمازيغية، الحسين بويعقوبي، قال: "الاحتفال برأس السنة الأمازيغية له دلالات كثيرة، أولها تأكيد ارتباط الإنسان المغربي سواء كان ناطقا بالأمازيغية أو بالعربية في المغرب وفي جميع ربوع شمال إفريقيا بالأرض، حيث أن الجميع يحتفل بهذا التقويم".

ولفت الأنثروبولوجي في حديث لصحيفة "الاستقلال"، إلى وجود عمق تاريخي وأنثربولوجي مشترك لكل ساكني شمال إفريقيا باختلاف لغاتهم، وهذه هي الدلالة الثانية، تأكيد الانتماء لشمال إفريقيا باعتباره فضاء ثقافيا وأفقا للتفكير.

أما الدلالة الثالثة فتكمن، حسب الباحث الأمازيغي، في "أهمية الاعتناء بالأرض وخيراتها من محصول زراعي وخيرات نباتية، وهو ما نتج عنه إنتاج الأمازيغ لمعرفة مهمة عن فصول السنة وتقلباتها، وكذا حالات الجو في ارتباطه بمختلف أنماط العيش حسب الفترات".

ولهذا تعرف هذه الرزنامة (الأجندة) بتسمية "السنة الفلاحية" لارتباطها بنهاية سنة فلاحية وبداية سنة أخرى. وتحمل أيضا تسميات أخرى من قبيل "يناير"، "ايض ن ايناير"، "ايض ن اوسكاس" "اخف ن اوسكاس"، "حاكوزا".

إشارات الطبيعة

تحدث بويعقوبي عن إنتاج مجتمعات شمال إفريقيا أشعارا وأمثلة سواء بالأمازيغية أو العربية تحيل كلها علاقة الإنسان في هذه المنطقة بالأرض والتغيرات المناخية، حيث تحتفظ الثقافة الشعبية بالعديد من العبارات المسكوكة، التي تعبر عن انتظار الناس من كل شهر فلاحي، كما يواكب هذا الاحتفال العديد من الطقوس والممارسات والمعتقدات تتمنى كلها سنة فلاحية جيدة.

ومن بين الطقوس، التي رصدها دكتور الأنثروبولوجيا، "صعود العائلة ليلا لانتظار سماع صوت حيوان ما، فإن كان صوت حمار، فالسنة الفلاحية مشكوك في جودتها، وإن كان صوت بقرة فالسنة ستكون مثمرة". 

كما يتم تغيير الأحجار الثلاثة التي تشكل موقد المطبخ التقليدي (اينكان)، فإن وجدوا تحتها نملا فالسنة ستكون مزهرة، وإن وجدوا حشرات أخرى قد يكون العكس.

ويعتقد الباحث الأمازيغي أن هذا المجال يحتاج لمزيد من البحث والتنقيب أولا لجمع ما في أفواه الرجال والنساء بخصوص هذا الموضوع، وثانيا لمحاولة معرفة ذهنية الأمازيغي وسكان شمال إفريقيا عموما في علاقتهم بالطبيعة.