هيثم بن طارق.. هل يغيّر سلطان عمان الجديد منهج "دولة الحياد"؟
على مدار نصف قرن من الزمن، سار سلطان عُمان الراحل، قابوس بن سعيد، في طريق عبّده بهدوء ورصفه بالحيادية، وخلفه قرابة 4 ملايين ونصف المليون عُماني، في دولة محاطة بإقليم سخّنته الأزمات، ولا سيما خلال العقد الأخير، عقب ثورات الربيع العربي.
الحيادية التي صنعها "صديق الجميع" رسمت منهجا اتسمت به سلطنة عُمان، يتلخص في الوقوف على مسافة متساوية من كل أطراف الصراعات في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
ومع رحيل السلطان قابوس، في 10 يناير/كانون الثاني 2020، عن عمر ناهز 79 عاما، تسلم الدفة السلطان الجديد، هيثم بن طارق آل سعيد، ليكمل الطريق في منطقة محاطة بالأزمات.
وأدى السلطان هيثم بعد ساعات من إعلان الوفاة، اليمين القانونية سلطانا تاسعا لعُمان، في انتقال سلسل للسلطة، إثر الكشف عن وصية السلطان الراحل.
سلطان جديد بخلفية سياسية ليست ظاهرة، ومعلومات عنه تكاد توصف بالشحيحة جدا، تتشابه إلى حد كبير مع سابقه الذي كان قليل الظهور لكنه كثير التأثير.
لماذا اختير "هيثم" تحديدا رغم وجود أسماء أخرى؟ وهل هناك ما يميزه؟ وما التحديات التي سيواجهها مستقبلا؟ وهل يسير على نفس المنهج الحيادي؟ أسئلة كثيرة يجيب عنها محللون سياسيون عُمانيون في أحاديث لـ"الاستقلال".
من هو؟
السلطان الجديد المولود عام 1954، هو ابن عم الراحل قابوس، ويعود أصله للمؤسس الأول للدولة البوسعيدية، أحمد بن سعيد التي تتولى أسرته حكم البلاد، وتعد من أقدم الأسر العربية الحاكمة بصورة متواصلة.
وسبق أن تولى السلطان هيثم العديد من المناصب، حيث كان وزيرا للتراث والثقافة منذ فبراير/ شباط 2002 وحتى 11 يناير/ كانون الثاني 2020، ورئيس لللجنة الرئيسية للرؤية المستقبلية "عمان 2040".
وشغل أيضا العديد من المناصب في وزارة الخارجية ومنها الأمين العام، ووكيل الوزارة للشؤون السياسية، وكان مستشارا للسلطان قابوس في أمور كثيرة.
وانطلاقا من حبه للرياضة، تولى ابن طارق رئاسة الاتحاد العُماني لكرة القدم بين عامي 1983 و1986، وترأس اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الآسيوية الشاطئية الثانية التي أقيمت في مسقط 2010.
تشابه جيني
الكاتب الصحفي العماني، علي المطاعني، يقول عن شخصية السلطان هيثم: إنه من صناع السياسة في عُمان، وعضو من الأسرة الحاكمة، وكان أمين عام لوزارة الخارجية، وكذلك عضوا في مجلس الوزراء.
وأضاف المطاعني في حديث لـ"الاستقلال": "خلفيته السياسية ليست بسيطة، إنما هو من صنعها ومترجم لها، ولديه خلفية ثقافية انطلاقا من توليه وزارة التراث والثقافة".
وأشار إلى أن "صاحب الجلالة السابق كلفه بمهام خارجية في بعض القضايا والرسائل والملفات الخاصة"، استنادا إلى كونه "من الكفاءات التي يُعتمد عليها ويتسم بالرزانة والخلق والدماثة والحكمة".
هذه الصفات جلّها تميز بها السلطان قابوس خلال فترة حكمه، وهو ما دفع المطاعني إلى الحديث عن "تشابه جيني بين الزعيمين الراحل والقادم".
ثلاثة مساند
الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور عبدالله الغيلاني، قال: إن "السلطان هيثم تقلد السلطة متكئا على ثلاثة مساند ستوفر له مكانة قيادية تعينه على إدارة الدولة".
وأضح الغيلاني في حديث لـ"الاستقلال"، أن أول تلك المساند خلفيته الدبلوماسية التي يسرت له اطلاعا على تعقيدات السياسة الخارجية، وشكلت وعيه السياسي بمعادلات الصراع الإقليمي، وفتحت له نافذة على الخارج.
ويُكمل: "ثانيها، إدارته للشأن الثقافي حينا طويلا من الدهر، وثالثها، ترؤسه للرؤية المستقبلية 2040 التي ستشكل رؤيته الناظمة لإدارة الملفين الاقتصادي والخدمي، وتوفر له معطيات تمنحه وفرة معلوماتية وتفردا معرفيا يمكنه من المعالجة الصائبة".
ولفت الغيلاني إلى أن "هذه المرحلة لها تحدياتها التي أفرزتها تحولات داخلية وإقليمية، ولها مقتضياتها التي ولدتها اعتبارات جيوسياسية واقتصادية".
تحديات المرحلة
السلطان هيثم سيجد نفسه أمام "إكراهات يستلزم التعاطي معها اجتراح أدوات سياسية وإدارية غير تقليدية"، وفق ما يرى الغيلاني.
واستدل بالخطاب الأول للسلطان الجديد الذي أكد فيه استمساكه بنهج سلفه، قائلا: "لعله أراد الإشارة إلى الكليات والثوابت" التي سار عليها السلطان قابوس على مدار 50 عاما من الحكم.
وأضاف: "أما الإدارة السياسية التفصيلية والتعاطي مع الملفات الحرجة، فسيكون محكوما بإكراهات المرحلة وتحدياتها البالغة التعقيد، أي أن المقاربات التنفيذية ستقتضي نهجا أكثر فاعلية".
وفصّل الغيلاني جملة من الملفات الحرجة التي ستستحوذ على القدر الأعظم من الطاقة السياسية والجهد الإداري للسلطان هيثم، وأولها "ملف التوظيف الذي بلغ درجة من التورم تستدعي معالجات عاجلة ومقاربات جريئة، وحلولا غير تقليدية".
الوضع الداخلي
ثاني الملفات، بحسب الأكاديمي العماني، تتمثل في "التنمية التي من شأنها نقل اقتصاد السلطنة من حالته الريعية إلى الإنتاجية"، إذ "لم تعد دولة الاقتصاد الريعي الأنموذج القادر على البقاء".
وأضاف: "لم تعد البنى الاقتصادية التقليدية قادرة على الوفاء باحتياجات الدولة الحديثة"، فضلا عن أن "تنويع مصادر الدخل غدا ضرورة تنموية وشرطا جيوسياسيا لاستقرار وتكامل عملية البناء".
الملف الثالث، هو "تحديث الجهاز الإداري للدولة الذي بات مثقلا بكثير من العاهات الإدارية والإعاقات المهنية"، على حد قول الغيلاني، ومنها: "تفشي الفساد المالي والإداري وغياب الفاعلية وترهل الأداء وشيوع التقاليد الإدارية البالية".
كل ذلك، برأي الغيلاني، يفرض على المؤسسة السلطانية "تحديثا أصيلا" يفضي إلى تنقيتها من العلل الإدارية والأخلاقية، وإعادة هيكلته وفق اعتبارات مهنية صارمة.
وأضاف أن رؤية السلطان الناظمة وفريقه السياسي والتخطيطي هما المحددان الإستراتيجيان والعاملان الحاسمان في معركة البناء، "وليس من المبالغة القول إن عُمان (...) لديها خصائص تؤهلها لبلوغ نهضة اقتصادية وعمرانية نموذجية".
هل يحيد؟
واستطرد الغيلاني، قوله حول السياسة الخارجية: إن "السلطنة منخرطة بصمت في جملة من الملفات الإقليمية، ولا يسعها الإعراض عن تلك الأزمات أو تجاهلها، "ولكل منها إكراهاتها التي لا سبيل إلى تخطيها".
واستدرك: "لكن الطبيعة المركبة لتلك الأزمات تستدعي مقاربات متجددة، وإبداعا في التعاطي معها، خاصة الأزمات المتصلة بالأمن القومي العماني، وفي طليعتها الأزمة اليمنية وتداعيات الصراع الأمريكي- الإيراني، وأزمة الخليج".
ورغم ذلك، فإن السياسات العمانية لن تشهد تحولا دراماتيكيا في المدى القصير، "لكنها ستشهد انعطافات تدريجية تمليها ضرورات الإدارة السياسية، وتفرضها إكراهات الواقع المتغير، وتصيغ ملامحها عوامل الديمغرافيا والجغرافيا"، حسبما رأى الغيلاني.
بينما يقول المطاعني: إن "سياسة السلطنة الخارجية ستستمر على ما هي عليه، وفق مبادئ رُسمت سابقا متمثلة بعدم التدخل في الدول، واحترام المبادئ والمواثيق الدولية، وحسن الجوار، واستتباب الأمن في العالم".
أيادٍ خارجية
وبعد وفاة "السلطان الهادئ"، تتفتح العيون كلها على سلطنة عُمان المطلة على خليج تتسارع فيه قوى دولية منذ عقود، والتي تحيط بها تحالفات عدة، ليجد السلطان هيثم نفسه أمام تحديات عدة.
لكن المَخرج، برأي المطاعني، سيكون باستمرار اعتماد الحياد الإيجابي الذي يقف على مسافات متساوية مع الأطراف المتنازعة في المنطقة ودول العالم بهدف إحلال السلام وتغليب لغة المنطق على التجاذبات السياسية.
في الوقت نفسه، استبعد المطاعني تدخل أطراف خارجية، مؤكدا أن "عُمان لن تسمح لأي طرف كان بالتدخل في سياستها أو علاقاتها مع الدول".
وأشار إلى أن عُمان بعد نهضتها بعشر سنوات وما رافقها من صراعات وحروب خارجية، ظلت واقفة على الحياد، ولم يستطع أحد التدخل في قرارها رغم حاجتها إلى أطراف عربية ودولية في بداية انطلاقتها.
لم تنجر السلطنة إلى الأزمات التي شهدتها المنطقة -باختلاف أطرافها- منذ التأسيس، واستمرت بعيدة عن الانحياز لأي طرف حتى بعد 50 عاما من تولي السلطان قابوس.
وهنا يقول المطاعني: "هذه السياسية أثمرت عن كثير من المبادرات بين الدول العربية والعالمية، وجنّبت المنطقة الكثير من الصراعات التي هي في غنى عنها".
وأضاف الصحفي العُماني: "السلطنة ليست دولة بسيطة حتى تنجر وراء تدخلات أي دولة، ولا يوجد من يقدر على التأثير في قرارها، خاصة بعد نضوج التجربة والقناعات".