كارلوس غصن.. صانع سيارات "فر من العدالة" ورفض رئاسة لبنان

12

طباعة

مشاركة

تحولت قصة هروب المدير السابق لشركة نيسان كارلوس غصن من اليابان إلى لبنان إلى أسطورة جديدة، فبعد أن كان معروفا بعملاق صناعة السيارات في العالم، أصبح صاحب أكثر قصص الهروب غموضا وتشويقا.

واستطاع الرجل الفرار من الإقامة الجبرية المفروضة عليه في اليابان رغم مراقبته عبر الكاميرا على مدار اليوم، ووصل إلى بلده الأم في بيروت، وبعدها خُطّت حوله العديد من الحكايات والقصص التي تروي كيفية هروبه.

وجرى توقيف غصن، وهو فرنسي المولد، برازيلي من أصل لبناني، في طوكيو يوم 19 نوفمبر/تشرين ثان 2018، بتهمة ارتكاب "مخالفات مالية" عندما كان رئيسا لـ"نيسان"، التي سبق أن أنقذها من الإفلاس. وخضع مؤخرا للإقامة الجبرية على خلفية تهمة "إساءة استخدام الوظيفة".

لغز الهروب

لا تزال الدوائر الإعلامية والشرطية اليابانية حائرة في عملية هروب المليونير غصن من اليابان ولم يجزم أحد أو يحدد حتى الآن طريقة هروبه ووصوله إلى لبنان التي أعلنت أنه دخل أراضيها بطريقة شرعية. 

المحير في الموضوع والذي يثير الكثير من الأسئلة هي الوثائق التي استخدمها غصن للخروج من اليابان والدخول إلى لبنان، فالرجل الذي يحمل ثلاث جوازات سفر: برازيلي وفرنسي ولبناني، يؤكد فريقه القانوني أن جميعها ما زالت بحوزتهم. 

وعقب وصوله إلى بيروت قال غصن في بيان نقله المتحدثون باسمه في طوكيو: "أنا لم أعد بعد اليوم رهينة لنظام قضائي ياباني متحيز، يفترض الذنب، وينتهك حقوق الإنسان ويتجاهل القوانين والاتفاقات الدولية التي تصادق عليها اليابان والملزمة باحترامها. لم أهرب من العدالة، لقد حررت نفسي من الظلم والاضطهاد السياسي". 

وانتشرت الكثير من التكهنات حول طريقة الفرار التي أدت في نهايتها إلى عودة الرجل، فمنهم من زعم بأنه خرج من اليابان عبر جواز سفر فرنسي مزور، في حين قالت وسائل إعلام لبنانية: إنه جرى تهريبه داخل صندوق لآلة موسيقية عبر طائرة خاصة نقلته إلى إسطنبول ومنها إلى بيروت. 

والأمر الذي يعضد هذه الرواية ويجعلها أقرب للحقيقة هو شروع السلطات التركية بالتحقيق في الأمر وإعلانها توقيف 7 أشخاص للاشتباه في تقديمهم المساعدة في هروب مدير شركة نيسان السابق.

وبحسب وكالة الأناضول فإن الأشخاص الموقوفين يعملون في شركة طيران خاصة بينهم أربعة طيارين وموظفان اثنان في الخدمات ومدير عمليات الشركة. 

أما صحيفة "لوموند" الفرنسية، التي وصفت العملية بأنها "تليق بجيمس بوند"، أفادت بأن زوجة غصن هي من دبّرت خطة الهروب بمساعدة إخوتها من والدتها الذين يقيمون علاقات ممتازة في تركيا.

وقال محامي غصن في اليابان، جونيشيرو هيروناكا: إن هروبا مثل هذا يتطلب تخطيطا مفصلا ولا يأتي بكلفة قليلة، ولا بد أنه جرى بمساعدة "منظمة ضخمة" ليتمكن من تنفيذه. 

كما استندت الصحيفة وعدد من التقارير الإعلامية إلى بيانات موقع "فلايت رادار 24" والتي يظهر فيها مغادرة طائرة خاصة من أوساكا اليابانية إلى إسطنبول وأخرى غادرت من المدينة التركية نحو لبنان في المدة الزمنية ذاتها التي قيل إن غصن وصل فيها إلى بيروت.

من جهة أخرى نقلت وكالة رويترز عن مصدرين مقربين من غصن قولهما: إن شركة أمنية خاصة أشرفت على الخطة التي جرى إعدادها على مدى ثلاثة أشهر وشملت نقل غصن عبر طائرة خاصة إلى إسطنبول ومنها إلى بيروت في عملية لم يعلم فيها حتى قائد الطائرة أن غصن موجود على متنها.

ووصف المصدران العملية بأنها كانت احترافية للغاية من بدايتها حتى نهايتها. وقال أحد المصادر: إن غصن مقيم حاليا في منزل أحد أقارب زوجته لكنه يعتزم العودة قريبا إلى منزله في حي الأشرفية الراقي في بيروت، وأنه سيقيم مؤتمرا صحفيا في 8 يناير/كانون الثاني الجاري. 

ما موقف لبنان؟

وفي تفاصيل عملية الهروب الغامضة، اتهمت صحيفة الجارديان البريطانية غصن بأنه تلقى المساعدة من قبل مسؤولين لبنانيين عقب ورود تعليمات من القادة السياسيين لتسهيل وصوله. 

وقالت الصحيفة في تقرير لها بتاريخ 31 ديسمبر/كانون الأول: إن وزير الخارجية اللبناني السابق جبران باسيل كان داعما قويا لرجل الأعمال المغترب وأن غصن يتمتع أيضا بتغطية سياسية ورعاية من العديد من الشخصيات البارزة الأخرى في الطبقة الحاكمة بالبلاد.

وأعلن وزير العدل اللبناني ألبرت سرحان في 2 يناير/ كانون الثاني الجاري، أن القضاء تسلم طلبا من الشرطة الجنائية الدولية "الإنتربول" لأجل توقيف رجل الأعمال، كارلوس غصن بعد فراره من اليابان.

وبينت الجارديان أن أحد الشخصيات البارزة أخبرها بأنه لن يجري تسليم غصن، وقال: "إن المسؤولين الحكوميين تلقوا تعليمات من القادة السياسيين بتجاهل إجراءات وصول غصن إلى مطار بيروت وأن لبنان ليس لديه معاهدة لتسليم المجرمين مع اليابان".

ونقلت الصحيفة عن أحد كبار المسؤولين اللبنانيين قوله: "لقد عاد الآن وسيحتفل به، هناك الكثير من الإعجاب لما قام به من أعمال".

ونقلت وكالة رويترز عن مصدرين مقربين من غصن، أن الرئيس اللبناني ميشال عون استقبل غصن بحرارة بعد وصوله إلى بيروت، وقالت: إن الأخير يشعر حاليا بالابتهاج والأمان والقدرة على المواجهة.

وقال المصدران: إن غصن وجه الشكر لعون، خلال لقائه في الرئاسة، على ما حظي به هو وزوجته كارول من دعم أثناء فترة احتجازه.

وأضاف المصدران أن السفير اللبناني في اليابان كان يزور غصن يوميا أثناء فترة احتجازه، لكن المستشار الإعلامي في مكتب عون نفى للوكالة وجود أي لقاء جمع الرئيس مع غصن. 

بداية الأزمة

بدأت أزمة غصن مع اليابان في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 حينما جرى توقيفه عند عودته من الخارج إلى مطار طوكيو بتهمة التهرب الضريبي وخلال أسبوع واحد من توقيفه أعلن مجلس إدارة شركة نيسان ثم شركة ميتسوبيشي إقالته من منصبه، كما استقال من منصبه كمدير لشركة رينو في 23 يناير/كانون الثاني 2019. 

ومن أبرز الاتهامات التي وجهت إلى غصن والتي كشفت عنها شركة نيسان أنه "أساء التصرف في عدد كبير من الأعمال من بينها تقديم كشوفات تقل عن دخله الحقيقي". 

وقال المدعون اليابانيون: إن الدخل المصرح به كان 5 مليارات ين ياباني (ما يعادل 44 مليون دولار)، في الوقت الذي كسب فيه ضعف المبلغ في الفترة بين يونيو/حزيران 2010 ويونيو/حزيران 2015.

كما اتهمته الشركة باستخدام أملاكها لأغراض شخصية، وأضيف إليها لاحقا اتهامات من شركة رينو الفرنسية بوجود نفقات مشبوهة ومصاريف إضافية في تنقلاته بالطائرة، واتهامات أخرى من منظمي الأوراق المالية في الولايات المتحدة لغصن وشركة نيسان بتقديمهما إقرارات ذمة مالية مزورة.

وفي 25 إبريل/نيسان الماضي وافقت محكمة يابانية على إخلاء سبيله بكفالة مالية تقدر بـ 4.5 مليون دولار. أما غصن فيؤكد أنه بريء من كل التهم الموجهة إليه، متهما قادة شركة نيسان بالغدر وطعنه في ظهره.

وقال في مقطع مصور سجله قبل إعادة توقيفه في الرابع من إبريل/ نيسان الماضي: "أنا بريء من كل التهم الموجهة إلي، هذه ليست قضية جشع وديكتاتورية رجل، إنها قصة مؤامرة وغدر وطعن في الظهر، هذه هي كل الحكاية".

وتساءل: "لماذا حدث ذلك؟، السبب هو أنه كان هناك خوف في البداية من الخطوة التالية في التحالف فيما يتعلق بالتحولات والاتجاه نحو الاندماج قد تهدد بطريقة ما بعض الناس أو تهدد في نهاية المطاف استقلال شركة نيسان". 

واعتبر غصن أنه جرى التخلص منه لأنه كان يدافع عن الحكم الذاتي لشركة نيسان المهددة من قبل تحالف رينو ونيسان وميتسوبيشي، لكن النيابة العامة وجهت له اتهامات جديدة في إبريل/نيسان الماضي بقيامه بتحويلات مالية من شركة نيسان إلى حسابات شخصية في سلطنة عمان.

وهي الاتهامات التي رفضها أيضا وعبر عن أمله في أن يحصل في هذه القضية على محاكمة عادلة. وأفرج عنه أيضا هذه القضية بكفالة مالية قدرت بنحو 9 ملايين دولار مع منعه من السفر خارج اليابان، ويقول محاموه: إن الإجراء الذي جرى بحقه يعد بمثابة محاولة لإسكاته. 

الطريف في قرار إخلاء سبيله ووضعه تحت المراقبة هو شرط منعه من التواصل مع زوجته إلا عبر الفيديو وهو ما وصفه الكاتب الصحفي اللبناني سمير عطا الله بأنها سابقة جديدة تتفرد بها اليابان مذكرا بأن السجون الأمريكية تسمح لأعتى السجناء بمقابلة زوجاتهم.

كما يقول اليابانيون إن غصن هو اللبناني الذي أحيا صناعة السيارات في طوكيو من الخراب والإفلاس وهو الذي عثر لليابانيين على 400 ألف فرصة عمل ودمج الشركات العملاقة لإنقاذ الصناعة وهو ما انعكس على الاقتصاد الياباني المتعثر وأعاده للحياة. 

وأشار عطا الله في مقال له بجريدة الشرق الأوسط اللندنية إلى أنه بدلا من البحث عن صيغة وسطية لتسوية مخالفات غصن التي لم تثبت أصلا حتى الآن كان يمكن تسويتها مثلما يحدث في أي بلد آخر بموجب القانون والأعراف والعدل وخصوصا بموجب الشعور بالوفاء والتقدير والمبادلة. 

وأوضح أنه منذ توقيف غصن خسرت شركة نيسان أكثر من مليار دولار وتراجعت شركة رينو الفرنسية ولم يستطع مكايدوه أن يحققوا شيئا سوى حصاد الحسد، واصفا غصن بأنه الرجل الذي هزم اليابان. 

من هو؟ 

يعد كارلوس غصن اللبناني الأصل الذي يحمل الجنسيتين الفرنسية والبرازيلية إلى جوار جنسيته الأصلية من أبرز وأهم الوجوه التي عملت في مجال صناعة السيارات خلال العقود الأخيرة ولقب بعملاق صناعة السيارات بعد أن استطاع النهوض بشركتي رينو ونيسان وساعدهما في تحقيق هذه الشركات أرباحا بالمليارات بعد أن كانت توشك على الإفلاس. 

وتردد اسم "كارلوس غصن"، في عام 2014، كمرشح لمنصب رئيس الدولة اللبنانية، لكنه رفض ذلك قائلا: "يتهمونني بأنني أراكم الكثير من الوظائف، لذلك مع الأسف، لا أظن أن هذا الأمر جزء من الاحتمالات الواردة".

ورغم تنوع مسيرة غصن العملية، فإنها كانت في مجملها تسير في مجال صناعة السيارات حول العالم حيث بدأ مسيرته كمدير لمصنع في فرنسا ثم مدير للتطوير والأبحاث في مجال الإطارات الصناعية لينتقل بعد ذلك للعمل كمدير للأبحاث والتطوير لعمليات شركة "ميتشلين" في أمريكا الجنوبية، واستمر فيها لمدة 18 عاما وكان آخر منصب له في الشركة هو رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي.

في عام 1996 بدأ غصن الذي اشتهر عنه في هذا الوقت الحزم والانضباط في الإدارة، رحلته الجديدة مع شركة رينو الفرنسية التي كانت تعاني حينها من مشاكل ضخمة في الإنتاج والتسويق، وشارك في وضع حلول لمشكلاتها. 

أما في عام 1999، شجع نجاح غصن في إدارة شركة رينو التي تمتلك حصة كبيرة بشركة نيسان اليابانية أن توفده إلى اليابان للعمل على إصلاح الشركة المتعثرة هناك. 

ورغم أن المهمة كانت صعبة، فإنه استطاع انتشال الشركة التي كانت تعاني من انخفاض حاد في المبيعات وأزمة في الإدارة وديون تقترب من 22 مليار دولار، وحول الشركة من حالة الخسارة إلى المكسب منذ العام الأول.

وبذلك، تحولت مجموعة نيسان ورينو إلى ثالث أكبر مصنع للسيارات في العالم، ليضع غصن اسمه بين أشهر رجال الأعمال والرياديين عالميا. 

في عام 2006 أصبح غصن رئيسا تنفيذيا لشركتي رينو ونيسان بعد إعلان تحالفهما رسميا ليصبح بذلك الشخص الوحيد الذي يرأس شركتين بهذا الحجم في نفس الوقت.

وفي عام 2016 انضمت شركة ميتسوبيشي اليابانية إلى التحالف كمجموعة عالمية إلا أن الشركات الثلاثة كانت تعمل ككيانات منفصلة تحت قيادة كارلوس غصن.