تعديلات مرتقبة في دستور الجزائر.. ما الذي ينوي الرئيس تغييره؟
في أول خطاب له إثر توليه منصب رئاسة الجمهورية في الجزائر، أعلن الرئيس الجديد عبدالمجيد تبّون في خطاب القسم عن نيته إدخال تعديلات على دستور البلاد، استجابة لمطالب الحراك الشعبي المستمر منذ 22 فبراير/شباط 2019.
ويأتي تعديل الدستور في إطار حزمة من الإصلاحات وعد الرئيس الجديد بتنفيذها، في محاولة لاستيعاب الحراك الشعبي وتهدئته، والدخول في مرحلة جديدة في إدارة البلاد، تكسبه شرعية يرى جزء كبير من الشارع الجزائري أنها منقوصة بسبب الظروف التي أجريت فيها الانتخابات.
بدا من خلال حديث تبّون أن تعديل الدستور على سلم أولوياته، متعهدا بإجرائها خلال أسابيع قليلة، معتبرا أنه حجر الزاوية في الجمهورية الجديدة، وأوضح أن هذا التعديل سيتيح تحديد الفترات الرئاسية بفترة قابلة للتجديد مرة واحدة، وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، بما يحصن الجمهورية من حكم الفرد.
وسبق وأن أدخلت على الدستور الجزائري تعديلات واسعة في العام 2016، شملت 47 مادة، من بينها قوانين تنظيم الانتخابات ومشاركة الأحزاب في العمل السياسي وعمل الجمعيات وحرية الإعلام.
محور سياسي
المتابع لخطابات المرشحين للانتخابات الرئاسية في الجزائر، يلاحظ إجماعهم على محور سياسي عام يضم 3 خطوط عريضة، أولها تعديل الدستور الحالي، وثانيها حل البرلمان، أما ثالثها فيتعلق بتشكيل حكومة تكنوقراط أو حكومة "كفاءات وطنية" لتسيير البلاد.
هذه الخارطة السياسية تهدف إلى تحقيق جزء من مطالب الحراك الشعبي، الذي رفض المشاركة في الانتخابات وتمسك بمقاطعة التصويت فيها، وعدم الاعتراف بشرعية نتائجها.
حينها اعتبر تبّون أن أهم خطوة سياسية سيجريها في حال انتخابه رئيسا، هي تعديل الدستور، قائلا: إنه "سيطرح تعديلا دستوريا للاستفتاء الشعبي بعد 3 أشهر من الاستحقاقات الرئاسية".
وهو ما أكده تبّون في كلمته بعد أداء اليمين يوم 20 ديسمبر/ كانون الأول 2019، حيث تعهد في خطابه الافتتاحي، بعد تنصيبه رسميا، باستعجال مسألة تعديل الدستور، بوصفها "حجر الأساس" في "الجزائر الجديدة" التي ينشدها.
يبدو أن تبّون يريد أن يكرس بهذا التعديل الدستوري، قطيعة مع فترة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة الذي عرف خلالها الدستور العديد من التغييرات، من أجل تكييفه مع النزعة السلطوية التي كانت تغلب على حكمه.
تعديلات مطروحة
كشف تبّون في كلمته أن الدستور الجديد سيحدد العهدات الرئاسية بعهدتين فقط، على عكس ما كان الأمر عليه في فترة حكم بوتفليقة، الذي أدار البلاد 4 فترات رئاسية متتالية لمدة 20 عاما وكان يستعد للترشح لولاية رئاسية خامسة، والتي كانت سببا مباشرا لاندلاع الحراك الشعبي في 12 فبراير/ شباط الماضي.
وتعتبر المادة 74 من الدستور الجزائر، هي المادة الأكثر تغييرا في دساتير الجزائر. فمنذ سن دستور 23 فبراير/شباط 1989، الذي أقر مبدأ التعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة، بعد انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول 1988، تم تحديد مدة الرئاسة القصوى بفترتين فقط لكل منها 5 سنوات.
وهو ما أعيد إقراره في تعديلات عام 2016، حينما ألغى بوتفليقة تعديلا دستوريا هاما أجراه هو شخصيا في 2008 عندما عدل المادة نفسها وجعل بموجبها الترشح للرئاسة مفتوحا بعدما كان لعهدتين فقط، وهو ما أعطاه الضوء الأخضر وقتها للترشح في انتخابات 2009 لمدة رئاسية ثالثة، وبعدها لمدة رابعة في عام 2014، رغم مرضه وعدم تمكنه من المشاركة في الحملة الانتخابية، وسط تنديد واسع من قبل المعارضة.
وأصبح بذلك بوتفليقة الرئيس الوحيد في تاريخ الجزائر ما بعد الاستقلال الذي حكم البلاد لأربع دورات متتالية، ما جعل بعض المعارضين يصفونه بـ"ملك الجزائر"، إلا أن الحراك الشعبي أنهى طموحه للاستمرار في الحكم لعهدة خامسة عام 2019.
ويتوقع في ظل الأفكار العامة التي طرحها تبّون، أن يتم تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية في التعديل الدستوري المنتظر، مقارنة بالفترة السابقة التي شهدت استحواذا مطلقا من مؤسسة الرئاسة على أبسط الصلاحيات.
ومن بين الصلاحيات التي ينتظر مراجعتها، إلزام رئيس الجمهورية باختيار الوزير الأول (رئيس الحكومة) من الأغلبية البرلمانية، عكس ما هو معمول به الآن، إذ يحق للرئيس تعيين الوزير الأول الذي يريد.
حسب المادة 91 من الدستور، "يضطلع رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى السلطات التي تخولها إياه صراحة أحكام أخرى في الدستور، بالسلطات والصلاحيات… القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية، يتولى مسؤولية الدفاع الوطني (الوزارة)، يقرر السياسة الخارجية للأمة ويوجهها، يرأس مجلس الوزراء، يعين الوزير الأول بعد استشارة الأغلبية البرلمانية، وينهي مهامه".
كما تنص المادة 93 من الدستور بأن الرئيس "يعين رئيس الجمهورية أعضاء الحكومة بعد استشارة الوزير الأول"، بينما يقتصر دور الوزير الأول على تنسيق عمل الحكومة.
ومن المتوقع أن تتجه التعديلات، إلى تكليف رئيس الحكومة من الكتلة البرلمانية الأكبر في البرلمان، ونيل الثقة منه من أجل ممارسة مهامها، كما يتم توسيع صلاحيات رئيس الحكومة، ما يؤدي إلى توازن في داخل السلطة التنفيذية.
ديمقراطية حقيقية
منذ إطاحة الحراك ببوتفليقة في 2 أبريل/نيسان الماضي، بدأ الشارع الجزائري المنتفض يتسائل حول الطريقة المثلى لإحداث الانتقال الديمقراطي السليم.
جزء كبير من الحراك طالب بمرحلة انتقالية، وانتخاب مجلس تأسيسي لسن دستور جديد للبلاد والتأسيس لجمهورية ديمقراطية حقيقية، بينما رفضها جزء آخر داعم لـ "الحل الدستوري" الذي تتبناه المؤسسة العسكرية، ونجحت في إنفاذه في انتخابات 12 ديسمبر/كانون الأول 2019.
عدة أحزاب أبرزها البديل الديمقراطي التي تضم في مقدمتها جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحزب العمال وغيرها طالبت بضرورة الذهاب مباشرة إلى مجلس تأسيسي، يقوم بإعادة صياغة دستور جديد بالكامل، ويعيد تأسيس الدولة الجزائرية.
ورغم أن الانتخابات أضعفت هذا الخيار، إلا أن حزب العمال جدد تمسكه بالذهاب إلى مجلس تأسيسي، الذي يكفل تحقيق مطالب الثورة الشعبية، لكن ليس قبل إطلاق سراح السجناء السياسيين، وفي مقدمتهم زعيمته لويزة حنون.
أما حزب جبهة العدالة والتنمية، الذي قاطع الانتخابات الانتخابات الرئاسية، فدعا السلطة إلى القيام بمجموعة من الخطوات، منها "تنظيم حوار سيد وشامل حول الإصلاحات اللازمة والشروط المختلفة التي تحمي إرادة الشعب، واعتماد خريطة مستعجلة ومتدرجة في الاستجابة لمطالب الشعب، وتحافظ على الوحدة الوطنية، وتحيّد وتعزل كل الفاسدين".
مسار الإصلاحات
ولا يبتعد موقف حزب حركة مجتمع السلم (إسلامي) أكبر أحزاب المعارضة، عن هذا الموقف، حيث استقبل خطاب تبّون بإيجابية، لكنه حذّر من تكرار تجارب الماضي، داعيا إلى التعجيل "في الخطوات التي تدل على حسن النية في الإصلاحات الدستورية والقانونية هي حماية الحريات الفردية والجماعية وتحرير وسائل الإعلام من الضغط والتوجيه".
من جهته دعا الناطق الرسمي باسم حركة "عزم" حسام حمزة إلى تنظيم ندوة وطنية شاملة تتشكل من مختلف الأطياف والتيارات الوطنية، بدعوة من رئاسة الجمهورية.
وأضاف في حديث للاستقلال أن "عزم ستقترح على السلطة الجديدة وكل الفاعلين ورقة طريق دقيقة توضح الأولويات وترسم مسار الإصلاحات المطلوبة تقوم على تشخيص النقائص على المستوى المؤسساتي والرقابي في الدولة".
وأكد حمزة أن مبادرة حركته تحدد مهام الندوة الوطنية الشاملة بـ "مراجعة الدستور والقوانين العضوية المنظمة للحياة السياسية مثل قانوني الأحزاب والانتخابات، واقتراح ميثاق شرف لأخلقة الحياة السياسية".
وترى حركة عزم حسب ناطقها الرسمي أن الإصلاحات الدستورية "يجب أن تقوم على أساس القطيعة مع النظام البائد والقوى غير الدستورية، وعدم الاعتراف بدساتير بوتفليقة، كما يكون دستور 1996 نقطة الانطلاق والمرجع لتعديلات دستورية حقيقية نظرا لقيام الرئيس المخلوع بتعديلات لم يستفت فيها الشعب".
كما يجب أن "يتم تقديم مشروع التعديل الدستوري للاستفتاء الشعبي، بالإضافة إلى تعديل القانون الانتخابي بالموازاة مع تقديم مشروع التعديل الدستوري للبرلمان الحالي قبل حله، تمهيدا لانتخابات تشريعية ومحلية سابقة لأوانها".