بعد رفض "التيار والشعب وتحيا تونس".. ماذا عن مستقبل حكومة الجملي؟

12

طباعة

مشاركة

فجأة وبعد أسابيع من المشاورات، التي تراوحت بين تقدم وتأخر، أعلنت أحزاب التيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس مساء الأحد 22 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، قرارها بعدم المشاركة في الحكومة الجديدة بقيادة الحبيب الجملي رئيسها المكلف من قبل حزب حركة النهضة ورئيس الدولة قيس سعيّد.

هذا الانسحاب يعد بمثابة وأد لحكومة وليدة كانت تتحسس الخطى وهي في مراحلها الأولى للتشكيل بين مكونات سياسية وإيديولوجية متنوعة، ما قد يجبر الجملي إلى خيارات أخرى أشد قسوة من بينها العودة لحزب "قلب تونس" الغريم الرئيسي للنهضة في الانتخابات التشريعية الأخيرة. 

اتفاق مبدئي

قبل أيام قلائل، خرج رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي في ندوة صحفية رفقة قادة أحزاب النهضة والتيار الديمقراطي وتحيا تونس وحركة الشعب للإعلان عن التوصل لاتفاق من أجل تشكيل حكومة تضم الأطراف الأربعة فيها، مؤكدا أن الحوار سيتواصل وأن لديه تقديرا كبيرا بأنه سيتم التوصل إلى اتفاق على التشارك في تكوين الحكومة.

إلا أن هذه الحكومة التي اعترت مفاوضات تشكيلها صعوبات كبيرة، وشروط من مختلف الأحزاب، إضافة إلى مواقف متباينة من عدد كبير من القضايا، وقرار عدد من الأحزاب عدم الالتقاء مع أحزاب أخرى، لن ترى النور بعد تردد شديد من الأحزاب المشكلة لها وصولا إلى الإعلان عن رفض المشاركة فيها بعد اتفاق مبدئي بعكس ذلك.

بدا أن وساطة أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك والإعلامي والناشط السياسي الحبيب بوعجيلة، لم تنجح في ربط قنوات التواصل ما بين الأحزاب، خاصة بعد إعلان التيار الديمقراطي وحركة الشعب تعليق مشاركتهما.

مهمة رئيس الحكومة المكلف حبيب الجملي وحركة "النهضة" التي تصدرت الانتخابات التشريعية الأخيرة بدت معقدة وصعبة، وأصبح الباب مفتوحا على مصراعيه أمام الحديث عن احتمال التجاء النهضة للتحالف مع حزب قلب تونس رغم تأكيدها سابقا على عدم التحالف معه.

مفاجأة الأحد

مساء الأحد 22 ديسمبر/ كانون الأول الجاري وقبل ساعات من إعلان الحبيب الجملي نجاحه في تشكيل حكومة ممثلة من أحزاب النهضة (54 مقعدا) والتيار الديمقراطي (22 مقعدا) وحركة الشعب (15 مقعدا) وتحيا تونس (14 مقعدا) فوجئ الشارع التونسي بإعلان الأحزاب الثلاثة الأخيرة عدم مشاركتهم في الحكومة المرتقبة.

التيار الديمقراطي برر موقفه في بيان، عقب انعقاد اجتماع مكتبه السياسي، بأن "اتخاذ هذا القرار يأتي استنادا إلى أن التصور العام للحكومة لا يرتقي إلى مستوى التحديات المطروحة على البلاد وفقا لتقديره".

وأضاف أنه "تفاعل بجدية وإيجابية أثناء كل جولات النقاش رغم أجواء عدم الثقة التي ترسّخت بتذبذب مواقف بعض الشركاء وتقلبها"، داعيا إلى أن "تتشكل الحكومة في أقرب وقت متمنيا لها ولرئيس الحكومة المكلف التوفيق في مهامها". وأعلن أنه سيعمل على أن يكون "معارضة نزيهة وجدية ومسؤولة".

من جانبه، أوضح زهير المغزاوي أمين عام حركة الشعب أن العرض المقدم من قبل الجملي "لا يلبي الحد الأدنى مما طلبته حركة الشعب، وبالتالي فإنها غير معنية بالمشاركة في هذه الحكومة".

وقال في مؤتمر صحفي: "هناك خلاف خلال المشاورات مع الجملي بشأن مسألة البنك المركزي التونسي والمؤسسات العمومية الإستراتيجية" دون ذكر تفاصيل.

حركة "تحيا تونس" أعقبت التيار وحركة الشعب بإعلان عدم مشاركتها في حكومة الجملي، داعية في بيان إلى الإسراع في مسار تشكيلها. مبررة قرارها بـ "غياب شروط تشكيل حكومة مصلحة وطنية". محذرة من "تداعيات أزمة تشكيل الحكومة على الوضع العام بالبلاد وعلى التزامات الدولة التونسية والتحديات الاقتصادية التي تواجهها".

ودعت الحركة إلى تكوين "حكومة مصلحة وطنية حقيقية تقوم على شراكة سياسية وطنية مسؤولة، باعتبار المرحلة سياسية بامتياز حتى يمكن مواجهة استحقاقات الثورة وتجسيد برنامج يواصل تفعيل الإصلاحات الكبرى ومقاومة الفساد والحرب على الإرهاب والتطرف".

مبادرة الوساطة

يوم 6 ديسمبر /كانون الأول الجاري، أصدرت "حركة الشعب"، بيانا اعتبرت فيه أن ''الأسلوب والمنهج المعتمد في تشكيل الحكومة هو استمرار للفشل، وسيؤدي بالضرورة لما آلت إليه الحكومات المتعاقبة منذ الثورة، ما يضع الكثير من الشك حول قدرة رئيس الحكومة المكلف وفريقه المرتقب على وضع حلول للتحديات الكبرى في كل المجالات''، مؤكدة رفضها ''المشاركة في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وارتهان القرار الوطني للمحاور والدوائر الأجنبية''.

لم يتأخر التيار الديمقراطي حليف حركة الشعب، اللذان شكلا سويا كتلة نيابية واحدة، لتصبح الكتلة الثانية بعد حركة النهضة (42 نائبا)، ليعلن أنه "غير معني نهائيا بتشكيل الحكومة، وأنه لن يصوت لفائدتها بالبرلمان".

جاء ذلك خلال حديث أمين عام الحزب محمد عبو، مع إعلاميين عقب مؤتمر صحفي عقده في مقر الحزب بالعاصمة تونس، حيث قال عبو: "لا نستطيع اليوم العمل مع حركة النهضة.. هي لا تزال في حاجة إلى وزارتي العدل والداخلية، لاستغلالهما في مصالحها، هي وجملة من الأحزاب السياسية".

ورغم هذه التصريحات والمواقف إلا أن الأحزاب تفاعلت إيجابيا مع مبادرة أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك والناشط السياسي الحبيب بوعجيلة، الذين قدما يوم 20 ديسمبر /كانون الأول، وثيقة لرئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي تتضمن التوافقات بين الأحزاب السياسية المعنية التي تم تحصيلها خلال المشاورات التي جرت في إطار المبادرة التي أطلقاها مؤخرا.

وقال بن مبارك، إثر لقاء الجملي بدار الضيافة بقرطاج: إنه قدم وثيقة تحتوي على أهم مخرجات الحوارات التي جرت في إطار المبادرة السياسية التي أطلقها رفقة الحبيب بوعجيلة وشملت أحزاب النهضة والتيار الديمقراطي وحركة الشعب وحركة تحيا تونس وائتلاف الكرامة. 

هذه المبادرة مهدت للقاءات أخرى، الأول ضم رئيس مجلس النواب ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بالأمين العام للتيار الديمقراطي محمد عبو ورئيس حكومة تصريف الأعمال ورئيس حركة تحيا تونس يوسف الشاهد، قبل أن يلتقوا مرة أخرى برئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي برفقة الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي .


تردّد دائم

وبعد إعلان الحبيب الجملي مساء 20 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أنه "تم التوصل إلى توافق لا بأس به حول الخطوط الكبرى لبرنامج الحكومة"، جاء التعثر مرة أخرى.

النائب عن حركة الشعب سالم لبيض اعتبر أن "العرض السياسي لمستقبل الحكم في تونس الذي تقدم به رئيس الحكومة المكلف بحضور الغنوشي وعبو والشاهد والمغزاوي ومرافقيهم…. لا يرتقي إلى مستوى المسؤولية الوطنية والأخلاقية لإنقاذ بلد مهدد بأزمات هيكلية اقتصاديا وسياسيا وماليا واجتماعيا وربما أمنيا".

وأضاف لبيض في تدوينة نشرها على فيسبوك "يكفي من العبث بآمال الناس ومستقبل بلد تتهدده المخاطر الداخلية والصراعات الإقليمية والدولية".

كما قال القيادي في حزب التيار الديمقراطي محمد الحامدي: "الحديث عن مشاركة التيار في الحكومة قبل الاستجابة لما طلبه وموافقة مجلسه الوطني مغالطة".

وأضاف الحامدي في تدوينة على فيسبوك "إذا كان التيار يبدي مرونة من أجل المصلحة العليا للبلاد فهو لايتهافت على المشاركة في السلطة".

إعلان التيار الديمقراطي رفضه المشاركة في الحكومة، برره بعدم الاتفاق على نقل الشرطة العدلية من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل وترحيل الأمر للبت فيه من خلال مشروع أمر حكومي يُتناقش فيه بين كل المعنيين في غضون 3 أشهر، كما رفض الجملي الموافقة على إلحاق الهيئات الرقابية بوزارة الإصلاح الإداري.

أما تردد حركة الشعب فبسبب العدد الكبير من المستقلين الذين ألمح الجملي إلى منحهم مناصب وزارية، ليشكلوا الأغلبية في حكومته. 

السقوط السريع

في منتصف السبت 21 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، راجت أخبار عن التوصل لاتفاق نهائي على تركيبة حكومة الحبيب الجملي بمشاركة الأحزاب الأربعة المجتمعة، حيث خلصت المشاورات إلى حصول حزب التيار الديمقراطي على جميع شروطه وفرض مطالبه.

ولم ينجح رئيس الحكومة المكلف بإقناع "ائتلاف الكرامة" بالمشاركة فيها، إذ أعلن رئيس الكتلة سيف الدين مخلوف عقب لقائه بالجملي بأن الائتلاف سيكون رسميا في المعارضة ولن يمنح ثقته للحكومة، واعتبر مخلوف أن أطرافا حزبية رفعت "الفيتو" على مشاركة "ائتلاف الكرامة" في الحكم. 

كما يرفض ائتلاف الكرامة مشاركة حركة "تحيا تونس" والتي يرأسها رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد في الحكومة المقبلة باعتبارها مسؤولة عما اعتبر فشلا في إدارة البلاد طيلة السنوات الماضية، كما أن الحزب يضم عددا من رموز النظام القديم.

هذا التردد ثم إعلان عدم المشاركة من قبل الأحزاب المعنية، دفع أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك للتدوين على صفحته بفيسبوك قائلا: "عندما تتضح الصورة سأقدم مع الحبيب بوعجيلة لعموم الشعب شهادتنا على مجريات الأمور وتقييمنا للمفاوضات ومجرياتها سنوضح كل شئ لإنصاف الناس. نحن نشتغل في العلن ولن نخفي الحقائق. مصير البلاد مسؤولية وطنية ثقيلة وليست لعبة أمزجة".

وأمام هذا الوضع تبقى الخيارات المتاحة أمام حركة النهضة محدودة جدا، إما بالاتجاه نحو إنجاز تفاهمات مع حزب قلب تونس، رغم المواقف السابقة منه ونعته بالفساد، وإما بتسليم ملف تشكيل الحكومة لرئيس الجمهورية قيس سعيّد بعد انتهاء مهلة الشهرين التي حددها الدستور.