دفعت إليها روسيا.. هل تصلح أستانا ما أفسده نظام الأسد في جنيف؟

يوسف العلي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

انطلقت اليوم الثلاثاء 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري، جولة أستانا التي تم تأجيلها سابقا، حتى لا تتعارض مع جهود الدول الضامنة للحل السياسي في سوريا (تركيا وروسيا وإيران). وتكتسب جولة أستاتا الرابعة عشر أهميتها في ظل فشل جلسات اللجنة الدستورية بجنيف خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

حسب ما أكدته الخارجية الكازاخية، فإن انعقاد جولة اجتماعات أستانا ستكون يومي 10 و11 كانون الأول/ ديسمبر الجاري. بعدما كان مقررا انعقادها نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لكنها تأجلت بسبب انطلاق اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف.

يذكر أن آخر جولة من مفاوضات "أستانا" جرت في أغسطس/ آب الماضي، وشاركت فيها وفود الدول الضامنة، إلى جانب وفدي المعارضة السورية ونظام الأسد بحضور مسؤولين رفيعي المستوى من الأمم المتحدة والأردن ولبنان ومصر.

بيدرسون أعلن فشل الجولة الثانية من أعمال اللجنة الدستورية السورية

فشل جنيف

بعد محادثات استمرت لأسبوع كامل في مدينة جنيف السويسرية، أعلن مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا، غير بيدرسن، في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، انتهاء الجولة الثانية من المحادثات السورية "دون توافق" وبلا عقد أي اجتماع للهيئة المصغرة للجنة الدستورية.

الولايات المتحدة، حمّلت النظام السوري برئاسة بشار الأسد، المسؤولية عن فشل أعمال اللجنة الدستورية. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية مورغان أورتاغوس في بيان: إن "الشروط المسبقة لوفد النظام السوري، تنتهك النظام الداخلي للجنة الدستورية"، مؤكدة أن "هذه الشروط محاولة لتأخير جهود تدعمها المجموعة المصغرة ومجموعة أستانا".

وبما أن موسكو الضامن لنظام الأسد أمام اللاعبين الإقليميين وفي اللجنة الدستورية، كشف تقرير روسي عن انتقاد الدوائر الدبلوماسية الروسية بشدة للسلوك المتغطرس المتعمد للوفد الحكومي تجاه المجموعات الأخرى في اجتماع اللجنة الدستورية.

وذكر موقع "نيوز. ري" الروسي، أن زيارة المبعوث الخاص الروسي إلى دمشق، قبل نحو أسبوعين من محادثات أستانا وقبل أيام قليلة من وصول الزعيم التركي رجب طيب أردوغان إلى لندن لحضور قمة الناتو، تكتسي أهمية خاصة.

وأكد أن المفاوضات التي أجراها المبعوث الخاص الروسي في دمشق، ترسل إشارات واضحة لنظام الأسد، مفادها بأن "الوقت قد حان لإعطاء أهمية أكبر للعملية السياسية في سوريا وأنه من غير المنطقي مواصلة تجاهل جهود الوساطة المستمرة التي تبذلها موسكو".

وأوضح تقرير الموقع الروسي، أن "سلوك النظام السوري تجاه موسكو يقوّض إلى حد كبير الالتزامات الدبلوماسية التي تتحملها روسيا مع اللاعبين الإقليميين الآخرين مثل تركيا. وعلى العموم، أصبح هذا التحالف الإستراتيجي مع دمشق مكلفا جدا بالنسبة لموسكو".

ولفت إلى أن المبعوث الروسي الخاص ألكسندر لافنتييف ونائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين، قاما بزيارة إلى دمشق في 3 ديسمبر/كانون الأول الجاري. وفي هذا الصدد، أعلنت وزارة الخارجية الروسية في بيان رسمي أن الغرض من الزيارة مناقشة الوضع الراهن في سوريا.

 الأسد مع ألكسندر لافرينتييف ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين

غضب موسكو

وأفاد الموقع بأنه "في حقيقة الأمر كان سبب الزيارة هو مناقشة الجانب الروسي مع شركائه السوريين مسألة عمل اللجنة الدستورية، الذي توقف بسبب خطأ من دمشق. وحسب هذه البيانات فإن لدى روسيا شكاوى خطيرة ضد القيادة السورية".

وأورد أن "موسكو تواجه مشاكل فيما يتعلق بدمشق، لعل أولها أن النظام السوري، الذي لم يكن ليتمكن من استعادة أراضيه وبسط نفوذه عليها من جديد لولا مساعدة حلفائه الخارجيين مثل روسيا، يرفض الآن تقديم أي تنازلات من شأنها أن تساهم في تحسين الوضع السياسي والاقتصادي".

وأضاف الموقع أن الحكومة السورية أفسدت اندماج (قوات سوريا الديمقراطية) ضمن الجيش السوري، ما أدى إلى "تقويض المفاوضات مع المقاتلين الأكراد. أما المشكلة الثانية، فترتبط بتوقف عمل اللجنة الدستورية، التي تعد إلى حد كبير مشروع الدبلوماسية الروسية".

كما أن المبعوث الروسي شدد في لقائه مع الأسد على أن البديل عن اللجنة الدستورية والمساعي الروسية سيكون "تخريبا أمريكيا أكبر، وتعقيدات جدية جديدة قد يكون من بينها توفير أرضية لاستئناف الأعمال القتالية في أكثر من منطقة في سوريا"، كما أفادت مواقع للمعارضة السورية.

ولفتت نقلا عن مصادر، أن موسكو باتت تعاني من مشكلة جدية مع نظام الأسـد نفسه، تتمثل في شقين: أولهما يتعلق بخطابه القائم على خروجه منتصرا من الحرب وعدم استعداده لتقديم تنازلات داخلية جدية لتحسين الأداء السياسي والاقتصادي.

أما الشق الثاني، فإنه مرتبط بـ"تعجرفه" مع الأطراف الأخرى في اللجنة الدستورية، والتي ترى فيها موسكو مفتاحا أساسيا لبلورة مسار التحرك نحو التسوية السياسية النهائية، واشتراطه بأن ينطلق عملها بإصدار "بيان سياسي" تم إقحامه بشكل متعمد لعرقلة تقدُّم هذا المسار.

روسيا غاضبة من تعامل وفد النظام بغطرسة مع المعارضة

مناورة روسية

رغم الامتعاض الروسي الكبير الذي رسمه الموقع تجاه نظام الأسد، إلا أن هناك من يرى أن عدم ممارسة موسكو ضغوطا على وفد النظام في جنيف كان واضحا، وأن سفيرها هناك اكتفى بالتعهد بأن "تكون الجولات المقبلة أفضل من حيث فاعلية الاجتماعات"، في إشارة على ما يبدو لدفع الموضوع باتجاه اجتماعات "أستانا".

وتشير تقارير إعلامية إلى أن الغرب بات يخشى بشكل كبير من سعي روسيا لنقل اجتماعات اللجنة الدستورية من "جنيف" إلى "أستانا"، مشيرة إلى أن هناك ضغوطا من المجموعة المصغرة لإنجاز شيء في اللجنة، حيث أن المجموعة المصغرة للجنة قد أمهلت الدول الضامنة فترة زمنية لرؤية إنجازات اللجنة الدستورية في جنيف، وإلا ستسحب دعمها لها.

يؤكد ذلك الأنباء التي تحدثت عن أن دمشق أوصدت أبوابها بوجه المبعوث الأممي المسؤول عن الملف السوري غير بيدرسون، وذلك ردا على إبلاغ الأخير بأن وفد النظام كان سببا في فشل الجولة الثانية من محادثات اللجنة الدستورية في جنيف.

وكشفت مصادر بأن بيدرسون كان قد حمّل وفد نظام الأسد الفشل في محادثات اللجنة الدستورية، من خلال إصرار الوفد على نقاش أجندة "لا علاقة لها بالدستور" كما قال بيدرسون.

ولفتت إلى أن بيدرسون كان قد أعلن عزمه لقاء الأطراف السورية والدولية ومنها الدول الضامنة، وذلك قبل تحديد موعد جديد لجولة جديدة من محادثات اللجنة الدستورية، مشيرة إلى أن الجولة القادمة التي كان من المفترض أن تُعقد 16 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، لن تنعقد قبل الاتفاق على جدول الأعمال.

وفي خطوة للضغط على نظام الأسد، قال بيدرسون: "لدى روسيا وإيران وحدهما إمكانية ممارسة النفوذ على الحكومة في دمشق، لكن عليهما العمل سويا مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إذا كانتا تنويان رؤية تغييرات في التنمية الاجتماعية والاقتصادية بسوريا".

وأكد بيدرسن في كلمة ألقاها خلال مشاركته في مؤتمر "حوار البحر المتوسط" في روما أنه سيشارك في اجتماع أستانا يومي 10 و11 من ديسمبر/ كانون الأول الجاري.

توقيت الفشل

من جهتها، رأت الكاتبة السورية سميرة مسالمة في مقال نشرته بموقع "بروكا برس"، أن دمشق أوصدت أبوابها في وجه المبعوث الأممي، بعد جولة دستورية استعراضية لم تكتمل أركان انعقادها في جنيف بين 25 – 30 تشرين الثاني/ نوفمبر، وقدم خلالها وفد النظام أقصى ما لديه من عبارات التخوين والتصغير بحق وفد يمثل "المعارضة بمكوناتها جميعها"، ما جعل غير بيدرسون يدور في دائرة أصدقاء النظام في محاولة لطرق أبواب دمشق الموصدة في وجهه.

كما رأت أنه مع كل ما يمكن الاستقواء به أمريكيا، فإن التعويل على موقف إدارة الرئيس دونالد ترامب وتصلبه بما يتعلق بـ"أستنة" اللجنة الدستورية، وحرف ولايتها من الشأن الدستوري إلى الشأن السياسي برمته، وإطلاق عملية إعادة الإعمار، التي تراهن عليها كل من روسيا وإيران والنظام لإنقاذ اقتصاداتهم المتدهورة، مرهون بتحقيق روسيا ما وصلها من رسائل عبر التصريحات الأمريكية، التي تبدو كشروط مماثلة لما كانت عليها شروط التطبيع الـ 12 مع إيران.

ومنها، حسب الكاتبة، "النظر إلى العملية الدستورية كمقدمة لصناعة نظام سياسي سوري جديد لا يشبه سوريا ما قبل 2011، وهو ما عبرت عنه وثيقة اللاورقة التي قدمتها المجموعة الدولية المصغرة نهاية عام 2017، وتضمنت نظاما برلمانيا لدولة غير مركزية، من شأنه أن يضمن لحلفائها الأكراد مشاركة فاعلة، وهو ما يفسر الغزل الروسي لأكراد سوريا في الشمال والتفاهمات البينية بينهما والمسكوت عنها أمريكيا".

وتابعت: "الأمر الذي حاول النظام تجاهل الحديث عنه خلال إعلانه عن محادثاته مع مبعوث الرئيس بوتين الأسبوع الماضي ليأتي بيان الخارجية الروسية ليؤكد ذلك في رسالة روسية للجانب الأمريكي".

وأشارت سميرة مسالمة إلى أن "ما شهدناه في جنيف من تعطيل هو مقدمة للتدخل الأستاني المباشر للم شمل اللجنة في نور سلطان كازاخستان، ونعي مطالب الانتقال السياسي التي عول عليه السوريون لضمان حقوقهم المواطنية في بلد موحد أرضا وشعبا".

وحسب قولها: "لا مصادفات في توقيت الفشل في جنيف مع انهيار الليرة السورية أمام الدولار مؤخرا، ورغم توفر الظروف الاقتصادية لتبريره، وغباء السلطات التنفيذية السورية في معالجاته، إلا أنه صدى مباشر لرسائل المندوب الأمريكي في جلسة مجلس الأمن والذي أعاد التذكير بلاءات بلاده وأوروبا الرافضة لإعادة الإعمار في سوريا قبل الحل السياسي".