استيلاء الدولة على الممتلكات الخاصة.. ما دور برلمان المغرب؟

12

طباعة

مشاركة

لم ينته الجدل بعد في المغرب حول المادة 9 من قانون المالية 2020، التي تم تمريرها مؤخرا من غرفتي البرلمان، وتنص على منع تنفيذ أحكام أصدرتها المحكمة الإدارية ضد الدولة.

المادة أخرجت القضاة والمحامين والحقوقيين للاحتجاج أمام البرلمان، ووصل الجدل حولها إلى حد مشادات كلامية حادة بين وزراء في الحكومة.

الغريب في الأمر أن البرلمان مرر هذه المادة وهو يعلم يقينا أنها تتعارض مع ما جاء في خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس، في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، بمناسبة افتتاح البرلمان.

وقتها قال الملك: "المواطن يشتكي بكثرة، من طول وتعقيد المساطر (القوانين) القضائية ومن عدم تنفيذ الأحكام، وخاصة في مواجهة الإدارة، فمن غير المفهوم أن تسلب الإدارة المواطن حقوقه، وهي التي يجب أن تصونها وتدافع عنها، وكيف لمسؤول أن يعرقل حصوله عليها وقد صدر بشأنها حكم قضائي نهائي؟".

المادة المُرحلة من مشروع قانون مالية 2017 علقت عليها رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان -الدستورية- أمينة بوعياش، قائلة: إن المادة تمس حق المواطنين في مقاضاة الإدارة، ومنع تنفيذ الأحكام القضائية يمس المحاكمة العادلة.

بقوة القانون

أتى في نص المادة، التي وصفت بأنها ستزيد العلاقة بين المواطن والدولة سوءا، أنه "يتعين على الدائنين الحاملين لسندات أو أحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة، أن لا يطالبوا بالأداء إلا أمام مصالح الآمر بالصرف للإدارة العمومية، في حالة صدور قرار قضائي نهائي اكتسب قوة الشيء المقضي به، يدين الدولة بأداء مبلغ معين، يتعين الأمر بصرفه داخل أجل أقصاه (90 يوما)، ابتداء من تاريخ تبليغ القرار القضائي السالف ذكره في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية".

وتضيف المادة "يتعين على الآمرين بالصرف إدراج الاعتمادات اللازمة لتنفيذ الأحكام القضائية في حدود الإمكانات المتاحة بميزانياتهم، وإذا أدرجت النفقة في اعتمادات تبين أنها غير كافية، يتم عندئذ تنفيذ الحكم القضائي عبر الأمر بصرف المبلغ المعين في حدود الاعتمادات المتوفرة بالميزانية، على أن يقوم الآمر بالصرف باتخاذ كل التدابير الضرورية لتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ في ميزانيات السنوات اللاحقة، غير أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخضع أموال وممتلكات الدولة للحجز لهذه الغاية". 

المادة تُظهر أن المؤسسات (المنتخبة) تدعم بعض الإجراءات التي تهضم حقوق المواطنين، ويظهر بشكل واضح، حسب العضو المسؤول على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الكبير الميلودي، أن "هناك تواطؤا بين المؤسسات التابعة للدولة التي تأتمر بأوامر لتتفق على انتهاك الحقوق".

ورأى الميلودي في حديثه لصحيفة "الاستقلال"، أن "هذا بند يدل على امتناع الدولة عن تنفيذ الأحكام القضائية، وبمعنى آخر فهي تشرعن أو تقنن هدر حقوق المتقاضين". معتبرا أن "هذا القانون فيه نوع من التمييز بين الدولة والمواطنين العاديين كطرفين متنازعين، في الوقت الذي كان من المنتظر أن تحمي الدولة حقوق مواطنيها، أتى هذا القانون بعكس ذلك". 

أحزاب القصر

وافقت أحزاب الأغلبية على المادة عدا حزب "العدالة والتنمية" الذي أقرها في البداية قبل أن يتراجع ويمتنع عن التصويت لها نزولا على رغبة الشارع المحتج، ما خلق أزمة وسط الأغلبية الحكومية.

فريق "التجمع الوطني للأحرار" في الغرفة الثانية بالبرلمان (مجلس المستشارين) خرج ببيان اعتبر فيه أن امتناع الحزب الذي يقود الحكومة هو "انتهازية سياسية"، وانتقد "تدبير العمل الحكومي الذي لا يمكنه أن يدار برأسين"، مطالبا بـ"عقد اجتماع طارئ لمجلس رئاسة الأغلبية في أسرع وقت ممكن لوضع النقاط على الحروف.

وفي رده على "التجمع الوطني للأحرار" قال مصدر من "العدالة والتنمية" في تصريح صحفي: إن "اللجنة التقنية التي عهد لها بإيجاد صيغة توافقية على المادة 9 تجاهلت ذلك، والاتفاق الوحيد الذي حصل بين فرق الأغلبية هو إدخال تعديل على المادة بحذف الفقرة التي تنص على عدم جواز الحجز على أموال الدولة".

ما خلق حالة من الاستغراب هو تصويت حزب "الأصالة والمعاصرة"، المنتمي للمعارضة، لصالح المادة. وهو ما عبّر عنه المحلل السياسي، عمر الشرقاوي، في تدوينة عبر فيسبوك.

الشرقاوي شدد على أنه لم يكن باستطاعة المادة 9 أن تمر لولا تصويت "الأصالة والمعاصرة" لصالحها، وتابع موضحا: "لولا الجيش الاحتياطي للحزب الذي يشكل أول قوة سياسية بالغرفة الثانية بالبرلمان (مجلس المستشارين)".

الكبير الميلودي أوضح لـ"الاستقلال"، أن "جل القوانين التي أصبحت تمرر في الفترة الحكومية الأخيرة، هي في حقيقة الأمر عبارة عن أوامر من جهات ليست داخل الحكومة، وإنما مصدرها حكومة الظل المقربة من القصر وهي الحكومة الفعلية في المغرب التي تقرر في جميع القوانين". 

وتابع عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن ما يهم هذه الجهة هو الحفاظ على التوازنات المالية. مشيرا إلى وجود فقر في القوانين المالية فيما يخص الميزانية الخاصة لتنفيذ الأحكام، فالقانون المالي المغربي يفتقر لهذا النوع من الصناديق، وخوفا من أن تُمس الميزانية وتوازنات "الجهة" المالية تتخذ قرارات ضد الأحكام القضائية وبالتالي ضد المواطن.

هذه الجهة، بحسب الميلودي، هي "المكلفة بتدبير رؤوس الأموال في البلاد. في المغرب لا يوجد تمييز فمن يمتلك السلطة السياسية يمتلك السلطة المالية والاقتصادية".

المواثيق الدولية

في وقفة أمام البرلمان، قبل الموافقة عليها في غرفة المستشارين، احتج المحامون على تمرير المادة 9، ولفت نقيب المحامين ورئيس مرصد العدالة بالمغرب، عبدالرحمان بنعمرو، إلى أن المادة مخالفة للمواثيق الدولية، بالإضافة إلى مخالفتها للمشروعية القانونية والدستورية، إذ يشير الدستور إلى احترام الأحكام القضائية النهائية وتنفيذها.

وتنص المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على "الحق في امتلاك واستخدام والتصرف وتوريث ممتلكاته التي حصل عليها بشكل قانوني، ولا يجوز حرمان أي شخص من ممتلكاته إلا للمصلحة العامة، وفي الحالات وبموجب الشروط التي ينص عليها القانون، ويخضع ذلك للتعويض العادل الذي يدفع له في الوقت المناسب تعويضا عن خسارته، ويجوز أن ينظم القانون استخدام الممتلكات بما تقتضيه المصلحة العامة".

فيما أوضح الكبير الميلودي، أن القانون ينص على أن جميع القضايا الموجودة في المحاكم الإدارية التي حكمت لصالح المواطنين ضد الدولة تدخل في تطبيق المادة 9.

وقال المتحدث لـ"الاستقلال": "نزع الملكية له علاقة بمشاريع ميزانيتها مخصصة، في حين هناك قضايا أخرى يمكن أن تصدر فيها أحكام لصالح المواطن، لكن هذا القانون يمنع تطبيقها. الأمر لا يتعلق فقط بالممتلكات، وإنما أي قضية بين المواطن ومؤسسات الدولة".

حسب الميلودي، "القانون أتى فضفاضا ولم يفصل في هذه الحقوق، وتحدث عن الأحكام الصادرة من قبل المحاكم الإدارية، التي لا يمكن تنفيذها عبر الحجز على ممتلكات الدولة، وبمعنى آخر فإن الدولة وإن رفضت أن تعوض المواطن فلا أحد سيقف في وجهها. وقد جعلت القانون مفتوحا حتى تجعل فيه ثغرات يمكن النفاذ عبرها". 

بدأت مهلة الطعن الدستوري على القانون المالي وفي انتظار إصداره ليصبح نافذا، واعتبر المحلل السياسي عمر الشرقاوي، أن طريقة التصويت بالإجماع هو تواطؤ بين المعارضة والأغلبية والحكومة لخرق الدستور.

موضحا في تدوينة على فيسبوك أن "الطعن البرلماني في دستورية القانون المالي يحتاج لتحريكها إما من طرف رئيس مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) أو رئيس مجلس المستشارين، وإما عن طريق جمع التوقيعات التي تتطلب على الأقل 40 عضوا بمجلس المستشارين و79 عضوا بمجلس النواب".

بداية التهميش

تمكن الاستعمار مباشرة بعد دخوله المغرب عام 1912، وبتواطؤ ومشاركة الإقطاع وكبار القادة، من أن يجرد القبائل الأمازيغية من أراضيها وفرض قانون التمليك والتحفيظ. وكانت هذه بداية التهميش وإفقار أغلب المناطق المغربية.

ويستمر هذا التهميش حاليا لأن الأراضي لم يتم إرجاعها لأصحابها بعد أن غادر "المعمّرون" (المستعمرون الذين مُنحوا الأرض). ونظرا لأن السياسات الفلاحية المتبعة كرست بالأساس خدمة كبار الملاك، وهمشت صغار الفلاحين، كما عملت على ترسيخ سيادة النظام الرأسمالي التبعي لبلادنا عبر توجيه الإنتاج الفلاحي نحو الأسواق الخارجية (التصدير) بدلا من الاهتمام بضمان السيادة الغذائية للشعب المغربي.

أصبح هذا التوجه واضح المعالم بعد الإعلان عن السياسة الجديدة المتجسدة في مخطط "المغرب الأخضر" الذي سيضع باسم الدولة وتحت وصايتها عوامل الإنتاج الأساسية (الأرض والماء ورأس المال) في يد الرأسمال الزراعي وحفنة من كبار الملاك، مع إدماج الفلاحين أصحاب الأملاك، أما من تبقى من الفلاحين الكادحين الذي يبلغ عددهم أزيد من مليون فسيبقون خارج التغطية.

بعد استرجاعها من الاستعمار تولت شركات عمومية - تابعة للنظام - تسيير هذه الأراضي العائدة أصلا لفلاحين مغاربة تم الاستيلاء عليها بالقوة في فترة الاستعمار. وكانت مساحة هذه الأراضي تفوق المليون هكتار، وهي من أجود الأراضي الصالحة للزراعة بالمغرب وأكثرها إنتاجية. وانتزعت هذه الأراضي من أصحابها الأصليين، عن طريق الإدارة الاستعمارية.