قمة العشرين.. هل تنجح السعودية في تحسين صورتها المشوهة عالميا؟
تتولى السعودية رئاسة قمة العشرين لعام 2020، لتكون بذلك أول دولة عربية تتولى رئاستها، وذلك في ظل مساعي المملكة لتحسين صورتها التي شوهتها حرب اليمن واغتيال جمال خاشقجي مرورا بسجلها في حقوق الإنسان، فهل تنجح القمة في تحسين صورة السعودية رغم الانتقادات الموجهة لها من قبل المنظمات الدولية؟
صحيفة "لوريان لو جور" الفرنسية، أجابت عن السؤال في تقرير للصحفية جولي الكبي، فقالت: "بعد مضي أكثر من عام على وفاة الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول (2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018)، أصبح التباين لافتا للنظر، فبعد أن كان شخصا غير مرغوب فيه خلال قمة العشرين ببوينس آيرس بالأرجنتين في 2018".
وأضافت: "من المتوقع أن يكون ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، محط اهتمام لكثرين على مدار عام، بعد أن بدأت السعودية رئاستها لمجموعة العشرين الأحد الماضي".
وأوضحت الصحيفة أنه بعد مرور 11 عاما على انضمامها إلى مجموعة العشرين، خلفت الرياض اليابان من خلال استضافة اجتماع أكبر القوى الاقتصادية بالعالم المقرر عقده في 21 و22 نوفمبر/ تشرين ثاني 2020.
ولفتت إلى أن المجموعة التي تضم 19 دولة إضافة إلى رئاسة الاتحاد الأوروبي، تعتمد على نظام الدورية السنوية، كما تستضيف أيضا المنظمات الدولية التي تهدف إلى معالجة القضايا العالمية المتعلقة بالاستقرار المالي والاقتصادي العالمي.
تحسين الصورة
ونقلت الصحيفة عن إيمان الحسين، الباحثة غير المقيمة في "معهد دول الخليج العربي" بواشنطن: "رئاسة مجموعة العشرين أمر حاسم بالنسبة للمملكة العربية السعودية لأنها تعزز أهمية البلاد ودورها الاستباقي في المنطقة".
وأضافت: "على الجبهة الداخلية، أثار هذا الحدث بالفعل الكثير من الحماس بين الشباب والقوميين على نحو متزايد، حيث يرون أن هذه الرئاسة تأكيد لأهمية النفوذ المتزايد للمملكة العربية السعودية".
من جهته، رأى جان فرانسوا سيزنيك، الباحث في معهد الشرق الأوسط، في حديث للصحيفة، أن مسألة رئاسة قمة العشرين تعد نفوذا، وذلك لأن السعوديين يبذلون الكثير من الجهد لتحسين صورتهم الدولية.
قمة 2020 التي تأتي تحت شعار "اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع" وتركز على ثلاثة مجالات: "تمكين الإنسان، وخلق الظروف التي يستطيع الجميع فيها - وخاصة النساء والشباب - العيش والازدهار" و"حماية الكوكب" و"تشكيل آفاق جديدة "من خلال التركيز على الابتكار والتقدم التكنولوجي. وهي "فرصة فريدة للتوصل إلى إجماع عالمي حول القضايا الدولية" و "طرح رؤية الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء السعودية.
وذكرت الصحيفة: لكن رئاسة المملكة لهذه القمة بعيدة عن أن تلقى إجماعا بين المدافعين عن حقوق الإنسان. ففي بيان أصدرته يوم الجمعة الماضي، تساءلت هبة مريف، مسؤولة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية "كيف يمكن لبلد لديه مثل هذا السجل المروع لحقوق الإنسان في بلده أن يضمن احترام حقوق الإنسان في مثل هذه العملية الدولية الهامة؟".
وقالت هبة مريف: "يجب على قادة مجموعة العشرين الضغط على ولي العهد محمد بن سلمان لاحترام جميع حقوق الإنسان، بما في ذلك حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي".
كذلك يقوم العديد من الناشطين بالتعبير عن غضبهم على الشبكات الاجتماعية، وينددون بتناقضات برنامج مجموعة العشرين في الرياض، حيث يركز جزءا من جدول الأعمال على النساء في بلد ما زال العديد من الناشطين السعوديين محتجزين فيه بسبب دفاعهم عن حق النساء في القيادة، وفقا للصحيفة.
مهمة صعبة
وأكدت الصحيفة الفرنسية، أن توقيت الحدث مناسب للمملكة، التي تمر بحالة حساسة من الناحيتين الجيوسياسية والدبلوماسية، فبدءا من الحرب في اليمن، وظهور الانقسامات في الخليج منذ إطلاق الحصار على قطر، المتهمة بأنها قريبة جدا من طهران والإخوان المسلمين أو النفوذ المتزايد لإيران في المنطقة، تحاول السعودية جاهدة إسراع الخطى الدبلوماسية عن طريق مضاعفة الزيارات من وراء الكواليس لمحاولة إيجاد حل للصراعات المختلفة التي تتورط فيها.
وأردفت: كما أنها بحاجة كذلك إلى استعادة الثقة مع شركائها وحلفائها الغربيين، الذين نأو بأنفسهم عن الرياض في أعقاب مقتل جمال خاشقجي، وكذلك الكشف أيضا عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في الصراع المستمر باليمن.
وذكرت أنه بدعم من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تحاول المملكة السعودية منذ فترة استعادة صورتها المتضررة بشدة على الساحة الدولية، لكن المهمة أصبحت صعبة بسبب المعارضة الشديدة التي تواجهها الرياض من الكونجرس الأمريكي.
ونقلت عن جان فرانسوا سيزنيك، قوله: "طالما لم يتم حل قضية جمال خاشقجي، فإن سمعة المملكة السعودية ستظل تعاني"، مضيفا: "السعوديون، وخاصة محمد بن سلمان، اعتقدوا منذ فترة طويلة أن القضية سوف تُنسى ولكن يتم طرحها باستمرار للبحث في واشنطن".
وقتل خاشقجي الذي كان ينشر مقالات في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية ناقدة لسياسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في قنصلية بلاده في إسطنبول في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي.
وأثارت القضية ردود فعل دولية منددة أضرت بصورة المملكة وبولي العهد بشكل كبير، وفي 19 يونيو/ حزيران، أصدرت أنييس كالامار، المقررة الخاصة لدى الأمم المتحدة، تقريرا أشارت خلاله إلى "أدلة موثوق بها" تربط ولي العهد السعودي بقتل خاشقجي وبمحاولة التستر على الجريمة، ومنذ ذلك الحين، لم تلق دعوتها إلى تحقيق دولي في القضية آذانا صاغية في الأمم المتحدة.
ونوهت الصحيفة إلى أن الكونجرس أصدر، من بين أمور أخرى، قرارا يدعو إلى إنهاء الدعم الأمريكي للسعودية في اليمن، كما أدت اعتقالات الناشطين والمثقفين في المملكة العربية السعودية في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى تشويه صورة الرياض، وهي استكمال لقائمة طويلة من المعارضين الموجودين بالفعل خلف القضبان.
ورأت أن عقد قمة مجموعة العشرين في الرياض من شأنه أن يسمح للمملكة بتسليط الضوء على مشروعها الطموح المسمى "رؤية 2030" والذي يهدف إلى تنويع اقتصاد البلاد في مختلف المجالات، مثل التطور التكنولوجي والسياحة وذلك بهدف عدم اعتماد الاقتصاد على النفط في ظل انخفاض سعره والتوترات التي تشهدها المنطقة.
وخلص جان فرانسوا سيزنيك في حديثه للصحيفة الفرنسية إلى أن السعوديين "بحاجة إلى استثمارات أجنبية لمواصلة تطوير البلاد، لكن إذا بقيت سمعتها الحالية على حالها، فلن يكونوا قادرين على الحصول على أموال أجنبية إضافية لمشاريع مهمة، خاصة في من قبل الغرب".