انفتاح رئيس موريتانيا على المعارضة.. توجه جديد أم محاولة استقواء؟

12

طباعة

مشاركة

طيف من الارتياح والإيجابية يحوم حول الحياة السياسية في موريتانيا بعد أشهر قليلة من فوز الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني، في أول تداول سلمي على السلطة منذ انقلاب 2008 الذي قاده الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز.

هذا الارتياح عبّرت عنه المعارضة، بعد لقاءات أجراها الرئيس الجديد مع منافسيه في الانتخابات الأخيرة، ومع قيادات حزبية وشخصيات عامة.

وسائل الإعلام لا سيما الحكومية منها شهدت أيضا انفتاحا على المعارضة التي بدأت تحظى بفرصة مخاطبة الموريتانيين عبرها بشكل دوري، والتعبير عن مواقفها السياسية وقراءة أحزابها للوضع الحالي.

وفي ظل هذا الوضع الإيجابي، تواصل المعارضة مطالبتها بعقد مؤتمر حوار وطني شامل من أجل إنهاء القطيعة بينها وبين النظام، وسط ترقب لما سيقوم به الرئيس الجديد في إدارة الشأن العام.

هل طريقة وأسلوب حكم الرئيس الجديد سيشكل قطيعة حقيقية مع من سبقه وخلّف جوا من التفرقة والتأزم بين الأطياف  السياسية المختلفة، وحالة من انعدام الثقة أثّرت سلبا على التنمية والاقتصاد في البلاد، أم أنها مجرد مرحلة انتقالية للنظام الجديد من أجل توطيد أركانه؟.

حوار مفتوح

في ختام سلسلة من اللقاء جمعته بقادة المعارضة الموريتانية، التقى رئيس الجمهورية محمد ولد الغزواني في 14 نوفمبر /تشرين الثاني 2019، برئيس حزب التجمع الوطني من أجل الإصلاح والتنمية الإسلامي (تواصل) المعارض الأكثر تمثيلا في البرلمان.

الحزب قال: إن اللقاء الذي جمع رئيسه محمد محمود ولد سيدي بالرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزاوني، كان فرصة ثمّن خلالها الرئيس اللقاءات التشاورية مع قوى المعارضة ومختلف الفاعلين السياسيين.

وأضاف الحزب في بيان: أن "رئيس الحزب قدم خلال اللقاء رؤية حزبه ومنطلقاته وتشخيصه للمرحلة وما يواجه البلد من تحديات اجتماعية واقتصادية وسياسية".

وأشار بيان الحزب إلى أن "ولد سيدي أخبر ولد الغزاوني بضرورة اتخاذ مقاربات إصلاحية سريعة تواجه مشاكل الوحدة الوطنية، وتحسن الظروف الحياتية للمواطنين، وتجذر الديمقراطية وتحمي البلد من الهزات الناجمة عن عدم الاستجابة لتطلعات الجماهير في التنمية والرفاه والمساواة"، حسب بيان الحزب.

من جهته، ثمّن المرشح الرئاسي السابق والحقوقي المعارض بيرام الداه أعبيد، التوجه الجديد للسلطة في موريتانيا، مؤكدا أنه يبعث على الأمل.

بيرام الداه أعبيد قال لوكالة الأنباء الموريتانية في 24 نوفمبر /تشرين الثاني: إن "هناك توجها جديدا يتمثل فى الانفتاح على أقطاب المعارضة لكنه مازال يحتاج إلى المزيد عبر تقديم تنازلات من أجل تنفيذ مطالب المعارضة الشرعية المتمثلة في الإصلاح ورفع المظالم وإعطاء الحقوق وتجسيد الديمقراطية الحقيقة".

وأشار إلى أن استمرار الوضعية الحالية بنفس الوتيرة مع تقديم بعض التنازلات من السلطة والمعارضة وتوجه المعارضة نحو النقد البناء هي أمور ستساهم بلاشك في إرساء الديمقراطية وتعزيز اللحمة الوطنية كما ستشكل مرحلة جديدة يتم على أساسها بناء المستقبل، حسب قوله.

 إعلام وطني

أعبيد أشاد بفتح وسائل الإعلام العمومية أمام المعارضة في خطوة يجب تثمينها، رغم أن هذا التوجه لم يصل إلى المرحلة التي تتطلع إليها المعارضة، حسب المرشح الرئاسي السابق.

في بداية أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، وجه التلفزيون الرسمي الموريتاني الدعوة إلى المرشحين السابقين للانتخابات الرئاسية، للمشاركة في برامجه.

ودعا التلفزيون في رسائله التي نشرتها وسائل إعلام محلية، والموجهة للمرشحين المعارضين في انتخابات الرئاسة ومنهم بيرام ولد الداه أعبيدي، وسيدي محمد بوبكر، وولد مولود، إلى المشاركة في البرامج الإخبارية والتنموية والسياسية ضمن خريطة البرامج الجديدة للقناة الرسمية.

وفي حواره الذي يعتبر نادرا على التلفزيون الرسمي الموريتاني، قال رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية المعارض أحمد ولد داداه: إنه يتوقع ويتوخى أن يكون تعاطي الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مع القضايا الوطنية مطبوع بالتشاور مع الأحزاب السياسية والقوى المعارضة بشكل عام.

وأكد ولد داداه أن هذا التعاطي من شأنه فهم المقاصد، وإعطاء فرصة للمعارضة لتعبر عن مخاوفها من خلال تجربتها السياسية.

ولأول مرة في حياته، يشارك ولد داداه في مهرجان المدن القديمة الذي عقد هذا العام 2019 في مدينة شنقيط وسط البلاد، حيث عبر عن اعتزازه لحضور هذه النسخة  من المهرجان.

وأحمد ولد داداه هو أحد أقدم رموز المعارضة الموريتانية، فهو الأخ غير الشقيق للرئيس الموريتاني الراحل المختار ولد داداه والذي انقلب عليه ضباط الجيش في العام 1978. 

الانفتاح الذي أطلقه العهد الجديد في موريتانيا، يأتي بعد 10 سنوات من حكم الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز، الذي وصل إلى سدة الحكم إثر انقلاب عسكري في العام 2008، والذي عرف حسب وصف معارضيه بالصدامي والمنغلق.

التوجه الجديد في الحكم، أصبح محل جدل بين الموريتانيين حول مدى جديّته، فبين من يعتبره مناورة سياسية في مفتتح المدة الرئاسية وبين من يراه منهجية سياسية جديدة للرئيس ولد الغزواني.

خطاب الترشح

اعتبر الكاتب الصحفي والناشط المدني محمد أمين الفاضل أن هذا الانفتاح هو انفتاح جدي وحقيقي، حيث قال في حديث للاستقلال: عندما نعود لأول ظهور للرئيس ولد الغزواني في خطاب الترشح، وهو أول خطاب سياسي يتوجه به إلى الموريتانيين ، حيث ثمّن حينها دور الرؤساء السابقين وذكر إيجابياتهم وأكد أن لكل واحد منهم إيجابياته وأخطاؤه  ولكل واحد منهم لبنة في بناء موريتانيا الحديثة، وهو عكس ما كان يقع سابقا حيث كان كل رئيس يتولى الحكم يلعن الرئيس الذي سبقه".

وأكد  الفاضل في حديث للاستقلال أن " هذه الفقرة التي بدأ بها خطابه هي التي حددت السياسة التي  ينتهجها الآن خلال فترة حكمه، إذ كان من الواضح جدا أنه يريد الانفتاح على كل الطيف السياسي في موريتانيا فالتقى بقادة المعارضة والمرشحين السابقين في الرئاسيات، كما أمر بفتح الإعلام الرسمي أمامهم"   . 

صراع الحكم

الانفتاح السياسي للرئيس الجديد يأتي في وقت تعيش فيه الأغلبية الحاكمة وحزبها "الاتحاد من أجل الجمهورية" أزمة متفاقمة وصراعا على قيادته، بين مناصري ولد الغزواني وولد عبد العزيز، الذي بات يشعر أن حظوظه في إدارة الحزب الأكبر في البلاد باتت ضعيفة وفي تراجع.

العشرات من نواب الحزب وقعوا على عريضة رافضة لما اعتبروه "محاولة هيمنة" للرئيس السابق للبلاد محمد ولد عبد العزيز على الحزب، بعد ترؤسه اجتماعا لهيئته التسييرية منتصف نوفمبر/تشرين الثاني.

واعتبر محمد أمين الفاضل الناشط في المجتمع المدني الموريتاني أن التوجه الجديد الذي انتهجه ولد الغزواني، أغضب جزءا من الأغلبية الحاكمة، والتي تعودت أن تنفرد بالرئيس وتعودت ألا يكون الرئيس لكل الموريتانيين ولا مجمعا للطيف السياسي وإنما رئيسا فقط للأغلبية الحاكمة.

وأضاف الفاضل: أن "من أهم الأسباب التي أدت إلى تفاقم الأزمة داخل الموالاة، أنه لأول مرة يتم استضافة قيادات في المعارضة في مهرجان شنقيط، وتوضع في الصف الأمامي بجوار الرئيس، كما أعطي لأول مرة المكانة البروتوكولية لزعيم المعارضة الدستورية إبراهيم ولد البكاي، كما تم الترحيب به في الكلمة الافتتاحية للمهرجان".

ويعتقد الناشط أن "المعارضة منهكة حاليا، وملت من الصدام لمدة 10 سنوات مع الرئيس السابق ولها رغبة جدية للتشاور والحوار، وعندما مد الرئيس يده للمعارضة لا أقول أتت له مشيا بل جاءته هرولة".

وفي الآن نفسه، عقد قادة أحزاب المعارضة اجتماعا يوم 25 نوفمبر /تشرين الثاني،  لتدارس التطورات السياسية، إثر الخلافات داخل قيادة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، والهزة التي أحدثها ترؤس الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز لاجتماع لجنة تسيير الحزب.

وعقد قادة المعارضة اجتماعهم في المقر المركزي لحزب تواصل، وحضره قادة من أحزاب "التكتل"، و"اتحاد قوى التقدم"، و"الصواب"، و"الحركة من أجل إعادة التأسيس"، و"حاتم"، و"إيناد".

كما دعت أحزاب أحزاب "اتحاد قوى التقدم"، و"تكتل القوى الديمقراطية"، و"الاتحاد الوطني من أجل التناوب الديمقراطي" في بيان مشترك إلى التحقيق في ما قالت: إنه "فساد طال مؤسسات حكومية خلال الفترة التي تولى فيها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، السلطة (حكم من 2008 إلى 2019)".

وأضاف البيان: "جعل ولد عبد العزيز، من الثروة الوطنية ملكا خاصا، فمنح رخص التنقيب عن خيرات البلد من ذهب وحديد ونحاس وبترول وغاز واستغلال للثروات السمكية والزراعية لشركات مشبوهة، عبر اتفاقيات خارجة عن القانون، كما تم تبديد موارد الطفرة التي عرفتها البلاد إبان حكمه في تمويل مشاريع باهظة الثمن، اتضح فيما بعد أنها وهمية".

"عشریة" ولد عبد العزيز

الأحزاب الذي يجمعها "ائتلاف قوى التغییر المعارض" في موریتانیا أعلنت الدعوة للنزول إلى الشارع من أجل المطالبة بالتحقیق في عشریة حكم الرئیس السابق، وحددت السبت 7 ديسمبر/كانون الأول المقبل موعدا لمظاهرة احتجاجیة یطالب من خلالها بالتحقیق في قضایا فساد یتهم نظام ولد عبدالعزیز بالتورط فیها خلال فترة حكمه.

وفي تعليقه على موقف المعارضة، قال الفاضل: "يلاحظ المتابع للشأن السياسي في موريتانيا تغيّرا في موقف المعارضة، حيث أبدت في البداية رفضا لنتائج الانتخابات وتشكيكا في نزاهتها وفي شرعية الرئيس ولد الغزواني، لكن بعد الاتصالات التي كان توقيتها ذكيا من قبل الرئيس، عبرت المعارضة عن اعترافها به وبشرعيته، ولجأت إلى التعاون معه من أجل محاسبة الرئيس السابق على عشرية حكمه".

وأضاف الكاتب الموريتاني: "المعارضة الآن في تحالف غير معلن مع الرئيس الحالي، أولا من أجل قطع الطريق أمام أي محاولة ولد عبد العزيز للعودة إلى السلطة، ليس هذا فقط، فالمعارضة تطمح أكثر من ذلك لمحاسبة الرئيس السابق والتحقيق في كل الأمور التي حصلت خلال عهده، وساعد في ذلك قيام ولد عبد العزيز بخطوات استفزازية تجاه الرئيس الجديد".