تزامن احتجاجات بغداد وبيروت وطهران.. ما مصير المشروع الإيراني؟

12

طباعة

مشاركة

يتسلل الخوف إلى قلب النظام الإيراني منذ سنوات، تغيرت خلالها معالم الأنظمة في الشرق الأوسط بفعل الغضب العربي وثوراته، لكن القلق تزايد - وبلغ ذروته - عندما بدأت النار تشتغل في شوارع مدن فارقة بالنسبة لطهران.

الأذرع الإيرانية في لبنان والعراق بدأت تواجه ضغطا شعبيا داخليا تحرك بشكل عفوي نتيجة أوضاع سياسية واقتصادية، وهو ما يمثل قلقا كبيرا بالنسبة لطهران التي تضع بيروت وبغداد في حساباتها الإقليمية.

الضغوط هذه المرة جاءت مجتمعة على إيران وحلفائها في الشرق الأوسط، إذ أن الاحتجاجات اندلعت بوقت واحد في طهران وبيروت وبغداد، بأهداف متشابهة حركتها الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة.

لا أحد ينكر أن العوامل بين الدول الثلاث مشتركة ومتشابهة في كثير من تفاصيلها المعقدة، وأبرزها أن أذرع  طهران هي الأقوى في بيروت وبغداد، لكن هذا لن يشفع للعلاقة القوية التي يبدو أنها بدأت تهتز.

لبنان والعراق شهدا احتجاجات متزامنة قبيل اندلاع تظاهرات في إيران

وعلى مدار سنوات مضت، زرع النظام الإيراني أطرافه في دول عربية، أبرزها لبنان والعراق وسوريا واليمن، عبر دعم قوى وميليشات تحدث ثقلا لطهران في تلك الدول، بهدف تمكين مشروع سيطرتها.

لكن هذا المشروع بدأت تعترضه متغيرات جمة، بدأت في أعقاب الربيع العربي، انطلاقا من سوريا، ومرورا في اليمن، وليس انتهاء بالعراق الذي يعد معقلا أساسيا لحلفاء إيران من أصحاب الانتماء الشيعي.

تدرك إيران أن مظاهرات العراق، ومعها احتجاجات لبنان، تمثلان تحديا لها ولمشروعها، وضربة لنفوذها في المنطقة، لكنها قد تتعامل معهما بإستراتيجية أخرى، ربما تؤدي إلى نتائج على عكس ما يطالب به المتظاهرون.

وقف النفوذ

توسع دور إيران وتمددها في العراق، خلال العقد ونصف العقد الماضيين، أثار تساؤلات حول أهداف طهران ومشروعها الذي تسعى لتحقيقه منذ زمن طويل.

إيران تعتبر العراق حليفا لها، انطلاقا من الوجود الشيعي الكثيف هناك (60%-65%)، وفق تقديرات غربية، إذ سعت طهران منذ عقود على مد جسور التواصل الخفية عبر شخوص عراقية.

طوال السنوات الأخيرة، شهد العراق سلسلة احتجاجات تزامنا مع ثورات الربيع العربي، طالبت في معظمها بمحاربة الفساد وتحسين الأوضاع الاقتصادية، لكن المطلب الأبرز تمثل في وقف النفوذ والتدخل الإيرانيَين في البلاد.

في المظاهرات المندلعة منذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2019، لا تتوقف الأهداف عند إسقاط الحكومة الحالية برئاسة عادل عبدالمهدي، بل يرفع سقف المطالب إلى شعارات أكبر، من أبرزها إنهاء التحكم الإيراني في العراق.

التظاهرات الأخيرة في العراق اندلعت ضد التدخل الإيراني في البلاد

المتظاهرون من كل الطوائف في البلاد، رفعوا شعارات عدة، أبرزها "لا مقتدى ولا هادي"، في إشارة إلى مقتدى الصدر وهادي العامري، وذلك تجسيدا لمطالب الاحتجاجات التي مسّت إيران.

فالعامري يقود تحالفا من فصائل شيعية مدعومة من طهران، فيما يتزعم الصدر أكبر حزب شيعي في البلاد، في حين تدرك إيران خطورة الاحتجاجات على وجودها السياسي والعسكري وحتى الطائفي.

الخطر الأبرز بالنسبة لإيران هو أن الاحتجاجات جابت مدنا ومناطق فقيرة مهمشة ذات غالبية شيعية، حيث يتعمق النفوذ الإيراني ويتغلل هناك منذ سنوات طويلة.

الجدير ذكره هنا، أن إيران حازت دورا متعاظما في العراق، منذ رحيل نظام صدام حسين في أعقاب الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003، حيث كانت الفرصة مواتية آنذاك لطهران حتى تجعل من العراق تابعا لقراراتها.

استفادت إيران من الكثرة الشيعية التي عانت في فترة نظام حسين "السني"، كما استغلت القرب الجغرافي، فعززت نفوذها سياسيا داخل البرلمان، ودينيا عبر التقارب مع المرجعيات الشيعية، وعسكريا عبر التغلغل في أجهزة الدولة الأمنية.

إيران تدعم مجموعات مسلحة في العراق لتحقق نفوذها هناك

تصدير الثورة

في لبنان، لا تركز إيران نفوذها فقط عبر "حزب الله" الذي يتزعمه حسن نصرالله، الذي كان رافضا للاحتجاجات الجارية حاليا وسعى إلى وقفها عبر الضغط على الحكومة ووسائل الإعلام بطرق مباشرة وأخرى خفية.

ومنذ بداية الثورة الإسلامية 1979، تبنت الحكومة الإيرانية والحرس الثوري سياسة واضحة وطويلة الأمد ومفصلة حول كيفية تصدير ثورتها إلى المنطقة، وخاصة في البلدان ذات الغالبية الشيعية والتي كان لبنان واحدا منها.

والواضح في التاريخ الحديث، أن إيران أنشأت وكلاء لها في لبنان، ومنحتهم السلطة من خلال التمويل والأسلحة، وساعدتهم على التسلل إلى مؤسسات الدولة، بهدف حماية المصالح الإيرانية بدلا من حماية الناس وخدمتهم.

"حزب الله" تمكن من التغلغل أكثر فأكثر في المؤسسات الأمنية والعسكرية، "وأصبح يتحكم بطبيعة الحال في السياسة الخارجية والدفاعية، وهو ما أثر سلبا على الاقتصاد"، وفق ما يقول الكاتب الصحفي علي الأمين.

تغلغلت إيران في لبنان عبر حزب الله
قال الكاتب الصحفي علي الأمين: إن "حزب الله مع حليفه التيار الوطني الحر الذي أسسه رئيس الجمهورية ميشال عون، بأكثر من ثلث عدد الوزراء، ما يتيح لهما عرقلة أي قرار لا يرغبان به داخل الحكومة".

وحسب إفرازات الانتخابات البرلمانية التي جرت العام الماضي، فللحزب 3 وزراء، في حين حصل التيار الوطني الحر مع وزراء محسوبين على رئيس الجمهورية على 11 وزارة من بين 30 وزارة.

وعن سبب تغلغل "حزب الله" في المؤسسات الأمنية وتحوله للمتحكم الأكبر في السياسات الداخلية، أضاف الأمين، في تصريحات صحفية: أن "امتلاكه السلاح يؤثر في الواقع السياسي، كما أن سياسة إدارة الظهر من قبل الدول العربية أحدثت فراغا أمام التمدد الإيراني".

وفي مقال نشرته صحيفة "فورين بوليسي" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تقول الباحثة والكاتبة حنين غدار: "طهران تلعب (في لبنان) على قوة الطائفة الشيعية في بلد يعتمد الطائفية نظاما سياسيا رغم كل الانتقادات الموجهة لها". 

وتستدرك غدار: "لكن المفارقة محتجون في العراق، طالبوا برفع طهران يدها عن البلد، بل إن الحاضنة الرئيسية لإيران في بغداد أو بيروت (أي المناطق الشيعية) لم تعد تقبل أن تكون طهران هي من تحكمها".

الفارق أيضا في مظاهرات لبنان أنها المرة الأولى- منذ تشكيل حزب الله في الثمانينيات- ينقلب الشيعة اللبنانيون ضد حسن نصرالله في محافظة النبطية التي تعتبر معقل الجماعة في جنوب لبنان، حيث أحرق المحتجون الشيعة مكاتب قادة الحزب.

مظاهرات لبنان اندلعت في أكتوبر الماضي ضد الحكومة وقراراتها
عدوى الاحتجاجات

عن دلالة تزامن المظاهرات اللبنانية والعراقية مع الإيرانية، يقول أستاذ السياسة والفلسفة في جامعة لبنان، باسل صالح: إنه لا يمكن البت في دلالة واضحة ومباشرة بين اندلاع الانتفاضات الثلاثة، لكن "الشعوب تصاب بعدوى الثورة".

ويضيف صالح في حديث لـ "الاستقلال": أن "أجواء المنطقة (الشرق الأوسط) متأزمة"، متسائلا: "فكيف إذا ما كانت تحتوي أنظمة قمعية وتسلطية تمعن في قهر البلاد والفساد، والإطاحة بمؤسسات الدولة والحريات".

ومن هذا المنطلق يمكننا القول، وفق صالح: أن ما يجري "يعد مسألة انتفاضة للطبقة الشعبية على السياسية الحاكمة، وجاءت إلى حد قريب من التزامن".

وفيما إذا كانت الاحتجاجات في إيران ستؤدي إلى سقوط نظام الخميني، يشير إلى أن "الشعار المطروح فيها يمس النظام بشكل مباشرة، ويمس المرشد الأعلى بشكل خاص، كما أنه يمس المسألة السياسية بشكل عام".

وبالنسبة للحراك في طهران، فإنه "شهد هتافات مباشرة ضد صرف المال الإيراني وفتح جبهات من جيوب الإيرانيين ذاتهم، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي حصلت نتيجة للحسابات السياسية"، بحسب صالح.

التمدد الإيراني

حول مصير التمدد الإيراني، يستشهد صالح بالمتغيرات الجارية في المنطقة، "فبالطبع سيتأثر المشروع عند رؤية حراكات شعبية تسير من لبنان إلى العراق فإيران، فضلا عن عودة المظاهرات بشكل أو بآخر إلى سوريا، وباقي التحركات في الدول العربية".

وفي معرض رده على سؤال حول قلق إيران وحلفائها في المنطقة من الاحتجاجات، يشدد أستاذ السياسة والفلسفة على "تأكيد الخوف الإيراني لأن التظاهرات تمس بنظام طهران".

معنى ذلك أن الاحتجاجات "تمس بالجماعات التي تعتمد عليها إيران في نفوذها، مثل الحشد الشعبي في العراق، أو حزب الله في لبنان، أو حركة حماس في قطاع غزة، أو ميليشيا الحوثي في اليمن"، وفق قوله.

ويضيف: "من المؤكد أن هذه الجماعات تتضرر من محاولة قلب الأنظمة التي تشكل حصنا منيعا لنفوذ إيران (في الشرق الأوسط)، وذلك انطلاقا من قدرتها على التدخل في هذه الدول وقولبة أنظمتها".

"ستقلق إيران وأنصارها"، يؤكد صالح قبل أن يعلل بقوله: "هذه الأنظمة ستُمس اقتصاديا وسياسيا وعسكريا بمجرد تقليم أظافر إيران أو قطع أذرعها التي تعتمد عليها لفرض شروطها في المنطقة".

بناء على ذلك، يؤكد أن "خريطة إيران ستختلف، إذ أنها ستفقد نفوذها وإطلالتها على البحر الأبيض المتوسط، وموقع الجيو إستراتيجي، وبالتالي لن يتبقى إمكانية لمناورة إيران وفرض شروطها على الأمريكيين والأوروبيين".

ويختم صالح حديثه بالقول: "عند الحديث عن قطع أذرع إيران في المنطقة، فإننا نتحدث عن حصر النفوذ داخل إيران ذاتها انطلاقا من المشكلة الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها الشعب".