التقاء النهضة وقلب تونس بالبرلمان.. هل نكثت الأحزاب بوعودها؟

لا تزال تداعيات الجلسة الافتتاحية لمجلس نواب الشعب (البرلمان) التونسي في دورته النيابية الجديدة، تؤثر على مسار الأحداث السياسية في البلاد، وتثير جدلا بين التونسيين.
اتفاق حزبا "حركة النهضة" و"قلب تونس" على التصويت لمرشحيهما على منصب رئيس البرلمان راشد الغنوشي ونائبه الأول سميرة الشواشي ما زال يطرح الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول مدى التزام الأحزاب السياسية بوعودها للناخبين.
نجح الغنوشي رئيس حركة النهضة الحاصلة على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية الفارطة، في الفوز برئاسة البرلمان بعد حصوله على أصوات حزبه بالإضافة إلى أصوات نواب "ائتلاف الكرامة" وحزب "قلب تونس"، الذي فازت مرشحته سميرة الشواشي بمنصب نائب الرئيس بفضل أصوات نواب "النهضة".
ما يمكن تسميته اتفاقا أو توافقا أو تحالفا أو تفاهما، حيث اختلفت الطبقة السياسية في تونس في توصيفه، أعاد طرح قضية مدى التزام الأحزاب السياسية في تونس بوعودها الانتخابية، خاصة تلك المتعلقة بالتحالفات.
هذه الحالة المتكررة تعيد للأذهان ما حدث عام 2014، إثر الانتخابات التشريعية والرئاسية التي تصدر نتائجهما حزب "نداء تونس"، الذي سارع حينها للتحالف مع منافسه المباشر وعدوه السياسي حزب حركة النهضة الذي حل ثانيا في الترتيب.
خطان متوازيان
في أوج الحملة الانتخابية التشريعية، خرج الغنوشي على صفحته الرسمية بفيسبوك في بث مباشر للحديث عن برنامج حزبه الانتخابي ووعود مختلف القوائم المرشحة عن حركة النهضة في مختلف الدوائر الانتخابية.
وفي إجابته عن السؤال ما إذا كان لدى حزبه النية بالتحالف مع حزبي "قلب تونس" الذي يترأسه نبيل القروي، و"الحر الدستوري" الذي تقوده عبير موسي (الأمينة العامة المساعدة للحزب الحاكم أثناء ثورة 2011) أجاب الغنوشي بالنفي المطلق.
الغنوشي قال: "كما وعدناكم ونحن صادقون أوفياء إن شاء الله، هذا التحالف ليس واردا مع هذين الحزبين بسبب شبهات الفساد التي تلحق الأول (في إشارة إلى قلب تونس) وبسبب الفاشية التي تصف الثاني (في إشارة إلى الدستوري الحر)".
في الجهة المقابلة، أكد المرشح الرئاسي حينها ورئيس حزب "قلب تونس" نبيل القروي، في مقابلة تلفزيونية مع قناة "الحوار التونسي" (خاصة)، أنه لن يكون في حكومة مع حركة النهضة.
وقال القروي: "كل من دخل معهم (في إشارة للنهضة) دمروه وتجاوزوا للذي بعده، برنامجنا ليس برنامج حركة النهضة، والسؤال، بعد 8 سنوات من حكمها ماذا تحسن في البلاد؟".
القروي أكد أن حزبه سيكون في المعارضة لأنه يرفض أن يكون "كبش فداء للنهضة، قلب تونس مستعد للتحالف مع الجميع إلا مع الإسلام السياسي مثل النهضة ومن حولها مثل ائتلاف الكرامة، التحالف ممكن مع حزب التيار الديمقراطي وكل الكتل الأخرى".
رئيس قلب تونس سبق أن وجه رسالة طويلة من محبسه إلى الغنوشي قائلا: "أرفض التحالف معكم ومع حزبكم حركة النهضة، لِما تعلقت بكم من شبهات قوية معززة بملفات جدية يعلمها العام والخاص".
وأضاف القروي: "بسبب جرائم خطيرة في حق الوطن والشعب التونسي جراء اغتيالات ذهب ضحيتها الشهيد شكري بلعيد والشهيد محمد البراهمي (معارضان يساريان اغتيلا عام 2013) والشهيد لطفي نقض (منتسب لحركة نداء تونس توفي عام 2012) وخيرة من أمنيين وجنود ومدنيين عزّل".
تحالف الأعداء
إلا أن الجلسة الأولى للبرلمان كشفت عن اتفاق الحزبين اللدودين، فكتلة حركة النهضة التي تملك 52 نائبا توافقت مع كتلة قلب تونس التي تملك 38 نائبا، ليحصد الغنوشي رئاسة البرلمان والنائبة عن قلب تونس سميرة الشواشي منصب النائب الأول.
وفي تصريح للإعلاميين بعد انتخابه مباشرة، برر الرئيس الجديد للبرلمان تحالف حزبه مع قلب تونس، بالقول: "الأغبياء هم الذين لا يتغيرون. الحركة تعاملت مع كل الأحزاب إلا من أبى، لا يمكن أن تقع مقاطعة أي حزب اختاره الشعب، بما في ذلك قلب تونس".
وفي الجهة المقابلة، أكد القيادي في حركة قلب تونس حاتم المليكي أن حزبه لم يلتزم بخطابه الانتخابي المناوئ لحركة النهضة وقام بالتصويت لصالح راشد الغنوشي في انتخابات رئاسة البرلمان.
وقال المليكي في حوار على إذاعة موزاييك: "صوتنا لراشد الغنوشي من أجل أن نضمن وجود مرشحتنا سميرة الشواشي في منصب نائب أول، لم نتحالف مع النهضة والحديث عن التحالفات يكون في الحكومة وليس في البرلمان. نحن نمارس السياسة ونتائج الانتخابات فرضت التصويت لراشد الغنوشي".
وعلق المليكي على القسم الذي أطلقه عدد من قيادات حزب قلب تونس خلال الحملة الانتخابية قائلا: "أقسمنا بعدم التحالف مع النهضة وكذبنا، لا بأس سنعطي 60 صحن مكرونة للمساكين".
واعتبرت عضو مجلس نواب الشعب عن حركة النهضة رباب بن اللطيف أن نتائج الانتخابات تحتم شكلا محددا من تقاسم المناصب داخل البرلمان، وهو ماحدث بفوز النهضة برئاسة المجلس باعتبارها الكتلة الأكبر ، وحصول قلب تونس على الموقع الثاني في البرلمان باعتبارها الكتلة الثانية.
وأضافت بن اللطيف في حديث لـ"الاستقلال": "النهضة لم تتراجع في وعودها وهو ليس تحالفا سياسيا يتعلق بالحكومة، والنهضة متمسكة بالوعود التي أطلقتها خلال الحملة الانتخابية، والحكومة اليوم بقيادة رئيس حكومة مستقل عن جميع الأحزاب وهو ما يجعله يدير تشاورات مع جميع الأحزاب بما فيها قلب تونس، وما يعني النهضة اليوم بشكل رئيسي هي التزاماتها مع الشعب في تحقيق التنمية والانتعاشة الاقتصادية".
تكتيك سياسي
ما حدث في 2019 يعيد ذاكرة التونسيين لما حدث في 2014، حيث دارت رحى الحملة الانتخابية على أساس التناقض بين مشروعي النهضة وحركة نداء تونس، وهو ما أكده التصريح الشهير للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي قبيل الانتخابات لجريدة الصباح حول إمكانیة التحالف بین النھضة والنداء بعد الانتخابات إذا وضعت الانتخابات حزبه أمام وجوب التحالف مع النھضة، حيث قال: "الحق أجیب بما قاله المثل العربي فالنداء والنهضة عبارة عن خطین متوازيين لا يلتقیان إلا بإذن الله.. وإذا التقیا فلا حول ولا قوة إلا بالله".
ويبدو أن التونسيين بعدها عاشوا مرحلة "لا حول ولا قوة إلا بالله" كما علق الناشطون، إثر الكشف عن تحالف سياسي بين حركتي نداء تونس والنهضة، أفضى إلى تشكيل حكومة بمشاركة الحزبين وإلى انتخاب محمد الناصر رئيسا للبرلمان ونائب رئيس حركة النهضة عبد الفتاح مورو نائبا له، واستمر التحالف إلى غاية العام 2019.
حسب مراقبين، فإن خطاب رفض التحالف بين الحزبين هو مجرد تكتيك سياسي وانتخابي لحشد كل من الطرفين لكتلته الناخبة، وأن وجود كل من حركة النهضة وقلب تونس في الحكم هو أمر إستراتيجي بالنسبة لهما.
"النهضة" تقريبا لم تغادر السلطة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2011، وقلب تونس جمع طيفا واسعا من السياسيين البراغماتيين الذين لا يحتملون لعب دور المعارضة، وفق خبراء.
الباحث والمحلل السياسي سمير حمدي اعتبر أن الاحزاب السياسية اعتادت على إطلاق الوعود الانتخابية دون أدنى التزام بتنفيذها وهي تعتبر هذا الأمر جزءا من التكتيك السياسي.
وأضاف حمدي في حديث لـ"الاستقلال": "إذا أخذنا في الاعتبار حداثة التجربة الديمقراطية، يمكن القول إن الأحزاب لازالت تستهين بالرأي العام وتميل إلى فكرة التحشيد الانتخابي من أجل الفوز وليس من أجل تحقيق برامج".
وحسب سمير حمدي فإن انعكاسات هذا الأمر على الأحزاب والحياة السياسية سلبي جدا للأسف، وهو ما يجعلها فاقدة للمصداقية وقابلة للانهيار بسرعة.
وأضاف: "حتى الأحزاب المتماسكة فقدت جزءا مهما من جمهورها لكنها غير قادرة على أن تفي بوعودها حتى وإن أرادت، لأن حسابات الواقع السياسي أكثر تعقيدا من مجرد وعود انتخابية هي أقرب إلى الأحلام".
المصادر
- بعدما اتهمته بالفساد.. النهضة تتحالف مع قلب تونس وتثير جدلا
- تحالف النهضة وقلب تونس: للسياسة إكراهاتها
- "النهضة" و"قلب تونس".. هل يتحالف الأضداد؟
- "النهضة": لن نشارك بحكومة تضم "قلب تونس"
- حاتم المليكي : سنقدم 60 صحن مقرونة ككفارة عن اليمين بعدم التحالف مع النهضة
- ّ الباجي قائد السبسي للـ"الصباح نیوز" : النداء والنھضة خطان متوازیان لا یلتقیان إلا بإذن الله.. وإذا التقیا فلا حول ولا قوة إلا