تحذير شعبي.. هل تنهي انتخابات بريطانيا المبكرة أزمة "بريكست"؟

12

طباعة

مشاركة

توقعت "الاستقلال" في تقرير سابق، أن يصل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، إلى محطة الانتخابات العامة المبكرة قبل نهاية 2019، بعد تفاهمات مع أحزاب المعارضة التي كانت ترفض إجراء الانتخابات خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.

فما الذي حرك المياه الراكدة في بريطانيا إذن، حتى يتوافق الجميع على إجراء انتخابات مبكرة؟ وهل يمكن أن تحل هذه الانتخابات أزمة البريكست التي أصبحت أشبه بلعنة تلاحق رؤساء وزراء بريطانيا من حزب المحافظين، منذ صوت الشعب في يونيو/ حزيران 2016، على الخروج من الاتحاد الأوروبي؟

وهل لا تزال فرص المحافظين قائمة للفوز بأغلبية مريحة تمكن جونسون من تمرير اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، كما أعلن جونسون ذلك منذ توليه رئاسة الحكومة خلفا لتيريزا ماي في يوليو/ تموز الماضي، أم أن حزب العمال الذي حقق تقدما في الانتخابات التكميلية لمجلس العموم عام 2017، سوف تكون له الكلمة الأولى في انتخابات 12 ديسمبر/ كانون الأول المقبل؟

تحذذيرات للأحزاب المتنافسة من تلاعبهم السياسي على مستقبل بريطانيا

تحذير شعبي

أصوات عديدة تناولت ما يجري في بريطانيا بسبب أزمة بريكست، بشيء من الخوف والقلق على استقرار المملكة الأقوى في أوروبا، حيث تعالت الأصوات الموجهة للأحزاب المتنافسة، بضرورة الحذر من تلاعبهم السياسي على مستقبل بريطانيا، التي بات الوضع فيها مقلقا إلى حد كبير، وسط توقعات شعبية بأن تشهد المملكة المتحدة التي تضم بجانب انجلترا كل من إيرلندا واسكتلندا وويلز، تفككا خلال السنوات العشر المقبلة.

التوقعات الشعبية بمستقبل المملكة المتحدة الغامض، جاءت كنتيجة لاستطلاع موسع أجرته شركة "إيبسوس موري"، انتهت فيه إلى: أن نصف مواطني المملكة المتحدة يعتقدون أن بلادهم قد لا تكون موجودة بشكلها الحالي خلال عقد من الزمن.

وأظهر الاستطلاع: أن 50 بالمئة يعتقدون أن المملكة المتحدة لن تكون موجودة خلال عشر سنوات ارتفاعا من 43 بالمئة عام 2014. وقال 29 بالمئة: إنها ستكون موجودة على هيئتها الحالية خلال عقد نزولا من 45 بالمئة عام 2014.

ورغم أن الاستطلاع لم يتحدث عن استقالة حكومة جونسون، إلا أنه تزامن مع أزمة بريكست التي تشهد خلافا داخليا بين مكونات المملكة المتحدة، حيث ترفض اسكتلندا الخروج من الاتحاد الأوروبي، وطالبت بإجراء استفتاء على حق تقرير مصيرها، كما تتطلع ويلز لتكون دولة مستقلة تستفيد من الامتيازات التي يمنحها وجودها في الاتحاد الأوروبي، بينما الوضع داخل انجلترا نفسها، يشهد عواصف رعدية سياسية أدت للإطاحة بثلاثة رؤساء حكومات خلال ثلاث سنوات فقط.

أزمة بريكست أطاحت بعدد من رؤساء الوزراء من حزب المحافظين

"لعنة بريكست"

تزامن مع الاستطلاع السابق، تحذيرات أخرى أطلقها سياسيون بارزون لهم ثقل داخل المجتمع السياسي البريطاني، أهمهم جون بيركو، النائب عن حزب المحافظين، والرئيس السابق لمجلس العموم البريطاني، والذي انتقد رئيس الوزراء المستقيل جونسون، مؤكدا: أن "ملحمة مغادرة أوروبا ستشعل غضبا قد يدوم أكثر من عقد".

وبحسب تصريحات نقلتها وسائل الإعلام البريطانية عن بيركو، الذي استقال مؤخرا من رئاسة مجلس العموم: فإن الرجل الذي ظل على الحياد في نزاع المحافظين والعمال داخل المجلس أثناء مناقشة أزمة بريكست، قد تخلى مؤخرا عن حياده وشن هجوما عنيفا على دعاة الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، مؤكدا: أنه سيكون أكبر خطأ تقع فيه المملكة منذ الحرب العالمية الثانية.

ووفق تصريحات بريكو: فإنه "من الأفضل لنا أن نكون جزءا من كتلة السلطة (الأوروبية) من أن نكون خارجها. والمغادرة لن تكون موضع ترحيب على الإطلاق".

وفي الإطار ذاته، جاءت تحذيرات جاستن ويلبي رئيس أساقفة كانتربري، من استخدام السياسيين للغة التحريضية مع الناخبين، قبل إجراء الانتخابات العامة في النصف الأول من الشهر المقبل، ووجه ويلبي تحذيراته بشكل خاص لرئيس الوزراء البريطاني، وأعضاء محددين بالبرلمان، قال إنهم يستخدمون لغة تحريضية، بينما تستعد بريطانيا لإجراء انتخابات عامة.

وقال ويلبي في تصريحات لصحيفة "صنداي تايمز": إنه من الخطورة البالغة استخدام السياسيين تعليقات طائشة" في مجتمع "مستقطب ومتقلب"، وأن استخدام كلمات مثل "خائن" و"فاشي" جعلت برلمانيين يخافون على حياتهم، مشيرا: إلى أن السياسيين والناخبين من كل أطراف الخلاف السياسي استخدموا "كلمات تحريضية"، والتي تتعرض بعد ذلك لخطر "التضخيم" عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال رئيس الأساقفة: إن عددا من أعضاء البرلمان طلبوا منه الإرشاد بعد أن "استنفدوا كل الطرق" في عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، والتي شهدت طرد البعض من حزبهم.

فرص الأحزاب

أشار استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "يو غوف" البريطانية الشهيرة، خلال الفترة من 24 إلى 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عن فرص الأحزاب البريطانية إذا أجريت انتخابات مبكرة، حيث احتل حزب المحافظين الصدارة بنسبة 36 بالمئة، يليه حزب العمال بنسبة 23 بالمئة، ثم الديمقراطيين الأحرار بنسبة 18 بالمئة، ثم حزب بريكست بنسبة 12 بالمئة.

وبحسب النسبة هذه، فإنها لن تمكن حزب المحافظين منفردا من الحصول على موافقة البرلمان البريطاني الجديد، لخطته المتعلقة بالخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، إلا إذا عقد جونسون تحالفات مع أحزاب أخرى تمكنه من تجاوز عتبة 50% + 1، لتمرير اتفاق الخروج الذي يريده.

ودفعت النسب السابقة العديد من مراكز الدراسات والأبحاث للتحذير من نتائج الانتخابات المبكرة المقبلة، حيث اعتبرتها دراسة لمركز "الروابط": بأنها مقامرة يمكن أن تعمق أزمة بريكست، خاصة وأن تريزا ماي رئيس الحكومة السابقة حصلت على نتائج قريبة مما انتهت إليه استطلاعات الرأي السابقة ولكنها في النهاية فشلت في تحقيق أي تقدم حول خطتها للخروج من الاتحاد الأوروبي، وكانت النتيجة النهائية هي استقالتها المخيبة للآمال.

وحسب الدراسة نفسها: فإن هناك ملفات أخرى غير بريكست ينظر إليها الناخب البريطاني، وهو ما جعل الأحزاب المتنافسة لتقديم برامج محلية متعلقة بالضرائب والإسكان والبيئة والرعاية الصحية والأمن، على أمل الحصول على دعم شعبي يمكنها من تحقيق الفوز الذي تأمله.

الأحزاب الأربعة

المركز البحثي السابق أجرى رصدا موسعا عن فرص كل حزب من الأحزاب الرئيسة وطريقة عمله خلال الأيام المقبلة للحصول على أكبر قدر ممكن من التأييد الشعبي، حيث أطلق حزب المحافظين حملته التي وعد فيها بالتصديق على اتفاقية الانسحاب التي توصلت إليها لندن مع بروكسل في منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على أن يكون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي رسميا في أواخر شهر يناير/ كانون الثاني عام 2020.

وتعهد حزب المحافظين أيضا بأنه بعد مغادرة بريطانيا (بصفقة أو دون صفقة)، ستتفاوض الحكومة تحت قيادتهم على اتفاقية طموحة للتجارة الحرة مع الكتلة والتوصل إلى صفقات تجارية مع شركاء آخرين، مثل الولايات المتحدة، في محاولة لإنشاء "بريطانيا عالمية" بعد إتمام صفقة الخروج.

حزب العمال فوت فرصة تمرير بريكست على جونسون  بالانتخابات المبكرة

على النقيض جاء موقف حزب العمال الذي استطاع تفويت الفرصة على جونسون لإجراء انتخابات مبكرة في الشهر الجاري، بما كان يمكنه من تمرير اتفاق بريكست وفقا لخطته، حيث أطلق حزب العمال تعهدات رسمية بإعادة التفاوض على اتفاقية بريكست، مع تعهده بالبقاء في الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي، والحفاظ على التوافق مع معظم قواعد السوق الموحدة للكتلة، على الرغم من أن صفقة الخروج التي يتم التفاوض عليها حاليا ستؤدي إلى إزاحة بريطانيا من الاتحاد الجمركي.

وأعلن الحزب بشكل رسمي أنه سيدعو لاستفتاء شعبي جديد حول إعادة النظر في الخروج من الاتحاد الأوروبي، أو على أقل تقدير إجراء استفتاء شعبي على طريقة الخروج وهل تكون بشروط أو بغير شروط، لتجاوز الأزمة البرلمانية التي عصفت بحكومتي ماي وجونسون.

وحسب الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة "يو غوف" فإن حزب الديمقراطيين الأحرار، مرشح ليكون الثالث في السباق الانتخابي بنسبة قد تصل إلى 18 بالمئة، ويدعم الحزب بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي بشكل كامل، ووفقا للدراسة السابقة: فإنه إذا دخل الحزب في تحالف حكومي مع أي من المحافظين أو العمال، فإنه سوف يدعم فكرة إجراء استفتاء جديد حول فكرة الخروج مع الاتحاد، وهو الطرح القريب من حزب العمال.

وعلى النقيض من حزب الديمقراطيين الأحرار، فإن حزب بريكست الذي احتل المركز الرابع في الاستطلاع السابق، بنسبة 12 بالمئة، يدعم الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، ورغم أنه يتوافق في ذلك مع توجهات جونسون، إلا أنه رفض الاتفاق الذي توصل إليه جونسون مع بروكسل مؤخرا، ويرى الحزب وضع سياسة تجارية مستقلة لبريطانيا تماما.

الخروج المقلق

قطاع كبير من المحللين البريطانيين، توافقوا بشكل على أن الانتخابات المقبلة لن تحل أزمة البريكست، ولن تضمن لبريطانيا الطلاق الآمن من بروكسل، وحسب وصف ديفيد هيرش الكاتب السياسي بصحيفة "الجارديان": فإن نجاح جونسون في إجراء انتخابات مبكرة، لا يعني بالضرورة أنه نجح في خلق برلمان ذا أغلبية يدعم خطته للخروج من الاتحاد الأوروبي.

ووصف هيرش ما قام به جونسون: بأنه كان نجاحا في كسر حالة الجمود التي تعيشيها البلاد من سنوات بشأن بريكسيت، مشيرا: إلى أن النجاح الحقيقي لجونسون هو الحصول على الأغلبية البرلمانية التي تمكنه من تمرير اتفاق "بريكست" بدون عوائق، متوقعا عدم استطاعة جونسون تحقيق هذه الأغلبية، وهو ما يعيد إنتاج نفس البرلمان السابق، الذي رفض أكثر من مرة المسودة المقترحة من الحكومة، ومن ثم سوف تتكرر المشكلة تباعا.


المصادر