قمع عن بعد.. كيف تلاحق الصين مسلمي الإيجور حول العالم؟
لم يسلم مسلمو الأويجور من بطش النظام الصيني في جميع أنحاء العالم، فأبناء هذه الأقلية مراقبون ويتعرضون للتخويف في كل مكان من قبل الصين، التي سجنت ما لا يقل عن مليون منهم في مخيمات أو في السجون المعروفة باسم مراكز "إعادة التثقيف السياسي".
تحت هذه الكلمات سلطت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية الضوء على الانتهاكات الصينية تجاه أقلية الأويجور، وذلك في إطار الزيارة الرسمية للرئيس الفرنسي إلى الصين، حيث أشارت إلى: أن مصير هذه الأقلية ليس على جدول أعمال إيمانويل ماكرون ونظيره شي جينج بينج.
وقالت الصحيفة: "من خلال طرود بريدية غريبة ومكالمات هاتفية مجهولة، في جميع أنحاء العالم ومن بينها فرنسا، يتم مراقبة وتخويف أعضاء هذه الأقلية المسلمة التي تقطن إقليم شينجيانج من قبل النظام الصيني".
وأكدت: أنه تحت ذريعة القتال ضد التطرف الديني، تقضي السلطات على تقاليد هؤلاء السكان، وتقود نظاما حقيقيا للقمع الذي وصفه الباحث الألماني المستقل أدريان زنز بأنه: "إبادة جماعية ثقافية".
وأشارت إلى: أن هذا الوضع تؤكده العديد من التقارير الواردة من منظمات غير حكومية مثل هيومن رايتس ووتش أو منظمة العفو الدولية، ومسؤولو الأمم المتحدة، بمن فيهم المحامية جاي ماكدوجال، رئيسة لجنة الأمم المتّحدة للقضاء على التمييز العرقي، التي شبهت شينجيانج بـ "معسكر اعتقال عملاق" في خطاب ألقته في أغسطس/آب 2018.
قصة مضطهد
وبينت الصحيفة الفرنسية: أنه "في المنفى غالبا يظل الأويجور بلا أخبار عن أقاربهم، على غرار جيسور، الذي لم يتواصل مع والديه منذ شهور، ومن هنا جاءت دهشته عندما وصل إليه، طرد من الصين على عنوانه في فرنسا".
ويقول هذا الشاب: إنه اندهش لوجود رقم هاتفه المحمول على قسيمة الشحن التي وصلت إليه، خاصة أنه اشترى هذا الخط قريبا ولا يعرفه والداه، فهذا الشاب الذي يعمل في مجال الكمبيوتر مقتنع بأن الطرد لم يرسل له من قبل عائلته، ما جعل قلبه يخفق بشدة.
ويؤكد للصحيفة: أنه في طريق العودة إلى منزله بعد استلام الطرد، يبدو أن مسافة 260 مترا التي تفصله عن مسكنه لا تنتهي، فالشكوك تنتابه ويخشى أن يكون جهاز متفجر في أسفل الطرد، لكنه يستبعد ذلك بالقول: "كيف يمكن ألا يتم اكتشاف القنبلة حتى الآن؟"، ولكن الطرد يمكن أن يحمل سما أو يكون مجهزا بشريحة إلكترونية.
ورغم مخاوفه، ما زال جيسور يريد فتح الطرد لكن في قبو منزله بعيدا عن زوجته وأولاده. وفي وسط الغرفة المزدحمة لا يزال صامت بلا حراك، يرتدي زوجا من القفازات البلاستيكية ثم يقص الشريط اللاصق بحرص، ليجد في الطرد أكياسا مملوءة بالفواكه المجففة، اللوز، العنب، المشمش، 17.70 كيلوجرام، بلا كلمة، بلا تفسير.
يستكشف جيسور كل زاوية من الطرد للتأكد من عدم وجود نظام تجسس، وأخيرا يبدأ في فهم المغزى: "الصين لا تتمنى له شهية طيبة، إنها إشارة أرسلها إليه النظام".
بالنسبة لجيسور، حدث ذلك مباشرة بعد انضمامه إلى رابطة الأويجور في فرنسا، وهي بنية مكونة من عشرات الأعضاء الذين ينظمون تجمعات لرفع الوعي العام.
وقدم له البعض تفسيرين: "إما أن النظام يرسل لي الطرود ليخبرني أنهم يعرفون ذلك، فوفقا لهم، أنا أصبحت ناشطا"، أو أنه يريد إعطاء صورة جيدة عنه"، كيف يمكن أن يطلق على الصين ديكتاتورية إذا كانت أسر الأويجور تستطيع إرسال هدايا تذكارية لأقاربهم في المنفى؟.
نقطة تحول
بعد عدة أسابيع من التحقيق، تكشف "ليبراسيون" مدى مطاردة الأويجور، خارج الحدود، وهذا الضغط النفسي، الذي يمتد إلى أبعد من قضية جيسور، فإرادة بكين واضحة: "يجب ألا يلفت الأويجور الانتباه في الخارج".
وأكدت: أن حالات التخويف هذه تتخذ أشكالا مختلفة، ولكنها تعتمد، بالنسبة للأقلية الموجودة في المنفى، على المعلومات الشخصية المرسلة عبر "وي شات"، وهو تطبيق في الصين يعادل فيسبوك، يستخدم على نطاق واسع من قبل كل من المواطنين والشرطة وأجهزة المخابرات.
وتابعت الصحيفة: "كل شيء معروف للإدارة، من عنوان مكان العمل إلى عنوان مدرسة الأطفال، لكن يبدو أن الطرود تمثل نقطة تحول جديدة في الأساليب الصينية".
وتؤكد "ليبراسيون": أن مطاردة وتخويف أقلية الأويجور في الخارج تشمل الطرود المسمومة والمكالمات الغريبة، مشيرة إلى: أن هذه الممارسات لا تقتصر على حدود فرنسا، حيث تم جمع شهادات من كندا وبلجيكا والنرويج والولايات المتحدة وحتى نيوزيلندا.
وبينت الصحيفة: أن السفارة الصينية في باريس رفضت الاستجابة لطلباتها للحصول على معلومات، منوهة إلى: أنه على المستوى الفرنسي، في 23 يوليو/تموز ، أبلغ وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان الجمعية الوطنية: أن فرنسا اتخذت "الخطوات اللازمة لمراعاة الوضع في شينجيانج عند النظر في طلبات بقاء الأويجور في فرنسا، من أجل منع المواقف التي قد تؤدي إلى انتهاك حقوقهم الأساسية".
وأكدت: أنه "في الوقت نفسه، هم قلقون، ففي بلجيكا، يتلقى الأويجور الموجودون في البلاد منذ ثماني سنوات، مكالمات مجهولة، مثل غيرهم ممن وصلوا حديثا من تركيا أو المملكة العربية السعودية".
وفي مواجهة قوة النظام الصيني المترامية الأطراف، يتم إطلاق مبادرات صغيرة هنا وهناك، مثل قاعدة بيانات الأويجور للعدالة الانتقالية، وهي عبارة عن برنامج للمواطنين يحدد العقبات التي تعترض الحقوق التي تكون المجموعة ضحية لها، لكن الخصم يبدو هائلا وهو يفرض، على حد تعبير فانيسا فرانجفيل الباحثة في الدراسات الصينية بجامعة ليبر دي بروكسل البلجيكية: "خوفا دائما".
من ناحية أخرى وتحت عنوان "الأويجور: إبادة شعب"، كتب رافائيل جلوكسمان العضو في البرلمان الأوروبي وديلنور ريحان رئيسة معهد الأويجور في أوروبا رسالة إلى ماكرون، طالبا فيها الرئيس الفرنسي بالتطرق إلى المعسكرات الصينية والضغط على الرئيس الصيني لوقف الجرائم التي لا توصف ضد الأويجور خلال زيارته لبكين.
وأكدا: أن فرنسا تبدو ضعيفة في مواجهة القوة الاقتصادية للصين، وربما لا تثير دعوات "حقوق الإنسان"، مقارنة بردهات التعاون الاقتصادي الصيني - الأوروبي القوية للغاية.
لكن الدولة التي أعلنت ذات يوم أن جميع البشر يولدون أحرارا ومتساوين في الحقوق يجب أن تكون أكثر من قوة تجارية: "صوت لمن لا صوت له، صوت للإنسانية، صوت لأويجور الصين"، وفق الصحيفة.