صحيفة تركية: قرار سحب القوات الأمريكية من سوريا ليس بيد ترامب
أكدت صحيفة "يني شفق" التركية: أن قرار انسحاب القوات الأمريكية (من سوريا)، ليست كما يبدو من صلاحيات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أو غيره، ولكن القرار جاء من ما بات يعرف بـ"الدولة العميقة".
ورأى الكاتب "عبد الله مراد أوغلو" في مقال له بعنوان "حملة مربكة في سوريا": أن موعد تحقيق وعد ترامب بإنهاء حروب أمريكا قد بات وشيكا، مرجعا استمرار هذه الحروب إلى: أن "القوى التي تقف خلفها وتستفيد منها".
وأشار إلى: أن "هذه القوى حاولت لفت النظر إلى آبار البترول في سوريا لتمنح ترامب فرصة وسببا للبقاء في سوريا"، مؤكدا: أن هذه الحجة تستدعي إلى الذهن أسئلة أخرى.
ساحة العراق
ونبه الكاتب: إلى تصريحات رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح في لقاء مع قناة "اتش بي او" الأمريكية، إذ صرح: بأنه يشعر بالقلق من تداعيات حدوث حرب محتملة بين إيران وأمريكا لما ستجلبه على المنطقة من دمار، مشيرا إلى: أن العراق سيكون الساحة الميدانية الأولى لو وقعت تلك المعركة.
وقال الرئيس العراقي صالح: إنه لم يعد متأكدا من إمكانية الاعتماد على الولايات المتحدة كحليف، محذرا من كارثة على الجميع حال اندلاع حرب بين واشنطن وطهران، مضيفا: أن "العراق قد يكون مستعدا لإعادة التفكير في علاقاته مع دول أخرى بما في ذلك روسيا وإيران".
وأكد برهم صالح: أن "الولايات المتحدة شريك وحليف مهم، نريد استمرار هذا الأمر ولا نريد بالتأكيد استخدام أراضينا"، مشيرا إلى: أن "العراق يثمن علاقته مع واشنطن التى تمتد لـ16 عاما، لكن سياسات إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تجعل الأمر صعبا".
ورأى الكاتب: أن مواقف واشنطن من الوجود العسكري في المنطقة مختلفة ومتباينة، لكن يجمعها قاسم مشترك وهو المصلحة الاقتصادية.
وذكر: أن "في العراق قرابة 5000 جندي أمريكي، وفي وقت قريب أعلن ترامب أن الجنود الموجودين في شمال سوريا سينتقلون إلى غرب العراق؛ حيث تريد أمريكا استخدام غرب العراق مركزا لعملياتها في سوريا، بينما يعارض العراق هذا الموقف بشدة".
ويبدو أن ترامب غير رأيه هذا بعد الموقف العراقي من جهة وتطورات المشهد السوري شمالا من جهة أخرى، حيث أعلن أنه سيرسل عددا من الجنود إلى منطقة الآبار النفطية شرق سوريا، وهي منطقة تتمركز فيها مليشيات عراقية موالية لإيران وهذا يعني أن أي احتكاك بين القوتين المتمركزتين هناك، يعني بدء حرب كبيرة بين كل من أمريكا وإيران.
النفط في سوريا
وكان ترامب قال: إنه يمكن الاتفاق مع بعض الشركات مثل شركة إكسون موبيل لإنتاج النفط في هذه المنطقة. ولا بد من الاشارة هنا إلى أن الكونغرس الأمريكي لم يوافق بعد على خطة ترامب هذه.
وتساءل الكاتب: "هل تقبل هذه الشركات إنتاج النفط من آبار سورية في منطقة تحكمها الميليشيات؟ الأمر غير واضح. في وقت لم تعلن شركة إكسون موبيل موقفها المبدئي فضلا عن النهائي مما يحدث".
وتذهب أكثر الآراء قوة إلى استحالة إقدام هذه الشركات على العمل في مناطق الحروب والصراعات كسوريا، إلا لو كان هناك سبب أقوى من مجرد التنقيب عن النفط وبيعه وهذا يعني أن وراء الأكمة ما وراءها، كما يقول الكاتب.
وكان بروس ريدل المستشار السابق في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض والباحث في معهد بروكينغز قال: تعقيبا على ذلك "هذه ليست خطوة قانونية مريبة فحسب، بل إنها تبعث كذلك رسالة إلى المنطقة بأسرها والعالم بأن أميركا تريد سرقة النفط".
وأعلن ترامب قبل أيام في مؤتمر صحفي مقتل زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي في عملية نفذتها قوات خاصة أميركية، وتحدث عن النفط في سوريا، وقال: "ما أعتزم القيام به ربما يكون عقد صفقة مع شركة إكسون موبيل أو إحدى أكبر شركاتنا للذهاب إلى هناك والقيام بذلك بشكل صحيح وتوزيع الثروة".
إشعال الحرب
وأضاف الكاتب: "في أمريكا، هناك أطراف مدعومة من اللوبي الإسرائيلي، تريد حربا بين طهران وواشنطن، وتعارض بشدة انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، وعلى الأرجح أن هذا المعسكر الأمريكي تقدم خطوة، إذ نجح بالفعل في ثني ترامب عن الانسحاب تماما من سوريا ومن بعدها العراق، ليكون على خطى سلفه باراك أوباما الذي لم ينجح هو الآخر في سحبها".
وبناء على ذلك كله يبدو أن وقت انتهاء العمليات الأمريكية في سوريا غير معلوم. ويتوقع الكاتب أن توجد بعض القوى أسبابا جديدة لبقاء القوات الأمريكية هناك.
وتابع الكاتب في مقاله: أن واشنطن بكافة أطيافها لن تعجز عن اختلاق سبب وحجة ما لتبرير بقائها في أي بلد تتمركز فيه، أو حتى شنت أو قد تشن حربا فيه.
ففي العراق، زعمت أمريكا قبيل احتلالها بغداد في عهد صدام حسين أنه يمتلك أسلحة كيماوية وبيولوجية مدمرة، وكان هذا سببا مفتعلا بلا شك، إذ لم يجدوا أية أسلحة دمار شامل، فيما استغلت الولايات المتحدة اجتياح صدام حسين الكويت وهي التي كان دفعته إلى هذا الأمر سابقا.
وفي الوقت الذي كان فيه ترامب يصرح أكثر من مرة عن عزمه سحب الجنود الأمريكيين من سوريا، عمل البنتاغون ومجلس الأمن القومي وممثلي سوريا لدى أمريكا من أجل تمديد مدة بقاء الجنود في المنطقة بدلا من العمل على تطبيق قرار ترامب.
وخلاصة القول: إنهم تغاضوا عن قرارات ترامب واستمروا بتطبيق سياستهم في سوريا، كما يحتمل أيضا بحسب الكاتب: أن قرار انسحاب ترامب من سوريا ليس جديا، فهل يعقل أن تستسلم الدولة الأمريكية العميقة لسياسة الانسحاب؟!
وختم الكاتب مقاله: بأن المشهد النهائي يظهر أن الانسحاب للقوات الأمريكية الموجودة في سوريا ليست على جدول الأعمال حاليا، لأن ذلك يعني صعوبة إرسال الجنود إليها مرة أخرى، "لذلك تعمل الإدارة الأمريكية على تقليل عدد الجنود بدلا من الانسحاب الكلي، حتى يمكنها زيادة العدد بأي حجة، لا سيما بوجود العملاء المستعدين لاختلاق الحجج لأسيادها".