احتجاجات إثيوبيا.. هل يشرب آبي أحمد من نفس كأس ديسالين؟
لم تمض سوى أيام على منحه جائزة نوبل للسلام، حتى تعرض رئيس الوزراء الإثيوبي الشاب آبي أحمد، لهزة سياسية عنيفة في بلاده، نتيجة المظاهرات الحاشدة التي نظمتها عرقية أورومو، ضد سياساته، ما أدى لمقتل 67 متظاهرا، اتهمهم أحمد بمحاولة إثارة أزمة عرقية ودينية.
ولم يشفع لآبي أحمد انتماؤه للأورومو، التي جاءت به للحكم، بعد مظاهراتهم الحاشدة والساخنة التي أطاحت برئيس الوزراء السابق، هايلي مريام ديسالين، قبل عام ونصف، فما الذي تغير؟
صديق الأمس
تشير تقارير تناولت الأحداث الأخيرة في إثيوبيا، إلى أن واحدا من أكثر المقربين من آبي أحمد هو السبب في كل ما حدث، وأنه سيكون رقما صعبا في المعادلة السياسية التي تعيشها إثيوبيا خلال الفترات المقبلة.
وحسب موقع "كامبالا سيتي"، فإن جوهر محمد، الذي يمتلك عددا من وسائل الإعلام المؤثرة بإثيوبيا، والصديق المقرب من رئيس الوزراء الحالي، وشريكه في الثورة السياسية التي جرت قبل 18 شهرا، هو كلمة السر في كل ما جرى، حيث تحول جوهر الذي ينتمي للأورومو أيضا، من صداقة آبي أحمد، لمعارضته، وبات أكثر القيادات السياسية التي تهدد استمراره في الحكم.
ووفق الموقع السابق الذي يصدر من أوغندا، فإن وجود جوهر محمد في الصورة، هو الذي دفع آبي أحمد لتوجيه الاتهامات للمتظاهرين، بأنهم كانوا يريدون إثارة أزمة عرقية ودينية، حيث يمثل المسلمين أغلبية عرقية الأورومو، كما أن العرقية نفسها في خلاف قديم مع جبهة تحرير شعوب تيغراي، التي كانت تسيطر على الحكم قبل ظهور آبي أحمد بالصورة في أبريل/ نيسان 2018.
ويدعم ما سبق، ما ذكره موقع "أديس ستاندرد": بأن التظاهرات في البداية جاءت كرد فعل على محاولة السلطات الإثيوبية التضييق على شبكة إعلام الأورومو، و"جوهر محمد" المدير التنفيذي للشبكة، عقب تصريحات للحكومة عن عزمها عزل ضباط الأمن المعينين لحراسته بعد عودته من المنفى.
وبدأت الاحتجاجات في أداما، على بُعد 90 كم جنوب شرق العاصمة أديس أبابا، وفي مدن أخرى في منطقة أوروميا، مقر إقامة آبي أحمد، والتي يعيش بها جوهر في بلدة دادار الشرقية، بعد أن تجمع مئات من أنصار الناشط الإثيوبي جوهر محمد خارج منزله في العاصمة صباح يوم الأربعاء.
ووفق موقع "أديس ستاندرد": فإن المظاهرات خرجت من جميع مناطق الأورومو، وجرى حشد مئات من أنصار جوهر، واستمرت المواجهة بين مؤيديه والشرطة الذين يحاولون تفريق الحشود وسط هتاف المتظاهرين "جوهر.. جوهر"، و"يسقط.. يسقط آبي".
اتهامات مبطنة
ويشير البيان الرسمي الذي أصدره رئيس الوزراء حول الأحداث، ونشرته "فرانس برس"، إلى: أن الأزمة في الاحتجاجات الأخيرة، بدأت تأخذ بعدا عرقيا ودينيا، مضيفا: "بسبب تلك الأحداث، رفاقنا باتوا ضحايا في ظروف مروعة".
بينما رد جوهر محمد في مقابلة أجرتها معه وكالة رويترز بمقر إقامته في أديس أبابا: بأن آبي أحمد يمهد لإقامة ديكتاتورية جديدة في البلاد، حيث حاول ترهيب الناس بمن فيهم حلفاؤه الذين مكنوه من تولي السلطة والمختلفين مع بعض مواقفه.
واتهم جوهر صديقه السابق بالمركزية في الحكم وقمع المعارضة وسجن المعارضين السياسيين مثلما كان يفعل سابقوه، وهو ما كان سببا في أن مؤيديه لم يعودوا يثقون أو يصدقون وعوده الإصلاحية التي يرددها.
وأضاف قائلا: "أغلبية الناس تعتقد أن العملية الانتقالية خرجت عن مسارها وأن هناك عودة إلى نظام استبدادي، وأن الحزب الحاكم وما يتبناه من نهج سيواجه تحديا خطيرا ليس بالانتخابات فحسب بل قبلها أيضا".
وتشير "رويترز" إلى: أن جوهر محمد (33 عاما)، يعد الناشط السياسي الأبرز في إثيوبيا، وكان له دور بارز في حشد وتنظيم الاحتجاجات في الشوارع التي أوصلت آبي أحمد للسلطة العام الماضي، وما تلاه من إطلاق إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة، فاز بسببها أحمد بجائزة نوبل للسلام.
دولة مأزومة
وربط تحليل موسع لوكالة "دويتشه فيلا" الألمانية، بين كلمة آبي أحمد في البرلمان يوم 22 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وبين المظاهرات التي اندلعت في اليوم التالي مباشرة، ووصلت ذروتها يومي الجمعة والسبت التاليين لكلمة آبي أحمد بالبرلمان، التي تحدث فيها عن صديقه القديم دون إشارة لاسمه صراحة عندما قال: "ملاك وسائل الإعلام الذين لا يحملون جوازات سفر إثيوبية يتلاعبون بالطرفين.. إذا كان هذا سيقوض سلام إثيوبيا ووجودها، سنتخذ إجراءات لمواجهته".
وهذه التصريحات اعتبرها جوهر الذي يحمل جواز سفر أمريكي عندما كان في منفاه قبل الثورة الإصلاحية الأخيرة، إعلانا للحرب ضده.
ونقلت الوكالة الألمانية عن المحلل السياسي الإثيوبي ميهاري تاديلي مارو قوله: "إن شرعية رئيس وزراء الشعبية، تعتمد على انفتاحه، ولذلك فإن الاحتجاجات الأخيرة في أوروميا يمكن أن تمثل له انتحارا سياسيا، حيث تعد خسارة كبيرة لقاعدة قوة شعبية دفعت به إلى السلطة".
ويدعم رأي الوكالة الألمانية، رأي آخر تناولته مجلة "أيام إفريقية" الصادرة عن مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية والسياسية، والتي أعدت دراسة موسعة، عن تأثير الاحتجاجات الأخيرة على فرص آبي أحمد، في الانتخابات القادمة بإثيوبيا والمقررة في 2020.
وتشير الدراسة إلى: أن ما يحدث في إثيوبيا هو نتاج طبيعي لصراعٍ بين رؤيتين متعارضتين بين رئيس الوزراء والناشط السياسي المعارض ذي التأثير الواسع والقدرة الكبيرة على الحشد، وهو ما يُمثل تهديدا كبيرا لآبي أحمد وفرصه في الانتخابات المقبلة، خصوصا في ضوء تلميحات جوهر بأن الترشح ضد آبي في الانتخابات المقبلة أمر وارد ومحتمل.
وتطلق الدراسة العديد من التحذيرات والمخاوف الموجودة لدى الإثنيات والعرقيات الإثيوبية التي ترى في إستراتيجية آبي أحمد، غير واضحة المعالم، تهديدا كبيرا، مع علو الأصوات التي تنتقد فكرة ارتهان مستقبل إثيوبيا بسياسات أحمد الداخلية والإقليمية، كفرد وحيد متحكم في هذا المستقبل، مع تهميش تامّ لكافة "مؤسسات الدولة الإثيوبية"، والتي أصبحت حلولها تالية لقراراته وخياراته، ومنفذة لها دون أدنى قدر من المراجعة والمحاسبية المؤسسية.
ويقول البعض إن ذلك يبدو محاولة لتكرار النموذج الإثيوبي لما بعد ثورة 1974م؛ الذي مثله "ميليس زيناوي"، بينما يرى آخرون أن الوضع قد يصل إلى إعادة إنتاج النظام الإمبراطوري.
هل فشل الإصلاح؟
ورغم أن الأيام الماضية شهدت عشرات التظاهرات على مستوى العالم ضد أنظمة الحكم في لبنان والعراق والجزائر وشيلي، وإسبانيا، إلا أن ما جرى في إثيوبيا كان محط أنظار دوائر الأبحاث الدولية، خاصة وأن إثيوبيا، دولة ذات تأثير هام في منطقة القرن الإفريقي، التي تشهد صراعا عالميا على تأمين التجارة الدولية.
وهو ما أرجعه مركز "مقدشيو لدراسات وبحوث القرن الإفريقي ": لحدوث تغيرات واضحة في قناعات الجماعات والفئات الإثنية بأن التوجه الإصلاحي الذي كان يقدمه آبي أحمد، كان يخفي وراءه شخصية ديكتاتورية، تريد السيطرة على الحكم، من خلال التلاعب بمشاعر الجماهير التي تريد الشعور بنتيجة الإصلاحات الاقتصادية التي يقول رئيس الوزراء إنه أجراها في البلاد.
وبالعودة لما ذكرته مجلة "أيام إفريقية" فإن الزعامة التي حققها آبي أحمد خلال فترة الحكم القصيرة، ما جعلت الشعب الإثيوبي مهووسا به، كوّنت في المقابل العديد من الجبهات الساخطة على الرجل والغاضبة على سياساته، ويضاف إليها الفشل الأمني في مناطق عديدة شهدت أعمال عنف نتيجة الخلافات الإثنية.
تشير دراسة ثالثة لدورية "دراسات إفريقية"، إلى: أن المعارضة السياسية في إثيوبيا نشطت خلال الفترة الأخيرة في تكوين تحالفات وائتلافات من بعض الأحزاب لخوض الانتخابات المقبلة، وهو ما كان من نتائجه تدشين ائتلاف "الحزب الديمقراطي الإثيوبي الموحد" في مايو/ آيار الماضي، من خمسة أحزاب سياسية هي: المجلس الانتقالي الوطني، حركة الشعوب الإثيوبية، حزب الفصح الإثيوبي الديمقراطي "توسا"، اتحاد شعوب أومو الديمقراطي، وحركة نجوم جنوب إثيوبيا الخضراء الديمقراطية.
وحسب الدراسة: فإن هناك تكتلا آخر يتم التجهيز له لتشكيل ائتلاف جديد باسم "حزب المواطنين الإثيوبيين من أجل العدالة الاجتماعية" بزعامة "برهانو نغا" زعيم حركة "قنبوت سبات". وقد ضم عددا من الأحزاب هي "الحزب الديمقراطي الإثيوبي"، "حركة قنبوت سبات"، حزب "الأزرق"، حزب "الجيل الجديد"، حزب "جامبيلا"، حزب "الوحدة من أجل الديمقراطية والعدالة"، وحزب "عموم إثيوبيا".
فضلا عن ظهور بعض الأحزاب الجديدة؛ مثل: "الوياني الثالث"، وهو حزب سياسي شبابي جديد في إقليم تيجراي في شمال البلاد، وقد اقتبس الاسم من حزب جبهة تحرير شعب تيجراي أحد أضلاع الحكم في البلاد "الائتلاف الحاكم".
وتشير نفس الدراسة التي صدرت قبل أيام من اندلاع المظاهرات الأخيرة، إلى: أنه رغم الإنجازات التي حققها آبي أحمد خلال الفترة الماضية، وتسوية بعض الملفات الشائكة داخليا؛ مثل ملف المعتقلين السياسيين، وملف الحركات المسلحة، وغيرها؛ إلا أن مشاعر الغضب والسخط تحاصر آبي أحمد خاصة من جهتين معلومتين.
الجهة الأولى من قومية "الأورومو" التي ينتمي إليها، والتي ترى أنه لم يتمكن حتى الآن من معالجة مشكلاتها، أما الثانية فهي قومية "تيغراي" التي ترفض سياساته، وتسعى لتقويض أركان حكمه؛ لإفشاله، ومن ثَم الإطاحة به من السلطة.
وتوقفت الدراسة نفسها أمام الدوافع الانتقامية لقومية التيغراي، حيث تحاول بمختلف الطرق تقويض مسيرة آبي أحمد في الحكم من خلال تأليب الرأي العام الداخلي ضده، كما تسعى إلى إفشال مشروعه الإصلاحي الداخلي بهدف إسقاطه وعودة التيغراي إلى الحكم مرة أخرى، بالإضافة إلى محاولة تغذية المطالب الانفصالية في البلاد بهدف توريط النظام الحاكم الحالي في أزمات متعددة.
المصادر
- حائز نوبل في أزمة - عشرات القتلى بمظاهرات في إثيوبيا
- اتساع نطاق الاحتجاجات في إثيوبيا بعد مواجهة عند منزل ناشط
- ناشط إثيوبي بارز لا يستبعد منافسة أبي أحمد على منصب رئيس الوزراء
- عقب مقتل العشرات بمظاهرات مناوئة له.. رئيس وزراء إثيوبيا يتحدث
- احتجاجات إثيوبيا: الدوافع والتداعيات
- الداخل المضطرب: الولاية الثانية ومستقبل آبي أحمد في الحكم
- آبي أحمد المتوج بنوبل للسلام: هل حقق فعلا السلام في شرق إفريقيا؟
- "أمهرة وتيغراي".. كلمتان وراء "الانقلاب الفاشل" في إثيوبيا
- مقتل رئيس الأركان وانقلاب "من إقليم".. ماذا يجري في إثيوبيا؟
- إثيوبيا في عهد أبي أحمد… الفرص والعقبات
- جوهر محمد... الشاب الذي ينازع آبي أحمد سلطاته وشعبيته في إثيوبيا
- رغم نوبل للسلام... لماذا خرجت مظاهرات ضد رئيس الوزراء الإثيوبي "الإصلاحي"؟