زوجة مفترية ومجتمع لا يرحم.. كيف يتعامل المغاربة مع عنف المرأة؟
أكثر من نصف المغربيات يتعرضن للعنف، وحسب آخر الإحصاءات الرسمية وصل معدل العنف إلى 54.4%، وسجلت أعلى نسبة وسط المتزوجات، فيما تمتنع أكثر من 90% من المعنفات عن تقديم شكاوى.
في المقابل استقبلت "الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال" منذ تأسيسها قبل 10 سنوات ما يقرب من 24 ألف حالة للعنف ضد الرجال، 25 بالمئة منها عنف جسدي، بينما تعرضت باقي الحالات لعنف نفسي وقانوني ومادي، وبينها حالات تحرش.
تثبت الأرقام أن النساء أكثر تعرضا للعنف في المغرب، لكن هذا لا ينفي تعرض الرجال له بما لا يمكن تصنيفه على أنه "ظاهرة" لأن الحالات تبقى قليلة ومتفرقة، لكن في نفس الوقت، قد تكون الأرقام المسجلة أقل من الحالات الموجودة على الأرض، والسبب الخوف من نظرة المجتمع للرجل الذي يتعرض للضرب.
وفي حين تأسست "الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال" منذ 10 سنوات فقط، فإن جمعيتين آخرتين تأسستا في العامين الماضيين، والسبب قلة الحالات التي تبوح بتعرضها للعنف، إذ لا زال المغاربة يصنفونه ضمن الطابوهات (المحظورات).
فلماذا يسمح المجتمع بممارسة العنف ضد النساء، وفي الشارع أحيانا على مرأى من المارة، بينما يشجبه ويرفضه في حق الرجال حتى وإن ظل حبيس الجدران؟
ماذا بعد البوح؟
رفضت الحالات التي حاولت صحيفة "الاستقلال" التواصل معها عن طريق "الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال" الحديث، رغم تأكيد الصحيفة على عدم ذكر أسمائهم الحقيقية أو أي معلومة تثبت هويتهم، لكنهم سمحوا لرئيس الشبكة عبدالفتاح بهجاجي بالبوح ببعض تفاصيل قصصهم.
ما يوحد بين القصص ليس العنف الذي مورس عليهم من طرف زوجاتهم، بل ما تعرضوا له بعد اكتشاف المجتمع لما يواجهونه، فقد طرد أحد المعنفين من منزل العائلة، التي لم تتقبل أن يكون لها ابن يتعرض للضرب من طرف زوجته.
لم يتجاوز سن الشاب الذي كان يعمل مساعد تاجر في أحد الأحياء الحيوية بمدينة الدار البيضاء، 27 عاما، وبعد تعنيفه داخل المنزل أمام ابنه وأسرتها، أصبحت الزوجة تتردد بشكل يومي على المحل الذي يعمل فيه، لتهاجمه بالسب والضرب.
وصلت الزوجة المعنِّفة إلى حد تكسير ممتلكات المحل على مرأى من المارة والتجار، وعند الاتصال بالشرطة يخبرونه أن عليه رفع دعوى طلاق في المحكمة، إلى أن انتهى به الأمر بالانفصال عنها عن طريق المحكمة. لم يتعرض الزوج إلى الطرد من منزل العائلة فقط، بل طرد من العمل أيضا.
أما سائق الحافلة البالغ من العمر 48 سنة، فتعتدي عليه زوجته في المنزل أمام أبنائه، وبعد أن طردته منه واستولت على ماله، أصبحت تزوره في مقر العمل وتعتدي عليه بالسب والقذف وأحيانا بالضرب.
تحمل الزوج الإهانات أمام المسافرين والمارة وتعرضه للاحتقار أمام زملائه، إلا أن المسؤول عن الشركة رأى أن الموظف يأتي بكثير من المتاعب فقرر طرده.
الحالة الثالثة هي لمتقاعد يبلغ من العمر 65 سنة، طرد من بيت الزوجية، وهو منزله الخاص واستولت زوجته على وثائق الملكية الخاصة بالمنزل والسيارة أيضا، يبيت الآن في مرأب أواه فيه الجيران، بحسب تصريح رئيس الجمعية لـ"الاستقلال".
تداعيات الاعتراف
من خلال تجربته بـ "الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال"، بهجاجي، قال: "هناك تداعيات كثيرة للتعنيف الذي يلحق بالرجال، وهي تنقسم إلى نفسية وأخرى اجتماعية".
وأضاف: "من خلال هذه الحالات لاحظنا بشكل عام أن العنف تصاحبه حالة من الاكتئاب والخوف الشديد والقلق المزمن، السبب الأساسي وراء ذلك هو نظرة المجتمع الدونية للمعنَّف وكلماتهم الجارحة في حقه".
وأفاد المتحدث: بأن توالي الأيام يجعل المعنَّف منعزلا ومحتقرا، خصوصا عندما يصل الأمر إلى حد طرده من منزله من طرف الزوجة، ثم من منزل العائلة التي تعتبر أنه "جلب لها العار"، وقد يطرد من العمل أيضا.
نظرة المجتمع تجعل بعض الحالات تتوجه بشكل مباشر للشبكة وأخرى عن طريق وسيط، وتابع بهجاجي قائلا: "فيما تأتينا حالات بضمير الغائب، إذ يروي المعنَّف قصته كأنه يحكي عن صديق له أو أحد معارفه".
وشدد أستاذ التعليم العالي المختص في علم النفس الاجتماعي، الدكتور محسن بنزاكور: أن "نظرة المجتمع إلى الرجل المعنف قد تجعل نسبة المصرحين به قلائل، فأن تعترف المرأة بأنها تتعرض للعنف فذلك أصبح أمرا معتمدا من طرف المجتمع، لكن أن يعترف الرجل فهي مسألة مستبعدة، وإن كان في المغرب مؤخرا خرجت إلى الوجود جمعية تسمى (الدفاع عن الرجال) تماما كما هو الأمر بالنسبة للجمعيات النسائية".
وذهب بنزاكور في حديثه لـ"الاستقلال" إلى حد وصف تعنيف الرجال بـ"الأمر الخطير جدا، إذ قد يصل إلى حد ارتكاب جريمة، لهذا لا يجب السكوت عنه، حينما يتلقى الرجال هذا النوع من المعاملة في الحياة الزوجية لا يستطيع البوح بذلك، لأنه يعتبر المسألة انتقاصا من كرامته، وإذا كان الأمر بالنسبة للمرأة مماثل، فإن الرجل يحس بالأمر بشكل مضاعف".
وربط دكتور علم النفس ذلك بـ"التنميط الاجتماعي الذي يعتقد دائما أن الرجل يجب أن يكون أقوى من المرأة".
أسباب العنف
وعن أسباب العنف ضد الرجل، أفاد بنزاكور بأن: "المبادر بالعنف ليس شخصا غير متوازن أو غير سوي، لكنه أخذ هذه الطريقة في التعامل للإقناع، ويرى المعنِّف أن العنف طريقة مثلى تنبني على القوة لإخضاع الآخر، بل أكثر من هذا تعتبرها النساء مسألة طبيعية ما دام الرجل عنيفا، فلا يمكن أن يوقفه إلا العنف".
البعد الذي لا يمكن إغفاله، بحسب المتحدث -وهو ما جرت به العادة في المجتمع الذكوري- أن "السيطرة" تكون لمن له الكلمة العليا، ما يجعل النساء تلجأ للعنف كوسيلة لإخضاع الرجل. وتعتقد المرأة أن في أسلوبها ثورة على ذلك الفكر الذكوري الذي عانت منه في طفولتها وداخل مجتمعها، وبالتالي تريد أن تثبت من خلال العنف المضاد أن باستطاعتها استخدام القوة والقدرة على السيطرة والتحكم، وأنها ليست أقل قوة من الرجل وأنها شبيهة به".
هناك دراسات ترى أن ميكانيزمات النفسية والهرمونية والدماغية عند هذا النوع من النساء مبنية على العنف، أي أن لها استعدادا نفسيا واجتماعيا وهرمونيا وحتى عقليا/ إدراكيا للجوء إلى العنف كوسيلة للتواصل مع الغير. وفي بعض الأحيان تكون هناك دوافع خارجية إلى العنف، مثل التعاطي للمخدرات وشرب الخمر.
سبب آخر فسره بنزاكور بالقول: "من يشعر بالذنب يلجأ عادة إلى العنف، معتقدا أنه قد يبعد هكذا عن نفسه التهمة أو الشبهة، لكن في حقيقة الأمر ليس هذا ما يدعو المرأة المعنفة لتعنيف زوجها".
طبيا لم يثبت أن النساء المعنفات لهن تفسيرات هرمونية وراء هذا العنف وإن كانت نسبة الهرمون المؤدي إلى هذا السلوك قد تكون أكثر بقليل من العادي، واعترض بنزاكور عن التفسيرات البيولوجية لهذه الظاهرة.
غياب الأرقام
وفسَّر دكتور علم النفس الظاهرة علميا بالقول: "إما هناك خلل على مستوى بناء الشخصية من الناحية النفسية أو هناك بالفعل مبررات اجتماعية تعود بالأساس إلى مفهوم المساواة بين الرجل والمرأة، إذ يكون تراكم الظلم والفكر الذكوري والإقصاء دافع نفسي للجوء إلى العنف بشكل مباشر".
ولفت بنزاكور إلى أن: "هذا العنف قد يصل إلى عنف إجرامي، وهي الحالات التي عادة ما يكون فيها الحس الإجرامي ناتج عن البنية الاجتماعية التي نشأت فيها المرأة التي تنتقل من العنف إلى الإجرام، إذ أنها عرفت منذ بداية علاقتها مع الآخر أسلوبا واحدا، وهو العنف والاعتداء".
وحسب بنزاكور: "يظهر ذلك من خلال الألفاظ المستعملة في العلاقة التي تستند إلى الدونية والقوة والسيطرة، حيث تظهر هذه الألفاظ أن المرور إلى الفعل قد يأتي في أي لحظة".
ويضيف المتحدث: أن "النسب الإحصائية التي نفتقدها تجعلنا أمام إشكال حقيقي وهو أنه يصعب علينا معرفة مدى تجذر الظاهرة في المجتمع المغربي، لكن يمكننا أن نصرح بأنها تستحق الحديث عنها، بما أن بعض الرجال أصبحوا يتحدثون عنها، ما يوحي بضرورة مقاربة الموضوع بجدية أكبر عبر دراسات عملية وأكاديمية".
تحليل الشخصية
وفي تحليل لشخصية الرجل الذي يقبل بالعنف، قال الدكتور النفسي: أن هؤلاء الرجال هم عادة أشخاص في حياتهم اليومية خاضعين، وهذا الخضوع يجعلهم في طبيعتهم الداخلية يحسون بالذنب، وبالتالي علاقتهم مع المرأة أيضا تكون مبنية على الإحساس بالذنب وليس على علاقة المساواة أو الند للند.
وزاد قائلا: "تكون العلاقة الزوجية مبنية على قبول العنف، الذي يأتي دائما بشكل تدريجي، حتى يصبح الأمر طبيعيا في التعامل، ما يحيلنا على الطاعة بمفهوم الامتثال وهنا يصبح الزوج مقتنعا أن هذا الزواج لن يكتمل إلا بالامتثال لسلطة الزوجة. وهو أمر عادي بالنسبة إليه لأنه تعود في حياته اليومية أن يكون خاضعا".
وفصّل الأخصائي النفسي الأمر قائلا: "تبدأ دورة العنف بالاندهاش في البداية، ثم المؤاخذة اللفظية، ثم رفع الصوت الذي ينتقل إلى عنف جسدي وجنسي".
هذا النوع من الرجال يرى أن العنف هو مسألة زوجية خاصة والصورة مشابهة هنا للمرأة التي تتعرض للعنف، وتبرر ذلك بالقول: إن زوجها له الحق أن يفعل بها ما يشاء.
وما دامت حالات الإجرام في حالات العنف ضد الرجل توازي في حدتها حالات الإجرام في حالات العنف ضد المرأة، فإن الأمر لا يقل أهمية وخطورة إنما يبقى الفرق في النسبة التي لا زالت تثقل كفة الأخيرة.