السعودية وإيران.. فرقاء السياسة هل يجمعهما الاقتصاد؟
دفع تراجع الاقتصاد كلا من السعودية وإيران للبحث عن طريقة للتفاوض وتحسين العلاقات، بعد أن تضررا من التوترات الإقليمية التي تدفع أمريكا لفرض مزيد من العقوبات على إيران، وتدفع إيران إلى الإضرار بالاقتصاد السعودي واستهداف عمق المملكة الداخلي ومنشآتها الحيوية.
البلدان قررا اللجوء للتقارب وتبريد الصراعات والبحث في محركات التسوية لتجنب الآثار الاقتصادية، في ظل تحذيرات من تضرر اقتصادهما بشكل مباشر، كان آخرها خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو في البلدين، الذين يمثلان أكبر اقتصادين في الشرق الاوسط، بشكل حاد، وذلك على خلفية العقوبات الأمريكية والتوترات الإقليمية وتراجع أسعار النفط.
وتوقع الصندوق أن ينكمش اقتصاد إيران في 2019 بنسبة 9.5% بعدما كان توقع في أبريل/نيسان الماضي انكماشا بنسبة 6%، على أن ينمو الاقتصاد السعودي بنسبة 0.2 بالمئة مقابل توقعات سابقة بنمو بـ1.9 بالمئة.
مساع مشتركة
يسعى الطرفان السعودي والإيراني لتصفير صراعهما بعد أن أنهكا بعضهما، اقتصاديا، ولتجنب الآثار التي قد تترتب على حربهما، وعلى رأسها انهيار أسعار النفط، وتضررهما من ذلك إذ يمثل النفط موردا رئيسيا لموازنتيهما حتى الآن.
ومن أبرز المساعي السعودية لتبريد الصراع تصريح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في حديثه مع برنامج "60 دقيقة" بأن الحرب مع إيران ستدمر الاقتصاد العالمي وتأكيده أن الحل السياسي أفضل بكثير.
كما بعث برسائل إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني، من خلال رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان تحمل رغبة في التهدئة، وبدت كأنها مسار جديد نحو التهدئة، وبدورها، أبدت إيران تجاوبا مع المساعي السعودية.
وكان من أبرز مساعي طهران لتهدئة النزاعات في المنطقة، تقديم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال زيارته للعراق في مايو/أيار الماضي، مشروع عقد معاهدة عدم التعدي بين دول الخليج وإيران.
وحسب رؤية ظريف، فالعالم يحتاج إلى نظام عالمي جديد يعتمد على التعاون الإقليمي بين الدول، لأن مشاكل كل منطقة محصورة بها، ولا يمكن حلها إلا من خلال دول المنطقة نفسها.
ويقوم مشروع ظريف على بدء دول المنطقة حوارا إقليميا على مستويات مختلفة، يأمل من خلاله فتح الأسواق والتعاون المشترك في داخل المجموعة للتجارة والتعاون في جميع المجالات، والتعاون الاقتصادي والصناعي والتكنولوجي فيما بين الشعوب من شأنه جعل العلاقات السياسية بين الدول وثيقة وتحول دون تهديد بعض هذه الدول دولا أخرى في المنطقة.
كما تجنبت طهران توجيه اتهام مباشر للرياض باستهداف ناقلتها النفطية التي تعرضت لهجوم قبالة سواحل جدة في مياه البحر الأحمر 11 أكتوبر/تشرين أول الجاري.
أقصى ضغط
ما ذهب إليه تقرير النقد الدولي بشأن الأداء المتوقع للاقتصاد الإيراني هو الأسوأ منذ 1984، حين كانت الجمهورية الإسلامية في حرب مع العراق، ويوحي تراجع التوقعات بنسبة 3 بالمئة بين أبريل/نيسان الماضي، وأكتوبر/تشرين أول الجاري، إلى تدهور كبير في الاقتصاد الإيراني منذ أن بدأت الولايات المتحدة تطبيق عقوبات إضافية على قطاع النفط الإيراني في مايو/آيار الماضي.
تسببت سياسة واشنطن لممارسة سياسة "أقصى ضغط" عليها من خلال العقوبات في تقليص الإيرادات النفطية للبلاد، وزجّت باقتصادها إلى الركود وانخفاض قيمة العملة المحلية (الريال)، بالرغم من أنها تمتلك ثاني أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم لكنها ليست مصدرا كبيرا له بسبب العقوبات الدولية التي فرضت عليها لعقود.
وقلصت صادرات إيران من النفط الخام بأكثر من 80 بالمائة بعد أن أعادت واشنطن فرض عقوبات على طهران، عقب انسحاب الرئيس الأمريكي العام الماضي، من الاتفاق النووي.
وكان النفط، حتى وقت قريب، يشكل المورد الرئيسي لتمويل الموازنة الإيرانية، قبل أن تقرر تقليل الاعتماد عليه تدريجيا خلال السنوات الأخيرة بسبب العقوبات الأمريكية.
بدوره، توقع البنك الدولي أن ينكمش اقتصاد إيران بنسبة 8.7% خلال العام المالي 2019- 2020 مع تضرره من العقوبات الأمريكية التي تكبح صناعتها للنفط والغاز.
كبرياء إيران
ورغم وصف المراقبين حال الاقتصاد الإيراني بأنه على شفا الانهيار ودخل دائرة الموت، إلا أن طهران تحاول التخفيف من وطأة أثر العقوبات الأمريكية وتعلن دوما رفضها الرضوخ لضغوط واشنطن، ويروج مسؤولوها لما حققته البلاد من مكاسب اقتصادية.
قبل أيام قليلة من تقرير "النقد الدولي"، أعلن مدير مكتب الشؤون العربية والإفريقية في منظمة التنمية التجارية الإيرانية، مسعود كمالي أردكاني: أن الدول العربية تستحوذ على نحو 16 مليار دولار من إجمالي الصادرات الإيرانية إلى دول الجوار التي تلامس 24 مليار دولار، بحسب وكالة "فارس".
ولم يحدد المسؤول الإيراني أسماء الدول العربية التي تقبل على استيراد المنتجات الإيرانية أو حجم واردات كل دولة، لكن البيانات تشير إلى أن حجم تجارة الإمارات مع إيران يعد الأكبر بعد العراق، حيث بلغ في العام الماضي 2018 حوالي 19 مليار دولار، حسب تقرير لصحيفة " فاينانشال تايمز" البريطانية.
وخفف أردكاني من حدة تأثير العقوبات الأمريكية، قائلا: "الحظر خلق قيودا في بعض الأسواق، غير أنه كان محدودا، فيما شهدت الصادرات نموا في أسواق أخرى، حيث أن صادرات إيران للعراق بلغت 4.6 مليارات دولار في الشهور الستة الماضية".
وفي أغسطس/ آب الماضي ذكر عضو غرفة التجارة والصناعة والمناجم والزراعة الإيرانية حميد حسيني: أن صادرات البلاد لدول الجوار تقدر بنحو 20 مليار دولار.
أما وزير النفط الإيراني بيجن زنكنة، فقال في 6 أكتوبر/تشرين الأول الجاري: إن بلاده ستستخدم أي وسيلة ممكنة لتصدير إنتاجها من الخام، ولن ترضخ للضغط الأمريكي، لأن تصدير النفط حق مشروع لإيران.
وفي تصريحات سابقة أشار إلى أن بلاده تشيّد خط أنابيب للنفط يصل إلى ميناء جاسك خارج الخليج بكلفة 1.8 مليار دولار، وذلك في إطار خطط لحماية صادراتها من مشكلات محتملة في المنطقة، ولتعزيز شحنات النفط من بحر قزوين.
وقبل شهور، نفى الوزير صحة تقارير إعلامية، أشارت إلى هبوط صادرات طهران من النفط الخام، بفعل العقوبات الأمريكية، مؤكدا أنها: "محض كذب".
انتكاسة سعودية
أما السعودية صاحبة أكبر اقتصاد في المنطقة، فتراجعت توقعات صندوق النقد بشأن نموها، إلى 0.2 بالمئة، بعدما كانت 1.6 في نيسان/أبريل، و1.9 في تموز/يوليو، وهذه أسوأ توقعات للنمو في المملكة الغنية منذ أن انكمش الاقتصاد السعودي في العام 2017 بنسبة 0.7 بالمئة.
وتمكنت إيران من تهديد البنية التحتية للمملكة السعودية، بحسب تقرير لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية "س.إس.آي.إس" نشر عقب تبني جماعة الحوثي المدعومة من إيران، في 14 سبتمبر/ أيلول الماضي، هجوما بطائرات مسيرة استهدف منشأتين نفطيتين تابعتين لعملاق النفط السعودي "أرامكو" في "بقيق" و"هجرة خريص" في المنطقة الشرقية للسعودية.
وأشار التقرير إلى أن إيران تمكنت حتى الآن من تنفيذ سلسلة هجمات، لم تقم واشنطن بالرد عليها سوى باللجوء إلى سياسة العقوبات القاسية، والتي يمكن أن تؤدي ربما إلى انهيار الاقتصاد في طهران.
ويعزو التقرير تركيزه على السعودية كساحة حرب محتملة، كون الرياض وطهران هما المنافسان الرئيسيان للنفوذ الإقليمي، وخصوصا وأن المعلومات المتوافرة تشير إلى أن إيران تمتلك العديد من القدرات التي تهدد البنى التحتية الحيوية والأصول البحرية للمملكة العربية السعودية.
ووجهت السعودية أصابع الاتهام مباشرة إلى إيران، وعرضت بقايا مما وصفته طائرات مسيرة إيرانية وصواريخ كروز استخدمت في الهجوم على المنشآت النفطية السعودية، قائلة إنها دليل "لا يمكن إنكاره" على العدوان الإيراني، إلا أن الأخيرة نفت الاتهامات، وقالت إن هذه التصريحات لا أساس لها من الصحة، ولا يوجد أي دليل على ضلوعها في الاستهداف.
وعلى إثر الحادث خفّضت الهجمات إنتاج النفط بنحو 5.7 مليون برميل يوميا وأدت إلى توقف إنتاج ما يعادل 5% من الإمدادات العالمية.
وحذر تقرير مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، من أن أبرز الأهداف التي يمكن أن تضربها إيران، هي حقول النفط السعودية وميناء رأس تنورة ورأس الخيمة ومحطة بقيق وصولا إلى ينبع، الواقعة على البحر الأحمر، والتي تقع ضمن مدى الصواريخ البالستية المتوسطة المدى الإيرانية.
أسباب التعثر
دكتور غسان الطالب، الأكاديمي والخبير الاقتصادي، استعرض الأسباب والدوافع وراء تراجع الاقتصاد السعودي والإيراني التي أكدها التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي، مشيرا إلى أن: "إيران كلفها التدخل العسكري في الأقطار العربية كسوريا والعراق ولبنان واليمن، أموالا طائلة كانت على حساب بناء تنمية محلية، وأضاع عليها الكثير من الفرص التي كان بالإمكان أن تنعكس على حياة المواطن الإيراني".
وأشار في حديثه لـ "الاستقلال" إلى أن: "إيران تمددت وتمادت بشكل كبير في المنطقة العربية، سوريا، العراق، لبنان واليمن في غياب قوة عربية حقيقية رادعة لها، باستثناء المال العربي الذي يذهب بسخاء للحارس الأمريكي على أمل أن يتصدى للأطماع الإيرانية، ويحمي ما تبقى من الأقطار العربية التي لا زالت لم تتعرض لمشاكل داخلية تهدد أمنها واستقرارها".
وأكد أن: الحصار الأمريكي حرم إيران من تصدير جزء كبير من إنتاجها النفطي تلا ذلك تحجيم لبعض علاقاتها التجارية الخارجية، أما السعودية فأنفقت مئات المليارات ثمنا لتحالفها مع الولايات الأمريكية مقابل تزويدها بالسلاح وثمنا لتعهدها بالدفاع عنها في حال تعرضها لعدوان إيراني.
وتوقف "الطالب" مع تصريح الرئيس الأمريكي ترامب على أثر الاعتداء على المنشآت النفطية السعودية عندما صرح بالحرف الواحد: "نحن نرسل قوات وأشياء أخرى إلى الشرق الأوسط لمساعدة السعودية، والرياض وافقت بناء على طلبي على أن تدفع لنا لكل شيء نفعله، وهذا يعني توفير ملايين الوظائف"، مستطردا: "هنا أدركت السعودية حقيقة النوايا الأمريكية وجعلتها تعيد حساباتها في علاقاتها السياسية في المنطقة".
وأضاف: "كما هي إيران كذلك التي لم يعد بوسعها الإنفاق على تمددها العسكري في الأقطار العربية أو الانفاق السخي على المليشيات التابعة لها هناك".
ورأى "الطالب" أنه: "لا غرابة أن نرى جميع الأطراف تبدي نوعا من المرونة مع الوساطات الخارجية لإجراء حوار ينهي حالة التوتر في المنطقة كما رأينا الوساطة التي بادر بها رئيس وزراء باكستان عمران خان، وقبل ذلك تبادل الزيارات السرية بين الإمارات وطهران لعودة العلاقات وإنهاء حالة التوتر بينهما رغم تمسك إيران باحتلالها للجزر العربية الثلاث العائدة للإمارات طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى."
دوافع الحل
عبد الحافظ الصاوي، الخبير الاقتصادي، قال إن: "لجوء السعودية وإيران إلى المساعي السياسية له أسباب كثيرة منها ما يتعلق بالجانب السياسي وأخرى تتعلق بالجانب الاقتصادي، لكنها تدفع البلدين إلى إيجاد حل سياسي لأن البديل هو الدخول في حرب عسكرية".
وأكد في حديثه لـ "الاستقلال" أن: "العامل الاقتصادي أحد العوامل المهمة التي تدفع الجانبين للبحث عن حل سياسي بعيدا عن الصدام العسكري، مشيرا إلى أن اقتصاد البلدين منذ أزمة أسعار النفط في منتصف 2014 وحتى الآن تأثر بشكل كبير".
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن: "العقوبات الأمريكية على إيران قابلها التراجع في الاقتصاد العالمي خلال الفترة الماضية، حتى أن صندوق النقد الدولي عدل من تقديراته، حول معدل النمو في الاقتصاد العالمي خلال الفترة القادمة سيتراجع إلى 3% وهو بدوره سيؤثر على الطلب على النفط".
وأشار "الصاوي" إلى أن ذلك: "سيؤثر أيضا على السعودية باعتبارها المصدر رقم واحد على مستوى العالم من حيث النفط، كما أنها تأثرت كثيرا بسبب تراجع الطلب على النفط، بالإضافة إلى الضربة التي وجهتها جماعة الحوثي لمنابع النفط التابعة لشركة أرامكو السعودية مما أثر على الإنتاج بشكل كبير خلال شهري سبتمبر/أيلول الماضي، وأكتوبر/تشرين أول الجاري".
ولفت إلى أن: "السعودية تعتمد بشكل كبير على الحماية والمساندة الأمريكية، ولعل القرار الذي اتخذ مؤخرا من قبل أمريكا بإرسال قوات إضافية إلى السعودية رغم تصريحات ترامب السابقة له تكلفته، وهو ما أعلنه ترامب بأن القوات ستذهب مقابل الأموال وأمريكا لن تقبل أن يكون هناك حرب تدفع فيها بجنودها لتحقيق خسائر بشرية، ولكنه سيكون من قبيل استنزاف ثروات البلدين السعودية وإيران".
وبين "الصاوي" أن الأسباب التي تتعلق بالجانب السياسي والتي قد تدفع البلدين للبحث عن حل سياسي، أهمها: "اختلال القوى والتوازن بين كلا من السعودية وإيران خاصة بعد فشل السعودية في إدارة أكثر من ملف، وكذلك معدلات التراجع في أداء الثورة المضادة في المنطقة التي تعتبر السعودية والإمارات هما القطبان الرئيسيان لإدارة هذا الملف".