صحف فرنسية: هذا ما يحرك المتظاهرين في شوارع العراق
اهتمت صحف فرنسية عدة، بالمظاهرات المستمرة في العراق؛ احتجاجا على فساد الطبقة السياسية وارتفاع البطالة إضافة إلى تدخلات إيران، إذ طالت المسيرات المناطق الشيعية التي يحكم زعماؤها البلاد، والتي قابلتها السلطات بقمع غير مسبوق.
فمن جهتها قالت الكاتبة هالة قضماني، في مقال لها على صحيفة "ليبراسيون": إن غضب الشباب العراقي هو صرخة في بلد أصبح مثالا للدولة الفاشلة رغم أنها خامس أكبر دولة في العالم تمتلك احتياطات نفطية.
وأشارت إلى أن العديد من الشعارات التي أطلقها المتظاهرون في الأيام الأخيرة موجهة ضد المسؤولين عن فساد نظام الحكم بأكمله منذ سقوط دكتاتورية صدام حسين عام 2003، مثل "أعيدوا لنا وطننا" و"الشعب يريد تغيير النظام" و"لا للأحزاب السياسية" و"باسم الدين سرقنا اللصوص" وغيرها من الشعارات.
دافِعهم الفساد
وأوضحت قضماني: أن طلبات المحتجين تتمحور حول نقص الخدمات العامة الأساسية كالكهرباء ومياه الشرب لعقود وتشغيل الشباب، فهناك واحد من كل أربعة أشخاص عاطل عن العمل، لكن الفساد، هو أساس كل المشاكل التي يشهدها العراق.
ونوهت بأنه، وفقا للأرقام الرسمية، فإن ما يعادل نحو 410 مليارات يورو من الأموال العامة قد تم ابتلاعها منذ عام 2004، واختفت في جيوب السياسيين من جميع الفئات أو زعماء القبائل أو رجال الأعمال، وهو مبلغ يمثل أربعة أضعاف الميزانية السنوية للدولة.
ونقلت عن العراقي علي بدر الذي قال في منشور على صفحته عبر موقع "فيسبوك"، إن: "جذر المشكلة هو تدمير سوق العمل في العراق"، ويتذكر المدون البالغ من العمر أربعون عاما من بلجيكا أنه في طفولته، كان كل شيء في الأسواق من صنع عراقي "من الأجهزة المنزلية إلى الأحذية والأثاث ومعجون الأسنان".
وأوضح: أن هذه الصناعات المحلية وفرت وظائف لطبقة عاملة شاقة، "لقد حولت وفرة المنتجات المستوردة اليوم العراقيين إلى مستهلكين جشعين مما أدى إلى تفاقم شكل جديد من الصراع الطبقي".
وبحسب بدر، الوظائف الوحيدة الممكنة في العراق حاليا هي وظائف الخدمة المدنية الكثيرة التي تضم 7 ملايين موظف مدني لسكان يبلغ عددهم حوالي 40 مليونا.
مخاوف السنة
ولفتت قضماني في مقالها إلى أن مدن الجنوب العراقي ذات الغالبية الشيعية شهدت للمرة الأولى إحراق أعلام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فيما لا تزال الأحياء السنية في بغداد والمحافظات الشمالية والغربية من العاصمة، ومعظمهم من السنة، بعيدة نسبيا عن الاحتجاجات.
وبينت أن الأقلية السنية المهمشة منذ الإطاحة بنظام صدام حسين تخشى من أن تتهم، كما في الماضي، بأنها وراء المشاكل التي تضرب البلاد، ما يسمح للحكومة باستغلال الاحتجاجات كحركة طائفية.
وقد خلصت قضماني إلى أنه لا يبدو أن التحرك التلقائي للشباب العراقي تمليه أي جهة أو زعيم سياسي أو ديني، وقد تكون الاحتجاجات الأخيرة في العراق نسخة مما شهدته دول عربية أخرى مثل الجزائر أو السودان أو مصر.
من جهتها قالت صحيفة "لوموند": إن قرار رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، بإقالة قائد هيئة مكافحة الإرهاب عبدالوهاب السعدي، الذي يعتبر "بطل" الحرب ضد تنظيم الدولة، أدى إلى إشعال احتجاج اجتماعي وسياسي كامن.
وأوضحت: أن وقوع ثلث العراق تحت سيطرة الجهاديين في يونيو/ حزيران 2014 كشف عن إفلاس إحدى أكثر الطبقات الحاكمة فسادا في العالم ومخاوف الطائفية، فبعد عامين من انتهاء الحرب على تنظيم الدولة، وتعافي بلد النفط ببطء، أصاب اليأس العراقيين بشأن رؤية إصلاحات لتحسين الخدمات العامة في مواجهة النقص المزمن في الكهرباء والمياه النظيفة والوظائف، في حين يبلغ معدل البطالة 25 ٪ بين الشباب.
وشددت الصحيفة الفرنسية على أنه منذ الموجة الأولى من الاحتجاجات المناهضة للفساد والمؤيدة للإصلاح في 2015-2016 إلى مظاهرات صيف 2018 في جنوب البلاد، تحول الاحتجاج الاجتماعي إلى رفض عام للسلطات السياسية والدينية الموجودة في الحكم منذ الغزو الأمريكي للعراق في 2003، التي باتت متهمة بالتضحية بالمصلحة الوطنية، خدمة لمصالحها الشخصية ومصالح إيران "عرابة الميليشيات الشيعية ذات النفوذ القوي في البلاد".
الغضب ضد إيران
أما صحيفة "لوريان لو جور"، فسلطت الضوء على دمج التطلعات الاجتماعية للشباب العراقي مع النقد الشديد لتأثير إيران على الطبقة الحاكمة في البلاد.
وقالت: "إيران بره!" شعارات تردد في شوارع العراق، من بغداد إلى مدن الجنوب، خلال المظاهرات التي يشارك فيها آلاف العراقيين منذ الثلاثاء الماضي ففي هذه المناطق ذات الغالبية الشيعية، أشعل الغضب السكان ضد الفساد والبطالة التي تؤثر على ما يقرب من 25 ٪ من الشباب.
وفي مقاطع الفيديو التي تغمر الشبكات الاجتماعية منذ ذلك الحين، صرخ الشباب تعبيرا عن يأسهم من الجمود الاقتصادي، إذ يقول أحد المتظاهرين: "نحن لسنا من الصدريين (مؤيدي رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر)، ولا السيستانيين (مؤيدي آية الله علي السيستاني)، ولا السنة ولا الشيعة، نحن عراقيون. لماذا تطلقون علينا النار؟".
ويلاحظ الباحث في معهد الشرق الأوسط وجامعة سنغافورة الوطنية، "فنار حداد"، أنه إذا لم تكن الاحتجاجات الحالية جديدة على العراق، فإنها تبرز هذه المرة عفويتها وطبيعتها غير السياسية.
وبيّن أن: "هناك أشخاص ينتمون إلى الصدريين يوجودون في الشوارع الآن، لكن حركة الصدر ليست وراء الحركة"، وعلى عكس احتجاجات 2016 وصيف 2018، لم يقم المتظاهرون بصياغة مطالب محددة فحسب، بل رفضوا النظام السياسي برمته.
وقالت الصحيفة: علامة على هذا الغضب، "البعض يحمل صورا للديكتاتور المخلوع صدام حسين، في بلد يبلغ عدد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 20 عاما ما يقرب من 20 مليونا ويمثلون أكثر من نصف السكان، فهذا هذا الجيل لم ينشأ في ظل الجرائم التي ارتكبها الرئيس السابق ضد العراقيين، وخاصة ضد الشيعة".
ولفتت إلى الجمع بين المطالب الاجتماعية للمتظاهرين والغضب الذي أثاره إقالة الجنرال عبدالوهاب السعدي، دون تقديم رئيس الوزراء أسباب محددة، فبالنسبة للمتظاهرين، إقالة هذا الجنرال "بطل استعادة الموصل" في عام 2017، الذي تم استبداله بمقرب من "الحشد الشعبي" -الميليشيات الشيعية التي يشرف عليها الحرس الثوري الإيراني- بمثابة منحة تمنح لطهران المتهمة بتقويض سيادة البلاد.
وقال حداد: "في قلب الاحتجاجات، هناك استياء من السكان تجاه النظام السياسي ككل، لكن إيران هي أحد الضامنين الرئيسيين لهذا النظام، إن أقوى الفصائل داخل الطبقة الحاكمة مرتبطة بطهران أو تدعمها، وهنا يتلاقى الغضب ضد الحكومة مع الغضب ضد إيران".
فصل الدين عن السياسة
ونوهت "لوريان لو جور" بأن إقالة الجنرال السعدي من منصبه تضاف إلى حوادث أخرى حدثت مؤخرا مثل تعليق عمل القنصلية العراقية في مدينة مشهد شمال شرق إيران عقب اعتقال اثنين من الدبلوماسيين العراقيين، دون أي مبرر.
واعتبر التقرير أن الاحتجاجات غير المسبوقة ضد حكومة عبدالمهدي فاجأت رجال الدين الشيعة، وقد أعرب مقتدى الصدر وعمار الحكيم -كبار رجال الدين الشيعة- عن دعمهم لمطالب المحتجين بينما انتقدوا عجز رئيس الوزراء عن الاستجابة لمطالبهم، رغم أن الرجلين ساهما في تشكيل حكومة ائتلاف عادل عبدالمهدي، بعد خمسة أشهر من انتخابات مايو/ أيار 2018 التي أدت إلى فوز الصدريين، وهي حركة إسلامية عراقية وطنية.
ومن جهته، تحدث آية الله علي السيستاني -أعلى سلطة شيعية في العراق– من خلال ممثله أحمد الصافي الذي قال في مسجد في مدينة كربلاء المقدسة: "يجب على الحكومة تغيير الطريقة التي تدير بها مشاكل البلد".
ورأت الصحيفة، أنه إذا كانت كلمات علي السيستاني أكدت رغبته في فصل واضح بين القضايا السياسية والدينية، فإن إستراتيجية مقتدى الصدر تبدو أكثر إرباكا، إذ قام الأخير بزيارة مفاجئة إلى طهران خلال ذكرى عاشوراء في أوائل سبتمبر/ أيلول، وتم تفسير ذلك على أنه تعبير واضح عن تأثير إيران على موقفه السياسي.
وقبل ذلك ببضعة أيام، انتقد علانية دور الجماعات شبه العسكرية الإيرانية في العراق.وبحسب حداد الغضب العراقي "يبدو أنه يضع شخصيات مثل السيستاني والصدر في موقف دقيق".
وخلص إلى القول أنه: "إذا كانت المطالب تستهدف النظام برمته، فكيف يمكنك العمل على ذلك في بلد مثل العراق حيث تنتشر القوة بشدة وتلعب المصالح الخارجية مثل هذا الدور الهام؟".