توظيف الدين في الصراع السياسي مع إيران

12

طباعة

مشاركة

المعروف أنَّ إيران تبنَّت المذهب الشيعي في بداية القرن السابع عشر، وربما ناسبها هذا المذهب الذي أسهم إسهاماً وافراً في إثراء الإسلام والتراث الإسلامي، فإن قلنا أنَّ معظم التراث بما فيه قواعد اللغة العربية وضعها رجال يتبعون فارس. وقد كان ذلك قبل تبنِّيها المذهب الشيعي، وتأثر الإمام أبو حنيفة بالمذهب الشيعي والخلاف بين المذاهب هو في الحقيقة خلاف في الفروع وفي مقدار العقل والنقل الذى يعتمده المذهب في الفقه الذى ينتجه.

وقد تطرَّف البعض في الجانبين فتمسَّك فريق بحرفية النصوص في ضيق الإسلام دون أن يدرك سماحته وأنَّ الأصل فيه هو الإباحة إلا ما قُيِّدَ بنص. أما من وسَّع الإسلام أكثر مما يحتمله واعتمد على العقل وحده دون أن يكون هناك سنَد من الأصول الكلية للإسلام أو نصوصه الشرعية، فإنَّه هو الآخر فرَّط في هذا الدين، فقد حذَّر الرسول الكريم الغُلاة في هذا المجال وأشار إلى أنَّ هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، أي أنَّ الإسلام وسط بين الإِفراط والتفرِيط وبين التَّضييق والسَّعة التي لا مُبرر لها.

ومعلوم أيضاً أنَّ إيران منذ القرن السابع عشر وهي تتبنَّى المذهب الشيعي واتصل إسهام الفرس في الإسلام والفقه الإسلامي، منذ دخول فارس في الإسلام في عهد الصحابة، ونظراً لأنها كانت دولة عظمى فإنها لم تشأ أن تقابل بين العرب والإسلام حتى لا يشعُر الفرس أنَّ العرب هزموها وفرضوا عليها دينهم، أو بالأصح الدين الذي كرَّمهم الله به فأنساحوا في الآفاق يُبشرون بدين الله ولا يرغمون أحداً على اعتناقه فأرادت، فارس أن تكون متميزة في الإسلام كما تميزت قبل الإسلام.

ومن الواضح أنَّ شاه إيران كان شيعياً وكان حليفاً لإسرائيل والسعودية والولايات المتحدة، ثمَّ إنَّه تزوج الأميرة فتحية شقيقة الملك فاروق ملك مصر والسودان، ولم يقُل أحد أنَّ خطوط العلاقة بين الشيعة والسنة قد اضطربت ولم نسمع عن ذمِّ المذهب الشيعي أو تكفير شيعة إيران.

والصحيح أنَّه عندما تصدَّى الإيرانيون لاستبداد الشاه وتبعيَّته لأمريكا بيَّتت أمريكا العِداء لإيران سياسياًُ، وأثارت مرة أخرى أنَّ المذهب الشيعي هو عدوُّ الإنسانية وأنَّ إيران هي المُهدِّد للعالم تماماً كما فعلت مع صدام حسين وعبدالناصر ثمَّ أوْعزت إلى عملائها من رجال الدين المُسيَّسين الذين يُحرمون ويُحللون في نفس الوقت حسب الهوى ويعملون فى حزب المؤامرة منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران هم الذين أظهروا القاعدة الحاكمة لسياسات المنطقة بأسرها، وهي أنَّ من صادق إسرائيل نجا ومن عاداها هلك ومن صادقها وحالفها كان ذلك ضماناً له فى قلب الولايات المتحدة.

وما دامت إيران هي الدولة المستقلة الوحيدة في المنطقة فلابد أن نتوقع المؤامرات ضدها وضد الدين والفتنة الطائفية أشدُّ وطْأة من غيرها، لدرجة أنَّ إسرائيل أصبحت دولة سنية وأصبحت تقود معسكر السنة ضد الشيعة، وهي التي تُشعل الفتنة بين الشيعة وغيرهم من مواطنيهم في العراق ولبنان والسعودية. وإنَّ صدام حسين لعب دوراً خطيراً فى هذه الفتنة وأسَّس لها دون أن يدري فكان استقطاب الشيعة هو الورقة التي لعبت بها واشنطن لغزو العراق وتقسيمه وتمكين إيران منه.

فإن قالوا إنَّ السعودية تدافع عن السنة ضد الشيعة وأنها لذلك تتصدى للنفوذ الإيرانى في الدول العربية، قلنا أنَّ جميع الدول العربية لا تملك من أمرها شيئاً وأنها تُوظَّف لخدمة المشروع الصهيوني وأنَّ ثقافة التمييز ضد الشيعة داخل كل دولة على أساس فهم خاطئ للدين هو الذي أدى في النهاية إلى عدم اعتراف المكون الشيعي بالنُّظم السنية فيها وتعلُّقهم بإيران قِبلة دينية وسياسية، والأمثلة كثيرة فى الدول المجاورة  لإيران.

وإن قالوا أنَّ إيران تُهيمن على العواصم العربية قلنا أنَّ العرب هم المسؤولون عن هذه النتيجة وأنَّ الدكتاتورية العربية هي السبب في زيادة قوة إيران وإسرائيل، ثمَّ إنَّ إسرائيل تعادي إيران لاعتبارات سياسية لأنَّ إيران هي الدولة الوحيدة التي لها مشروع يناهض المشروع الصهيوني الذي ينهش في الجسد العربي، ويتناحر مع الفرس والترك على الجثة العربية والحل هو أن تبعث الروح في هذه الجثة وأن تقوم مصر بقيادتها بمشروع عربي يبتعد عن الغوغائية السابقة التي تسبَّبت فى تدهور مصر بين دول المنطقة. 

والخلاصة أنَّ تسمية الشيعة والسنة تسمية خاطئة ما دام الشيعة يتمسكون بسنة الرسول الأعظم، فإن حادوا عنها خرجوا من الملة وتلك قضية يختص بها الله سبحانه الله وحده ولا علاقة لنا نحن العرب به ولسنا نحن حماة الدين وحرَّاس العقيدة عند المسلمين غير العرب.

وأقول للمتنطعين العرب المغيبين الذين يكفرون الشيعة إنَّ الوثنيين هم الأولى بالتكفير إن كنتم فاعلين، وفي هذه الحالة 40% من الموحدين مقابل 60% من أصحاب العقائد الأرضية مع أنهم الأكثر تقدماً والأكثر إنسانية والأكثر تسامحاً عدا بعض غلاة البوذيين والهندوس الذين خرجوا حتى على مبادئ عقيدتهم.