هزيمة جديدة في غريان.. لماذا يُصرّ حفتر على معاركه جنوب طرابلس؟

زياد المزغني | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

خمسة أشهر مرت على إطلاق اللواء المتقاعد خليفة حفتر حملة عسكرية لمحاولة السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس، ورغم الدعم العسكري والسياسي الذي يحظى به حفتر  من بعض دول الجوار والخليج والغرب، إلاّ أن قواته لم تنجح في حسم المعركة حتى الآن.

وبالتزامن مع انعقاد قمة مجموعة السبع الكبار في فرنسا، وبعد مرور شهرين من خسارتها لمدينة غريان الإستراتيجية، شنت قوات حفتر هجومًا واسعًا للسيطرة على هذه المدينة الجبلية، التي كانت في يوم ما مركزًا لقيادة عملياتها العسكرية لاقتحام طرابلس.

فشل الهجوم الذي سعى حفتر من خلاله لتحقيق عدة أهداف عسكرية وسياسية، وتوجيه رسائل إلى الداخل والخارج، بعد تمكن قوات الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا من وقف زحف قواته نحو وسط غريان (100 كلم جنوب طرابلس)، واستعادتها عدة قرى ومناطق خسرتها في بداية الهجوم.

وتعرف طرابلس والمدن المجاورة لها عدوانًا بدأه حفتر وقواته عليها منذ 4 أبريل/نيسان الماضي، وخلف ضحايا أعدادهم متزايدة بلغت وفق آخر الأرقام قرابة 1200 قتيل وأكثر من 5 آلاف جريح، وعشرات الآلاف من النازحين.

يبدو أن معسكر الشرق الذي يقوده حفتر يواجه صعوبة استكمال العملية في ظل الكثير من المتغيرات على الأرض، رغم الدعم العسكري الإماراتي الكبير الذي يتبنّى رؤية خاصة بمواصلة استمرار العملية العسكرية .

مدينة إستراتيجية 

صباح 25 أغسطس/آب الماضي أعلنت قوات حفتر هجومًا مكثفًا من محور في منطقة العربان والتي تبعد 35 كلم جنوب شرق غريان، باتجاه منطقة غوط الريح.

الهجوم في ساعاته الأولى نجح في إرباك قوة حماية غريان، خاصة بعد الغارات المكثفة وغير المسبوقة لقوات حفتر المدعومة إماراتيًا، التي تقدمت في المناطق الجنوبية خارج مدينة غريان، وسيطرت على غوط الريح والكليبة، وبني وزير، وبوزيان، وجندوبة، حيث انسحبت قوة حماية غريان، التابعة لحكومة الوفاق، تحت كثافة الغارات الجوية، نحو "المغاربة"، حتى تتمكن من التحصن بمنطقة يمكن الصمود فيها إلى حين وصول المدد.

كانت غريان على وشك السقوط مجددًا في يد قوات حفتر، التي لم يعد يفصلها عن مشارف المدينة المحصنة طبيعيًا سوى بضعة كيلومترات، وسبقت هذه القوات أخبار دعائية لوسائل إعلام ليبية موالية لحفتر وداعميه وأخرى خليجية، تتحدث عن تقدمها نحو وسط المدينة، وقرب السيطرة عليها بالكامل.

تعتبر مدينة غريان الواقعة على بعد 100 كلم من العاصمة طرابلس، من أهم المدن الإستراتيجية غرب ليبيا، حيث تمثل نقطة تواصل بين الغرب والجنوب الليبي، وتمرّ منها الطرقات المؤدية إلى العاصمة طرابلس وكذلك إلى مدينة مصراتة، فضلًا عن دورها في تقديم الدعم العسكري لأي طرف يسيطر عليها، إذ تضمّ مهبطا للطائرات العمودية، يمكن من خلاله قيادة العمليات العسكرية الجويّة.

فشل مجددًا

بعد 4 أيام فقط من الهجوم، وفي 29 أغسطس/آب الماضي، أكدت حكومة الوفاق أن الأوضاع في مدينة غريان تحت السيطرة بعد فشل هجوم قوات حفتر، في محاولة لاستعادة السيطرة عليها.

وأعلنت الحكومة في بيان مصور للمتحدث باسم وزارة الداخلية العميد مبروك عبد الحفيظ، نشرته إدارة التواصل والإعلام عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك أن "الأوضاع في غريان (100 كلم جنوب العاصمة طرابلس) تحت السيطرة عسكريا من قبل غرفة العمليات المشتركة للجيش الليبي وأمنيًا من قبل مكونات وزارة الداخلية، وفي مقدمتها مديرية أمن غريان".

من جهته، أكد المتحدث باسم الجيش الليبي محمد قنونو" تمكن قوات الوفاق من صد محاولة مسلحي حفتر التقدم باتجاه غريان. وأضاف قنونو في تصريح صحفي، أن مسلحي حفتر حاولوا التقدم باتجاه المدينة تحت غطاء جوي من الطيران الإماراتي المسير لتحقيق نصر وهمي يرفع معنوياتهم".

وأوضح مصدر عسكري أثناء اندلاع المواجهات وصول تعزيزات إلى مدينة غريان لصد الهجوم الذي شنه مسلحو حفتر على ضواحي المدينة. وأضاف في تصريح لقناة ليبيا الأحرار بدء قوات الوفاق هجومًا مضادًا على مواقع مسلحي حفتر، واستعادتها بعض المواقع ودحرها للقوات المعتدية، بعد تدخل الطيران التابع لقوات الوفاق.

عبد الله كشلاف آمر (قائد) قوة حماية غريان التابعة لحكومة الوفاق، أكد لصحيفة "العربي الجديد" أن محاور القتال حول مدينة غريان تشهد هدوءًا حذرًا بعد ساعات من الاشتباكات العنيفة، انتهت بأسر آمر غرفة عمليات غريان التابعة لقوات حفتر.

قوات حفتر لم تحقق  أي اختراق في المحاور، خاصةً بعد خسارة معقل غرفة عملياتها الرئيس في غريان 26 من يونيو/حزيران الماضي، بعد عملية نفذتها "بركان الغضب" لاستعادة المدينة استغرقت يومها ساعات بدعم من سلاح الجو، بعد أن كان يسيطر عليها حفتر منذ 4 أبريل/نيسان 2019.

السبعة الكبار

لم يكن التاريخ الذي اختاره حفتر لقواته لخوض معركة استعادة مدينة غريان الإستراتيجية بريئًا، إذ يبدو أن حفتر كان يسعى من هجومه إلى تحقيق عدة أهداف عسكرية وسياسية، وتوجيه رسائل إلى الداخل والخارج.

انطلقت العملية بالتزامن مع  بدء انعقاد قمة مجموعة السبع الكبار في فرنسا، حيث شن حفتر هجومه على غريان صباح الأحد 25 أغسطس/آب الماضي واستغرق الهجوم يومين، فيما انطلقت قمة السبع الكبار في فرنسا السبت، واختتمت أعمالها الإثنين، وأوصت بتنظيم مؤتمر دولي تحضره "كل الأطراف الليبية المتأثرة من الصراع".

وفق متابعين للشأن الليبي فإن اختيار حفتر لهذا التوقيت بالذات، جاء لإيصال رسالة إلى الزعماء السبعة الكبار في العالم، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أنه الرجل القوي في ليبيا، وأنه عامل رئيسي في معادلة الحرب والسلام.

إلّا أنّ هزيمة قواته في المعركة بعثت برسائل سلبية إلى قادة مجموعة السبع الكبار، مفادها أنه عاجز عن تحقيق نصر حقيقي على الأرض، رغم الدعم الخارجي، ومساحة الصمت الواسعة والطويلة للمجتمع الدولي إزاء جرائمه بحق المدنيين.

وسبق وأن اتفقت دول مجموعة السبع الكبار على ممارسة ضغوط على حفتر، ومسؤولي التصعيد العسكري في ليبيا، مع بداية عمليته العسكرية على طرابلس في 4 أبريل/نيسان الماضي.

حينها قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس:" إن وزراء خارجية دول مجموعة السبع اتفقوا، على الضغط على المسؤولين عن صراع عنيف على السلطة في ليبيا خاصةً القائد العسكري خليفة حفتر لتفادي التصعيد العسكري، حسب "رويترز".

وقال الصحفي الليبي عماد الدين بلعيد في تدوينة له على حسابه على فيسبوك:" أعتقد أن تحركات حفتر الأخيرة كلها تصب في إتجاه إيقاف إطلاق النار في محاور جنوبي طرابلس، عن طريق فتح جبهات متعددة وتشتيت القوات وتوسيع نطاق المواجه".

وأضاف :"حِفتر يدرك تمامًا أن دخول غريان أصبح مستحيلًا عسكريًا ودخول طرابلس يفوق المستحيل، وإنما هدفه في هذه المرحلة جرجرة قوات الوفاق لمحاور بعيدة وغير مهمة ليضمن عدم شنّ هجوم على مواقع قواته جنوبي طرابلس، وبالتالي يستمر داعميه الدوليين في التسويق أن حفتر يسيطر على جزء من طرابلس وهو الطرف الأقوى والقادر على الحسم".