كبّل البرلمان.. خيارات الأحزاب البريطانية ضد "انقلاب" جونسون

"خرق دستوري، انقلاب على الديمقراطية، خطوة معتادة، تصرف قانوني"، كثيرة تلك التعبيرات المتضاربة التي وصفت خطوة تعليق عمل البرلمان البريطاني مؤقتًا الذي أعلنه رئيس الحكومة بوريس جونسون، من أجل المضي قدمًا في مخطط تمرير خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق.
ويبدو أن المعارضة عازمة على المواجهة بكافة السبل، حتى لو تطلب الأمر التصويت لسحب الثقة من حكومة بوريس جونسون، ما ينذر باستمرار حالة الانسداد السياسي القائمة.
زلزال الملكة
بدأت القصة بموقف اعتبره كثيرون مفاجئا، حين وافقت الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا على طلب رئيس الوزراء بوريس جونسون بشأن تعليق عمل البرلمان بشكل مؤقت، في يوم الاثنين التاسع من سبتمبر/أيلول والخميس 12 من الشهر ذاته، وحتى الرابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2019".
جونسون، طلب من الملكة تعليق أعمال البرلمان ابتداءً من الأسبوع الثاني من سبتمبر/ أيلول حتى 14 أكتوبر/ تشرين الأول أي قبل أسبوعين من الموعد المقرر لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وقال في طلبه: " إذا تمكنا كما آمل من التوصل لاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، سيتمكن البرلمان من اعتماد القانون الضروري للتصديق على اتفاق الانسحاب قبل الموعد المقرر".
وبعد ساعات من موافقة الملكة، خرج آلاف الأشخاص، الخميس، إلى الشوارع في أنحاء متفرقة من بريطانيا، احتجاجًا على قرار تعليق البرلمان، بينما استنكرت أحزاب المعارضة وأعضاء من "حزب المحافظين" الخطوة.
الاحتجاجات شملت توقيع أكثر من مليون شخص على عريضة تطلب البرلمان بعدم تعليق أعماله، وعمت التظاهرات الاحتجاجية مدن لندن وإدنبره وكارديف ومانشستر وبريستول وكامبريدج ودورهام.
ويقول قادة المعارضة، إن طلب جونسون هو محاولة مقصودة لعرقلة جهود نواب البرلمان لمنع خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، إذ علّق جيريمي كوربن، زعيم "حزب العمال"، على "تويتر" بالقول: " إنها فضيحة وتهديد لديمقراطيتنا"، وقال مصدر في الحزب :" إنه بعث برسالة إلى الملكة إليزابيث الثانية طالبًا عقد لقاء معها".
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كتب على "تويتر" مبديًا سروره بخطوة جونسون: " سيكون من الصعب للغاية على جيريمي كوربن الحصول على تصويت بحجب الثقة، ولاسيما أن بوريس هو ما كانت المملكة المتحدة تبحث عنه تمامًا".
I think what the US president is saying, is that Boris Johnson is exactly what he has been looking for, a compliant Prime Minister who will hand Britain's public services and protections over to US corporations in a free trade deal. https://t.co/kcg2jkYi0o
— Jeremy Corbyn (@jeremycorbyn) August 28, 2019
ورد كوربن: " أعتقد أن ما يعنيه الرئيس الأمريكي أن بوريس جونسون هو تمامًا ما كان هو يبحث عنه، رئيس وزراء منصاع يضع الخدمات العامة البريطانية بأيدي الشركات الأمريكية".
ورفض البرلمان البريطاني ثلاث مرات اتفاق الخروج الذي توصلت إليه حكومة تيريزا ماي السابقة مع الاتحاد الأوروبي بعد عامين من المفاوضات، ولم يتمكن النواب من الاتفاق على شكل (بريكست) الذي وافق عليه 52 بالمئة من البريطانيين في استفتاء عام 2016.
تختلف لندن والاتحاد الأوروبي خصوصًا على البند المتعلق بمستقبل الحدود الإيرلندية التي تفصل المملكة المتحدة عن السوق الأوربية المشتركة، لكن الطرفين يقولان إنهما مستعدان لمناقشة الأمر.
ماذا يعني القرار؟
جرت العادة على تعليق جلسات مجلس العموم لفترة قصيرة قبيل افتتاح الموسم البرلماني الجديد. والقرار يصدر عن الملكة حسب نصيحة رئيس الحكومة، وتستمر دورة انعقاد البرلمان عادة سنة كاملة، ولكن الدورة الحالية استمرت لسنتين إذ انطلقت عقب الانتخابات العامة التي أجريت في يونيو/حزيران 2017.
وعندما يعلق عمل البرلمان، لا يمكن إجراء أي نقاشات أو تصويتات، كما تنتهي كل مشاريع القوانين التي لم تجد طريقها إلى التصديق.
ولم تتجاوز فترتا المناسبتين الأخيرتين التي علقت فيهما جلسات البرلمان لأجل خطاب عرش لم يعقب انتخابات عامة 4 أيام و13 يومًا على التوالي، ولكن إذا مضت الحكومة في قرارها الأخير كما هو متوقع، فسيتوقف البرلمان عن العمل لـ 23 يوما.
وللنواب صلاحية الموافقة على تعيين مواعيد عطلة البرلمان، ولكن لا يتمتعون بصلاحية منع تعليق الجلسات، ويعود البرلمان للالتئام بعد عطلة الصيف في الأسبوع المقبل، وكان مقررًا أن ينفك ثانية في الفترة بين الـ 13 من سبتمبر/أيلول والـ 8 من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، لمنح النواب فرصة المشاركة في مؤتمرات الأحزاب السنوية.
ولكن ثمة شائعات تقول: إن موسم المؤتمرات الحزبية قد يلغى أو يختصر من أجل السماح بمواصلة المناقشات البرلمانية قبيل موعد الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من أن للملكة رأيًا في ما يجري، إلا أنه محدود. فالحكومة ملزمة، بحسب الأعراف، بطلب إذن منها لتعليق عمل البرلمان لكن تدخلها مسألة شكلية فقط، فهي في الواقع لا تتدخل في السياسة. ولو عارضت طلب الحكومة، لشكل ذلك سابقة.
البرلمان سيعود إلى العمل الثلاثاء 3 سبتمبر/أيلول، ثم يبدأ عطلة جديدة ليعود، إذا نجح جونسون في فرض إرادته، في 14 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، لكن إذا تمكن النواب من سحب الثقة من الحكومة قبل 10 سبتمبر/أيلول، فقد تشهد بريطانيا انتخابات عامة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وإذا نظمت انتخابات بالفعل وأفضت إلى سيطرة المحافظين من جديد، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي باتفاق سيتم.
ديمقراطية تحتضر
كثيرون داخل بريطانيا وخارجها اعتبروا تعليق عمل البرلمان انتكاسة لديمقراطية أوروبية عريقة، فيما اعتبره آخرون إجراءً قانونيًا متبعًا، وما يختلف فقط عما سبقه ملابسات تزامنه مع أزمة خروج لندن من الاتحاد الأوروبي.
رئيس مجلس العموم "جون بيركو"، قال:" إن قرار حكومة جونسون "عبارة عن انتهاك للقيم الدستورية". وتابع: " كيفما تم تزيينه، فمن الواضح بشكل لا يقبل الشك أن الغرض من وراء تعليق عمل البرلمان هو منع النواب من مناقشة عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي ومنعهم من أداء دورهم في رسم مستقبل البلاد".
وأضاف، أن القرار :" عبارة عن اعتداء على العملية الديمقراطية وحقوق البرلمانيين بوصفهم ممثلين منتخبين للشعب".
ووصف النائب المحافظ - والوزير السابق - دومينيك غريف تصرف الحكومة بأنه :" تصرف مشين"، محذرا:" أن من شأن هذا القرار أن يؤدي إلى إجراء تصويت بحجب الثقة عن جونسون، مضيفًا: " ستسقط هذه الحكومة حتمًا".
أما نائب زعيم "حزب العمال" جون واتسون، فغرّد قائلًا:" إن الخطوة التي اتخذتها الحكومة "لا تقل عن أن تكون إساءة مشينة لنظامنا الديمقراطي"، واصفًا وزير المالية السابق في حكومة تيريزا ماي، فيليب هاموند، القرار بأنه: " لا ديمقراطي بشكل كبير".
كما قالت زعيمة "حزب الديمقراطيين الأحرار" جو سوينسون: " إن القرار "يعد منحى خطرًا وغير مقبول"، مضيفةً أن :" حجب البرلمان سيكون عملًا جبانًا من جانب بوريس جونسون. فهو يعرف أن الشعب لن يختار الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، وأن نوابه المنتخبين لن يسمحوا بذلك. إنه يحاول اسكاتهم".
واتهم زعيم كتلة "الحزب القومي الأسكتلندي" في مجلس العموم، إيان بلاكفورد، جونسون "بالتصرف كديكتاتور".
وجرت العادة على تعليق جلسات مجلس العموم لفترة قصيرة قبيل افتتاح الموسم البرلماني الجديد، والقرار يصدر عن الملكة حسب نصيحة رئيس الحكومة.
ووفق تقارير إعلامية، فإن تحدي القرار قانونيًا، فقد يكون أمرًا صعبًا لأن الحكومة لم تنتهك أي قانون، فجونسون يستخدم إجراءً برلمانيًا في إطار محاولته الإيفاء بوعد انتخابي.
وقال الزعيم السابق لـ"حزب المحافظين" إيان دنكان سميث:" إن قرار تعليق البرلمان "ليس قرارا خبيثًا بالمرة"، وأن مواعيد تعليق عمل البرلمان "تتوافق إلى حد بعيد" مع مواعيد انفكاك البرلمان من أجل إتاحة الفرصة للنواب للمشاركة في مؤتمرات أحزابهم السنوية.
انهيار الحكومة
ويبدو أن المعارضة عازمة على مواجهة قرار جونسون بكل الوسائل المتاحة، بدءًا بخطابات الاحتجاج الموجهة إلى الملكة وطلب مقابلتها، مرورًا بالتظاهرات والدعاوى القضائية، انتهاءً بالسعي لسحب الثقة من حكومة جونسون.
وكان عدد من كبار السياسيين - ومنهم رئيس الحكومة السابق جون ميجر - قد هددوا باللجوء إلى القضاء لإيقاف قرار تعليق البرلمان، وبالفعل بدأت دعوى قضائية أقامتها الناطقة باسم "الحزب الوطني الأسكتلندي" (الذي يقود الحكومة المحلية في أسكتلندا) جوانا تشيري، تشق طريقها في المحاكم الأسكتلندية.
وقال وزير العدل السابق دومينيك غريف:" إذا أصر رئيس الحكومة على سلوك هذا المنحى ولم يتراجع عنه، أعتقد بأنه من المرجح أن حكومته ستنهار"، مضيفًا:" هناك متسع من الوقت لتنفيذ ذلك إذا كان الأمر ضروريًا، وأنا شخصيًا سأصوت بالتأكيد لصالح إسقاط حكومة محافظة تصر على سلوك منحى غير دستوري كهذا".
وقالت رئيسة الحكومة المحلية في أسكتلندا نيكولا ستيرجون:" إن على نواب مجلس العموم أن يتوحدوا لإجهاض القرار في الأسبوع المقبل، وإلا "سيذكر التاريخ هذا اليوم بوصفه يومًا مظلمًا في سفر الديمقراطية في المملكة المتحدة".
الخروج دون اتفاق
ربما يكون الشيء الوحيد الذي قد يجبر البريطانيين على تنظيم خروجهم من الاتحاد الأوروبي، هو الكلفة الباهظة التي يتعين عليهم دفعها في حال خروجهم دون اتفاق، وبحسب تقارير إعلامية فإن كل من بنك إنجلترا والمؤسسات الاقتصادية الدولية المختلفة ووزارة الخزانة الأمريكية يُجمعون على أن الناتج الإجمالي المحلي للبلاد سوف يتضرر جراء الانسحاب دون اتفاق.
كما سيكتنف الغموض تنقل الأفراد والبضائع وفرض رسوم جمركية على البضائع القادمة من بريطانيا وبالعكس، مع احتمالات أن تقرر بعض الشركات الدولية الخروج من المملكة المتحدة لتجنب هذه التعريفات.
إضافة لتلك الانعكاسات الاقتصادية تثار كذلك مخاوف سياسية أخرى، فالخروج دون اتفاق يعني أن إيرلندا الشمالية التي هي جزء من المملكة المتحدة سيكون مطلوبًا منها إغلاق حدودها مع جمهورية إيرلندا المستقلة التي هي جزء من الاتحاد الأوروبي، وفي هذا نسف لاتفاقية الجمعة العظيمة عام 1998 التي أنهت الحرب بين بريطانيا وإيرلندا.
الخروج دون اتفاق يعني مبدئيًا إغلاق الباب فورًا أمام السلع والبضائع البريطانية حتى تدفع رسوم دولة ثالثة، فعلى سبيل المثال فإن السيارة المصنوعة في بريطانيا سيضاف عليها رسوم 10 بالمئة في فرنسا مثل السيارة اليابانية.
كما يعني أيضًا الخروج دون اتفاق أنه يمكن عرقلة السلاسل الصناعية المشتركة، حيث سيحجم الشركاء الأوروبيون عن إدخال الشركات البريطانية في تصنيع الآلات والمعدات التي تحتاج عمليات تصنيع في أكثر من بلد.وثالث الأضرار الاقتصادية، يبرز في سن الاتحاد قوانين ضريبية على تعاملات البنوك والدين العام مما يكبد القطاع المالي البريطاني خسائر كبيرة، حتى وإن كانت الضريبة 0.02 بالمئة فقط حيث إن الصرف الأجنبي وإقراض البنوك لبعضها يقدر بنحو 5 تريليونات يورو يومياً.
وبالنسبة للدفع ببطاقات الائتمان، فلن يعود بإمكان الزبائن المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي الإفادة من الخدمات المالية لمصارف الاستثمار، التي تتخذ من بريطانيا مقرًا لها، وسيواجه المستهلكون زيادة محتملة أخرى في كلفة التسوق عبر الإنترنت، لأن الطرود التي تصل إلى بريطانيا لن تكون - بعد الآن - خاضعة لخفض ضريبة القيمة المضافة المعمول به حاليًا.
كما أن رخصة القيادة البريطانية قد تصبح غير صالحة في الاتحاد الأوروبي، وقد يحتاج السياح إلى استصدار إجازة سوق دولية، عند التوجه إلى هناك.وقد يؤدي الخروج دون الاتفاق إلى فوضى حقيقية في المطارات، ليس فقط في المملكة المتحدة لكن خارجها أيضًا، وقد تخسر شركات الطيران البريطانية والأوروبية حق تشغيل الرحلات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، ما قد يؤدي إلى شل الحركة الجوية.
وإضافة للانعكاسات السياسية والاقتصادية السالفة الذكر، يخشى قانونيون من أن تكون هناك انعكاسات أخرى قانونية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تتمثل في تحللها من سطوة المحكمة الأوروبية والقوانين الأوروبية المتعلقة بالهجرة واللجوء، وبالتالي سيكون بإمكان بريطانيا إغلاق الحدود بالكامل أمام اللاجئين، والتوقف عن استقبالهم ومنحهم الجنسية البريطانية.
المصادر
- ملكة بريطانيا توافق على طلب جونسون تعليق عمل البرلمان
- موجة استنكار في بريطانيا بعد تعليق جونسون أعمال البرلمان
- بريكست: قرار بتعليق البرلمان البريطاني، فما الذي يعنيه ذلك؟
- تعليق عمل البرلمان البريطاني.. ماذا يعني؟
- تداعيات احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق
- ماذا سيحدث في اليوم التالي لمغادرة بريطانيا أوروبا دون اتفاق؟