تستهدف الفقراء.. مطالبات بوقف حملات تنصير تجتاح مدن العراق

يوسف العلي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

لا تزال تبعات سيطرة تنظيم الدولة على المدن العراقية في عام 2014 وقبلها الغزو الأمريكي للبلد، تظهر شيئاً فشيئاً، فبعد تدمير مدينة الموصل وتشريد الملايين من سكانها، ظهرت مؤخراً حملات تبشير بالنصرانية تستهدف الأيتام في المحافظة ذات الغالبية المسلمة.

أثار ناشطون الموضوع على مواقع التواصل الاجتماعي، بتناقل مقطع مصوّر يظهر منظمة إنسانية توزّع الإنجيل بين الأيتام خلال إحدى الفعاليات بـ"حي المهندسين" في الموصل، مع ترديد دعاء يتلوه قسّ أمامهم، الأمر الذي أحدث موجة غضب عارمة في الأوساط الشعبية.

وتساءل كثيرون عن دور الجهات الرسمية في محافظة نينوى (مركزها الموصل) من استغلال منظمات مشبوهة لحاجة الفقراء، فضلاً عن دورهم في رعاية جيش من الأيتام خلّفتها المعارك الأخيرة ضد تنظيم الدولة، ويقدر عددهم بنحو 17 ألف يتيم، بحسب بيانات وزارة العمل العراقية، لكنَّ ناشطين من نينوى أكدوا أنَّ العدد يصل إلى 50 ألف طفل يتيم.

اتهم آخرون المليشيات التي تسيطر على محافظة نينوى، بالسعي إلى تغيير هوية المدينة بكل الوسائل، إذ قال أحد أبناء نينوى الناشط زياد السنجري: إنَّ "نغم دحام العبيدي مسؤولة العلاقات العامة في مليشيات كتائب سيد الشهداء بالموصل، هي مُنظمة الحفل، وهي من قامت باستغلال الفقراء".

ونشر السنجري عبر حسابه على موقع "تويتر" صورة لرئيسة مؤسسة "التكاتف لرعاية الأيتام" نغم العبيدي، تُظهر مشاركتها في فعالية لمليشيات شيعية في محافظة نينوى، مُؤكدا أنَّ "علاقة المليشيات الإيرانية بعمليات التنصير الحالية في مدينة الموصل، إضافة للتهجير والتشييع، كلها الهدف منها إلغاء هوية الموصل".

وفي حديث لـ"الاستقلال" قال الناشط فائز الموصلي (اسم مستعار) إنَّ "العراقيين لا يتأثرون بسهولة في مثل هذه الأمور وبهذه الوسائل على الرغم من خطورتها، إلا أنَّ المسؤولية جماعية في التحذير وفضح مثل هذه الممارسات، لأنَّها تستهدف الأطفال الأيتام".

واتفق الموصلي مع من يقول: إنَّ "المسيحيين في الموصل أنفسهم، وهم من أهلها الأُصلاء، لا يرضون بمثل هذه الممارسات، وربما الكثير منهم يستنكرها أصلاً، لأنَّهم تربطهم علاقة طيبة لم تتعكر  أبداً، على الرغم من أفعال تنظيم الدولة، التي آذت المسلمين قبل غيرهم في نينوى".

"شيعة مع التنصير"

لكن الإعلامي مؤيد الأعظمي قال: إنَّ "فكرة التنصير بدأت مع الاحتلال ويكفي أنَّ بوش الابن كان يصف حربه بالمقدسة والحرب الصليبية".

وعن تجربته الشخصية مع الموضوع، قال لـ"الاستقلال"، إنَّه "تعرض ذات يوم إليه أحدهم وسط بغداد وقدَّم لي إنجيلاً وكتيبات صغيرة لأدعية اليسوع. لم يكترث لِلحيتي وأصرَّ على تسليمي الإنجيل".

وأضاف: "هناك توافق شيعي مع حملة التنصير ضد السنة والهدف الأكبر الموصل كونها قاعدة السنة الحصينة. لأنَّي أسمع من زملاء لي في المهنة أنَّهم يدافعون عن التنصير، لأنَّ المسيحيين قاتلوا مع الحشد الشعبي تنظيم الدولة، ولم يتورطوا بقتل الشيعة!".

ولفت إلى أنَّه "ظهر قبل مدة عدد في الفضائيات، نصارى من أهل الموصل يتحدثون عن العزلة التي كانوا يشعرون بها بسبب ديانتهم وكيف كان المسلمون يتعاملون معهم ويعتدون عليهم كل يوم أحد وهو يمرون إلى الكنيسة".

واستغرب الأعظمي من هذه الأحاديث، لأنَّ الجميع يعرف أنَّ النصارى في العهود السابقة كانوا أفضل حالاً من المسلمين الذين كانوا في أوقات عديدة يخشون الذهاب إلى المسجد".

ورأى الإعلامي العراقي أنَّ "الحملة تتسق مع طبيعة الجيل الرافض للدين بمفهومه الداعشي، مثلما يرفض الأحزاب الدينية، وهو بين خياري الإلحاد الذي انتشر والتنصر، بل هناك من يطرح أفكاراً تتوافق مع اليهودية".

أما الكاتب إيهاب مقبل، فقد أشار في مقال له، إلى أن "التبشير الإنجيلي في البلاد العربية ليس بجديد، وذلك لأن الإرساليات الإنجيلية عملت منذ القرن التاسع عشر الميلادي على تنصير بعض الناس في العراق وفلسطين وسوريا ولبنان. ولكن من المهم ذكره أن الإنجيليين يعملون باستقلال مالي وإداري عن حكوماتهم".

وأضاف: "لذلك يمكن القول بأنه لا علاقة للحكومات الغربية بنشاطهم، فهم يحاولون جمع المزيد من الأتباع لكنائسهم لأهداف مالية بحتة تتعلق بالتبرعات المحلية، فإذا فرغت كنائسهم تُهدم في أمريكا الشمالية أو تباع كحانات ومطاعم ومساجد في السويد. ولكن يمكن لبعض الأحزاب السياسية في الغرب استغلال أعمال التنصير في الشرق الأوسط لأهداف سياسية بحتة، وهو ما يحدث اليوم".

وبحسب قوله، فإن العراق يُعدّ الدولة العربية الوحيدة التي تنبأت بالدور الشرير للكنائس الإنجيلية منذ وقت مبكر، إذ عملَ الرئيس العراقي الراحل أحمد حسن البكر على طرد المبشرين الإنجيليين وإبعادهم عن العراق بعد تسلمه مقاليد حكم البلاد في عام 1968، وذلك بسبب ما أحدثوه من مشاكل عديدة في البلادِ".

وأوضح، أنهم "استهدفوا في البداية الكنائس الكاثوليكية والأرثوذوكسية في الموصل والبصرة وبغداد بحجة "الإصلاح المسيحي"، حتى تمكنوا من تقطيع أوصال العائلات المسيحية العراقية، وبعدها استهدفوا المسلمين، فحدثت اشتباكات عديدة بين المسلمين والمبشرين الإنجيليين في منطقة عقد النصارى وسط بغداد، فكل هذه الأحداث دفعت البكر لإصدار قرار بوقف أنشطة المبشرين في العراقِ، ثم عادوا مرة أخرى للبلاد بعد عام 2003".

وكانت تقارير إعلامية، قد أكدت في مايو/ أيار 2017، أن مخيمات النزوح، في الموصل تنشط فيها منظمات تبشيرية نصرانية تعمل باسم منظمة "الصليب الأحمر" الدولية أو الـ"UN" توزع مع الإغاثة كتبا للتبشير بدين النصرانية.

التنصير بالعراق

في تقرير نشرته وكالة "الأناضول" في 16 مايو/ أيار 2015، نقلت تحذير مسؤول إيزيدي من اتساع ظاهرة التبشير بالمسيحية بين النازحين الإيزيديين شمالي العراق.

ونقلت عن مدير عام للشؤون الإيزيدية في وزارة الأوقاف، خيري بوزاني، بحكومة إقليم كردستان العراق، قوله: إنه "وفق معلومات وردتنا، فقد تم رصد انتشار بضع ظواهر نراها غاية في الخطورة بين النازحين الإيزيديين في المخيمات التي يقطنونها في إقليم كردستان".

وأضاف بوازي، أنه "من ضمن تلك الظواهر نشاط غير مسبوق من بعض الـمنظمات التبشيرية المسيحية (لم يحددها)، وتقوم باستغلال محنة وظروف هؤلاء النازحين المعيشية الصعبة، من خلال تقديم بعض المغريات لهم".

وأفادت تقارير، بأن بيلي غراهام، كبير مسؤولي التيار المسيحي الصهيوني في أمريكا، والصديق الحميم للرئيس جورج بوش الابن، قال في البيان الذي أصدره قبل أن تبدأ حرب تحرير الكويت: "إذا كانت هناك دولة يمكن أن نقول عنها إنها جزء من الأراضي المقدسة فهي العراق، لذلك يجب أن نضاعف صلواتنا، فالتاريخ أكمل دورته ونحن نعود مرة أخرى إلى هذه الأرض".

ويضم التحالف المسيحي الذي يقوده غراهام نحو 20 مليون أمريكي، بما فيهم الرئيس السابق جورج دبليو بوش الذي يؤمن بعودة المسيح وظهور ما يسمى (بالعصر الألفي السعيد) القائم على حتمية عودة المسيح، والدورة الكاملة للتاريخ التي تبدأ بعودة اليهود إلى الأراضي المقدسة في القدس ثم العراق؛ لأن منفى اليهود الذي عادوا منه كان بابل وعودة اليهود للقدس والسيطرة على بابل من علامات نهاية العالم.

ويعلن المنصّرون أنهم يريدون إنقاذ الأرواح، إذ كتب ديفد ريني من ولاية أوهايو قائلا: "إن الدعاة النصارى في الولايات المتحدة أعلنوا حربا لتخليص الأرواح في العراق".

القس على يمين الصورة التي دُعي الحضور فيها من أهالي الموصل إلى الصلاة والدعاء باسم "اليسوع"

المنظمات التبشيرية

وبحسب تقارير صحفية محلية، فإن أكثر من مئة منظمة تبشيرية دخلت العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003، ومنها:

  • هيئة الإرساليات الدولية، الذراع التبشيرية للمعمدين الجنوبين الذين يعدون أكبر طائفة بروتستانتية في أمريكا.
  • مجلس الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
  • مجموعة من المعمدين الجنوبيين من ولاية نورث كارولاينا.
  • هيئة المعونة الأمريكية.
  • منظمة كريستيان شاريتي ورلد نيشون انترناشنال.
  • منظمة المجتمع الدولي للإنجيل.
  • منظمة تعليم أمة كاملة، تعرف اختصارا (داون).
  • القس البروتستانتي جون حنا من ولاية أوهايو.
  • المبشرة جاكي كون، التي زعمت أن بعض العراقيين اعتنقوا النصرانية على يدها.
  • منظمة سامرتيان بيرس.
  • منظمة المنصرين البروتستانت.

وتدخل هذه المنظمات إلى العراق تحت اسم منظمات إغاثة إنسانية، فالمسؤولون الأمريكيون اعترفوا بوجود المبشرين، مؤكدين أنهم يقدمون العون للناس وليس لينصّروهم.

فقد نقلت مجلة "التايم" الأمريكية، حينها عن مسؤول حكومي قوله: إنه "بالنظر إلى العلاقات الودية بين الرئيس بوش واليمين المسيحي ومساندة المنظمات الخيرية الدينية، فإنه يكاد أن يكون من المستحيل أن يمنع البيت الأبيض منظمات الإغاثة الإنسانية من الذهاب إلى العراق".