توقيت حرج.. ماذا وراء الاجتماع السري بالقاهرة بين مخابرات إسرائيل ومصر؟

12

طباعة

مشاركة

أجرى رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي "مئير بن شبات" زيارة إلى مصر، بعد شهر ونصف الشهر من إيفاد رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي مدير مخابراته عباس كامل إلى إسرائيل، لتثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وجرت محادثات تثبيت وقف إطلاق النار وقتها مع شبات ورئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو.

وفي 8 أغسطس/آب 2021 حطت طائرة إسرائيلية خاصة بالقاهرة حملت "مئير بن شبات"، إضافة إلى خليفته في المنصب "إيال حولاتا".

لم تعلن مصر عن الزيارة ومنعت تطرق وسائل إعلام السلطة لها كما فعلت خلال زيارة وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين إلى شرم الشيخ 9 مارس/آذار 2021.

لكن صحفا عبرية سربت خبر اللقاء وكتبت بعض تفاصيل عن الزيارة مؤكدة أن المحادثات السرية بين الإسرائيليين وعباس كامل استمرت 4 ساعات. 

الوفد الإسرائيلي التقى فور وصوله إلى القاهرة اللواء عباس كامل، إضافة إلى عدد من قيادات الجهاز، على رأسهم مسؤول ملف فلسطين بالجهاز اللواء أحمد عبد الخالق.

أول طلب قدمه الوفد الإسرائيلي للجانب المصري، كان "إلزام حركة (المقاومة الإسلامية) حماس بوقف إطلاق البالونات الحارقة للاستجابة لمطالب سكان غزة وإعطاء بعض التسهيلات ودخول المنحة القطرية"، بحسب دبلوماسي مصري لـ "الاستقلال".

خفايا اللقاء

ثلاثة مصادر مصرية وفلسطينية أبلغت "الاستقلال" أن زيارة مسؤولي الأمن القومي الإسرائيلي جرى تحديدها بشكل عاجل، لبحث 3 ملفات ملحة.

أولها: مطالبة مصر بمساعدة إسرائيل على تشديد الحصار على حركات المقاومة الفلسطينية بمنع إدخال مواد بناء وأخرى تصلح للاستعمال المزدوج (بناء وسلاح) عبر معبر رفح بعدما أعلنت القاهرة دخول الإسمنت ومواد للموبايلات.

وثانيها: السعي لحسم ملف تبادل الأسرى بعدما قدمت حماس للقاهرة خططا مختلفة تتضمن إطلاق سراحهم على دفعتين يتم في المرة الأولى إطلاق جنديين إسرائيليين مقابل أسرى فلسطينيين بينهم مروان البرغوثي.

ويعقبها إعطاء حماس إسرائيل معلومات عن الجنديين الآخرين أورون شاؤول وهدار غولدن، وإطلاق دفعة ثانية. وأبلغ الوفد الإسرائيلي عباس كامل رده غير المعروف على عرض الحركة.

أما الملف الثالث: فهو التنسيق بين القاهرة وتل أبيب من أجل منع ترتيبات عسكرية محتملة بين حماس وحزب الله في لبنان، في حالة اندلاع أي مواجهات قريبة مع إسرائيل.

ووصلت معلومات إلى تل أبيب تشير لسعي إيران لعملية تنسيق عسكرية بين حماس وحزب الله بحيث يدعم أحدهما الآخر في إطلاق صواريخ على "إسرائيل" حال انطلاق جولات قتالية مقبلة أو تعرضت طهران لهجوم أميركي أو إسرائيلي.

وكشفت المصادر المصرية أن المسؤولين الإسرائيليين طلبوا من القاهرة الضغط على الفصائل الفلسطينية في غزة، للحفاظ على حالة التهدئة وعدم المشاركة في أي "أعمال عدائية" بالتنسيق مع "حزب الله".

ولفتت إلى "قلق بالغ" لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية "من جر إسرائيل إلى معركة على عدة جبهات" في وقت أظهرت فيه معركة سيف القدس (10-21 مايو/أيار 2021) عدم جاهزية جيش الاحتلال.

وردا على مطالبة إسرائيل مصر منع إدخال سلع لغزة من معبر رفح، طلب عباس كامل من مسؤولي الأمن القومي الإسرائيلي تعجيل إدخال شحنات مختلفة للقطاع بعدما وصلته رسائل من حماس والمقاومة تشير لاقتراب لحظة الانفجار.

وكان الصحفي "رفيف دروكر" كشف في مقال بصحيفة "هآرتس" 8 أغسطس/آب 2021 أن رئيس الأركان أفيف كوخافي ووزراء يعتقدون أن أي مواجهة جديدة مع حماس ستكون أقسى مما سبقها، وبالتالي اقترح رفع الحصار عن غزة".

لذا عرض المسؤولون الإسرائيليون على الوسيط المصري مع غزة حزمة اتفاقات للتهدئة مغلفة بقيود وتشديدات على تعاون مصر وإسرائيل بشأن عدم السماح لحماس بتجديد قدراتها العسكرية أو التعاون مع حزب الله.

وبعد يومين من الزيارة، كشف موقع "إنتلي تايمز" الإسرائيلي 10 أغسطس/آب 2021 أن السلطات الإسرائيلية أدخلت عددا من المواد الخام إلى قطاع غزة بما في ذلك المعادن والأقمشة والخشب والبلاستيك.

بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من السلع التي تشمل: معدات التبريد والتكييف، وقطع غيار الأجهزة، والساعات، والمعدات الحيوانية وغيرها.

 سر القلق 

 لكنهم حظروا في المقابل إدخال منتجات وتقنيات الهواتف النقالة وأجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة والطابعات والكاميرات والآلات الموسيقية.

وقالت مصادر مصرية: إن القاهرة سمحت بالمقابل بدخول قرابة 20 ألف هاتف جوال لغزة لأول مرة عبر معبر رفح.

تعجيل زيارة المسؤول الجديد لجهاز الأمن القومي الإسرائيلي للقاهرة يشير إلى حساسية وأهمية الملفات التي جرت مناقشتها، بحسب صحف وكتاب إسرائيليين.

الصحفي الإسرائيلي "رون بن يشاي" كتب في "يديعوت أحرونوت" 8 أغسطس/آب 2021 يحذر: "يجب على إسرائيل منع لبنان من أن يصبح غزة جديدة"!.

ذكر أن هناك قلقا إسرائيليا من تحول جنوب لبنان إلى غزة أخرى، عبر تكثيف "الهجمات الفلسطينية" من هناك بأساليب عسكرية متطورة ودون تدخل حزب الله لمنعها.

أشار إلى تنامي قدرات الجماعات الفلسطينية المحلية هناك من خلال عمليات إطلاق الصواريخ العشوائية على المدن الشمالية المحتلة من جنوب لبنان، ما يهدد هذه المنطقة أن تتحول لغلاف (مستوطنات) غزة أخرى.

أوضح أنه "على عكس الحوادث السابقة لإطلاق الصواريخ في الأشهر الأخيرة، والتي أطلقت من قاذفات بدائية، جرى تنفيذ هجوم 4 أغسطس/آب 2021 بواسطة قاذفة صواريخ كاتيوشا أكثر دقة متعددة الفوهات ومتحركة على شاحنة".

الجنرال "جيورا إيلاند"، وهو رئيس سابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، كتب في صحيفة "يديعوت أحرونوت" 9 أغسطس/آب 2021 أنه "يجب على إسرائيل أن تتصرف بحكمة في قضية لبنان".

أوضح أنه من أصل 6 عمليات إطلاق صواريخ من جنوب لبنان على إسرائيل في الأشهر الثلاثة الماضية، نفذت خمسة منها فصائل فلسطينية، والسادسة بـ 20 صاروخا فقط هي التي نفذها حزب الله.

وزاد المخاوف الإسرائيلية لقاء الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، برئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، وتسريبات عن تنسيق إيراني بين الحركة وحزب الله.

صحيفة "يديعوت أحرونوت" ركزت في 8 أغسطس/آب 2021 على بحث الإسرائيليين مع "كامل": "كل ما يتعلق بالتهدئة والمفاوضات من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار وتهدئة طويلة الأمد، بالإضافة إلى ملف عملية تبادل الأسرى".

وركز موقع "واللا" العبري على مطالبة مسؤولي الأمن القومي الإسرائيلي من عباس كامل "زيادة الرقابة المصرية على المواد ذات الاستخدام المزدوج التي تدخل قطاع غزة".

ونقل عن مسؤولين إسرائيليين كبار قولهم: "بدون تشديد الرقابة على البضائع التي تدخل من مصر لغزة، ستكون حماس قادرة على تجديد إنتاج الأسلحة وملء مخزون الصواريخ، وإذا حدث هذا فإن خطر اندلاع تصعيد جديد سيزداد".

وقت حرج

وقالت صحيفة "إسرائيل هيوم" 9 أغسطس/ آب 2021: إن اجتماع القاهرة جاء في وقت حرج، بعدما هددت حماس بإعادة إشعال الحرب مجددا بسبب استمرار الحصار ووقف المساعدات القطرية وتواصل الاعتداءات على أهالي القدس.

وقالت: إن المسؤولين الإسرائيليين "اشترطوا ربط إعادة إعمار غزة وتخفيف القيود المفروضة على الفلسطينيين هناك بالتوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى مع حماس".

وكان اتفاق تبادل الأسرى ملفا حيويا في المفاوضات حسبما قال شمعون آران مراسل الشؤون السياسية لقناة "كان" العبرية 8 أغسطس/ آب 2021؛ لضمان تثبيت التهدئة وإنجاز وقف لإطلاق النار مع حماس في قطاع غزة. .

يعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي نفتالي بينيت هو أول مسؤول رفيع من التيار الديني الحريدي المتطرف، وهو يرتدي القلنسوة اليهودية الشهيرة التي تميز أنصار هذا التيار.

وضمن التوجه لزيادة توليه قادة متدينين في الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية من هذا التيار الديني المتطرف، جاء تعيين رئيس جهاز الأمن القومي الإسرائيلي الجديد "إيال حولاتا" الذي زار عباس كامل.

طرح هذا تساؤلات عن سبب حرصه على التعجيل بزيارة القاهرة كأول زيارة خارجية له، وقبل أسبوع كامل من توليه منصبه رسميا 15 أغسطس/آب 2021.

والرئيس القديم لجهاز الأمن القومي الإسرائيلي (بن شبات) والجديد (حولاتا) كلاهما من تيار الصهيونية الدينية المتشدد قوميا، والتيار الديني الحريدي المتطرف، ويرتديان قلنسوة المتدينين، وكلاهما يعملان في مجال تجنيد العملاء. 

والأهم أن كلاهما مسؤول عن خطة التعامل مع قطاع غزة ورسم خطط الحصار والتهدئة مع الفلسطينيين.

ويوم 11 يوليو/ تموز 2021 أعلن موقع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن رئيس الوزراء بينيت عين الدكتور إيال حولاتا مستشارا للأمن القومي ورئيسا لمجلس الأمن القومي.

ويقول موقع إسرائيل ديفنس في 12 يوليو/ تموز 2021: إن أحد أسباب اختيار "بينيت" لـ "حولاتا" هو خبرته في الملف الإيراني ولأنه سيكون حلقة الوصل بين رئيس الوزراء الإسرائيلي وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن فيما يتعلق بإدارة الصراع الدبلوماسي ضد إيران.

وخلال حفل وداعه بـ "لجنة الشؤون الخارجية والدفاع" بالكنيست الإسرائيلي، قال مئير بن شبات: إن التحدي الإسرائيلي الحالي هو تقييد وحجب إيران، معتبرا إياه "أولوية قصوى".

وتأسس مجلس الأمن القومي في إسرائيل عام 1999، وهو الهيئة المساعدة لرئيس الوزراء ومجلسه في قضايا الأمن القومي.