خريطة المحافظات المدرجة على جدول الانقلابيين في اليمن
بعد نجاح الانقلاب الأخير للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات في عدن جنوبي اليمن، كشف المجلس في بيان عزمه الاستمرار في بسط سيطرته على المحافظات الجنوبية الأخرى، والعمل على ما أسماه "تحرير الأراضي الجنوبية" التي لا تزال تعاني الإرهاب والاحتلال، حد قوله.
المجلس الانتقالي يقصد بـ"الاحتلال" الحكومة الشرعية، وبـ"الإرهاب حزب الإصلاح المنتمي فكرا لجماعة الإخوان المسلمين، الذي يدّعي وجوده في تلك المحافظات كذريعة أسقط بها مدينة عدن، عندما صرح أنه سيتجه نحو قصر الرئاسة لإسقاط جماعة الإخوان "الإرهابية".
تحدّث الانتقالي أن محطته القادمة هي شبوة وأبين وحضرموت وبقية المناطق الجنوبية، وهي مناطق تخضع أجزاء منها لتشكيلات مسلحة أنشأتها الإمارات، كالنخبة الشبوانية في محافظة شبوة، والنخبة الحضرمية في محافظة حضرموت.
المحطة القادمة
مراقبون حذروا الحكومة إن لم تقم بدورها في إيقاف عبث الإمارات، فإن أبوظبي ستواصل دورها التخريبي في الانقلاب على الشرعية، على محورين، محور يقضي بتوسع دائرة الانقلاب في المحافظات الجنوبية خاصة التي تحيط بعدن، مثل لحج وأبين، ثم الضالع ويافع، ومحور آخر نحو مدينة تعز، وهي هدف إستراتيجي للمجلس الانتقالي الذي يسعى لاستنساخ تجربة انقلاب عدن في تعز.
تركز الإمارات على محافظة تعز لأن مضيق باب المندب وميناء المخا التاريخي، يتبعان هذه المحافظة، وعملت الإمارات منذ وقت مبكر، أي منذ تدخّل قواتها في اليمن، على محاولة توسيع سيطرتها، وذلك بإنشاء تشكيلات مسلحة في تعز، ومدت أذرعها العسكرية إلى مدينة تعز، فأنشأت ميلشيات سلفية بقيادة رجل الدين أبو العباس، على غرار رجل الدين السلفي في عدن هاني بن بريك.
المفكر الكويتي الدكتور عبدالله النفيسي حذر من تبعات الانقلاب الذي جرى في مدينة عدن، وتكرار السيناريو في مدينة تعز الخاضعة لسيطرة القوات التابعة للحكومة الشرعية، وقال النفيسي في تغريدة له على تويتر: "بعد عدن، الدور القادم على تعز، هولاكو قادم في تعز.. أفسحوا له الطريق".
بعد عدن الدور القادم على تعز . هولاكو قادم في تعز أفسحوا له الطريق.
— د. عبدالله النفيسي (@DrAlnefisi) August 13, 2019
كتائب أبي العباس
كتائب أبي العباس هي تشكيلات مسلحة تم إنشاؤها بدعم من الإمارات واستيعابها لاحقا ضمن اللواء 35 مدرع المدعوم من تحالف الرياض ـ أبو ظبي، في محاولة لدمجها في قوات الحكومة الشرعية.
يرأس الكتائب القائد السلفي عبده فارع المكنّى "أبو العباس"، الذي أدرجته وزارة الخزانة الأمريكية في قوائم الإرهاب لديها بتاريخ 25 أكتوبر/تشرين الأول 2017، لانخراطه في العمل مع تنظيمات إرهابية، وارتباطه بأنشطة تمويلية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتنظيم الدولة في العراق والشام، حسب بيان الخزانة الأمريكية.
وتدعم الإمارات هذه الكتائب السلفية، وتمولها بالسلاح والأموال وتسعى من خلالها، لتنفيذ مشاريعها في تعز التي تقع على مقربة من مضيق باب المندب، بالإضافة إلى دورها في الحد من نفوذ حزب الإصلاح بالمحافظة، كما تقوم بمحاولاتها في إنشاء حزام أمني على المدينة، على غرار الحزام الذي تم تشكيله في عدن والمحافظات الجنوبية المجاورة.
الإمارات قامت باستقطاب عناصر سلفية وتمويلها، ومن ثم تجنيدها لتأدية دورها في التأثير على العامة، وخلق أرضية اجتماعية تتصالح مع وجودها، وخلق وعي عام ينسجم مع القضايا والمشاريع التي تنفذها في المدن اليمنية.
استنساخ التجربة
في الوقت الذي حذر فيه مراقبون من تكرار سيناريو عدن في تعز، رأى مراقبون أن خيار الانفصال غير ممكن في تعز، وهو ما أكده الكاتب والباحث في العلاقات الدولية مراد محمد لـ"الاستقلال" بقوله: "تقع تعز ضمن الجغرافيا الشمالية، لهذا ليس من الوارد الحديث عن فكرة الانفصال، على غرار ما هو حاصل في عدن، الواقعة أصلا ضمن الشطر الجنوبي الذي صار جزءا من اليوم الموحد قبل نحو 30 عاما.
مراد أضاف: "لكن الاحتمالات الواردة في تعز هي استنساخ تجربة الحوثيين، وهو أن تقوم أبو ظبي بدعم ميلشيا أبي العباس للقيام بالانقلاب ضد الحكومة الشرعية، والسيطرة على تعز، ومن ثم القدرة على التحكم بالمضيق بشكل كامل من خلال هذه الكتائب".
وتابع: "هذا السيناريو غير مستبعد، لو استمر موقف الحكومة الشرعية بهذا الشكل، فلو نظرنا لميلشيا الحوثي، كيف بدأت متواضعة حتى آل بها الأمر بعد الدعم الذي تلقته من إيران إلى الانقلاب على الحكومة الشرعية في صنعاء، والسيطرة على عدة مدن رئيسية".
مراد أوضح أن "الحديث عن الخصوصية التي تحظى بها تعز من الوعي السياسي والثقافي لأبناء المدينة الرافض لميلشيا أبو العباس وللأجندة الإماراتية في المدينة، لن يكون حائط صد أمام آلة القمع التي تسعى لامتلاكها كتائب أبي العباس والقادرة على تهميش هذا الفارق، كما صنعت ميلشيا الحوثي في صنعاء".
سبق أن حاولت أبوظبي تفجير الصراع وتغذية الخلاف بين المكونات السياسية داخل مدينة تعز، وقامت ميلشيا أبي العباس بمحاولة زعزعة الأمن والاستقرار في المدينة، واتهمت مصادر حكومية الكتائب بتمردها على قرارات السلطة المحلية.
بالإضافة إلى ذلك، تم تنفيذ عدد من حالات الاغتيال لأئمة مساجد وشخصيات اجتماعية في تعز، بنفس الطريقة التي اغتيل فيها أئمة مساجد في عدن، كان أشهرهم خطيب ساحة الثورة بتعز وأحد أبرز شبابها عمر دوكم.
وكشفت تقارير حكومية عن وجود مقابر جماعية في أماكن كانت خاضعة لسيطرة كتائب أبي العباس قبل الانسحاب منها، الأمر الذي دفع مراقبين لاتهام أبي العباس بمسؤوليته عن تلك الحوادث.
أدوات الإمارات
إلى جانب كتائب أبي العباس، دعمت الإمارات التنظيم الناصري في مدينة تعز ليشكل الواجهة المدنية لميلشيا أبي العباس، ويقوم بدوره في تقويض نفوذ حزب الإصلاح في تعز.
وانبرى التنظيم الناصري في وقت سابق للدفاع عن كتائب أبي العباس في تمردها على السلطة المحلية بتعز، وقدّم الدعم للميلشيا المتمردة على الدولة، وصاغ لها البيانات والتصريحات.
الكاتب والناشط السياسي هشام المسوري دوّن في حسابه على فيسبوك قائلا: "الناصري مجرد متعهد بيانات للعصابات، من كتابة بيانات القوة الصاعدة أثناء حربها على القوى التقليدية في صعدة، (في إشارة لدعم الناصري للحوثيين أثناء الانقلاب)، وصولا إلى صنعاء، وحتى كتابة بيانات كتائب المكوّن المدني في تعز"، في إشارة لدعمه كتائب أبي العباس.
احتمالات السيطرة على تعز وغيرها من محافظات الجنوب تتضاعف في ظل دعم الإمارات للقوات العسكرية التابعة لطارق صالح نجل شقيق الرئيس صالح، الذي يقود عدة ألوية عسكرية في الساحل الغربي على البحر الأحمر.
خطة الإمارات تتمثل في تكوين مثلث لن يسعى إلى الانفصال لكنه يسعى إلى دعم ميلشيا مسلحة للانقلاب على الحكومة الشرعية، ومن ثم قدرة أبوظبي في السيطرة الكاملة على باب المندب، من خلال الأذرع العسكرية التي أنشأتها وقامت بدعمها وتمويلها خلال السنوات الماضية.