موقع فرنسي: لهذه الأسباب فشلت أمريكا في إنهاء تنظيم الدولة
كشف العديد من الخبراء أن عودة "تنظيم الدولة" ليست سوى مسألة وقت، لأن الحملة العسكرية وحدها لن تنهي العنف، والأوضاع التي تشهدها المنطقة ستسمح بظهور هذه الجماعة المسلحة من جديد.
هذا ما أكدته الأستاذة المحاضرة في العلوم السياسية والمختصة في العراق والشرق الأوسط، مريم بن رعد، في حوار مع موقع "20 دقيقة" الفرنسي، خلال تعليقها على التقارير الصادرة عن مركز "صوفان" للتحليل وكذلك البنتاجون والأمم المتحدة. وأوضحت أن تنظيم الدولة لا يزال ناشطا ويملك آلاف المقاتلين وملايين الدولارات، رغم فقده الأراضي التي كان يسيطر عليها.
وبعد أقل من ستة أشهر من فقدان آخر الأراضي التي سيطرت عليها الجماعة المسلحة في باغوز بسوريا، أشارت وزارة الدفاع الأمريكية إلى عودة التنظيم في سوريا والعراق، كما ذكر مركز "صوفان" أن "التنظيم بصحة جيدة في العراق وسوريا، وأن الحديث عن عودته غير صحيح فهو لم يغادر أصلا".
وشدد على أن عناصره تفرقوا بعد خسارتهم الأراضي التي كانوا يسيطرون عليها، لكنهم يتحركون في السر مستفيدين من الإدارة السيئة للمناطق المحررة، والانسحاب الجزئي للقوات الأمريكية وخلافات أعدائهم.
"لم يتوقفوا أبدا"
ومن جهتها رأت بن رعد، أن عودة التنظيم ليست مستبعدة، وأرجعت ذلك إلى "أن المعالجة العسكرية فقط، في مواجهة المشكلة الجهادية لا يمكنها التغلب على العنف في المنطقة".
وبشأن نشاط التنظيم في الفترة الأخيرة، إذ ارتكب 400 هجوم في العراق فقط منذ مارس/ آذار الماضي، بينت بن رعد أن هذا الأمر كان يمكن التنبؤ به لأنه لم يكن هناك انقراض للجماعة المسلحة، بل كان انتصارا نسبيًا للقوات العراقية والسورية وأيضًا للدول الأعضاء في التحالف الدولي.
وقد صرحت الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا بين عامي 2016 و2018 "أننا خرجنا أخيرا من هذه الدوامة، وأن التنظيم هُزم والخلافة انتهت"، وهذا ليس خطأً تامًا، فبعد فقده الأراضي التي كان يسيطر عليها عاد مقاتلوه إلى التمرد الذي سبق تشكيل "الخلافة" في عام 2014.
وأفاد الموقع الفرنسي، بأن التنظيم عاد إلى الأساليب القديمة؛ "حرب العصابات، التمرد المسلح، الهجمات، الاغتيالات"، مشيرا إلى أنهم "عملوا بهذه الطريقة لمدة عشر سنوات، لكنهم لم يتوقفوا أبدا عن القتال، لقد فقدوا أراضيهم وقُتل الكثيرون، وفقدوا دعم الكثير من الناس لأنهم لم يتمكنوا من مواجهة القوة العسكرية للتحالف، لكنهم لا يزالون هناك".
واعتبرت المحاضرة أن ما يلفت النظر هو أن "التنظيم يعيش نفس فترة الانتصار التي عاشها في الأعوام 2007-2008، عندما قاتلته لأول مرة الولايات المتحدة بدعم من القبائل السنية، إذ صرح الأمريكيون حينها أن المعركة انتهت، وبعد ذلك عاد بقوة في كل مكان تقريبًا".
أزمة القيادة
وأردفت الخبيرة السياسية "لدي شعور بأن التاريخ يعيد نفسه، تنظيم الدولة في الأساس تمرد، ومن سمات الانتفاضة الاستمرار، حتى مع القصف المكثف، لا يمكن التغلب على تهديد غير متكافئ مثل التمرد الجهادي".
وفي ظل الضعف التنظيمي الذي يعاني منه التنظيم باختباء البغدادي، رأت مريم بن رعد أنه لا يزال هناك فراغ حقيقي على مستوى القيادة، "فجميع القادة الكبار، الجيل الأول الذي قاتل الأمريكيين في العراق، قُتل؛ لكن أزمة القيادة هذه لا تعني أزمة أيديولوجية".
وأردفت: "الرغبة في استعادة الخلافة والسيطرة العالمية على الإسلام والنضال ضد أولئك الذين يعتبرهم الجهاديون أعداء الإسلام لم تتغير، فاليوم لم تعد هذه الأيديولوجية أقلية، بل شقت طريقها ولا تزال مصدر إلهام للعديد؛ لهذا السبب نرى ما يشهده العراق، ولهذا يوافق الجميع على أننا لسنا خارج موجة الهجمات التي يشهدها الجميع، كما أنه إضافة إلى النكسة المؤقتة، لم يقل الجهاديون كلمتهم الأخيرة".
وفي ردها على سؤال حول انضمام المقاتلين إلى تنظيم الدولة، إذ يتحدث البنتاجون عن امتلاك المنظمة ما بين 14 ألف إلى 18 ألف مقاتل بينهم 3000 أجنبي، قالت مؤلفة كتاب "الدولة الإسلامية بلسانها": يجب أن نميز بين المقاتلين المحليين والأجانب.
وزادت موضحة في حوارها مع الموقع: "بالنسبة للسوريين والعراقيين، فإن القتال مع التنظيم ليس مجرد مغامرة وجذب مؤقت، كما هو الحال بين الأوروبيين الذين تم إغراؤهم لأسباب مختلفة، لقد أصبحت الجهادية بالنسبة للفئة الأولى وسيلة للحياة، فهؤلاء تعرضوا للحروب، وأصغرهم يعرفون ذلك".
وتابعت: "لقد أصبحت الجهادية، إلى جانب الأيديولوجية، مشروعًا سياسيًا، ومشروعًا اجتماعيًا، ووعدًا بالصعود الاجتماعي لمن لا يملكون شيئًا، لأنهم يتقاضون رواتبهم، ولأن الجهاديين لهم زوجات، فالعنف المنهجي جعل الجهادية، بين الشعبين السوري والعراقي، بديلاً أو حتى بديلا وحيدا، إذ لا توجد في الأنظمة القائمة مواطَنة حقيقية، ولا حتى هناك أمل في الأفق".
تدخلات مرتجلة
كما أشارت إلى أن هناك تدخلات أجنبية، غالباً ما تكون مرتجلة، متسائلة: ماذا نتوقع أن يحدث بعد ذلك؟ قبل أن تستدرك، ففي الموصل أو الرقة لا يوجد شيء يتحسن على الإطلاق، وينتهي بنا المطاف إلى اعتقاد أناس بأن الوضع كان أفضل في ظل تنظيم الدولة.
وعن ربط تقرير البنتاجون عودة التنظيم بالانسحاب الجزئي للقوات الأمريكية من المنطقة، قالت مريم بن رعد: في عام 2011، قال الكثيرون إنه بسبب انسحاب الأمريكيين من العراق، عاد الجهاديون". مضيفة: "هناك طريقتان ينظر بها إلى هذه القضية، الأولى هو الاعتقاد بأنه طالما حافظ الأمريكيون على الضغط عسكريا ضد الجهاديين، كان من الصعب عليهم العمل، لكن البعض الآخر يعتقد أنها طريقة مؤقتة للغاية بالنظر إلى المشكلة بشكل أكبر".
وأكدت أنه من الواضح أن الأمريكيين والتحالف الدولي، بكل قوتهم العسكرية، تعاملوا مع المشكلة الجهادية بطريقة عسكرية فقط، ولم يتم التعامل مع المشكلة من منبعها: ما هو المشروع السياسي؟ ما المشروع الاجتماعي داخل المجتمعات التي دمرتها الحرب؟ كيف سيتم إعادة الإعمار وتسريح المقاتلين؟ هل يمكننا النظر في برامج إعادة الدمج الاجتماعي؟
وخلصت الباحثة إلى أن كل هذا غير ممكن إذا كانت البيئة المحيطة تتسم بالعنف، في ظل إدارة عسكرية بحتة تجاه مشكلة لن تختفي بالقنابل أو بقتل بعض القادة.
وكان مجلس الأمن الدولي أكد أيضا في تقرير يعود إلى يوليو/ تموز الماضي أن تنظيم الدولة يتأقلم مع الواقع الجديد ويعمل على خلق الظروف لعودة نشاطاته في الأماكن التي كان يسيطر عليها في سوريا، وبالأخص العراق، حيث يقيم زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي وغالبية القادة.
وأوضح أن هناك مناطق في العراق وسوريا لا تفرض السلطات سيطرتها عليها بشكل جيد، وتتحرك فيها خلايا للتنظيم، وتلجأ إلى عمليات اغتيال وتفجيرات ونصب كمائن وفرض إتاوات.