موت السبسي.. هل دخلت تونس مرحلة اختبار جديد للديمقراطية؟

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "ليزيكو" الفرنسية تقريرا عن وفاة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي (92 عاما)، الموجود على الساحة السياسية منذ "ثورة الياسمين" في عام 2011، مشيرة إلى أنها جاءت في وقت تعاني فيه البلاد من بطء في النمو وارتفاع معدل البطالة، الأمر الذي يغذي السخط الاجتماعي.

وقالت الصحيفة في تقريرها، إن الرئيس التونسي توفي بعد ثلاثة أسابيع من تعرضه لأول إصابة خطيرة، وهو في الثانية والتسعين من عمره، ومن المفارقات أن وفاته في يوم عيد الجمهورية الذي يحتفل فيه بإقامة تونس الحديثة، مشيرة إلى أن رئيس البرلمان، محمد الناصر، سيتولى المنصب كرئيس مؤقت للدولة.

دور رئيسي

وأكدت "ليزيكو" أن الباجي قايد السبسي لعب دورا رئيسيا في التحول الديمقراطي الذي بدأ عام 2011 بعد سقوط الأوتوقراطي زين العابدين بن علي، إذ ساعد اتفاق تقاسم السلطة الذي أبرم بين حزبه "نداء تونس" والإسلاميين في "النهضة" ساعد على استقرار الوضع السياسي وتجنب الانجراف الاستبدادي الذي شاهدناه في بلدان أخرى مرت بـ "الربيع العربي" على غرار مصر.

وبيّنت الصحيفة بالتفصيل مسيرة السبسي السياسية الثرية، قائلة: من بداية إلى نهاية "ثورة الياسمين"، كان السبسي حاضرا على الساحة السياسية، أولا كرئيس للوزراء، في عام 2011، ثم رئيسا للدولة بعد ثلاث سنوات في أول انتخابات رئاسية ديمقراطية عن طريق الاقتراع العام المباشر، عندما كان عمره ثمانية وثمانين عاما.

وذكرت، أن وفاة الرئيس جاءت قبل بضعة أسابيع فقط من إكمال ولايته الرئاسية التي قرر في أي حال عدم تجديدها، إذ كان من المقرر إجراء الانتخابات التشريعية بالبلاد في 6 أكتوبر/تشرين الأول، قبل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 17 نوفمبر المقبل/ تشرين الثاني، وهي الثالثة منذ عام 2011.

النجاح الديمقراطي

ونوّهت "ليزيكو" إلى أن تونس كان ينظر إليها دائما باعتبارها النجاح الديمقراطي الوحيد لانتفاضات "الربيع العربي" من خلال وضع دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة وتشكيل حكومة ائتلافية من العلمانيين والإسلاميين المعتدلين.

ولفتت إلى أنه خلال الفترة التي قضاها السبسي في السلطة يمكننا أن نذكر أيضا العمل المنجز لضمان مساواة المرأة بالرجل، إذ ألغى رئيس الدولة تعميما يمنع زواج المسلمات التونسيات من غير المسلمين، وقد عمل أيضا من أجل المساواة بين الجنسين في قضايا الميراث.

السخط الاجتماعي

وأكدت الصحيفة، أن هذه التطورات السياسية لم يصاحبها تقدم اقتصادي له نفس الأهمية، ونقلت الصحيفة عن روبن نيزر، الخبير الاقتصادي في إفريقيا بشركة "كوفاس" للتأمين، القول: "يغادر الباجي قايد السبسي البلد وهو في وضع اقتصادي غير مستقر يغذي السخط الاجتماعي".

وأوضحت "ليزيكو" أن معدل البطالة يبلغ  15.5 بالمئة مقارنة مع 12 بالمئة في عام 2010 ويؤثر بشكل رئيسي على الأطفال دون سن 25، كما أن النمو منخفض (+ 2.7 بالمئة هذا العام بعد 2.5 بالمئة في عام 2018) والأجانب لا يأتون.

ونقلت عن الخبير الاقتصادي، قوله: إن "ضعف الاستثمار الأجنبي المباشر يرجع في المقام الأول إلى عدم الاستقرار الأمني" الذي لا يزال مستمرا ولا يمكن للبلد التخلص منه" حتى وقتنا الحالي.

وأشارت الصحيفة إلى أنه في نهاية يونيو/حزيران، هزّ هجومان العاصمة مرة أخرى وألقى بظلاله على موسم سياحي واعد، بعد أن قفزت إيرادات النصف الأول من هذا العام بنسبة 42.5 بالمئة على أساس سنوي، مع زيادة الزوار بنسبة 16.7 بالمئة إلى 3.8 مليون دولار.

السياحة محرك الاقتصاد

وفي تقرير آخر تحت عنوان "تونس: السياحة.. قطاع رئيسي في عملية النهضة"، ذكرت الصحيفة، أنه "في حين أن موت السبسي يفتح فترة جديدة من عدم اليقين بالنسبة لتونس، يمكن للبلد مرة أخرى الاعتماد على محركها الثمين للنمو، وهو السياحة".

وأكدت، أنه بعد ست سنوات من الاكتئاب أو التباطؤ، بسبب الاضطرابات المرتبطة بـ "الربيع العربي" لعام 2011 والهجمات - الهجوم على متحف باردو في تونس العاصمة في مارس/آذار 2015  - بدأ هذا القطاع في الانتعاش منذ عامين  مع عودة السياح الأجانب.

وذكرت الصحيفة، أن عدد الزوار ارتفع بنسبة 16.7 بالمئة، ليصل إلى 3.8 مليون، وفيما يتعلق بالحضور، أشارت السلطات في يناير/كانون الثاني، أنها تتوقع 9 ملايين زائر لعام 2019، بعد 8.3 مليون في 2018، علاوة على ذلك، قالت الحكومة إنها تستهدف 10 ملايين سائح بحلول عام 2020.

وأوضحت، أن نهضة السياحة التونسية تعد أمرا مهما بالنسبة للبلاد، مع العلم أنها مثلت 13.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018، ووفقا لدراسة أجرتها شركة "كي إم بي جي" نيابة عن الاتحاد التونسي، وإلى جانب مؤشر الاقتصاد الكلي، فإن الموقف حساس بشكل خاص على المستوى الاجتماعي، إذ وظف هذا القطاع 9.4 بالمئة من قوة العمل العام الماضي.

خبرة سياسية واسعة 

من جهتها، سلطت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية على الدور الذي لعبته عودة السبسي إلى الساحة السياسية بعد الثورة التونسية وقيامه بدور محوري في ظل الانتقال الديمقراطي الذي عاشته البلاد.

ونوهت الصحيفة اليومية الفرنسية إلى أن السبسي ابن عائلة من الشخصيات البارزة ولد في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1926 في قرية سيدي بو سعيد الساحلية، التي تقع اليوم في ضواحي تونس، وانضم إلى الحزب "الحر الدستوري الجديد" في سن المراهقة، ثم درس القانون في باريس، حيث ناضل عن المحمية الفرنسية قبل انضمامه إلى الهيئة الوطنية للمحامين بتونس في 1952 للمطالبة بقضية المقاتلين المناهضين للاستعمار.

ولفتت إلى أن الرئيس الراحل، الذي كان أكبر رئيس دولة سنا، يتولى مهامه بعد ملكة بريطانيا إليزابيت الثانية، لعب دورا محوريا في ظل الانتقال الديمقراطي الذي عاشته البلاد.

وتابعت الصحيفة، أن الخبرة السياسية الواسعة التي يمتلكها الباجي قايد السبسي، مكنته من نيل منصب رئيس حكومة انتقالي في 2011 في فترة حساسة تمر بها البلاد آنذاك، وتمكن من الوصول بها إلى انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، التي فازت بها "حركة النهضة" الإسلامية.

سيد التوازنات السياسية

وفي الوقت الذي وصفت فيه الصحيفة، الراحل السبسي بأنه كان "سيد التوازنات السياسية"، فإنه رغم نجاح العملية الانتقالية، كانت حصيلة حكم السبسي تظل متباينة.

ورأت الصحيفة، أن رحيله الذي تزامن مع إحياء التونسيين للذكرى الثانية والستين للجمهورية، أغلقت مصير رجل ارتبطت تجربته بعمق بتاريخ تونس المستقلة.

وعقب وفاة الرئيس، يتوجب على الرئيس المؤقت، استنادا إلى الدستور، تنظيم انتخابات خلال مهلة أدناها 45 يوما وأقصاها 90 يوما، وقررت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إثر وفاة السبسي تقديم موعد الانتخابات الرئاسية إلى 15 سبتمبر/أيلول مبدئيا، فيما أبقت على موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في 6 أكتوبر/تشرين الأول.