"البكالوريا" في المغرب.. ضغط اجتماعي بغرض التباهي أم تحصيل العلم؟
253 ألفا و808 طلاب هو عدد الناجحات والناجحين، في الدورتين العادية والاستدراكية، في اختبارات الامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) بالمغرب لسنة 2019، بنسبة نجاح إجمالية استقرت في 77.96% مقابل 71.96% في دورة 2018.
وبلغ عدد المرشحين لنيل الشهادة هذه السنة، 323 ألفا و668 مرشحا ومرشحة، بحسب بيان لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي.
تعتمد الحياة المهنية على الشهادات دون شك، لكن المهارات العقلية والعملية أكثر أهمية. وفي حين يرى كثيرون أن الوظائف الحالية ستختفي في السنوات القليلة المقبلة، يستهلك الطالب مجهودا كبيرا للحصول على علامات عالية في الباكالوريا.
لا يكون الهدف من هذه العلامات دائما هو التحصيل العلمي، والدخول إلى جامعات تضمن مستقبلا مريحا، بل التباهي الاجتماعي في كثير من المرات. ما يجعل الآباء يمارسون ضغطا ثقيلا على أبنائهم، قد يعطي نتائج عكسية.
بهدف التباهي
لا أحد يستطيع أن ينكر ضرورة العلم وأهمية الشهادة، التي تجمع بين الضرورة والمعرفة، ولا مانع في أن يتباهى الحاصل عليها على أن لا يكون هذا التباهي هو الهدف.
ويعتقد الدكتور أحمد أوزي، المتخصص في مجال سيكولوجيا التربية والمعرفة، في حديثه مع "الاستقلال"، أن الضغط الذي يُمارس على الطلاب للحصول على الباكالوريا هو ضغط اجتماعي.
تحاول الأسرة أن تبيّن قدرتها وقدرة أبنائها على الحصول على هذه الشهادة، وإلى سنوات قليلة، كان الشاب أو الطالب الذي يحصل على الباكالوريا يحتفل به ليس في أسرته فقط وإنما في الحي كله، ما يبيّن أن الحصول على شهادة الباكالوريا هو حدث اجتماعي قبل أن يكون حدثا علميا ومعرفيا.
الضغط لا يعيشه الطلاب فقط، بل الآباء أيضا، ففي يونيو/ حزيران الماضي، فارقت أم مغربية الحياة جراء سكتة قلبية أمام مؤسسة تعليمية، وهي تنتظر ابنتها التي كانت تجتاز اليوم الثاني من امتحانات الثانوية العامة. وأوضحت مصادر صحفية أن الأم في الأربعينيات من عمرها ولفظت أنفاسها الأخيرة من شدة قلقها على ابنتها.
ينظر إلى الحاصل على الشهادة في المجتمعات العربية على أنه ناجح في حياته، ربما هذا لأهميتها في دخول الجامعات والتقدم العلمي. إلا أن مجموعة من التخصصات يمكن تعلمها والحصول على شهادات فيها عبر الإنترنت، وكذلك هناك مجموعة من المواقع التي تتيح دورات للدراسة من جامعات معترف بها ومعروفة عالمياً.
ولم ينف الأخصائي النفسي في التربية، خلال حديثه أن "الشهادة تحقق حاجات الأسرة أو الأبوين قبل الحاجة المعرفية بالنسبة للطالب".
معدلات خيالية
ارتفعت معدلات شهادة الثانوية العامة في المغرب، عكس السابق، حتى أصبح الحصول عليها دون معدل عالٍ لا يساوي شيئا.
وعزت الخبيرة التربوية بثينة عبد الرؤوف، في تصريح صحفي عن ارتفاع النسب، "المُبالغ فيه" إلى الدروس الخصوصية، وربما "حالات الغش التي قد تحدث في بعض المدارس".
قد يتعلق الأمر في المغرب بالسبب الأول الذي ذكرته الخبيرة، إذ يحدد القانون عقوبة سجنية للغشاشين في امتحانات الباكالوريا، من شهر إلى سنة وغرامة تتراوح بين 500 و1000 دولار أو بإحدى العقوبتين في حالة استعمال وثائق مزورة قصد المشاركة في الامتحان أو تعويض المترشح المعني باجتياز الامتحان بغيره.
كما تنص العقوبات على الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين والغرامة من 100 إلى 2000 دولار أو بإحدى هاتين العقوبتين في حالة تسريب مواضيع الامتحان للغير قبل إجراء الامتحان أو المساعدة في الإجابة عنها،
وبالغرامة من 200 إلى 500 دولار في حالة تبادل المعلومات كتابيا أو شفويا أو بأي وسيلة أخرى بين المترشحات والمترشحين أو حيازة أو استعمال الآلات والوثائق والمخطوطات غير المرخص بها أو استعمال الوسائل الإلكترونية كيفما كان شكلها أو نوعها سواء كانت مشغلة أو غير مشغلة داخل فضاء الامتحان.
حالات انتحار
يولي المغاربة اهتماما كبيرا لشهادة الثانوية العامة، وهو الحال في باقي الدول العربية، حتى أصبحت هاجسا للطلبة والأسر معا، لكن الهدف لا يكون دائما التحصيل العلمي والانتقال إلى الدراسات العليا، بل السبب اجتماعي بالدرجة الأولى.
أوصل الضغط الذي يمارسه الأهل والمجتمع، طالبا بالمغرب إلى الانتحار بسبب رسوبه في امتحانات الشهادة العامة، وهي ليست الحالة الأولى التي يتم تسجيلها.
الواقع أنه كلما حل موعد امتحانات شهادة الباكالوريا نرى صراعا محموما يخوضه الطلاب من جهة وكذلك أفراد أسرهم من جهة أخرى.
نظام الباكالوريا بهذا الشكل هو نزاع عتيق لم يتغير إلا في مواده وفي ساعاته، فهو يجسد أو يؤشر نظاما ربما لم يعد صالحا من الناحية النفسية، لأنه يجعل الطلاب في وضعية عصيبة لا تريحهم بشكل يجعلهم طلابا مبدعين ومفكرين ومنتجين للمعرفة وإنما يهيؤون أنفسهم لصراع محموم وهو صراع من أجل الحصول على درجات بأي أسلوب من الأساليب.
وأرجع أحمد أوزي في حديثه مع "الاستقلال" تفشى الغش في السنوات الأخيرة إلى هذا النظام، الذي نراه يعبّر عن عدم ملائمة في التقويم للطلاب. وبالنسبة للباكالوريا هي من جهة تجسد منتظرات وطموح الآباء مثلما تجسد كذلك طموح وأمل الطلاب الذين يسعون للحصول عليها.
نتائج عكسية
من الناحية النفسية العصبية، يرى أوزي أن معالجة المعلومات في ظرف فيه ضغط وقلق وحالة نفسية غير مريحة، لا تساعد الطالب على أن يستعيد المعلومات وأن يعالجها لأن هناك مادة تنقص دماغه ولا يستطيع أن ينشط بالقدر الكافي ويشل معالجة المعلومات لذلك العديد من الطلاب لا يتوفقون في الامتحانات ليس بسبب عدم ذكائهم، وإنما بسبب الشعور الانفعالي الذي يضايقهم والضغوط النفسية التي تمارس عليهم.
وتابع المتخصص النفسي، نحن كتربويين نحلم بدراسة لا امتحانات فيها بهذا الشكل، نحن بحاجة إلى تقويم جديد يتفق مع العصر الجديد عصر مجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة دون الارتباط بنظام التقويم الكلاسيكي التقليدي الذي يعود في تاريخه تقريبا إلى المجتمع الصناعي أو إلى الثورة الصناعية الأولى، أي حوالي 200 سنة مضت على هذا النوع من التقويم ولا نزال نعتد به أو لا تزال مؤسسات التعليم تعتد به في العديد من الدول.
مقياس الشهادة
شهادة الباكالوريا هي تتويج لسنوات من الدراسة بل لربما حاليا لا نهتم بالشهادات التي تكون قبل شهادة الثانوية، لذلك هي مطمح الطلاب وأسرهم، فهي التي يخطون بها عتبة التعليم الثانوي لولوج التعليم العالي فكل مؤسسات التعليم العالي في العديد من أقطار العالم تطالب أولا بشهادة الباكالوريا وبالدرجات التي تم الحصول عليها.
هناك نوع من المفارقات التي تجعل الطالب لا يلج مؤسسات التعليم العالي التي تتماشى مع ميوله واهتماماته بقدر ما يلج المؤسسة التي حصل على درجات معينة، ففي نهاية كل سنة وبداية السنة الأكاديمية كل مؤسسات التعليم العالي إلا وتطالب بنقط معينة أو بدرجات معينة ينبغي للطالب أن يحصل عليها.
اعتبر أوزي هذا الأسلوب غير قويم، ولا يناسب نفسية الطلاب لذلك مؤخرا بعض الدول حذفت نظام الباكالوريا أو شهادة الثانوية العامة لتترك الطلاب على سجيتهم يفكرون وينتجون ويبدعون في المعرفة التي يحصلون عليها ولا يقيسونها بالشهادة.
المصادر
- وزارة التعليم تتوعد الغشاشين في امتحانات الباكالوريا بعقوبات سجنية وغرامات مالية
- وفاة سيدة أمام ثانوية ببني ملال وهي تنتظر انتهاء ابنتها من اجتياز امتحانات "الباك"
- انتحار تلميذ بحبل بسبب ضغوطات امتحانات استدراكيات البكالوريا
- هل ستختفي قيمة الشهادة ولن تحتاج إليها في السنوات القادمة؟
- الثانوية العامة: لماذا لن يتمكن طلاب متفوقون من تحقيق أحلامهم هذا العام؟