السحر في عُمان.. ما الأسباب التي ساعدت على انتشاره؟

آدم يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

لم يكن الكثير يدرك حجم انتشار أعمال السحر في المدن العُمانية، حتى كشف عنها إعصار مكونو عندما ضرب السواحل العُمانية، وأخرج تلك الأعمال من أعماق  البحر إلى الساحل. كان الكم مفاجئا وصادما، فقد وضع بعضها في علب زجاجية محكمة الإغلاق، وبعضها مكتوب في قطع قماش و ملفوفا بأربطة جلدية.

خلق ذلك المشهد أسئلة عديدة عن علة انتشار مثل هذه الأعمال في عُمان بالذات، وعن سر رواجها لدى العُمانيين بشكل أكثر مما هي عليه في دول الخليج، مع أن المجتمع العُماني يشبه إلى حد كبير المجتمعات الخليجية الأخرى، تساؤل آخرون أيضا لماذا يتم رميها في البحر، ولم يتم دسها في بيوت مهجورة كما هو المعتاد؟

سؤال البحر؟

في حديث  لـ"الاستقلال" يجيب الحاج علي محرم، الذي يعرف نفسه بأنه شيخ روحاني، ويرفض وصفه بالساحر أو المشعوذ، عن سر رمي هذه الأعمال في البحر، قائلا: لكل إنسان طالع، والطالع مرتبط ببرج الإنسان، ويعبّر عن شخصيته وسلوكه وعن البيئة التي يمكن أن يتأثر بها ويتفاعل معها، على سبيل المثال تنتمي أبراج الحمل والأسد والقوس إلى الطوالع النارية، بينما ينتمي أصحاب أبراج الجوزاء الميزان والدلو إلى الطوالع الهوائية، و يشمل الطالع الترابي أو الرملي أبراج الجدي والعذراء والثور، وتشمل الطوالع المائية أبراج السرطان والعقرب والحوت".

وأضاف الحاج محرم: لكي يكون العمل الروحاني محميا وفاعلا يجب أن يوضع في البيئة التي ينتمي إليها الشخص المعني بالعمل، فأصحاب الطوالع المائية ترمى أعمالهم الروحية في البحر.

وأردف: "أما معرفة البرج فلكي يكون دقيقا فيتم معرفته من خلال حسبة معينة بعد معرفة شهر ميلاد الشخص بالإضافة إلى حروف اسمه وحروف اسم أمه".

بهذه الإجابة يمكن الاستنتاج أن ما تم مشاهدته في السواحل العمانية هي لأصحاب الطوالع المائية، وهي تمثل تقريبا ربع الأعمال السحرية، وأن ثلاثة أضعاف تلك الأعمال تم إخفاؤها في بيئات أخرى، قد تكون مدفونة في الرمال أو في بيوت مهجورة لأصحاب الطوالع الترابية أو الرملية، ومثل ذلك أصحاب الأعمال المتعلقة بأصحاب الطوالع النارية والهوائية.

أكبر خامس مدينة

صنّف مقال في مجلة "ناشيونال جرافيكس" مدينة بهلاء العمانية كأكبر خامس مدينة يعتقد بأنها ناشطة بالجن والأرواح، وبالتالي ناشطة بأعمال السحر و الشعوذة. 

أتت مدينة مدريد بأسبانيا في المرتبة الأولى، ثم مدينة غلاسكو الاسكتلندية، فيما حلّلت مدينة الباجيو الفلبينية في المرتبة الثالثة، بينما مدينة دارمن النرويجية جاء في المركز الرابع، وحازت بهلاء العمانية على المرتبة الخامسة.

تعد مدينة بهلاء من أقدم المدن التاريخية، حيث يحيطها سور من جميع الجهات، وتتوسط المدينة قلعة تاريخية، يعود أقدم أجزائها إلى فترة ما قبل الإسلام، وقد قامت منظمة اليونسكو للتراث العالمي بإدراج القلعة ضمن السجل العالمي للآثار.

تنتشر في أحياء المدينة القديمة بيوت فارغة و مهجورة، ويحيطها الصمت من كل النواحي، يعتقد البعض أن المدن المهجورة مناسبة لتسكنها الأرواح، لذلك يسمونها مدن أشباح.

تفرّدت عُمان عن المدن الخليجية بكونها شهدت حراكا بشريا وثقافيا قديما قبل آلاف السنوات، خلافا عن بقية المدن الخليجية التي يعود تأريخها لعصور حديثة ومتوسطة، إضافة إلى ذلك فإن مئات القلاع والحصون المنتشرة في المدن القديمة والنمط العمراني، تدلل على حراك ثقافي وحضاري قديم أسهم، ربما، بتنامي تلك الاعتقادات المتعلقة بالسحر والشعوذة.

لماذا عُمان؟

يسود بين المواطنين الخليجيين اعتقاد لا يعرف مصدره أن هذه البلدة مدينة السحر، لا يوجد هناك تفسير واضح لشيوع ذلك الاعتقاد، إلا أنه يبدو أن هناك عوامل أسهمت برسوخ مثل هذا الاعتقاد، وساعدت على انتشاره، وهي عوامل تظافرت وقادت لتبني مثل هذه الآراء.

أول تلك العوامل أن طبيعة المدينة التاريخية بما فيها من أحياء مهجورة وبيوت قديمة فارغة مثلّت عاملا أساسيا لتبني مثل تلك الاعتقادات، فالبيوت القديمة المهجورة، برأي البعض، هي سكن مناسب للجن والعفاريت، والذي ينتج عن الإيمان بوجودهم الاعتقاد بوجود أعمال سحر وشعوذة.

ويرجح هذا التفسير أن الاعتقاد بوجود السحر كان أشد ارتباطا بالمدن التاريخية، فمدينتا بهلاء ونزوى العمانيتان مرتبطتان بهذا الاعتقاد أشد مما هو عليه الحال في بقية المدن العمانية.

العامل الثاني يتمثل بالعمالة الأجنبية المتنوعة والمنتشرة في عمان، وهي على الأرجح مثلّت عاملا مساعدا لامتهان أعمال السحر والشعوذة، وخلقت فرص عمل لكثير من الدجالين من عدة بلدان عربية وإفريقية وآسيوية، أما العامل الثالث فيتمثل بالحالة المادية المتيسرة لدى المواطنين العُمانيين حيث ساعد وضعهم المادي على الإقبال على المشعوذين وبالتالي ازدهار مثل هذه الممارسات.

كل تلك العوامل، وربما عوامل أخرى تحتاج لبحث دقيق ومتخصص، أنتجت ثقافة من هذا النوع، وهي عوامل غاب بعضها عن بقية البلدان المجاورة، فقلّ انتشار مثل هذه الممارسات، فاليمن على سبيل المثال، تحوز مدنا تاريخية، غير أن غياب العمالة الأجنبية، إضافة إلى ضعف الحالة المادية لدى اليمنيين قلصا من تلك الممارسات.

أما بالنسبة لبقية الدول الخليجية فربما لا تمتلك مدنا تاريخية وأحياء مهجورة وقديمة بنفس القدر والقدم الذي حازته المدن العمانية، وخاصة مدينتي نزوى وبهلاء، كما لم ترتبط بحراك بشري وحضاري انعكس على مثل هذه الاعتقادات بنفس القدر الذي كان يتم في عُمان، مع ملاحظة أن المناطق التاريخية الخليجية الأخرى يسود فيها مثل هذا الاعتقاد.

بالإضافة إلى ذلك فإن العامل الديني مثّل أرضية مناسبة للاعتقاد بوجود السحر وفاعليته، ومن ثم ممارسته في بعض البلدان، فمعظم المسلمين يؤمنون بالسحر، وقد تحدثت آيات في القرآن الكريم عن أثر السحر على الحواس كقوله تعالى: (فلما ألقوا سحروا أعين الناس) وتأثيره أيضا على المشاعر كقوله تعالى: (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه).

وبعيدا عن الآراء الأخرى التي لا تؤمن بفاعلية السحر، ولها تأويلات في هذا الباب، إلا أن وجود السحر والجن كمفهوم ديني أسهم بانتشار الأساطير والحكايات التي تتحدث عن ممارسة السحر في عدد من المدن والبلدان العربية.

اعتقاد غير صحيح

في حين يعتقد البعض بانتشار السحر والشعوذة في عُمان، يؤكد آخرون أن هذا الاعتقاد غير صحيح، يقول المواطن العماني بدر الحارثي، في حديث مع "الاستقلال" إن السحر في عمان موجود بنفس القدر الذي يوجد في البلدان الأخرى، و الحديث عن شيوع السحر في عُمان وانتشاره على نحو واسع اعتقاد غير صحيح، هناك حديث عن هذا الأمر، لكنه غير صحيح، وهي شائعات يتلقفها الناس وينشرونها.

وأعرب عن اعتقاده بأن الترويج لهذه الشائعات يعود لعوامل عدة: أهمها أن الناس يحبون سماع مثل هذه الحكايات والأساطير التي تحمل ألغازا وحبكات ودراما، وخصوصا إذا تضمنت القصة ما يشبه الدلالات على وجود بيئة تساعد على انتشار السحر، فالإنسان يميل بطبيعة الحال للاستماع إليها، السبب الآخر أن هناك من يتكسب من هذه المهنة وخصوصا من العمالات الأجنبية الإفريقية بالذات، وبالتالي فإن هؤلاء الدجالين أحد أسباب انتشار مثل تلك الاعتقادات.

وأضاف الحارثي: هناك البعض يعملون كسماسرة للمشعوذين، وخصوصا من أصحاب سيارات الأجرة الذين يستهدفون الزوار وخاصة من دول الخليج ، وهذا بدوره أسهم بانتشار مثل ذلك الاعتقاد، لافتا إلى أنه يفترض أن العلم وتطوره يسهم بتراجع مثل هذه الاعتقادات، لكني أستغرب وأتساءل لماذا يتزايد الاعتقاد عند البعض بوجود السحر في سلطنة عُمان وانتشاره، في نفس الوقت الذي يتزايد فيه العلم وتتقدم فيه التكنولوجيا؟  

في ختام التصريح سألت "الاستقلال" بدر الحارثي، ممازِحة، إن كان للسحر في عُمان علاقة بقدرتها على الحياد وتجنب الوقوع في أزمات مع الأطراف المتصارعة، وهما أمران شاعا عن السلطنة أي (السحر والحياد السياسي)، غير أن هذا السؤال ربما تكون الأروقة الدبلوماسية أقدر على الإجابة عليه.